المؤسسة السودانية.. من الطقوسية الى الانهيار (4/5).. احتضار مؤسسة الانقلاب العسكري
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
mbakri9@gmail.com
في هذا الجزء الرابع من المقال أود أن اتابع ترسيخ زعمي أن مستقبل الانقلاب العسكري في السودان كجزء مركزي من الترتيبات المؤسسية قد انتهى، وربما يكون ذلك فاتحة لترتيبات مؤسسية جديدة. أشرت في بداية المقال الثالث للحقائق التالية:
1- أن معظم عمر المؤسسة السودانية حكم تحت الشق الانقلابي للمؤسسة السودانية.
2- فض اعتصام القيادة العامة كان في الأصل محاولة انقلاب فاشلة.
3- انقلاب أكتوبر 2021 كان ايضا انقلابا فاشلا عجز حتى عن تعيين حكومته واكتفى بتلفيقات من النظام الذي أنقلب عليه.
4- ما يحدث منذ 15 أبريل 2023 ولا يزال يجرى أمامنا هو محاولة انقلاب أخرى بغض النظر عمن أطلق الرصاصة الأولى. بغض النظر عن شراسته، فهو انقلاب وقع بين وحدات عسكرية معترف بها من قبل المنظمة العسكرية. ما يحدث الآن ليس حرب أهلية -رغم انه قد يتحول الى حروب أهلية،
ما يحدث الآن هو بلوغ مؤسسة الانقلاب قمتها ومن ثم انحدارها نحو الفناء كترتيب مؤسسي لم يعد قادرا على تلبية حاجات الانظمة التي تقوم عليها المؤسسة السودانية.
اشرت أيضا لتحول الدولة تحت ظل حكم الانقلاب العسكري لسنوات طويلة الى دولة الكاسرة Predatory State وعرضت سمات الدولة الكاسرة وتحول المؤسسة السودانية تحت ظلها الى مؤسسة طقوسية وقدمت تعريف للطقوسية في بداية الجزء الثالث. حاولت أن اؤكد انها دولة تعمل دون أن تشعر على تحطيم الاسس القيمية والتقاليد التي قامت عليها المؤسسة نفسها. عندها تتحول المؤسسة الطقوسية الى قوقعة فارغة ومع ثمة تسير خطوات نحو الانهيار.
في هذا الجزء الرابع أود أن أعرض للجانب المشرق من المؤسسة السودانية واحتماله والذي ربما يكمن فيه أمل الخروج بترتيبات مؤسسية جوهرها الديمقراطية تنقذ السودان من المصير المظلم للمؤسسة الطقوسية.
حتى في أحلك ايام تجربة التعددية الاولى 1954-1958، وهي تجربة كالحة إذا قرأت عنها بدقة ورأيت تحول النواب من جهة الى جهة كالقطيع وقرأت ارشيف الصحف اليومية في السنتين الاخرتين فقط. رغم كل هذا كان هنالك من كان يؤمن حقيقة بالديمقراطية والنظام التعددي بين النواب والناخبين، وبعضهم تمرد على تياره الحزبي والفكري. وايضا في تجربة الديمقراطية الثانية 1964-1969 كان هنالك من كان يؤمن حقيقة بالتعددية واحترامها واحترام الفصل بين السلطات، ووقف ضد ارادة حزبه، ومضابط البرلمان تشهد على اتجاهات التصويت والصحف والمقالات المنشورة. واستمر هذا التقليد حتى في برلمان 1986-1989، وهذا موثق ومحفوظ. هذا التيار وجد حتى بين التكنوقراط الذين خدموا الانقلابات العسكرية واحتلوا هذا أو ذاك المنصب الرفيع من مهندسين، وزراعيين، وحقوقيين. الخ. منهم من غسل يده بكل هدوء من المنصب وانزوى من الحياة العامة ونشد الخلاص الفردي ومنهم من اتخذ مواقف عنيفة ضد النظام الذي خدمه، ومنهم من كتب مذكرات إبراء الذمة. هؤلاء كانوا يوجدون في كل الاحزاب السودانية والتيارات الفكرية السودانية دون استثناء، كلها دون استثناء، بما في ذلك حزب الأمة، والاتحاديين، والشيوعيين، والاسلاميين. نعم، الاسلاميين، حتى يومنا هذا. هذا تيار وجود في الحياة السياسية السودانية، ولكن لم يستطع أن يتجذر بحيث يكّون الشق غير الرسمي للمؤسسة السودانية (الاخلاق والمفاهيم الغارة في افئدة أغلبية حاسمة كافية لتوليد مؤسسة جديدة تزيح المؤسسة القديمة ومن ثم تصدر الدستور المكتوب والمستقر في صدور أغلبية السكان ). ولكن رغم هزيمة هذا التيار لسنوات طويلة الا انه ظل موجودا كترتب مؤسسي خديج كامن. هذه المقدمة ضرورية للقول أن الاجيال الحالية من السودانيين لا تصدر من فراغ. الكثيرين في الماضي، ربما قطاع واسع إذا تحرينا الدقة، كان يبحث عن ترتبيات مؤسسية تنقذ هذه الأمة الوليدة، رغم الخيارات الخاطئة.
رغم هذا الفشل، كانت هنالك عمليات Processes تجرى في النظام المؤسسي السوداني على جانب من الخطورة وتضافرت في زحزحة مؤسسة الانقلاب نحو القبر، اعددها فيما يلي:
1- ممارسات الدولة الكاسرة Predatory State وانحدارها نحو الطقوسية أدت الى نتيجتين:
a) النتيجة الاولى هى إضعاف منابع النفوذ المؤسسي القديم (الطائفة، الأحزاب، النقابات، الجامعات، القضاء وهامش حرية المتعلمين بصفة عامة) الذي شكل النسيج القيمي للمؤسسة القديمة حين انطلاقها. تم إضعاف منابع النفوذ في المؤسسة القديمة تدريجا مع تحول المؤسسة خطوة خطوة نحو الطقوسية. إذا أخذنا الحركة النقابية على سبيل المثال، نجد أن دكتاتورية نميري رغم تضيّقها من حرية العمل النقابي الا انها اتخذت خطوة خجولة تجاه الطقوسية ولم تنحدر كليا الى طقوسية العمل النقابي. فقد كان سكرتبر إتحاد العمال في قمة سلطة مايو الى سقوطها عامل في ورشة البرادين ومن ثم انتقل ليعمل كسائق في مصلحة الجيلوجيا، هو المرحوم عبدالله نصر قناوي، عامل له تاريخ محترم لا يستهان به منذ تأسيس نضال نقابات عمال السودان وقد آمن هذا العامل بسلطة مايو وقد شهد له بنظافة اليد الى مماته.اهم من ذلك أن انتخابات نقابات العمال في عهده، كانت تتم حسب الاصول والقوانيين المرعية. نعم، قد حدث مرات ومرات اعتقال عمال مناهضين مرشحين محتملين لنفس منصبه قبل يومين او ثلاثة من انتخابات النقابة (قد حدث قبل شهر او شهرين احيانا). هذه خطوة تجاه الطقوسية وإتلاف لمصادر النفوذالمؤسسي. حين أتت سلطة جديدة من طاقم الانقلاب العسكري عام 1989 أتت بما هو ادهى وغير مسبوق في تحطيم منابع النفوذ المؤسسي فيما يتعلق بالعمل النقابي. ضمن الهندسة الاجتماعية التي إنتهجتها - بما في ذلك المشروع الحضاري وثورة التعليم - اتت ببدعة نقابة المنشأة والتي هي في تقديري انحدارا مريعا نحو الطقوسية، حيث صار رئيس اتحاد عمال السودان طبيب جراح مرموق تولي مناصب رفيعة في الدولة. هذا السلوك الطقوسي وإن حقق نجاحا مؤقتا الى انه ينخر كالسوس في أعمدة البيت ويشير لعجز المؤسسة القديمة وبعد الشقة بين ترتيباتها القديمة، التى ضمنت نوعا من الاستقرار، وواقع اليوم وتحولها الى الطقوسية. هذا يدفع قطاع واسع من السكان للكفر بمؤسسة الانقلاب والتلفت بحثا عن ترتيبات مؤسسية جديدة مثلما حدث في بزوغ تجمع المهنيين ولجان المقاومة.
b) من ممارسات الدولة الكاسرة المعروفة تحلل البنية الأساسية للمجتمع وانحدارها. يتمثل ذلك في تقلص المشاريع الكبرى وفقرها مثل تناقص اميال خطوط السكة الحديد وتضأل كفاءتها، انحدار خطوط الطيران الوطنية، تقزم المشاريع الزراعية الكبرى. قد تبدو هذه الأشياء المادية في ظاهرها بعيدة عن نسيج القيم المؤسسي. لكن الاستقرار والتنمية هو مقولة مؤسسة الانقلاب الأولى منذ زمن عبود، نميري الى نظام البشير. رؤية القطار في مواعيده وحركة المحاصيل عبر رافعات الميناء والطائرات الوطنية تحلق له أثر لا يمكن تجاهله في سردية المؤسسة ويبعث الأمل في قطاع واسع من السكان ويبعدهم من الفعل الاجتماعي ومحاولة صياغة الترتيبات المؤسسية. وبالعكس غياب كل ذلك، يجذب قطاعات واسعة من السكان الى الفعل المؤسسي.
2- العملية الثانية ذات الخطورة ذات شقين:
b) الشق الأول هو الزيادة المهولة في عدد السكان وانخفاض نسبة موت الأطفال في السودان. عندما سيطرت الدكتاتورية الأولى على الحكم كان تعداد السكان حوالي 7 مليون، عندما سيطرت الدكتاتورية الثانية كان تعداد سكان السودان حوالة 10 – 11 مليون، عندما سيطرت الدكتاتورية الثالثة كان تعداد السودان حوالي 20-21 مليون. عندما سقطت الدكتاتورية الثالثة كان تعداد السكان حوالي 44 مليون.
حين تم إطلاق مؤسسة الانقلاب بواسطة المرحوم الفريق عبود وتلقفها نظام المرحوم جعفر نميري كانت المؤسسة مصممة على عدد محدود من السكان في عهد مضى ومضت ظروفه وملابساته. تعداد سكان السودان الآن قفز الى 48 مليون. أضف الى ذلك أنه تعداد شاب (من سن 1 الى 24 سنة حوالي 63%، وحوالي 30% من الفيئة العمرية 25-54). لزيادة السكان وظهور الأجيال الجديدة أثره البالغ في الترتيبات المؤسسية حتى بالنسبة لمؤسسات بصفة عامة أحسن حالا من المؤسسة السودانية. ازدياد تعداد السكان يجلب معه عدم تعلم الثقافة التعاونية للمؤسسة الماثلة، والبطء في تعلم الثقة والالتزامات العامة، هذا بصفة عامة. في حالة مؤسسة الانقلاب السودانية أرى ما اسميه عدم الإذعان المؤسسي والتمرد عليه والتوق لترتيبات مؤسسية جديدة وقد ظهر ذلك جليا في الانتفاضة الممتدة منذ ديسمبر 2018 وابان مفاوضات الاتفاق الاطاري حتى اندلاع القتال في 15 أبريل 2023.
كانت أدوات التحكم والسيطرة محدودة، ولكن كانت الأدوات المناسبة لعدد السكان: محطة إذاعة واحدة لعقود، قناة تلفزيونية واحدة لعقود، صحف محدودة ولحد كبير تحت سيطرة مؤسسة الانقلاب.
وتضافر مع الزيادة السكانية المهولة عامل الثورة غير المسبوقة في الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي واثرها في الفعل المؤسسي فعوضت عاملا هاما ليقف ضد استمرارية الدولة الكاسرة وهو تعويض عامل الكادر البشري. لعل ذلك وضح منذ إنتفاضات سبتمبر 2013 وديسمبر 2018 وإعتصام القيادة والفيئة العمرية الشبابية الغالبة في الاختفاء القسري وفي مقاومة إنقلاب فض الاعتصام. في ظني أن لزيادة التعداد السكاني أثر مهول في التحولات المؤسسية.
اختم هذه الحلقة بملاحظة تدعو للتأمل حول أثر زيادة التعداد السكاني في التغيير المؤسسي. اذا نظرنا الى تعداد الافارقة الامريكان، مع عوامل أخرى، نجد أن الزيادة في التعداد لم تؤثر فقط في تحول تكتيكات حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، بل ساهمت في التغيير المؤسسي. عندما كانت حركة الحقوق المدنية في أمريكا تنتهج النضال القانوني بتسجيل العرائض والقضايا في المحاكم الولائية والفدرالية مثلا، كان تعداد السكان في وقت النظر في قضية Plessy v. Ferguson عام 1896المتعلقة بفصل البيض والسود في عربات القطار، والتي خسرها السود، لا يتجاوز 8 مليون، عندما انتصرت حركة الحقوق المدنية، بعد إنتهاجها الفعل السياسي المباشر، بصدور Civil Rights Act عام 1965 كان تعداد السكان الافارقة الامريكان عندها قد تجاوز 19 مليون، ذلك بارتفاع يفوق الضعف. ولكن هذا بالطبع ليس فقط نتيجة للزيادة الكمية في تعداد السكان، بل للإبداع المهول لهذا المكون السكاني في الفنون والاداب والموسيقي والسياسة.
ونحن حرى بنا أن نحمد الله فقد بلغ شبابنا شأوا عظيما في صناعة السينما والتشكيل والشعر والرواية ولكن للأسف لا تزال الطقوسية تمسك بتلابيب مؤسستنا وعندما تستشري الطقوسية في مؤسسة ما فهذا يعني الانهيار، كما حاولت أن ابين في الحلقة الاولى من هذه السلسة، فهي تعيق التعاون المؤسسي بل تعيق أنبثاق مؤسسة جديدة.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤسسة السودانیة الانقلاب العسکری من السکان
إقرأ أيضاً:
ما أسباب وتداعيات محاولات الانقلاب المتكررة في بوركينافاسو؟
جاءت محاولة الانقلاب الجديدة في بوركينافاسو، لتثير التساؤلات من جديد حول أسباب تعدد هذه المحاولات في فترة وجيزة والتداعيات المتوقعة في البلاد، بعدما وصف المجلس العسكري الحاكم المحاولة الانقلابية بأنها "مؤامرة كبرى قيد الإعداد وتهدف إلى نشر فوضى شاملة".
وقال وزير الأمن في الحكومة الانتقالية محمدو سانا في بيان عبر التلفزيون الرسمي: "العمل الدقيق الذي قامت به أجهزة الاستخبارات، كشف عن مؤامرة كبرى يجري الإعداد لها ضد البلاد والهدف منها هو زرع الفوضى الشاملة".
وأشار إلى أن العقول المدبرة للمحاولة الانقلابية توجد خارج البلاد، خصوصا في ساحل العاج" مضيفا أن هذه المحاولة الانقلابية كانت ستؤدي وفقا لخطة من سماه "الإرهابيين" إلى هجوم على رئاسة بوركينا فاسو، من قبل مجموعة من الجنود جندهم أعداء الأمة".
وعلى ضوء ذلك، شن المجلس العسكري الحاكم حملة اعتقالات طالت عددا من الضباط، فيما أقال آخرين، بتهمة أنهم على صلة بمخططي المحاولة الانقلابية الفاشلة.
ومن بين الضباط الكبار الذين تم اعتقالهم إثر محاولة الانقلاب، القائد السابق للقضاء العسكري العقيد فريديريك ويدراغو، الذي كان يحقق مع قيادات عسكرية متهمة بمحاولة الإطاحة بالنظام في عام 2023.
كما اعتقل أيضا النقيب إليزيه تاسيمبيدو قائد مجموعة المنطقة العسكرية الشمالية، حيث كان موجودا في العاصمة واغادوغو لحضور اجتماع أمني رفيع.
ووفق تقارير إعلامية فإنه ومنذ وصول إبراهيم تراوري إلى السلطة، زادت في بوركينافاسو عمليات الاعتقالات وبخاصة بحقّ مدنيّين يُعتبرون مناهضين للمجلس العسكري وجنود يتّهمهم النظام بالتآمر ضدّه.
محاولات انقلابية متعددة
ومنذ وصول النقيب إبراهيم تراوري إلى السلطة، إثر انقلاب عسكري في سبتمبر 2022، أعلن نظامه في مناسبات عدة عن إحباط محاولات انقلابية تستهدف الإطاحة به.
فقد عرفت البلاد منذ العام 2022 خمس محاولات انقلابية من بينها ثلاث محاولات انقلابية في العام 2024 حيث تعتبر بوركينافاسو من الدول الأفريقية الأكثر عرضة للانقلابات العسكرية نظرا لتنافس كبار الضباط في الوصول إلى السلطة عبر الانقلابات.
وفي هذا الإطار يرى عدد من المتابعين وخبراء الشأن الأفريقي أن كثرة المحاولات الانقلابية في هذا البلد الغرب افريقي باتت لافتة للانتباه، خصوصا أن مثل هذه المحاولات الانقلابية لم تحصل في مالي ولا في النيجر المجاورتين واللتين يحكمهما قادة عسكريون وصلوا السلطة بشكل مشابه لما حصل في بوركينافاسو.
ويرى الخبير المختص في الشأن الأفريقي، محفوظ ولد السالك، أن تكرار المحاولات الانقلابية في بوركينافاسو "يثير أسئلة حقيقية بشأن استهداف نظام تراوري دون غيره، وبشأن فشل جميع المحاولات كذلك".
وأضح ولد السالك في تصريح لـ"عربي21" أن هذا الأمر سبق أن شكك فيه السياسي المالي عيسى كاو نجيم في نوفمبر 2024، وتم اعتقاله بشكوى من سلطات بوركينا فاسو.
انقسامات بالمؤسسة العسكرية
وقال ولد السالك إن تكرار المحاولات الانقلابية وتمكن المجلس العسكري في الوقت نفسه من إحباطها بات يشي بأن المؤسسة العسكرية في بوركينا فاسو ربما تشهد انقسامات وخلافات بشأن استمرار تراوري في السلطة.
ورأى أن هناك أسبابا عديدة قد تكون وراء المحاولات الانقلابية، أولها "تمسك تراوري بالبقاء في السلطة، بعد أن وعد بأنه سيمكث فقط أشهرا قليلة، وهذا قد يكون مثار إزعاج لأصحاب الرتب العليا في الجيش، فبعد أن أمضى أزيد من عامين رئيسا تم تمديد رئاسته لخمس سنوات كذلك".
وأوضح ولد السالك أن العامل الثاني ربما يكون هو "كثرة خلق العداوات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يكثر فرص عدم الاستقرار السياسي، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من عدم استقرار أمني منذ 10 سنوات، وهذا يجعل الرئيس الشاب الذي لا تجربة لديه في الحكم ولا في السياسة، يجد صعوبة في مسايرة وقع الأزمات خصوصا وأن رؤى وتصورات البناء لديه محصورة فقط في القطيعة مع الغرب، والعزف على وتر المظلومية من طرف الاستعمار السابق".
هل من دور للقوى الإقليمية والدولية؟
بالرغم من التوتر الحاصل في علاقات بلدان كونفدرالية الساحل بما فيها بوركينافاسو، مع بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" والغرب خصوصا فرنسا، إلا متابعين يستبعدون أن يكون هناك دعم مباشر للمحاولات الانقلابية ببوركينافاسو، فيما يرى البعض أنه لا يمكن فصل ما حدث عن الصراع الإقليمي والدولي الحاصل.
وفي هذا السياق استبعد الخبير في الشؤون الأفريقية محفوظ ولد السالك، في حديث لـ"عربي21" أن تكون هناك قوى إقليمية وراء مسعى الإطاحة بتراوري.
ولفت إلى أن السياق الإقليمي العام يتسم بالانفراج والتصالح مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، "إذ أنه لأول مرة منذ انسحاب البلدان الثلاثة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، تحتضن أكرا قمة تجمع بين بلدان سيدياو (إيكواس) وتحالف الساحل الذي يضم الدول الثلاث، من أجل خفض التوتر وبحث فرص التعاون".
وأضاف: "كل ما في الأمر بالنسبة لي أن حدود بوركينافاسو مع كوت ديفوار(ساحل العاج) ليست مستقرة أمنيا، وبالرغم من أن موقف البلاد لم يتصالح بعد مع الانقلابات العسكرية إلا أنه لم يعد بذلك التشدد والصرامة، وبالتالي لا أعتقد أن ثمة دعم للمحاولات الانقلابية هذه".
في المقابل يرى المحلل السياسي المتابع للشأن الأفريقي، الولي سيدي سيدي هيبه، أنه لا يمكن فصل هذه المحاولة الانقلابية عن الصراع الإقليمي والدولي في منطقة الساحل الافريقي.
وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "منطقة الساحل بشكل عام تعيش حالة استثنائية وتعتبر منطقة صراع دولي وإقليمي، وبالتالي لا يمكن فهم تكرر المحاولات الانقلابية في بوركينافاسو خارج السياق الحالي في الساحل وهو سياق صراع الهيمنة الروسي الغربي".
واعتبر أن بوركينافاسو، ستكون على موعد مع محاولات انقلابية أخرى ما دامت الظروف الحالية قائمة، مضيفا أن روسيا بدأت تكسب نفوذا في المنطقة على حساب فرنسا والأوروبيين.
وفي الوقت الذي يعرف فيه نفوذ فرنسا في الساحل الأفريقي ما يشبه انتكاسة، استغلت روسيا الوضع من خلال حضور عسكري واقتصادي لافت.
تداعيات متوقعة
ويرى متابعون للشأن الأفريقي أن هذه المحاولة الانقلابية ستكون لها تداعيات من بينها "استغلال الجماعات المسلحة لهذه الأوضاع وتكثيف هجماتها ضد الجيش والمدنيين.
وأشار ولد السالك إلى أن أجواء عدم الاستقرار السياسي ومحاولات الإطاحة بالأنظمة الحاكمة، تؤثر على البلدان التي تشهدها وعلى المنطقة بشكل عام.
ولفت إلى أنه على الصعيد الداخلي "تستغل الجماعات المسلحة الفرصة لتعزيز حضورها والسعي للسيطرة على المزيد من المناطق، وتكثيف الهجمات ضد الجيش والمدنيين، بحيث تشكل عامل ضغط مساعدا على التجييش الداخلي ضد النظام، وإظهار أنه غير قادر على مواجهة التحديات المحدقة بالبلاد".
وأضاف أنه على الصعيد الإقليمي "قد يدفع الأمر بعسكريين آخرين لتنفيذ محاولات أخرى ضد أنظمة سياسية مدنية، كما سبق أن حصل في السنوات الماضية ببعض دول القارة، فضلا عن توتير العلاقات بين الدول جراء تبادل الاتهامات".
وشهدت القارة الأفريقية منذ العام 2012 نحو 46 انقلابا أو محاولة انقلابية على السلطة، وذلك بمعدل 4 انقلابات أو محاولة انقلابية في العام تقريبا، فيما تشير بعض الإحصاءات على أن الانقلابات في أفريقيا شكلت ما يقرب من 36% من جميع الانقلابات على مستوى العالم، وغالبية هذه الانقلابات في بلدان منطقة غرب افريقيا التي تضم، بوركينافاسو ومالي والنيجر، وبنين، والرأس الأخضر وغامبيا وغانا وغينيا وغينيا بيساو وساحل العاج وليبيريا ونيجيريا وموريتانيا والسنغال وسيراليون وتوغو.