نستطيع أن نتفهم أن يختار بعض المثقفين مساندة الجيش في هذه الحرب بناء على تقديرات أن الجيش على علاته أخف الضررين، لكن ما لا قبل لنا بفهمه مطلقاً هو التماهي التام مع سردية الكيزان المضللة حول الحرب وتنصلهم عن مسؤولية إشعالها وفي ذات الوقت إصرارهم على استمرارها وتوسيعها!
لا يمكن في سياق كالذي نحن فيه أن يردد مثقف مستقل صباح مساء اسطوانة أن القحاتة هم سبب الحرب وهم المسؤولين عن إشعالها ولا يكتفي بالردحي: قحت قحت قحت قحت، القحاتة القحاتة القحاتة! بل في ذات الوقت الذي يسلخ فيه جلد النملة ليربط بين القحاتة والحرب ينسى أو يتناسى أن هذه الحرب عندما اندلعت كانت البلاد تحت حكم انقلاب عسكري وليست تحت حكم قحت التي لا تملك جيشاً ولا كتائب لتشعل بها حربا! أما أكذوبة الكيزان اللزجة التي تقول إن قحت أشعلت الحرب باستخدام جناحها العسكري ممثلاً في الدعم السريع فلا نملك ازاءها سوى التندر المصحوب بسؤال منطقي وهو إذا كان الدعم السريع تمرد على من صنعوه وسلحوه ودربوه ووضعهم تحت حذائه فما الذي يجعله يرفع قحت فوق رأسه ويأتمر بأمرها في أمر جلل كالحرب ويصبح جناحاً عسكرياً لها؟! وبالإضافة لذلك تجد هذا المثقف “يعمل رايح” من كتائب البراء بن مالك وقناة طيبة (الخبيثة)، و”يعمل رايح” من عمالة الكيزان التي أفقدت البلاد مناعتها الوطنية منذ التسعينات حتى الآن! ويستنكر مجرد ربط هذه الحرب بهم في مغالطة مفضوحة للوقائع والحقائق التي أصبحت في حكم البداهات!
مليشيات الكيزان تقاتل
أبواق الكيزان الإعلامية تدق طبول الحرب والاستنفار
الولايات المتحدة الأمريكية تفرض العقوبات على قيادات الحركة الاسلامية بوصفهم معرقلين للسلام
المواطنون والقوى السياسية والمجتمعية المسؤولة تنادي بإيقاف الحرب بينما يجرم الكيزان خيار السلام!
ويمضي هذا المثقف فراسخ في الضلال عندما لا يحصر سبب مناصرته للجيش في الخوف من سيطرة الدعم السريع على البلاد بل يردد بلا حياء أكاذيب الكيزان ممثلة في أن كل من قال لا للحرب ودعا لحل سياسي تفاوضي هو حليف للمليشيا وخائن وعميل!! يجند نفسه في محاكم التفتيش الكيزانية ويوزع صكوك الوطنية ويسحبها وفق معايير علي كرتي وأحمد هارون! ويتماهى مع أي كذبة كيزانية بلقاء ضد خصومهم مثل كذبة أن القوى السياسية لم تدن انتهاكات الدعم السريع! الكذبة التي من فرط تكرارها كادت أن تتحول إلى حقيقة! القوى السياسية المناهضة للحرب أدانت انتهاكات الدعم السريع وانتهاكات الجيش ولكن الكيزان يريدون حصر الإدانة في طرف واحد فلماذا يتماهى معهم المثقف المأزوم ويستهلك نفسه في تسفيه وتخوين دعاة السلام واضفاء مشروعية وطنية وأخلاقية على استمرار حرب يتبرأ منها حتى ضباط الجيش وجنوده أنفسهم إما عبر التصويت بأقدامهم هرباً من ميادين القتال وإما عبر التسجيلات المبثوثة لضباط يشهدون بعدم علمهم بهذه الحرب وأن قرارها صدر خارج الجيش ولذلك وقع المفتش العام للجيش في الأسر وهو في طريقه إلى مكتبه!
وبعد كل هذه القرائن يستنكر ذلك المثقف المأزوم وصفه بالمثقف النافع للكيزان؟!
بماذا نصفه إذن؟!
إذا كان هذا المثقف كما يزعم يرغب في استئصال المليشيا بواسطة الجيش حرصاً على الدولة ومن ثم ينخرط في مقاومة الاستبداد الحتمي الذي سيعقب انتصار الجيش، ومؤكد سيكون استبدادا كيزانيا كامل الدسم، فهل يعقل أن ينخرط هذا المثقف من الآن في معركة ضد خصوم الكيزان من القوى السياسية ويساند الكيزان في طردهم معنوياً خارج دائرة المشروعية الوطنية! المنطقي هو أن يكتفي هذا المثقف بتصويب لعناته إلى الجنجويد وفي سياق استعداده لمقاومة الاستبداد المؤكد الذي سيعقب الحرب عليه أن لا يهاجم المدنيين العزل الذين حتماً سيكونون رفاقه في زنازين الكيزان مستقبلا بعد انتصار الجيش لا أن يجعلهم خصومه واعداءه استنادا إلى سرديات الكيزان الكذوبة!!
اللهم إلا إذا كان هذا المثقف يريد حجز مقاعد آمنة في الاستبداد المقبل!!
الحملة الشرسة ضد كل القوى المدنية المناهضة للحرب والمنادية بالتحول الديمقراطي والتي تفوق في عنفها اللفظي الحملة الموجهة للجنجويد أنفسهم لا يمكن فهمها من مثقف ديمقراطي مستقل! ولكنها مفهومة جداً من الكيزان لأن حربهم هذه هدفها العودة إلى السلطة وتنظيف الملعب السياسي من أي كيانات سياسية ترفع راية الديمقراطية، فالقوى المدنية الديمقراطية وليس الدعم السريع هي الخصم الاستراتيجي للكيزان الذين تنحصر مشكلتهم مع الدعم السريع فقط في رفضه القبول بوضعية الشريك الأصغر في السلطة ودور الحارس الأمين لاستبدادهم، وليست مشكلتهم معه هي الحرص على كيان الدولة ورفض وجود مليشيات موازية للجيش القومي كما يردد مثقفوهم النافعون!
الكيزان الآن منخرطون جدياً في تفكيك ما تبقى من الجيش تحت شعار المقاومة الشعبية في الظاهر، أما في الباطن فيرغبون في استبدال الجيش تماما بمليشياتهم أي جنجويدهم الإسلامي!
الكيزان تنظيم اخطبوطي، نجح في اختراق كل الدوائر المغلقة والمفتوحة في المجال العام، الدوائر الحساسة في مجال احتكار السلطة كالجيش والشرطة والأمن كان لها نصيب الأسد من الاختراق بل من الاحتلال الكيزاني والسيطرة شبه التامة، وشمل الاختراق كذلك الأحزاب، والتحالفات، ومنظمات المجتمع المدني، والحركات المسلحة، والصحفيين، والمثقفين وحتى روابط الملحدين لهم فيها نصيب وأخيراً لجان المقاومة والتنظيمات الثورية بعد الثورة!!
لماذا فعلوا ذلك؟ بهدف السيطرة الكاملة على المجتمع عبر إضعافه وتقسيمه والتحكم في كل مفاصله فماذا كانت النتيجة؟
النتيجة أن السموم التي حقنوا بها شرايين الشعب السوداني ارتدت عليهم!
جيشهم انهار أمام مليشيا صنعوها هم لقمع خصومهم والقتال بالوكالة عن جيشهم!
بعد انهيار الجيش يتصايحون الآن بالمقاومة الشعبية! يطالبون الشعب الذي جوعوه وأفقروه ونهبوه ثلاثين عاماً أن يحمل السلاح دفاعاً عن عرضه! بكل بجاحة الدنيا يتحدثون عن انتهاك الأعراض وهم أصحاب بدعة أخصائي الاغتصاب! هكذا عرف ذلك الأمنجي نفسه في محاكمة قتلة الشهيد أحمد الخير فعلم دافع الضرائب السوداني لأول مرة أنه يدفع مرتباً لهكذا وظيفة في العهد الإسلامي الميمون!!
شرطتهم وأبو طيرة وأبو سجم وأبو رماد كووووولها فص ملح وذاب! ولا ندري هل هي مشمولة في الاستنفار لمعركة الكرامة أم لا!
جهاز أمنهم تفرق أيدي سبأ في سوق النخاسة المخابراتية الدولية والإقليمية!
صحفيوهم والمثقفون النافعون لهم رغم كل معارفهم الرفيعة ومهاراتهم في الأكروبات الكتابية والبيانية تحولوا إلى أضحوكة حتى وسط من كانوا تلاميذ لهم! لسبب بسيط هو أن الباطل لجلج مهما تفنن المحامون العظام في الدفاع عنه!
المواطن البسيط وبطريقة عفوية يلخص كامل مشروعهم الفكري والسياسي عندما يقول ابن عمي فلان كوز ويستدرك سريعاً “لكن والله العظيم ما حرامي”!
الإمارات التي يولولون منها الآن دخلت إلى الشأن السوداني من بوابة جهاز أمنهم وأجهزتهم السيادية والمليشيا التي صنعوها والمزروعة بعناصرهم الأمنية والعسكرية (طبعاً المثقفين النافعين عاملين رايحين من كل ذلك)
المآلات البائسة لمشروع الكيزان رغم كل خبثهم ومكرهم ومهاراتهم المحصورة في الهدم والتخريب وأذية الشعب يجب أن تدفعنا للرهان أكثر على الخلايا الحية للمناعة الوطنية في الشعب السوداني، وهذه الخلايا رغم جبروت الوباء ستزداد وتنجح في تحقيق انتصار الشعب السوداني وما انتصار الشعب إلا في إيقاف الحرب وتحقيق السلام على قاعدة مشروع للتحول الديمقراطي يستعيد جذوة الثورة وأهدافها الخالدة حرية سلام وعدالة.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة الدعم السریع هذا المثقف هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
الحركة الشعبية والدعم السريع- رؤى متضاربة وصراع المصير
زهير عثمان
تشهد الساحة السودانية تصاعداً في تعقيد الصراعات السياسية والعسكرية، حيث تُعتبر الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وقوات الدعم السريع فاعلين رئيسيين في المشهد السوداني. ورغم اختلاف أهدافهما وسياقاتهما، يتشاركان النفوذ العسكري والسياسي. يُثير هذا التساؤل حول مصير البلاد إذا ما قررت الحركة الشعبية إعلان حكومة في مناطق نفوذها، وما قد يعنيه ذلك على المستويين الداخلي والإقليمي.
الفروق الأساسية بين الحركة الشعبية والدعم السريع
الأيديولوجيا والأهداف
الحركة الشعبية لتحرير السودان , تعتمد الحركة على رؤية سياسية واضحة تُعرف بـ"السودان الجديد"، التي تسعى لإعادة تشكيل الدولة السودانية على أسس المواطنة والمساواة واحترام التنوع. تهدف إلى إنهاء التهميش التاريخي لمناطق مثل جبال النوبة والنيل الأزرق.
الدعم السريع وطرحه نعلم انها تفتقر قوات الدعم السريع إلى أيديولوجيا متماسكة أو رؤية سياسية طويلة المدى. يُنظر إليها كقوة عسكرية تهدف إلى تعزيز نفوذ قيادتها، وعلى رأسها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مع التركيز على تحقيق مكاسب تكتيكية بدلاً من طرح مشروع وطني شامل.
القاعدة الشعبية والجغرافية
الحركة الشعبية اسست والان تمتلك قاعدة شعبية راسخة في المناطق المهمشة مثل جبال النوبة والنيل الأزرق، وتطرح نفسها كممثل للمهمشين والمظلومين في السودان.
الدعم السريع قاعدته الأساسية في دارفور مع توسع نفوذها إلى مناطق أخرى، لكنها تُعتبر أكثر ارتباطاً بالبُنى القبلية والمصالح الاقتصادية لقادتها.
الشرعية والممارسات
الحركة الشعبية بالرغم تعرضها لانتقادات في قضايا كثيرة مثل علمانية الحكم والحقوق المدنية ، إلا أنها تُعتبر فاعلاً سياسياً مشروعاً يسعى إلى تغيير بنية الدولة السودانية.
الدعم السريع يواجه انتقادات شديدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان واعتمادها على القوة العسكرية المفرطة في حروبها كلها .
إعلان حكومة من قبل الحركة الشعبية: السيناريوهات والتداعيات
الأثر على وحدة السودان
إعلان حكومة في مناطق نفوذ الحركة الشعبية سيُعيد إلى الأذهان تجربة جنوب السودان. قد يُعزز ذلك الشعور بانعدام الثقة بين الأطراف السودانية المختلفة، ويُؤدي إلى مزيد من الاستقطاب.
التحديات الداخلية
الاعتراف الدولي أول ما ستواجه الحركة تحدياً كبيراً في الحصول على اعتراف دولي بحكومتها.
الخدمات والبنية التحتية: تعتمد هذه المناطق على المركز في تقديم الخدمات، ما يعني أن إعلان حكومة سيضع عبئاً هائلاً على موارد الحركة.
التداعيات الإقليمية
التدخل الإقليمي وقد يدفع إعلان حكومة دول الجوار مثل إثيوبيا وجنوب السودان إلى اتخاذ مواقف متباينة، بناءً على مصالحها.
التوازنات الجيوسياسية سيُربك ذلك حسابات القوى الدولية والإقليمية لفترة وخاصة التي تسعى لاستقرار السودان.
مقارنة مع تجربة الدعم السريع
إذا كانت قوات الدعم السريع تُركز على تثبيت نفوذها داخل النظام الحالي، فإن الحركة الشعبية قد تسعى لتأسيس كيان مستقل تماماً. الفرق الجوهري هو أن الدعم السريع لا يمتلك مشروعاً سياسياً متكاملاً، بينما للحركة الشعبية رؤية تتجاوز حدود السلاح.
وفي حال أعلنت الحركة الشعبية حكومة في مناطق نفوذها، سيشكل ذلك تحولاً جذرياً في المشهد السياسي السوداني. بينما تظل احتمالات نجاحها مرتبطة بقدرتها على كسب الاعتراف الدولي والتعامل مع تحديات داخلية معقدة. ومع ذلك، يبقى الحل الأمثل هو السعي نحو تسوية سياسية شاملة تُعالج جذور الأزمات السودانية وتجنب البلاد سيناريوهات التفكك والمزيد من الصراع.
zuhair.osman@aol.com