تربط سلطنة عُمان بجمهوريتَي سنغافورة والهند علاقات تاريخيَّة وطيدة، عزَّزتها زيارتا الدَّولة اللَّتان قام بهما جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ لكُلٍّ من سنغافورة والهند لِتوثيقِ هذه العلاقات وترسيخها في جميع المجالات. فكما عَبَرَت سفينة (جوهرة مسقط) وغيرها من السُّفن العُمانيَّة البحار والمحيطات في الماضي لِنَشرِ الدِّين ونقل البضائع العُمانيَّة كالتَّمر والليمون وغيرهما لسنغافورة والهند ودوَل شرق آسيا، فإنَّ طائر السَّلام (نزوى) حطَّ رحاله في الدَّولتيْنِ لمدِّ جسور التواصل وتعزيز الصداقة والتعاون التاريخي معهما.

وقَدْ شهدت العلاقات الثنائيَّة بَيْنَ عُمان وسنغافورة، في السنوات الماضية، حراكًا مختلفًا، وكذلك مع الهند، ويسعى جلالة السُّلطان المُعظَّم من هاتَيْنِ الزيارتَيْنِ لِتعظيمِ الاستفادة من هذه العلاقات على مختلف المستويات والمجالات، خصوصًا وأنَّ التجارة البَيْنيَّة سجَّلت ارتفاعًا ملحوظًا. فشارع مسقط في منطقة «كامبونج جلام» وجوهرة مسقط شاهدا عيان على قوَّة العلاقات التاريخيَّة بَيْنَ مسقط وسنغافورة، وغدًا سيُفتتح في مدينة السُّلطان هيثم شارع سنغافورة؛ تأكيدًا على أهمِّية الزيارة الَّتي تُعدُّ الأولى لسلطان عُمان لهذا الدَّولة الصَّديقة والَّتي أطلقت مرحلة جديدة من التعاون بَيْنَ البلدَيْنِ والشَّعبيْنِ الصَّديقَيْنِ. فزيارة جلالة السُّلطان إلى سنغافورة والهند، سيكُونُ لهما الأثر الإيجابي الكبير في تعزيز الشراكات والتعاون في مختلف القِطاعات، خصوصًا في مجالات الطَّاقة المُتجدِّدة والأمن الغذائي والاقتصاد الرَّقمي والتجارة الإلكترونيَّة والصناعات اللوجستيَّة والنقل البحري؛ كون هذيْنِ البَلدَيْنِ يقعان على المحيط الهندي. وبالأمس كان التوجُّه أوروبيًّا وغربيًّا، أمَّا اليوم فإنَّ التوجُّه آسيوي سيُعزِّز العلاقات مع القوى الآسيويَّة الكبرى والصناعيَّة، وهو ما تماشى مع سياسة سلطنة عُمان ورؤيتها المُتجدِّدة 2040 من خلال توسيع شراكاتها السِّياسيَّة والاقتصاديَّة الدوليَّة مع مختلف القارَّات والدوَل لتنويعِ اقتصادها، وإيجاد مداخل أخرى تدعم الموازنة العامَّة للدَّولة بدلًا عن النفط والغاز. فطريق الحرير التاريخي بدءًا من عُمان مرورًا بالعديد من الدوَل في إفريقيا وآسيا، واليوم وبتوجيهات من القيادة الحكيمة تشهد عُمان حراكًا سياسيًّا وتجاريًّا وثقافيًّا عَبْرَ موانئها الَّتي كانت مصدر إلهام لترابط مسقط مع العالَم الخارجي القديم والحديث، وهو ما يعكس توجُّه سلطنة عُمان لتنويعِ اقتصادها، وتكُونُ لها بصمة في المشهد الاقتصادي العالَمي من خلال موقعها الاستراتيجي الحيوي ذي الأهمِّية البارزة. ومن هنا تُعدُّ زيارة دَولة لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم لجمهوريتَي سنغافورة والهند من الزيارات المُهمَّة، ونقلة نوعيَّة في كافَّة المجالات، وستُمثِّل هذه الزيارة التاريخيَّة علامة فارقة، وعلينا الاستفادة ممَّا تتيحه اتفاقيَّة التجارة الحُرَّة بَيْنَ دوَل مجلس التعاون لدوَل الخليج العربيَّة وجمهوريَّة سنغافورة وما يصاحب هذه الاتفاقيَّة من مزايا مُتعدِّدة، فطائر السَّلام «نزوى» حطَّ في سنغافورة والهند، وغدًا سيتوجَّه هذا الطائر الميمون صوب الصين وكوريا واليابان وباكستان وأستراليا وكازاخستان، وغيرها من دوَل شرق ووسط آسيا؛ لِمَا لهذه الدوَل من ثقل ومزايا اقتصاديَّة وعلاقات طيِّبة مع سلطنة عُمان.. والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا
batamira@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ی سنغافورة والهند مختلف ا

إقرأ أيضاً:

وصية المخدوم الأعظم سلطان بن مسعود بن سلطان

تُعَدُّ الوصايا من بين أكثر أصناف الوثائق انتشارًا في التراث الوثائقي العماني، ولعل ما رأيناه من أمثلة سابقة في هذه السلسلة إنما هو من المنقول منها في كتب الفقه في سياق استفتاء الفقهاء عمّا ورد فيها وما يثبت منها وما لا يثبت. أما السواد الأعظم من الوصايا الباقية فهي محفوظة ضمن المجموعات الوثائقية الخاصة، لكنها لا تتعدى في الغالب من حيث تأريخها القرون الثلاثة الأخيرة. ومن بين الأمثلة على المنقول من الوصايا القديمة وصية مشحونة بالعجيب من الموصى به، مثيرة للاهتمام، محفِّزة للبحث والسؤال، وهي وصية نُقِلت في بعض مخطوطات كتاب (بيان الشرع)، مما زِيدَ على الكتاب. وهي وصية سلطان بن مسعود بن عدي بن شاذان، وهو فيما يظهر من أمراء بني صلت الذين كانت لهم زعامة خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين، وآثار معقلهم ومقبرتهم باقية في ناحية من وادي بني خروص.

وقد جاء في النص المنقول أن الوصية عُرِضت على الفقيه أحمد بن مدّاد (ق10هـ) وهي بخط الفقيه محمد بن عبدالسلام، من فقهاء النصف الثاني من القرن التاسع وأول القرن العاشر الهجري، ومن تلامذة الفقيه صالح بن وضّاح المنحي (ت:875هـ)، وعلى هذا كان عرض الوصية على ابن مدّاد بعد زمان صاحبها، ومن قرائن ذلك أن الذي عرضها عليه فيما يظهر تلميذه محمد بن سعيد بن محمد بن عبدالسلام، ويُفهم ذلك من قوله في جوابه على كتابه: «وفهم المُحب ما شرحتَه في كِتابك الشريف، في حال وصية السُّلطان الأعظم، سُلطان بن مسعُود بن سُلطان، التي هي بخط جدك الفقيه محمد بن عبد السلام».

وقد وُصِف الموصي في النص وملاحقه بـ«المخدوم» و«السلطان» وفيهما إشارة إلى السلطة والنفوذ، كما يُفهَم من النص أيضًا أن مقرّه كان بمدينة نخل، في عبارة: «وأوصى بخمسمائة ألف دينار هرموزي يفرق على كل من يُؤدي القلم من أهل داره نخل، الغني والفقير». ولعل أكثر ما يلفت النظر في الوصية كثرة ما أوصى به وتنوّعه وتفرّعه، وما يترتب عليه من أموال مُعيَّنة بـ«الدينار الهرموزي» نسبة إلى مملكة هرمز، وهو نقد كان -فيما يظهر- متداولًا في عُمان.

ولسنا بصدد نقل نص الوصية هنا فهو طويل وتتخلله عبارات الفقيه أحمد بن مدّاد معلقًا بـ«يثبت» أو «لا يثبت» مع بيان العلّة في بعض المواضع، ثم علّق ابن مدّاد بعد نص الوصية مبيّنًا منهجه وطريقته، وعلى عدم ثبوت بعض ما في الوصية، ثم تلت ذلك زيادة بخط عبّاد بن محمد بن عبدالسلام وهو ولد كاتب الوصية، وقد جاء في أول الزيادة: «لقد حضرنا عند المخدُوم الأكرم سُلطان بن مسعُود بن سُلطان، وقد أثبت وصيته التي أوصى بها، بخط والدي محمد بن عبد السلام، فهي ثابتة في السقم والحضر والسفر، والمحيا والممات، وقد جدد التوبة بمحضرنا...الخ»، ثم ذكر ما زاده الموصي في وصيته، ونقرأ في تلك الزيادة تعليقات أحمد بن مدّاد أيضًا على ما يثبت منها وما لا يثبت وفق رأيه، ثم جاء بعد ذلك ردّ أحمد بن مدّاد على محمد بن سعيد بن محمد بن عبدالسلام، حفيد كاتب الوصية الأصل، وهو الذي عَرَض عليه الوصية فيما يظهر.

ومما يُدهِش في هذه الوصية أنها استغرقت كثيرًا من الضمانات فيما يبدو، وهي منتشرة في نواحي وبلدان عمان، ولعل ذلك يوحي بأن نفوذ صاحبها قد بلغ أماكن بعيدة عن داره ومقرّه، كما أن الأموال الموصى بها بالدينار الهرموزي تصل إلى ملايين، ناهيك عن حقوق كثير من الناس ممن ذكرهم بأسمائهم أو ببلدانهم.

وإذا ضربنا صفحًا عن الشِّق الفقهي المتمثل في تعليقات أحمد بن مدّاد، فإن مجموع ما أوصى به مثير للدهشة بحق، والعجب أن كل تلك الضمانات من «ثلث ماله» فحسب، وقد جاء في أول الوصية: «هذا كِتاب ما أقر به وأوصى، المخدوم الأعظم، سُلطان بن مسعُود بن سُلطان بن عدي بن شاذان، وهو صحيح العقل والبدن، ومُقر بجُملة الإسلام. أوصى المُقدم ذِكره ابتداءً بعطره وكفنه، وما يحتاج إليه الميت من رأسماله وجميع الضمانات التي عليه من رأسماله ووصيته من ثلث ماله». ومما أوصى به ثلاث حجات، وأجرة كل حجة سبعون ألف دينار هرموزي. وممن أوصى لهم من أصحاب الحقوق وذُكِروا بأسمائهم: خلف بن راشد، وعبيد بن شمخيل، وعمر بن أحمد السيباني، وسلطان بن عدي بن دهمان، وبَهم بن سرحان بن نمر، وورثة راشد بن عاصم الباطني، وراشد بن فضيل بن فضل الباطني، وابن هدّاب صاحب فنجا، وسالم بن سبت، وغسان بن محمد بن سعيد، وراشد بن مجنب، وغسان بن عبدالله، وابنة مسعود بن مالك، وراشد بن محمد البحري.

ومن الضمانات التي أوصى بأدائها للناس بالجملة: أوصى لأهل داره نخل، وأهل المسلمات (مسلمات) وأفي وحبراء وهي من بلدان وادي المعاول، للغني والفقير منها، وفيها إشارة إلى أنهم كانوا يؤدون الخراج له. ولبعض البلدان التي خُشِي منها مال أي أُتلِف شيء من نخلها أوصى كذلك، ومن تلك البلدان سمائل ومنح، كما أوصى للفقراء في العديد من البلدان منها: إزكي، وسيفم (غربي بهلا) وسُونِي وعِيني، والمربا، ومناقي، والقلعة، ووبل، وباطنة السويق «كذا»، وأوصى لبعض الجماعات من الناس ومنهم: بنو صبح، والنعب، والسريريون، والبدو. وأوصى لمسجد جامع نخل، وبأن تفرَّق غلة مال من أمواله يوم الحج سنة في مسجد الجامع من الغريض، وسنة في جامع مسجد المُسلمات، وسنة في جامع أفي، وسنة في جامع الطو. والحق أن في هذه الوصية مادة تاريخية جديرة بالدراسة والتأمل.

مقالات مشابهة

  • قوة السلطان الخاصة تحتفل بيومها السنوي.. اليوم
  • إطلاق “معهد إمارة المؤمنين للسلام” لتعزيز الحوار والتسامح العالمي
  • وول ستريت تكشف عن وسيط كان عراب اتفاق الشرع وعبدي التاريخي
  • قوة السلطان الخاصة تحتفل بيومها السنوي
  • العراق يرحب باتفاق السلام التاريخي بين أذربيجان وارمينيا
  • وثيقة تكشف.. هدم بناية مصرف الرافدين التاريخي خلافاً للتعليمات
  • وصية المخدوم الأعظم سلطان بن مسعود بن سلطان
  • روسيا تعتمد على العملات المشفرة في تجارة النفط مع الصين والهند
  • «السياحة» تشارك في 3 معارض دولية بالمجر والمملكة المتحدة والهند
  • مارت رمضان ديمير يتعاقد على عدد من الإعلانات.. ويستعد للخدمة العسكرية بعد انتهاء طائر الرفراف