سترة تضمن الدفء.. فتح علمي مستوحى من الدب القطبي
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
نجح فريق بحثي صيني في محاكاة الخصائص الحرارية لفراء الدب القطبي، وذلك لتطوير نوع جديد من الألياف التي أثبتت أنها تعطي دفئا عند نسجها في سترة.
ويعتبر فراء الدب القطبي استثنائيا في منحه الدفء داخل بيئته الجليدية، نظرا لبنيته الفريدة التي تمنع الحرارة من الهروب، وتوفر الحماية لجسم الدب من البرد.
وخلال الدراسة المنشورة في 21 ديسمبر/كانون الأول بدورية "ساينس"، أعلن باحثون من قسم علوم وهندسة البوليمرات بجامعة تشغيانغ، نجاحهم في استلهام تلك البنية الفريدة لتطوير ألياف الإيروغيل الشهيرة وإكسابها الخصائص الحرارية لفراء الدب، وهي المحاولات التي لم تنجح سابقا بسبب مشكلات في تلك الألياف نجح الباحثون في حلها.
وألياف الإيروغيل نوع خاص من المواد المصنوعة من "الإيروغيل"، وهي مادة هلامية اختُرعت في ثلاثينيات القرن الماضي، وعادةً ما يُستبدل المكون السائل فيها بالغاز، مما ينتج عنه مادة صلبة تتكون في معظمها من الهواء، وتكون خفيفة الوزن ومسامية بشكل كبير، ويتم إنشاء الألياف منها عن طريق تحويلها إلى خيوط أو ألياف رفيعة ومرنة.
وتحافظ هذه الألياف على بعض الخصائص الأساسية للإيروغيل، مثل طبيعتها خفيفة الوزن وقدراتها العازلة الرائعة، وصُممت لتكون قوية، ولكنها خفيفة جدا، وغالبا ما تُستخدم لخصائص العزل الحراري الممتازة.
ويمكن نسج تلك الألياف في الصناعات المختلفة التي تتطلب مواد خفيفة الوزن وعالية العزل، كما هو الحال في المواد المصنعة لأغراض الفضاء، حيث يتم استخدامها في المركبات الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا". غير أنه في السابق كانت هناك مشكلتان حالتا دون استخدام تلك الألياف في صناعة ملابس خفيفة الوزن والحجم تمنح الدفء، هما:
1- نفاذية الرطوبة: فهناك صعوبة في إمكان السماح للرطوبة بالمرور عبر المادة، وهو ما قد يسبب عدم الراحة بسبب حبس العرق أو الرطوبة بجوار الجلد، مما يؤدي إلى شعور رطب وغير مريح. 2- القوة والمتانة: إذ إن ألياف الإيروغيل افتقرت في البداية إلى القوة والمتانة اللازمتين للاستخدام العملي في الملابس، وكانت هشة وعرضة للتلف، حيث لا يمكن مثلا غسلها في الغسالة، وهو ما منع من استخدامها في الملابس اليومية.استلهم الباحثون حل المشكلتين السابقتين من فراء الدب القطبي الذي تتكون بنيته من الآتي:
قلب مسامي:فكل خصلة من شعر الدب القطبي تحتوي على قلب مجوف أو مسامي، وتعمل هذه التجاويف الصغيرة المليئة بالهواء داخل الشعر كعوازل، حيث تحبس الهواء وتمنع فقدان حرارة الجسم، ولأن الهواء موصل رديء للحرارة، فإن وجود جيوب الهواء هذه داخل الشعر يساعد على إنشاء حاجز ضد البرد. القشرة الكثيفة:
تحيط بهذا اللب المسامي طبقة خارجية أكثر كثافة أو قشرة من الشعر، و توفر هذه الطبقة الخارجية الحماية والمتانة للشعر، فهي بمثابة درع ضد الظروف المناخية القاسية في القطب الشمالي، بما في ذلك الرياح والماء، مما يساعد على الحفاظ على سلامة جيوب الهواء العازلة داخل الشعر. خصائص شفافة:
بالإضافة إلى ذلك فإن الشعيرات الواقية -وهي الشعيرات الخارجية الأطول لفراء الدب القطبي- لها بنية شفافة، وهذا يسمح لأشعة الشمس بالتغلغل إلى الجلد الداكن تحته، وعندما يصل ضوء الشمس إلى جلد الدب يمكنه امتصاص الحرارة، مما يساهم في دفء جسم الدب بشكل عام.
وتوفر هذه المزايا مجتمعة عزلا حراريا متميزا مع الحفاظ على القوة والمرونة، وهو ما نجح الباحثون في محاكاته عبر استخدام أسلوب الغزل بالتجميد، وهو تقنية تستخدم في إنشاء أنواع معينة من الألياف أو المواد من خلال استغلال خصائص التجميد والغزل، وتتكون من أربع مراحل:
1- تحضير المحلول: فيُحضر محلول يحتوي على المادة المعدة للغزل، ويحتوي هذا المحلول عادةً على خصائص محددة تسمح له بالتحول إلى بنية صلبة أو ليفية. 2- التجميد: يُعرّض المحلول الأولي لدرجات حرارة منخفضة للغاية، مما يؤدي إلى تجميده بسرعة، وتعمل عملية التجميد هذه على ترسيخ المحلول وتحويله إلى حالة شبه صلبة أو هلامية. 3- الغزل: أثناء وجود المحلول في هذه الحالة المجمدة، يُغزل أو يُعالج بطريقة تحوله إلى ألياف أو خيوط، ويمكن أن يتضمن ذلك تقنيات مثل البثق من خلال الفوهات الدقيقة، أو التمدد، أو طرق أخرى لتشكيل المادة المجمدة في الشكل الليفي المطلوب. 4- مرحلة ما بعد المعالجة: فاعتمادا على الخصائص المطلوبة للمنتَج النهائي، يمكن اتخاذ خطوات إضافية بعد الغزل لزيادة تعزيز خصائص الألياف، ويمكن أن يشمل ذلك علاجات مثل التجفيف أو المعالجة أو وضع الطلاء لتحسين القوة أو المتانة أو سمات محددة أخرى.ومن خلال هذه الطريقة للغزل، تمكن الباحثون من توظيف المراحل الثلاث الأولى لإنشاء ألياف هوائية بوليمرية قوية ذات مسام صفائحية، وقاموا في المرحلة الرابعة بتغليفها بطبقة مطاطية رقيقة قابلة للتمدد لتحقق أليافُ الهلام الهوائي المغلفة الناتجة أداءً ممتازا للعزل الحراري، وكانت قوية ميكانيكيا، مما يجعلها مناسبة للحياكة أو النسيج.
وأجرى الباحثون خلال الدراسة تجارب على الألياف الجديدة التي تحاكي فراء الدب القطبي، ليجدوا أنها قابلة للتمدد حتى 1000% من الإجهاد، وهو تحسن كبير مقارنة بألياف الإيروغيل التقليدية التي تحقق إجهادا يصل إلى 2% فقط.
وتعني قدرة الألياف على التمدد بنسبة تصل إلى 1000% من الإجهاد، أنها قادرة على تحمل قوة تمدد تساوي 10 أضعاف طولها الأصلي قبل أن تنكسر، وغالبا ما يُشار إلى هذه السمة باسم "الاستطالة عند الكسر".
وتتمتع الألياف ذات الاستطالة العالية عند نسبة الكسر بالقدرة على التمدد بشكل ملحوظ قبل الوصول إلى نقطة الانهيار، وهذا يشير إلى مرونتها وقدرتها على تحمل قوى التمدد دون فشل فوري.
كما حافظت الألياف الجديدة على خصائص العزل الحراري بأقل قدر من التأثير حتى بعد 10 آلاف دورة تمدد متكررة عند إجهاد 100%، علاوة على ذلك كانت الألياف قابل للغسل والصبغ.
واتخذ الباحثون خطوة متقدمة بإنتاج دفعات من أليافهم في خيوط طويلة استخدموها في نسج سترة، ثم قاموا باختبار دفء السترة من خلال تعريضها لدرجات حرارة منخفضة تصل إلى "-20 درجة مئوية"، ووجدوا أن السترة أظهرت حماية حرارية كانت أفضل من السترات المماثلة المصنوعة من الزغب أو الصوف أو القطن.
وبصرف النظر عن الدفء الاستثنائي والطبيعة الخفيفة، توفر ألياف الإيروغيل الجديدة العديد من المزايا الأخرى التي تكشف عنها الدراسة منها:
مقاومة للماء: فألياف الإيروغيل مقاومة للماء بشكل طبيعي، مما يجعلها مثالية للظروف الرطبة والثلجية. قابلة للتهوية: فرغم خصائصها العازلة تسمح بالتهوية، وتمنع ارتفاع درجة الحرارة والتعرق الزائد. المتانة: فيمكنها تحمل الاستخدام المتكرر والغسيل دون أن تفقد خصائصها العازلة. صديقة للبيئة: فإنتاجها له تأثير بيئي أقل مقارنة بالطرق التقليدية التي غالبا ما تتضمن الصيد الجائر للدب القطبي للإفادة من فرائه، وهي المشكلة التي قد تتسبب بالإخلال بالتوزان البيئي في النظام البيئي الحساس في منطقة القطب الشمالي، حيث تلعب الدببة دورا حاسما في السلسلة الغذائية هناك، ولذلك يحظر تهريب جلود الدب القطبي أو أجزائه عبر الحدود بموجب القوانين الدولية مثل اتفاقية "سايتس" التي تحظر التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية.نجاح التجارب على المستوى المعملي -كما أظهرت الدراسة- لا يعني أن الألياف الجديدة أصبحت قابلة للتطبيق الصناعي، كما يقول خالد صلاح الباحث بقسم بحوث ألياف النسيج بمركز البحوث الزراعية المصري.
ويوضح صلاح في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت" أن الباحثين في حاجة إلى الإجابة على 3 أسئلة مهمة هي:
أولا: الراحة وسهولة الارتداء؛ فما مدى الراحة وسهولة الارتداء في الملابس المصنوعة من هذه الألياف الجديدة؟ ثانيا: الاعتبارات التنظيمية والسلامة؛ فهل كانت هناك دراسات أو تقييمات بشأن سلامة ارتداء الملابس المصنوعة من هذه الألياف، وخاصة فيما يتعلق بملامسة الجلد أو المواد المسببة للحساسية المحتملة؟ ثالثا: التطبيق العملي وسهولة الاستخدام؛ فهل هناك أي تحديات متوقعة في تسويق هذه التكنولوجيا للاستخدام على نطاق واسع، وإلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الملابس في متناول المستهلكين؟المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: خفیفة الوزن المصنوعة من من خلال
إقرأ أيضاً:
ابتكار علمي جديد يفتح آفاقًا لعلاج «الزهايمر وأمراض الدماغ»
في تقدم واعد في مجال الطب العصبي، تمكن علماء جامعة كاليفورنيا، إيرفين، من تطوير تقنية مبتكرة قد تُحدث تغييرًا جذريًا في علاج الأمراض التنكسية الدماغية مثل ألزهايمر.
وبحسب صحيفة “ديلي ميل”، “تقوم التقنية الجديدة على استخدام الخلايا الجذعية لتحويلها إلى خلايا دبقية صغيرة، وهي خلايا مناعية موجودة طبيعيًا في الدماغ، تعمل على تتبع السموم التي تتراكم في الأنسجة الدماغية وإزالتها بفعالية”.
ووفق الصحيفة، “باستخدام تقنية كريسبر لتعديل الجينات، قام الفريق العلمي بتصميم هذه الخلايا لتفرز إنزيم “نيبريليسين”، الذي يستهدف اللويحات السامة المرتبطة بأمراض مثل ألزهايمر”.
والمميز في هذا العلاج “أنه يعمل بشكل مبرمج، بحيث يُطلق الإنزيم فقط عندما يكون هناك حاجة إليه، مما يُقلل التأثير السلبي على الأنسجة الدماغية السليمة ويحد من الالتهابات العصبية”.
وأظهرت التجارب الأولية نتائج مذهلة، “حيث استعاد الفئران التي خضعت للعلاج وظائف الدماغ والذاكرة بشكل ملحوظ، مما يفتح الأفق لاستخدام هذه التقنية لعلاج أمراض أخرى مثل التصلب اللويحي وسرطان الدماغ، كما أن التقنية تتغلب على أحد أكبر التحديات في علاج أمراض الدماغ، وهو الحاجز الدموي الدماغي، حيث تعمل الخلايا داخل الدماغ مباشرة”.
من جهته، وصف ماثيو بلورتون-جونز، الباحث المشارك في الدراسة، هذه التقنية بأنها “بداية لنهج جديد يعتمد على الدقة العالية لتقليل الآثار الجانبية”، فيما أشار الباحث جان بول تشادارفيان إلى أن “هذا العلاج موجّه بشكل فعّال لاستهداف السموم في الدماغ مع تقليل الالتهاب”.
وفي الجانب الصيدلاني، أوضح روبرت سبيتال أن “الاعتماد على خلايا الجسم الذاتية بدلاً من العلاجات التقليدية يقدم فرصة لتقليل خطر رفض الجهاز المناعي، مما يجعل العلاج أكثر فعالية وأمانًا”.
ورغم التفاؤل الكبير، أشار الباحثون إلى أن “التجارب البشرية قد تستغرق عدة سنوات قبل أن تصبح هذه التقنية متاحة للاستخدام العام، ومع ذلك، فإنها تعد خطوة كبيرة نحو تطوير علاجات مبتكرة تسهم في تحسين جودة الحياة لمرضى الأمراض التنكسية العصبية”.
يذكر أن “مرض ألزهايمر هو اضطراب عصبي تدريجي يؤثر على الدماغ، ويُعد السبب الأكثر شيوعًا للخرف، ويتميز المرض بتدهور الوظائف العقلية مثل الذاكرة والتفكير والقدرة على أداء المهام اليومية”.
ويبدأ ألزهايمر “عادةً بتغيرات طفيفة في الذاكرة وصعوبة في تذكر الأحداث الأخيرة، ثم يتطور تدريجيًا ليؤثر على مهارات التفكير واللغة، في المراحل المتقدمة، وقد يعاني المرضى من فقدان القدرة على التعرف على الأشخاص والأماكن، وصعوبة في التواصل، وحتى تغييرات في السلوك والشخصية”.
والسبب الرئيسي للمرض غير معروف تمامًا، “لكن يُعتقد أن تراكم اللويحات السامة والبروتينات غير الطبيعية في الدماغ يلعب دورًا رئيسيًا في تلف الخلايا العصبية. عوامل مثل العمر، التاريخ العائلي، والجينات قد تزيد من خطر الإصابة، ورغم عدم وجود علاج نهائي حتى الآن، إلا أن الأبحاث مستمرة لتطوير علاجات تهدف إلى تحسين الأعراض وإبطاء تقدم المرض”.