الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا: خطوة محدودة جدًّا ومتأخّرة جدًّا؟
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا: خطوة محدودة جدًّا ومتأخّرة جدًّا؟
بينما تواصل إسرائيل قصف غزة، ستجد الدول العربية صعوبة في الجلوس إلى الطاولة مع إسرائيل، فضلا عن قيامها بالتخطيط لمشاريع الاندماج الإقليمي.
حتى قبل اندلاع حرب غزة لم تتمكّن الخطة الأميركية للاندماج الاقتصادي الإقليمي من تحقيق هدفها الأساسي في التصدي للتأثير الصيني في الشرق الأوسط.
لتحقيق أهداف الممر الاقتصادي، يجب معالجة التحديات السياسية التي يواجهها المشروع فقد وسّعت الصين نفوذها بالمنطقة، وليس واضحًا أن أميركا ستتمكّن من التصدّي له.
سيواجه أي مشروع لربط الأردن بإسرائيل معارضة الرأي العام الأردني، ولا سيما من الفلسطينيين، وقد اتخذت الحكومة الأردنية موقفًا قويًا ضد القصف الإسرائيلي لقطاع غزة.
* * *
كشف قادة العالم، خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في أيلول/سبتمبر، عن خطط لإنشاء ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وقد وقّعت السعودية والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة مذكّرة تفاهم التزمت بموجبها العمل معًا للمضي قدمًا بالمشروع.
في حين أن التفاصيل عن الممر لا تزال ضئيلة، كشفت مذكرة التفاهم الخطوط العريضة الأساسية لشبكة النقل التي تتراوح من الشحن بالسفن وصولا إلى السكك الحديد، والتي ستُكمِّل طرقات النقل البحري والبري القائمة.
وتشمل البنية التحتية المادّية للمشروع خطوط السكك الحديد التي تربط الإمارات العربية المتحدة بإسرائيل عن طريق السعودية والأردن، فضلًا عن الكابلات الكهربائية لتعزيز الاتصال الرقمي وأنابيب تصدير الهيدروجين النظيف.
تضغط الولايات المتحدة لإنشاء الممر في إطار التصدي لمبادرة الحزام والطريق الصينية. ولكن الصين تمارس بالفعل تأثيرًا ملحوظًا على طول الطريق المقترح للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وإحدى حلقات الربط المهمة في الممر هي ميناء بيرايوس اليوناني، وهو أكبر ميناء في شرق أوروبا، الذي ستصل إليه الحمولة من ميناء حيفا في إسرائيل.
شركة الشحن الصينية "كوسكو" هي صاحبة الحصة الأكبر في الميناء منذ عام 2016، حين باعتها الحكومة اليونانية ثلثَي الحصص. بعبارة أخرى، تتمتع هذه الشركة الصينية بجميع الصلاحيات اللازمة لاتخاذ القرار بشأن مستقبل الميناء والسيطرة على الأرصفة والمحطات.
في هذه المرحلة، ليس واضحًا إذا كانت الهند والولايات المتحدة تتغاضيان عن هذا المعطى الاستراتيجي المهم، أم إذا كانتا ستحاولان شراء حصص في ميناء بيرايوس وجعل ميزان القوى يميل لصالحهما على حساب شركة "كوسكو".
علاوةً على ذلك، تحدّ الروابط المالية العميقة بين الصين والخليج العربي من قدرة الممر الاقتصادي أو أي مشروع إنمائي مماثل على تحدّي تأثير بيكين في المنطقة. بلغت قيمة التجارة بين الصين والسعودية أكثر من 106 مليارات دولار أميركي في عام 2022، ما يمثّل نحو ضعف قيمة التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية.
واكتسبت الصين أيضًا حصّة أقلية بنسبة 20 في المئة في محطة بوابة البحر الأحمر، وهو أكبر ميناء في السعودية. وتجاوزت قيمة التجارة غير النفطية بين الصين والإمارات العربية المتحدة 72 مليار دولار أميركي في عام 2022 فقط، وقد استثمرت الصين بالفعل في العديد من الخطط الإنمائية، ومنها مشروع "الاتحاد للقطارات" الذي يهدف إلى ربط مدينة الفجيرة في الشمال الشرقي بالمنطقة الواقعة عند الحدود مع السعودية.
سوف يشكّل هذا المشروع الشريان الأكبر للسكك الحديد في مختلف أنحاء البلاد، فيربط بين المراكز الصناعية الكبرى، وقواعد التصنيع، والمراكز اللوجستية والمرافئ الأساسية في الإمارات.
يواجه الممر الاقتصادي تحدّيًا جديدًا في ضوء هجوم حماس في 7 أكتوبر والهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة. لقد توقّفت محادثات التطبيع بين إسرائيل والسعودية في المستقبل المنظور، علمًا بأن الحرب لم تقوّض بعد العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية مع الإمارات.
ومن شأن أي مشروع يربط الأردن بإسرائيل أن يواجه معارضة شديدة من الرأي العام الأردني، ولا سيما من الفلسطينيين، وقد اتخذت الحكومة الأردنية موقفًا حازمًا ضد القصف الإسرائيلي لقطاع غزة.
قد يلقى الممر الاقتصادي في نهاية المطاف مصير مشاريع أخرى للبنية التحتية، مثل سكة الشحن المقترحة بين إسرائيل والأردن والسعودية التي أُجهِضت في مهدها.
ولكن استنادًا إلى موقف الهند الأخير بالتصويت لصالح إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الأرجح أن الأزمة الراهنة لن تؤثّر في العلاقات بين نيودلهي وتل أبيب.
يقدّم الممر الاقتصادي مجموعة كبيرة من الفوائد الاقتصادية المحتملة على الصعيدَين الإقليمي والدولي، ولا سيما من خلال خفض التكلفة وزيادة سرعة شحن الحمولة.
لكن من أجل تحقيق أهداف الممر الاقتصادي، يجب معالجة التحديات السياسية المحتملة التي يواجهها المشروع. فقد وسّعت الصين بالفعل نفوذها في المنطقة، وليس واضحًا أن الولايات المتحدة ستتمكّن من التصدّي له.
لكن في المدى الفوري، وبينما تواصل إسرائيل قصف غزة، ستجد الدول العربية صعوبة حتى في الجلوس إلى الطاولة مع إسرائيل، فضلا عن قيامها بالتخطيط لمشاريع الاندماج الإقليمي.
*عبد المعز خان باحث بمركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في إسلام أباد.
المصدر | مؤسسة كارنيغيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الهند الصين أميركا أوروبا الإمارات السعودية الأردن إسرائيل غزة القصف الإسرائيلي الولايات المتحدة الشرق الأوسط الممر الاقتصادي بین الهند والشرق الأوسط وأوروبا الممر الاقتصادی
إقرأ أيضاً:
مشاريع سكك الحديد في أفريقيا وجه جديد لصراع النفوذ بين الصين وأميركا
تظهر حدة التنافس بين الصين والولايات المتحدة في القارة الأفريقية من خلال مشاريع البنية التحتية، حيث تسعى بكين لإحياء "سكة الحرية"، بينما تدعم واشنطن مشروع ممر لوبيتو.
وتقول الكاتبة مونيكا مارك في تقرير بصحيفة "فايننشال تايمز" إن الصين شيّدت "سكة الحرية" التي تربط بين زامبيا وتنزانيا قبل عدة عقود، وتحديدا في عهد الزعيم ماو، حيث قدمت قروضا دون فائدة بقيمة مليار يوان، وعمل فيها آلاف العمال الصينيين جنبا إلى جنب مع السكان المحليين، وكانت في ذروتها تنقل أكثر من مليون طن من النحاس والسلع الاستهلاكية والركاب سنويًا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تقارير استخباراتية أميركية: بوتين لن يتنازل عن السيطرة على أوكرانياlist 2 of 2صحف عالمية: التجويع المتعمد للمدنيين في غزة جريمة حربend of listوأضافت الكاتبة أنه بسبب نقص التمويل وسوء الإدارة أصبحت العربات مهملة والقضبان متهالكة، لكن زامبيا وتنزانيا تجريان حاليا مفاوضات مع تحالف تقوده شركة صينية لإعادة تأهيل وتشغيل السكة الحديدية بصفقة قيمتها مليار دولار، مما قد ينعش طريق تصدير إستراتيجي يعزز نفوذ بكين في المنطقة.
نهج صيني مختلفوحسب الكاتبة، فإن الاهتمام بالسكك الحديدية يعد نموذجا لنهج متجدد وأكثر مرونة ضمن الإستراتيجية الصينية للتنمية في الخارج، ويتزامن مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقليص ميزانية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والقرار المماثل الذي اتخذته المملكة المتحدة، مما يثير تساؤلات عن مدى التزام الغرب بالمساعدات الخارجية ومشاريع التنمية عالميا.
إعلانوأوضحت الكاتبة أن الصين سلكت منذ فترة طويلة نهجا مختلفا عن الدول الغربية، حيث لا تركز على المساعدات الإنسانية بقدر ما تهتم بتمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى، والتي يرى العديد من القادة الأفارقة أنها ضرورية لانتشال بلدانهم من الفقر.
وترى أن "سكة حديد تازارا" أو "سكة الحرية" كما أطلق عليها الصينيون حين تم تشييدها في سبعينيات القرن الماضي، تمثل محاولة جديدة لإنعاش أسهم الشركات الصينية المملوكة للدولة، وذلك بعد تعثر عدد من الدول في سداد القروض الصينية ضمن مبادرة الحزام والطريق، ومنها زامبيا.
تقول الكاتبة إن نجاح المشروع الصيني قد يكون له تداعيات كبيرة على صراع النفوذ بين القوى الكبرى في قارة غنية باحتياطيات النحاس والمعادن الأساسية الأخرى الضرورية للتحول العالمي في مجال الطاقة.
وتوضح أن المشروع الصيني يقابله مشروع منافس تدعمه الولايات المتحدة، حيث يجري العمل حاليا على تحديث ممر لوبيتو الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، بهدف نقل موارد زامبيا غربا عبر أنغولا.
وقد تم الاتفاق على هذا المشروع في عهد الرئيس السابق جو بايدن عبر مؤسسة التمويل الدولية، حيث تعهدت واشنطن بتقديم قرض بقيمة 553 مليون دولار وفق نموذج استثماري يجذب مستثمرين من القطاع الخاص.
ورغم أن قرار ترامب بتقليص المساعدات الخارجية الأميركية يثير حالة من عدم اليقين بشأن تمويل ممر لوبيتو، يرى الخبراء أن هذا النوع من المشاريع التجارية والإستراتيجية قد يشكل ملامح النفوذ الأميركي في القارة خلال الفترة القادمة.
ونقلت الكاتبة عن بيتر دويل، المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي والباحث في المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، قوله إن رئاسة ترامب تمثل تغييرا جذريا في طريقة إدراك واشنطن لمصالحها في أفريقيا، مضيفا أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن نفوذها لصالح الصين.
إعلان نفوذ ناعميعتقد كوبوس فان ستادن، المدير التنفيذي لمشروع الصين أفريقيا، أن بكين قد لا تسد فجوة التمويل الإنساني التي خلفتها الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، إلا أنها قد توسع نفوذها الناعم بطرق أخرى.
وحسب رأيه، فإن هذا النفوذ قد يتعزز من خلال العمل على مشاريع مثل "المزارع النموذجية"، حيث تتعاون الجامعات الصينية والأفريقية في تطوير بذور مقاومة للتغيرات المناخية، مضيفا أن هذه المشاريع "ليست تجارية بالكامل، لكنها أيضا لا تُعتبر مساعدات بالمعنى التقليدي".
ويعتقد عدد من الخبراء -وفقا للكاتبة- أن تتحول المساعدات التنموية الأميركية إلى ما يشبه التوجه الصيني، وهي الإستراتيجية التي تعمل وفقها مؤسسة التمويل الدولية للتنمية، التي أنشأها ترامب خلال ولايته الأولى للاستثمار في الأسواق الناشئة ومنافسة مشاريع البنية التحتية الصينية في الجنوب العالمي.
ونقلت الكاتبة -عن مصادر مطلعة- أن مؤسسة التمويل الدولية للتنمية ما زالت ملتزمة بالمشاركة في مشروع لوبيتو، ومن المقرر أن تصرف جزءا من القرض هذا الشهر.
لكن المؤسسة نفسها تواجه تدقيقا من الإدارة الجديدة بشأن هيكلها وأهدافها، وما إذا كان ينبغي لها التركيز على الاقتصادات الكبرى واتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الدول التي تواصل التعاون مع الصين.