عدن الغد:
2025-03-10@13:24:04 GMT

النساء في العمل الزراعي .. أجور زهيدة وقوانين مغيبة

تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT

النساء في العمل الزراعي .. أجور زهيدة وقوانين مغيبة

حضرموت((عدن الغد )) قيس الدوعني

تُجلب مئات النساء صباح كل يوم في أسطح سيارات مكشوفة للعمل في المزارع بوادي حضرموت حيث يقمن بمهام كثيرة لا سيما في مواسم الحصاد وكذا إزالة الحشائش التي تعيق نمو المحاصيل الزراعية وغرس شتلات البصل والثوم وجني ثمارها وتنقية التمور من الشوائب العالقة به وغيرها من الأعمال الأخرى.

 
تستمر ساعات عمل النساء من السادسة صباحا حتى الثانية عشر ظهرًا بمقابل مادي يتراوح من 1500 إلى 2000 ريال وقد يصل 4000  ريال على أكثر تقدير بينما يصرف للرجل الذي يعمل في نفس العمل مبلغ ضعف لما يُمنح للمرأة . 
الواقع المعيشي الصعب أجبر الكثير من النساء وخصوصا الكبيرات في السن للعمل في القطاع الزراعي والذي لا تنظمه أي قوانين ولا يخضع لأي جهات رقابية وليس فيه ضمانات لجوانب السلامة المهنية.

تقول أم عوض (55 عامًا): أنها تضطر للعمل في المزارع لإعالة أسرتها والإيفاء بمتطلبات تجهيز بناتها للزواج خصوصا في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلد في ظل تبعات الحرب والانهيار المتسارع للعملة وانعدام الأعمال.
وعللت قبولها بالعمل بأجر أقل حتى تضمن فرصة عمل "حيث أن جلوسنا دون عمل هو خسارة أكبر".  
تضيف أم عوض: "عملت مؤخرا في غرس شتلات البصل بأجر 4000 ريال وهو أعلى أجر استلمته منذ بدأت العمل في هذا المجال وفي المقابل يعمل معنا في الحقل وفي العمل وبالتوقيت ذاته رجلان ولكن يتقاضى كل واحد منهم سبعة آلاف ريال". 
الكثير من النساء كبيرات السن يلجأن لكسب لقمة عيشهن في أعمال زراعية مؤقتة لدى ملاك الأرض الزراعية كونها السبيل الوحيد الذي تُتاح لهن فرص العمل فيه ويقبلن بأي مقابل مادي، أم صالح من منطقة دمون بمديرية تريم (66عاما) تقول: نذهب في السادسة صباحا حتى الثانية عشر ظهرًا، وكل ما يكتبه الله لنا نرضى به". 
تشير أم صالح أن الأجرة الممنوحة لهن تتراوح ما بين 1500 إلى 2000 ريال يمني، ويضاف إليها علف لمواشيهن، وأحيان أخرى بعض المحاصيل الزراعية. 
في منطقة (السويري) التي تحتضن مساحات زراعية شاسعة وتبلغ نسبة النساء المشتغلات في الزراعة حسب تقديرات بعض المهتمين بالمنطقة ما يقارب 80 %، هذه النسبة الكبيرة استغلها ملاك الأرض الزراعية في خفض الأجر اليومي للعاملات. 
تقول نعيمة (60 عاما): "إذا طالبنا بزيادة يتحجج الملاك بأن هذا الأمر سيثير غضب الملاك الآخرين وخصوصا أصحاب المزارع الصغيرة لأنهم يحملهم أعباء كبيرة حسب زعمهم وبسبب وجود نساء كثيرات بحاجة ماسة للعمل فمالك الأرض يقول: "إذا ما بتعملي بهذا الأجر غيرك سيعمل).

فاطمة النوبي رئيسة اتحاد نساء اليمن بوادي حضرموت تعلق على القضية بالقول: "التقيت بالعديد من النساء العاملات في القطاع الزراعي وأبدين عدم الرضا على الأجور الممنوحة لهن ولديهن خوف شديد من الاستغناء عنهن في حال مطالبتهن بزيادة الأجر ".
وتوضح النوبي بأن قانون العمل لم يشمل هذه الفئة من النساء العاملات وهناك تهاون في أبسط حقوقهن حيث يتم نقلهن للعمل في سيارات مكشوفة معظمها قديمة ومتهالكة ويتعرضن لأخطار كثيرة حيث تعرضت بعض النساء للسقوط من السيارة وتعرضن لإصابات، حد قولها، وتؤكد على ضرورة مساندة هذه الفئة التي أرغمتها ظروف الحياة القاسية على العمل تحت وطأة هذا الواقع المرير.

في منطقة بور إحدى ضواحي مديرية سيئون بوادي حضرموت تنشط جمعية البدر النسوية في مناصرة قضايا المرأة، ترى منى سالم محيور رئيسة الجمعية أن ظروف الحياة القاسية أجبرت العديد من النساء على للقيام بأعمال حقلية في المزارع حتى لا يجبرن على التسول أو اتباع طرق غير مشروعة وهن مضطرات للقبول بالأجر الزهيد خوف الاستغناء عنها مشيرة إلى عدم وجود كيان نقابي يدافع عنهن وعن حقوقهن. 
تكشف محيور عن تنفيذ الجمعية لمشروع دعم حقوق المرأة والحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بالشراكة مع منظمة البحث عن أرض مشتركة وبتمويل الاتحاد الأوربي حيث تم تسليط الضوء على هذه المظلومية بمشاركة السلطة المحلية ومكاتب وزارة الزراعة والشؤون الاجتماعية والعمل والاتحادات النقابية والجمعيات الزراعية والإعلاميين والناشطين والحقوقيين والمؤثرين في المجتمع. 
وخرج المشروع بتوصيات مهمة لازلنا نتابع الجهات ذات العلاقة في تنفيذها، منها تأسيس لجان زراعية نسوية في مناطق بور وتاربة ومدودة بمديرية سيئون تمثل العاملات وتطالب بحقوقهن لدى أرباب العمل وإيصال صوت المرأة الريفية العاملة في القطاع الزراعي إلى صنّاع القرار للمطالبة بحياة كريمة وتوفير التأمين الصحي والاجتماعي وتحسين بيئة العمل تقديرا لدورها في التنمية الاقتصادية. 
ورفع توصية للسلطة المحلية ومكتب وزارة الشئون الاجتماعية والعمل لإعادة النظر في المادة 3 من قانون العمل التي حرمت عدد من فئات العاملين بمن فيهم العاملين والعاملات في القطاع الزراعي من الحصول على حقوقهم إسوة ببقية العاملين في القطاع الخاص كما أوصى المشروع بتوفير عدد من المنح المالية للعاملات الزراعيات من قبل الجمعية لمساعدتهن في إقامة مشاريعهن الخاصة المدرة للدخل. 
وعن جوانب السلامة المهنية تتحدث منى محيور بالقول: "العاملات الزراعيات يتحملن أعباء العمل الشاق والحر الشديد في فصل الصيف والبرد القارس في الشتاء ولا حماية يوفرها أرباب العمل من مخاطر المبيدات ولدغات الحشرات ولا وسائل مواصلات جيدة ولا رعاية صحية في حال اصابتهن أثناء العمل ناهيك عن الحقوق المالية.

الباحث في القضايا السكانية وعضو هيئة التدريس بجامعة حضرموت الأستاذ الدكتور رزق سعد الله بخيت يعلق على القضية بالإشارة أولا إلى الدور المحوري للمرأة باعتبارها عنصرًا أساسيا في قوة العمل الزراعي وأن الدورة الزراعية لبعض المحاصيل من بدايتها حتى نهايتها إن لم يكن معظمها تقوم بها المرأة مثل البصل والطماطم ويترتب على ذلك من الناحية النظرية ارتفاع أجور المرأة العاملة في الزراعة لكن الواقع عكس ذلك فهناك انخفاض في أجور النساء حيث أن الخلل يرتبط باستغلال الظروف المعيشية للنساء. 
ويشدد باحث القضايا السكانية على ضرورة تغيير هذا الوضع من خلال تدخلات السلطة المحلية والمجتمع بمساعدة أئمة المساجد لأن الجهد المبذول والزمن للمرأة العاملة هو نفسه الذي يقوم به الرجل فلماذا هذا التباين في الأجور ولابد أن تسود العدالة بدلا من استغلال الظروف.

المحامي أحمد عبد الله باحشوان مدير عام مكتب وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بوادي حضرموت يوضح أن القانون رقم (5) للعام 1995 قد استثنى عمل الأشخاص الذين يعملون في المراعي أو الزراعة من تطبيق احكام هذا القانون وجاء ذلك بنص المادة (3).
ويضيف باحشوان أن ذلك لا يعني أنه لا توجد نظم وتشريعات تنظم علاقة المشتغلين في هذا العمل ومشغليهم وفقا ومبادئ الشريعة الإسلامية وقواعد العدالة والقانون المدني حيث أن بعض الدول سنت تشريعات خاصة بهم وليس من ضمنها اليمن. معتبرًا أن ذلك لا يعني إهدار حقوق المشتغلين وعدم مساواتهم بسبب الجنس أو النوع فالمساواة مبدأ أساس من مبادئ الدين الإسلامي المستمدة منه القوانين النافذة ومنها القانون المدني والتي نظمتها أحكام المواد (778) إلى (832) الخاصة بعقد العمل إضافة إلى القوانين الخاصة لبعض المهن وما صدر من قرارات مجلس الوزراء. 
ويؤكد المحامي باحشوان أن القانون اليمني كفل للمرأة مساواتها في الأجور وغيرها من الحقوق التي نصت عليها المادة (42) إضافة إلى القواعد الدولية التي وضعتها منظمة العمل الدولية ضمن الاتفاقات الدولية التي تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات في العمل وفي الأعمال المماثلة ومن تلك الاتفاقيات الاتفاقية رقم (100) لسنة 1951 والتي تنص على تساوي أجور العمال والعاملات عند تساوي العمل والمصادقة عليها بلادنا وهذا كله يكفي لتأكيد بطلان التعاملات المختلفة في أجور العمل بين الرجال والنساء وعدم مساواتهم في الأجور للمشتغلين في الزراعة وهم يؤدون نفس العمل . 
يواصل المحامي أحمد باحشوان توضيحاته القانونية لهذه القضية بالإشارة إلى التشريعات والقوانين السارية أعطت للمرأة خصوصية انطلاقا من المفهوم الإسلامي المتوافق مع التقاليد الاجتماعية ومنها قانون العمل النافذ الذي اكد على مساواة المرأة بالرجل في كافة شروط العمل وحقوقه وواجباته في المادة (42) وأعطى للمرأة مراعاة نصت عليها المواد ( 47 – 43) من قانون العمل بالنسبة لساعات عمل المرأة الحامل ومنع تشغيل النساء ليلا كل ذلك تأكيدا لدورها في المجتمع مع تأكيد مساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات ومنها الأجور والمنع المطلق لانتهاك هذا المبدأ والمساس به مع إيجاد ضمانات تكفل صيانته والمحافظة عليه وتعرض كل من يخالفه للمحاسبة القانونية مختتما بأهمية إشاعة وخلق ثقافة قانونية لدى المعنيين وفهم الحقوق والواجبات والطرق والوسائل القانونية المناسبة للحصول عليها وحمايتها ومنها القضاء المدني .


*تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: فی القطاع الزراعی بوادی حضرموت قانون العمل من النساء للعمل فی

إقرأ أيضاً:

مامعنى أن المرأة ناقصة عقل ودين؟!

إلى المرأة في يومها العالمي.
عادل عسوم
2/1
مامعنى أن المرأة ناقصة عقل ودين؟!
عادل عسوم
يخطئ البعض عندما يتهمون الإسلام بانتقاص قدرات المرأة العقلية وذكائها بحسبانها أقل درجة عن الرجل،
وهم في ذلك يستشهدون بحديث ورد في الصحيحين ويدّعون بأنه يقرر ذلك، فما هو ذاك الحديث؟
وكذلك يخطيء البعض -ايضا- في فهم المعنى المراد في قول الله (وليس الذكر كالأنثى) في الآية الكريمة:
{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} مريم 36
فهل بالفعل تقل المرأة عن الرجل في قدراتها العقلية وذكائها؟
وهل حقا وصف نبينا صلى الله عيه وسلم المرأة بذلك؟
وماهو المراد من الحديث؟
لنقرأ الحديث:
روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ منهنَّ جَزْلَةٌ: وما لنا يا رَسولَ اللهِ، أكْثَرُ أهْلِ النَّارِ؟ قالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وما رَأَيْتُ مِن ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، وما نُقْصانُ العَقْلِ والدِّينِ؟ قالَ: أمَّا نُقْصانُ العَقْلِ: فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهادَةَ رَجُلٍ فَهذا نُقْصانُ العَقْلِ، وتَمْكُثُ اللَّيالِيَ ما تُصَلِّي، وتُفْطِرُ في رَمَضانَ فَهذا نُقْصانُ الدِّينِ).
وقفات مع الحديث:
مامعنى الجَزْلة؟
ورد في المعجم الوسيط:
جَزُلَ اللفظُ: استحكمت قوَّتُه.
وفلانٌ صار ذا رأي جيِّد قويّ محكم، يقال جَزُل رأيه؛ فهو جَزْل.
إنتهى.
وبالتالي فإن لفظ (امرأة جَزْلة) يعني انها ذات عقل ورأي ووقار.
ومعنى تَكْفُرْنَ العشير: أي تُنكرن حق الزوج.
وهذا الحديث لا يمكن فهمه بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة وذلك في قوله تعالى {… واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى…} البقرة 282.
والفهم الخاطئ والمتناقض للحديث يكمن في السؤال:
هل المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم وما رأيت من ناقصات عقل، بأن النساء ناقصات عقل؟ وأن نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية للتفكير والذكاء؟!
لو تدبّرنا الحديث لوجدنا هذا الفهم يتناقض مع واقعه ومتنه وذلك للآتي:
لقد ذكر الحديث بأن امرأة منهن (جزلة) قد ناقشت الرسول صلى الله عليه وسلم.
والجزلة لغة هي ذات العقل والرأي والوقار!
فكيف تكون هذه ناقصة عقل ثم تكون ذات عقل ووقار معا؟!
هل يستقيم المعنى بذلك؟!
ثم إن نبينا صلى الله عليه وسلم قال ماقال وهو يتحدث من (قدرات) النساء، إذ الواحدة منهن تغلب (ذا اللب) أي الرجل شديد الذكاء!. فكيف يستقيم أن تغلب ناقصة العقل رجلاً ذي لبٍّ شديد الذكاء؟!
أمر آخر، وهو أن هذا الخطاب موجّه إلى نساء مسلمات، وهو خطاب يتعلق بأحكام إسلامية منها نصاب الشهادة والصلاة والصوم، فهل يعقل لو أن امرأة (ذكية وذات قدرات عقلية مشهودة) قد هداها الله وأسلمت، هل تصبح بعد أسلامها ناقصة عقل؟!
هذا الفهم الخاطئ يحصر العقل في القدرات العقلية، ويختزل المراد من الحديث دونما تدبر لباقي مفرداته، ودونما اطّلاع على الآية الكريمة،
فالحديث يصرح بأن النساء (ناقصات عقل)، ولكنه يعلل نقصان العقل عند النساء بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، والآية تعلل ذلك ب(الضلال والتذكير)، ولم تصرح الآية مطلقا بأن النساء ناقصات عقل ولا أن الحاجة إلى نصاب الشهادة هذا مرده أن تفكير المرأة وقدراتها وذكاءها أقل من تفكير وقدرات وذكاء الرجل.
فما هو التفكير؟
وما هو العقل؟
التفكير: (كما يعرفه علم النفس)؛ هو عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف، ويحصل بدوافع، وفي غياب الموانع، حيث يتكون الإدراك الحسي من الإحساس بالواقع والانتباه إليه.
والخبرة هي ما اكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع ومعايشته له، وما اكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه.
أما الذكاء: فهو عبارة عن القدرات الذهنية الأساسية التي يتمتع بها الناس بدرجات متفاوتة.
والتفكير يحتاج إلى دافع يدفعه، ولا بد من إزالة العقبات التي تؤثر فيه وتعصم المرء من الوقوع في أخطائه بنفسية مؤهلة ومهيأة للقيام به.
وهذا التصور للتفكير يتعلق بالإنسان بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، فهو ينطبق على كليهما سواء بسواء، ولا تَدُل معطيات العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أيما اختلاف جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم، كما لا تدل على اختلافٍ في قدرات الحواس والذكاء ولا في تركيب الخلايا العصبية المكونة للدماغ ولا في طرق اكتساب المعرفة.
يعني ذلك أن المرأة والرجل متساويان بالفطرة من حيث عملية التفكير أو آلياته، ولا يتميزأحدهما عن الآخر إلا في الفروق الفردية من حيث أن كل منهما ميسر لما خلق له.
إذاً فإن التفكير ليس مجرد قدرات عقلية أو ذكاء، بل هو أوسع من ذلك، أذ تدخل فيه عوامل كثيرة ويمر بمراحل متعددة.
ثم ان العقل في مفهوم القرآن والسنة أوسع من مجرد التفكير، فهو مع ذلك لفتُ انتباهٍ للتفكير من أجل العمل، فلا يكفي أن تفكر، بل لا بد من أن يمتد ذلك إلى التصديق والقناعة وإدراك العواقب، وعلى ذات السياق لنا أن نلاحظ دقة التعبير في الحديث، فهو عبّر ب(ناقصات عقل)، بما يعني أن النقص هو في عوامل أخرى تؤثر في التفكير، وليس في نفس القدرات الفطرية، أي ليس في قدرات الدماغ كما يتوهم أولئك.
ونصوص الكتاب والسنة تعلي دوما من شأن التفكير عند كل من المرأة والرجل، بوصف كليهما (إنسانًا) ولا تمييز بينهما من هذه الناحية على الإطلاق، بل إن كثيرًا من النصوص تظهر وتبين القدرات العقلية العالية لدى النساء في كثير من المواضع والحالات.
والخطاب الإيماني العام في كثير من النصوص يتحدث عن ذكاء النساء وآرائهن السديدة، في مواضع متعددة في العهد النبوي والخلافة الراشدة، ثم ان العلم لم يثبت أيما اختلاف في قدرات النساء العقلية عن قدرات الرجال، ونصوص القرآن والسنة على اجمالها لم تقرر ذلك، ويعنى ذلك جليا أن نقصان العقل المشار إليه بالأحرى ليس في القدرات العقلية.
والتفكير هو عملية معقدة تدخل فيها القدرات العقلية وتدخل فيها عوامل أخرى منها الإدراك الحسي والدوافع والموانع والخبرة.
والآية قد عللت الحاجة إلى نصاب الشهادة المذكور ب(الضلال والتذكير)، وهذا أمر متعلق بالإدراك الحسي وبالدوافع والموانع، وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة، لكن للمرأة خصوصيتها إذ تكتنفها حالات، وتتعرض لتغييرات جسدية ونفسية تؤثر على طريقة تفكيرها، وهذا التأثير ينعكس على القرار المتخذ، زد على ذلك ما يكتنف المرأة من عواطف جياشة تفوق مالدى الرجل، وهذا عنصر لا يمكن إغفاله، إذ يمكن أن يؤثر بشكل واضح على القرار كما لو كان الذي ستشهد له المرأة هو ابنها مثلاً.
اما عن سياق (وليس الذكر كالانثى) فقد ورد لو قيل: “وليست الأنثى كالذكر” لاختلف المعنى فكان الرجل افضل من الانثى، والمعنى المراد ان الله جل في علاه يقول لمريم بأن الانثى التي وضعتيها لأفضل من الذكر الذي كنت تودينه يخدم بيت المقدس، اذ سيكون لها شأن عظيم.
وعن القوامة وقول ربنا جل في علاه: {…الرجال قَوَّامُونَ على النِّساء…} لنفترض أن القوامة كانت أعطيت للمرأة، هل تهب النساء التفوق والإيجاب، أم تعطيهن التعب؟!. يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في ذلك:
الحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحترم قضية كونية، فهو الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه وأوضح القضية الإيمانية {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء} والذي يخالف فيها عليه أن يوضح- إن وجد- ما يؤدي إلى المخالفة، والمرأة التي تخاف من هذه الآية، نجد أنها لو لم ترزق بولد ذكر لغضبت، وإذا سألناها: لماذا إذن؟ تقول: أريد ابناً ليحمينا. كيف وأنت تعارضين في هذا الأمر؟!
ولنفهم ما معنى (قوَّام)، القوَّام هو المبالغ في القيام. وجاء الحق هنا بالقيام الذي فيه تعب، وعندما تقول: فلان يقوم على القوم؛ أي لا يرتاح أبدا. إذن فلماذا تأخذ {قَوَّامُونَ عَلَى النسآء} على أنه كتم أنفاس؟ لماذا لا تأخذها على أنه سعى في مصالحهن؟ فالرجل مكلف بمهمة القيام على النساء، أي أن يقوم بأداء ما يصلح الأمر.
ونلحظ أنه جل في علاه ساعة التفضيل قال: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} لقد جاء ب (بعضهم) لأنه ساعة فضل الرجل لأنه قوّام؛ فإنه فضل المرأة أيضاً لشيء آخر وهو كونها السكن، حين يستريح عندها الرجل وتقوم بمهمتها.
ثم تأتي حيثية القوامة: {وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}. والمال يأتي نتيجة الحركة ونتيجة التعب، فالذي يتعب نقول له: أنت قوّام، إذن فالمرأة يجب أن تفرح بذلك؛ لأنه سبحانه أعطى المشقة وأعطى التعب للجنس المؤهل لذلك. ولكن مهمتها وإن كانت مهمة عظيمة إلا أنها تتناسب والخصلة المطلوبة أولاً فيها: الرقة والحنان والعطف والوداعة. فلم يأت بمثل هذا ناحية الرجل؛ لأن الكسب لا يريد هذه الأمور، بل يحتاج إلى القوة والعزم والشدة، فقول الله: (قوامون) يعني مبالغين في القيام على أمور النساء.
ويوضح للنساء: لا تذكرن فقط أنها حكاية زوج وزوجة. قدرن أن القيام يكون على أمر البنات والأخوات والأمهات. فلا يصح أن تأخذ (قوام) على أنها السيطرة؛ لأن مهمة القيام جاءت للرجل بمشقة، وهي مهمة صعبة عليه أن يبالغ في القيام على أمر من يتولى شئونهن.
{وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فإذا كان الزواج متعة للأنثى وللذكر. والاثنان يستمتعان ويريدان استبقاء النوع في الذرية، فما دامت المتعة مشتركة وطلب الذرية أيضا مشتركا، فالتبعات التي تترتب على ذلك لم تقع على كل منهما، ولكنها جاءت على الرجل فقط؛ صداقاً ونفقة حتى ولو كانت المرأة غنية لا يفرض عليها الشرع حتى أن تقرض زوجها!.
adilassoom@gmail.com
2/2
وقفة مع شهادة المرأة.
عادل عسوم
أرجو شاكرا قراءة هذا المقال برفقة مقال لي سابق بعنوان (مامعنى أن المرأة ناقصة عقل ودين؟).
في مقال اليوم نتكلم معا عن شهادة المرأة، وذلك لتفنيد مفهوم خاطيء رسخ عند البعض بكون شهادتها المذكورة في الآية الكريمة التالية تنتقص من قدراتها العقلية وانسانيتها.
يقول الله تعالى في آية (ترتهن بالتجارة والدين/المداينة)، حيث يأمرنا الله تعالى فيها بكتابة الدين والاحتياط له: {…وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ} البقرة 282.
هنا ظاهر الآية تجعل من شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، وبالتالي شهادة رجل واحد تعدل شهادة امرأتين.
أقول وبالله التوفيق:
يخطئ من يفهم أمر الشهادة هنا على اطلاقها بكون شهادة المرأة منفردة لايقبل في الاسلام، ليعلم من يفهم هذا الفهم الخاطيء أن التفاوت هنا ليس لنقص إنسانية المرأة أو قدراتها أو كرامتها. بل لأنها بفطرتها واختصاصها لا تشتغل عادة بالأمور المالية والمعاملات التجارية، إنما يشغلها ما يشغل النساء عادة من شئون البيت إن كانت زوجة، والأولاد إن كانت أمًا، والتفكير في الزواج إن كانت أَيمًا. ومن ثم تكون ذاكرتها أضعف في شئون المعاملات التجارية لانتفاء الخبرة، لهذا أمر الله تعالى أصحاب المعاملات التجارية -إذا أرادوا الاستيثاق لديونهم- أن يشهدوا عليها رجلين أو رجلاً وامرأتين، وعللت الآية الكريمة ذلك بالقول: {…أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى…}، بمعنى (ربما) تضل إحداهما، ولم يرد بأن (ستضل قطعا إحداهما)، ولو كان الأمر كذلك لأصبح الحكم ملزما بعدم أخذ شهادة المرأة منفردة.
قال ابن القيم رحمه الله: قال شيخنا ابن تيمية رحمه الله، قوله تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}البقرة 282، فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (وأما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين بشهادة رجل)، فبين أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف التركيز العقلي منها في أمور ليست معتادة لا لضعف الدين، فعلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه في المجالات التي يعتاد عليها الرجال ولاتعتادها، فما كان من الشهادات مايتناسب مع حراكهن الحياتي في العادة لا تكون فيه شهادتها نصف شهادة الرجل، كالولادة والاستهلال، والارتضاع، والحيض، والعيوب تحت الثياب.
ومثل ذلك ما ذهب إليه كثير من الفقهاء الذين لم يعتبروا شهادة النساء في الحدود والقصاص بعدًا بالمرأة عن مجالات الاحتكاك ومواطن الجرائم والعدوان على الأنفس والأعراض والأموال، فهي إن شهدت هذه الجرائم كثيرًا ما تغمض عينيها، ويصعب عليها أن تصف هذه الجرائم بدقة ووضوح، لأن أعصابها لا تحتمل التدقيق في مثل هذه الحال.
ويرى ذات الفقهاء الأخذ بشهادة المرأة (وان منفردة) فيما هو من شأنها واختصاصها، كشهادتها في الرضاعة والبكارة والثيوبة والحيض والولادة، ونحو ذلك مما يختص بمعرفته النساء.
ومن الفقهاء من يرى الأخذ بشهادة النساء -حتى- في الجنايات ولكن في المجتمعات التي لا يتواجد فيها الرجال عادة مثل حمامات النساء، والأعراس، وغير ذلك مما اعتاد الناس أن يجعلوا فيه للنساء أماكن خاصة، فإذا اعتدت إحداهن على أخرى بقتل أو جرح أو كسر، وشهد عليها شهود منهن، فهل تهدر شهادتهن لمجرد أنهن إناث؟ أو تطلب شهادة الرجال في مجتمع لا يحضرون فيه عادة؟ الصحيح أن تعتبر شهادتهن ما دُمْنَ عادلات ضابطات واعيات.
وللعلم هناك مواضع تكون فيه شهادة المرأة (أكبر) وأرجح من شهادة الرجل، ذكر الله تعالى ذلك حين اتهام زوج لزوجه بالخيانة الزوجية، وفى هذه الحالة إن شهد الرجل خمس مرات بالخيانة وشهدت المرأة نفس عدد المرات بأنها لم تخنه (فيما يسمى بالملاعنة) فإن شهادتها تفوق شهادته ويُأخذ بها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٲجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُہَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَہَـٰدَٲتِۭ بِٱللَّهِ‌ۙ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (6) وَٱلۡخَـٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (7) وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡہَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡہَدَ أَرۡبَعَ شَہَـٰدَٲتِۭ بِٱللَّهِ‌ۙ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (???? وَٱلۡخَـٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡہَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (9)} النور.
والإسلام في هذا الأمر يأخذ بشهادة المرأة ويعليها على شهادة الرجل في أمر يعتبر من ضمن الحدود (حد الزنا للمحصنة وهو الرجم حتى الموت، وهو أمر أكثر خطورة بمراحل، وأهم من موضوع التجارة وكتابة الديون!.
والشهادة ان كانت من رجال أو نساء تؤخذ عادة في المحاكم، حيث يسعى القاضي إلى سماع الشهود. والآن هناك محامون يكونون وكلاء لاصحاب القضايا، وهؤلاء يقومون على الشهود، فيتحاور القاضي معهم حتى يتبين هل يتذكر الشاهد الوقائع التي يشهد بها ومدى الصدق فيها، ومن قبل ذلك يتبين القاضي هل الشاهد من أهل العدالة وجدير بالأمانة أم لا، وان كان قد ثبت عليه من قبل طعن أم لا، وكذلك ان كانت لديه خبرة في الأمر محل التقاضي ان كان تجارة او توثيق لدين، وهنا وفي زماننا هذا قد تكون الشاهدة متحصصة في القانون، وهناك نساء درسن الاقتصاد والتجارة والبيوع، وهناك سيدات أعمال، وقد يكون الشاهد الرجل ليست لديه خبرة في التجارة، أو قد يكون أميا لايعرف الكتابة ولا القراءة، هنا من حق القاضي تغليب خبرة المرأة الشاهدة ان استوثق من عدالتها فيأخذ بشهادتها (منفردة) في القضية المعينة دون شهادة الرجل، فالأمر كله متروك للقاضي عند تقدير الشهادة، فإذا تعادل الرجل والمرأة في كل شيء فمن جرب العمل في المجال المعين تكون شهادته أرجح، وقد يحتاج مجال بأن يؤكد أحد الذكور آخر.
وأيضا قد تكون الشاهدة طبيبة نساء وولادة فتعرف عندئذ هل ولد الجنين ميتا أم ولد ثم مات بعد فترة، وهذا يترتب عليه تفاصيل في أنصبة الميراث، وقد كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عند أداء الشهادة يقيم ويحكم على الخصوم وان كان أحدهم ألحن بحجته من الآخر، فهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم إلا الظاهر، وقد يقع الظلم على طرف بسبب شاهد رجل كان أو امرأة، لذلك أنذر الشهود بالعذاب الشديد يوم تقوم الساعة وتنصب الموازين بالعدل بين يدي الله.
والله أعلم.
adilassoom@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • النواب يقر ضوابط تحديد أجور العاملين بالقطاع الخاص في قانون العمل
  • يوم المرأة العالمي.. آمال وتحديات
  • يوم المرأة العالمي: إعادة التفكير في الحرية التي لم تكتمل
  • مامعنى أن المرأة ناقصة عقل ودين؟!
  • «حكماء المسلمين»: ضرورة تمكينهن وتطوير قدراتهنَّ
  • مسؤول سوداني: النساء يمثلن 98% من الأسر التي تعاني أوضاعًا قاسية
  • في يوم المرأة العالمي.. لماذا لا تزال أجور النساء في أوروبا أقل مما يتقاضاه الرجال؟
  • الإمارات تحتفل بيوم المرأة العالمي.. تسريع العمل نحو المساواة والتمكين
  • الإمارات تحتفل بيوم المرأة العالمي..تسريع العمل نحو المساواة والتمكين
  • 3 % علاوة دورية.. البرلمان يناقش زيادة أجور القطاع الخاص سنويا