كل عام ولغتنا العربية يزداد عشاقها بين أرجاء المعمورة.. هذه اللغة التى وقع فى سحرها الكثير من الغربيين فازدادوا يقينًا بأن اللغة العربية تملك مرونة منقطعة النظير، تجعلها قادرة على التكيف مع كلِّ العصور والأوقات والأزمنة.. حيث إنَّ اللغة العربية واسعة فى أسمائها وأفعالها وصفاتها وأشكالها وأساليبها اللغوية.
من أغرب المُدْهِشَات حيث إنها نبتت ووصلت إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أمة من الرحل، تلك اللغة التى فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها، ولا نعرف شبيهًا بهذه اللغة التى ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج و بقيت حافظة لكيانها».
كما قال «إرنست رينان» أيضًا عن اللغة العربية: «إن انتشار اللغة العربية ليعتبر من أغرب ما وقع فى تاريخ البشر، وأصعب الأمور التى استعصى فهمها.. كانت هذه اللغة غير معروفة أول الأمر، لكنها بدت فجأة على غاية الكمال بحيث لم يدخل عليها منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا أدنى تعديل فليس لها طفولة و لا شيخوخة».
وقد احتفل هؤلاء المستشرقون المهووسون بلغة الضاد قبل عشرات السنين بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 ديسمبر عام 1973 بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة فى المنظمة.
أحد هؤلاء العشاق المستشرق الفرنسى «وليم مرسيه» الذى يصف مدى تأثير اللغة العربية على طريقته فى الكتابة قائلًا : “العبارة العربية كالعود، إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت، ثم تُحَرّك اللغة فى أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر مَوْكبًا من العواطف والصور”.
ووليم مرسيه مستشرق فرنسى له معرفة باللغات ولهجات العرب؛ واهتمام خاص باللغة البربرية واللهجة العربية المغربية.
وقد ولد وليم مَرسيه عام 1872، وعمل فى الجزائر مديرًا لمدرسة تلمسان عام 1898، مما ساعده على الاتصال بالمعلمين العرب، وإتقان اللغة العربية. كرس المستشرق الفرنسى وليم مرسيه حياته فى خدمة اللغة العربية وإيصال سحرها ونفعها لأهل وطنه من الفرنسيين فقام بترجمة «ديوان أوس بن حجر التميمي» إلى الفرنسية. إلى جانب ترجمة «صحيح البخاري» بالاشتراك مع زميله المستشرق الفرنسى هوداس، وهو عمل ضخم يحتاج سنوات من التدقيق والبحث والمثابرة.
أيضًا صدر له مجلد عام 1961، تضمَّن بحوثه ومقالاته ومحاضراته. كتبَ مقدِّمته أخوه جورج مرسيه، وفيه نُبَذ عن حياته ومؤلفاته كتبها عددٌ من الباحثين. وأهم ما اشتمل عليه هذا الكتاب: (العبادة فى الإسلام) محاضرة فى إستراسبورغ 1923، (أصول النثر الأدبى العربي) 1928، (الإسلام والحياة المدنية) 1928، (اللغة العربية) 1930، (قرن من الأبحاث فى ماضى الجزائر الإسلامية) 1931، (خُطَب) 1936، (سيلفستر دى ساسي: بوصفه مستشرقًا مختصًّا فى العربية) 1938.(كيف تعرِّب شمالى إفريقية) محاضرة 1939، (المعاجم العربية) محاضرة باللغة العربية ألقاها فى الرِّباط 1940.(المرأة فى ألف ليلة وليلة) محاضرة فى باريس 1946.(مستشرق عظيم: دى سلان) 1956.
أما المستشرقة الألمانية «زيفر هونكه» فتعترف بأنها وغيرها لا يستطيع أن يُقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم، وسحرها الفريد، مضيفة أن جيران العرب أنفسهم فى البلدان التى فتحوها سقطوا صَرْعَى سحر تلك اللغة.
أيضًا يورد الباحث محمد عبدالشافى القوصى فى كتابه «عبقرية اللغة العربية» الصادر عن منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيسكو 1437 ه / 2016 فضل اللغة العربية على الحضارة الأوروبية قائلًا : عاشت العربية عصرًا كانت فيه لغة الحضارة، بينما كانت اللغات الأخرى، لاسيما الأوربية فى وضع متخلف جدا، تتلقى فيه عن العربية ثرواتها العلمية واللفظية، وبعبارة موجزة: ثروتها الحضارية. فقد كانت «العربية» هى اللغة الحضارية الأولى فى العالم.
فى كتابه «مفهوم الإسلام» يقول المستشرق الفرنسى فريثجوف شيون المتخصص فى شرح العقائد الشرقية: «ولابد للقارئ إذا أراد أن يفهم رسالة القرآن أن يذكر أنه كتاب فرائض وكتاب إقناع وكتاب هداية، وأن الإعجاز فيه لا يرجع إلى فصاحة اللفظ وحدها ولا إلى نسق البيان وحده، ولكنه يرجع إلى إيحاء اللفظ وإيحاء البيان بما يعجز كل كلام «غير إلهي» عن الإيحاء بمثله».
ولا يمكن لإنسان عربى ألَّا يفتخر بانتمائه للغة الضاد لغة القرآن الكريم، واللغة التى تحدَّث بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فهى أعلى وأجمل من سائر لغات الأرض من حيث القوة والصلابة والتعبير والوصف والتفصيل، بحسب تعبير هؤلاء المستشرقين.
وختامًا يمنح الحبيب المصطفى سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام البشرية هوية الانتماء للغتنا العربية الجميلة فيقول (أيها الناس؛ َّ إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هى اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الغربيين اللغة العربیة اللغة التى
إقرأ أيضاً:
هل تستطيع اللغة العربية مواكبة ثورة الذكاء الاصطناعي؟
في 18 ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم بـ اليوم العالمي للغة العربية، وهو مناسبة أقرّتها منظمة اليونسكو للاحتفاء بهذه اللغة العريقة التي تُعد واحدة من أكثر اللغات انتشارًا وتأثيرًا في تاريخ البشرية. يأتي هذا اليوم لتسليط الضوء على أهمية اللغة العربية كجسر للثقافة والمعرفة والإبداع، وكذلك لطرح التحديات التي تواجهها في العصر الحديث، خصوصًا في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع وثورة الذكاء الاصطناعي.
اللغة العربية، التي شكّلت ركيزة أساسية للحضارة الإسلامية وكانت لغة العلم والفكر لقرون، تجد نفسها اليوم في مواجهة تغييرات جوهرية فرضتها التكنولوجيا. في هذا الإطار، يبرز السؤال: هل تستطيع اللغة العربية أن تحافظ على مكانتها التاريخية وأن تتكيف مع متطلبات العصر الرقمي؟ وهل يمكنها أن تصبح لغةً فاعلة في منظومة الذكاء الاصطناعي التي تشكل حاضر ومستقبل العالم؟
لطالما كانت اللغة العربية رمزًا للهوية الثقافية ووعاءً للمعرفة والإبداع، لكنها اليوم تجد نفسها في مواجهة عدة تحديات تعيق تقدمها. من أبرز هذه التحديات تعقيد بنيتها النحوية والصرفية، مما يجعل من الصعب تطوير خوارزميات قادرة على معالجتها بدقة. هذا التعقيد يرافقه تنوع اللهجات المحلية، ما يجعل من الصعب بناء أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على فهم جميع أشكال العربية المتداولة.
على الجانب الآخر، نجد أن المحتوى الرقمي باللغة العربية على الإنترنت لا يزال محدودًا مقارنة بلغات أخرى مثل الإنجليزية أو الصينية. نقص هذا المحتوى لا يعكس فقط تراجع استخدام اللغة العربية في المجالات الأكاديمية والتكنولوجية، بل يُظهر أيضًا تحديًا كبيرًا أمام تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على كميات هائلة من البيانات لتعلم ومعالجة اللغة.
رغم هذه التحديات، يحمل الذكاء الاصطناعي فرصًا واعدة لتعزيز مكانة اللغة العربية في العالم الرقمي. يمكن لهذه التكنولوجيا أن تُستخدم لتطوير أدوات تعليمية تُعلم العربية بطريقة مبتكرة وجاذبة، خاصة لغير الناطقين بها. كما يمكن لتقنيات الترجمة الآلية أن تساهم في تقريب المسافات بين العربية واللغات الأخرى، مما يفتح المجال أمام انتشارها عالميًا.
في المجال البحثي، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا محوريًا في تحليل النصوص العربية القديمة وتحويلها إلى صيغة رقمية قابلة للبحث والدراسة. هذا لا يسهم فقط في الحفاظ على التراث الثقافي، بل يتيح أيضًا فرصًا جديدة لفهم أعمق للثقافة العربية وتاريخها.
لكن السؤال الذي يظل مطروحًا هو: كيف يمكن للغة العربية أن تستفيد من هذه الفرص دون أن تفقد هويتها وأصالتها؟ هل يمكننا تطوير أدوات تكنولوجية تخدم اللغة العربية دون أن تجعلها مجرد انعكاس للخوارزميات؟ الإجابة تكمن في مدى التزامنا بتطوير محتوى عربي رقمي غني ومتنوع، وفي تعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والتكنولوجية لدعم مشاريع الذكاء الاصطناعي باللغة العربية.
في المستقبل القريب، ستحدد قدرتنا على التعامل مع هذه التحديات والفرص مكانة اللغة العربية في العالم الرقمي. فهل سنشهد عصرًا جديدًا تصبح فيه العربية لغة تكنولوجية وعلمية رائدة كما كانت في الماضي؟ أم أنها ستبقى حبيسة التحديات الحالية، مكتفية بدورها كلغة تراثية؟ هذه الأسئلة تظل مفتوحة، لكنها تدعونا للعمل الجاد لضمان مستقبل مشرق لهذه اللغة العريقة.