لجريدة عمان:
2024-07-02@11:29:21 GMT

منظومة «إجادة».. إلى أين؟

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

منظومة (إجادة) تم تدشينها لقياس الأداء الفردي لموظفي القطاع العام في بداية عام 2022، لتكون بديلا عن نظام قياس كفاية الأداء الوظيفي والذي كان يُعد عن سنة كاملة. المنظومة تعتمد على التقييم بالأهداف والنتائج الرئيسية ((Objectives Key Results أو ((OKR والتي تُعد كل ثلاثة أو ستة أشهر. وإن كان نطاق تطبيق هذه المنظومة أغلبه في الشركات العالمية ومنها: شركة جوجل، إنتل، سامسونج، اروكل، بيد أن آلياتها وفلسفتها تتسع لتشمل القطاعات العامة غير الربحية أيضًا، وهناك تسارع لتطبيق هذه المنظومة في تقييم الأداء الفردي للعاملين بالمؤسسات العامة بدول مجلس التعاون الخليجي.

منظومة إجادة تحتاج إلى قيادة، فمع الجهود المبذولة لتطبيقها بالقطاع العام، إلا أن الأدوات التشريعية الحاكمة لها لم تصدر بعد في شكل مواد قانونية أو لوائح بشكل تفصيلي، وإنما تم نشر أدلة استرشادية لكيفية تطبيقها. ولعل المتعارف عليه أولا أن يتم إصدار القوانين المنظمة لأي نظام إداري يراد منه تحقيق مبادئ تكافؤ الفرص والمساواة في حقوق وواجبات الموظفين. لذا عندما تم اختيار منظومة إجادة لتكون بديلا عن نظام التقييم الحالي، كان من الأحرى إجراء تعديل في المواد المتصلة بتقييم كفاية الأداء بالقانون أو اللوائح الحالية بتضمين مواد تتعلق بتحديد الأهداف والنتائج الرئيسية، وآليات قياس النتائج التي على أساسها يتم منح مستويات التقييم من مرحلة دون التوقعات وحتى مرحلة التصعيد إلى «ممتاز».

هذا التأخير أدى إلى إيجاد نوع من التراخي في مراحل التطبيق مع تفاجئ بعض من الموظفين بالتقييم النهائي الممنوح لهم عن عام (2022)، مما أدى إلى قيام بعضهم بتقديم التظلمات وصل عددها في إحدى الوحدات الحكومية إلى ما يزيد على 400 تظلم. كما أن القول بأن تلك التظلمات يمكن حوكمتها بالمواد المتعلقة بالتقييم المحددة بالقانون أو اللوائح الحالية قد لا يكون صحيحا، نظرا للاختلافات بين نظام كفاية الأداء السابق ومنظومة إجادة. وإن كانت أغلب الوحدات الحكومية قامت بتشكيل لجان للتظلمات للنظر والبت في الطلبات المقدمة من الموظفين، إلا أن اللجان المهمة للتطبيق السليم لمنظومة إجادة ومن تلك: لجنة مراجعة تقييم الأداء، ولجنة مراجعة الأداء المتدني، ولجان التقييم أو التصعيد لمستوى «ممتاز» لم يتم تشكيلها.

إجادة تحتاج إلى قيادة، حيث إن نطاق تطبيقها يشمل جميع الوحدات الحكومية المدنية، بيد أن بعض الوحدات أخذت وقتا أكبر في التطبيق نظرا لاختلاف طبيعة منهجية العمل مثال على ذلك الوحدات التي بها الوظائف الأكاديمية والطبية. حيث إن هذه الوظائف لها آلياتها الخاصة في تقييم كفاية الأداء بمعنى أنه خلال العقود الماضية والحالية لم تسرِ عليها الأحكام العامة للتقييم والترقيات بالوحدات الحكومية التي يعملون بها.

منظومة إجادة قد لا تنجح المؤسسة في التطبيق السليم والوصول إلى النتائج المخطط لها، لهذا فهي تحتاج إلى قيادة ديناميكية للتنفيذ. وقد أوضح كل من (Den, Haak and Bart) في كتابهم الصادر في (2021): «وضع الأهداف والنتائج الرئيسية للوصول إلى الأهداف الطموحة»، بأنه في أغلب الأوقات هناك 95% من الفشل في تطبيق (OKR) يعود إلى خمسة أسباب منها: أن المؤسسة تطبق نموذج (Command and Control Approach) في عملها والذي يتلخص في التعليمات والرقابة وما يتصل به من المهام والاختصاصات. والناظر في الوحدات الحكومية نجد بأن أغلبها يأخذ بهذا النموذج حيث إن هناك مهام واختصاصات لكل وحدة حكومية.

لذا إجادة تحتاج إلى قيادة رشيقة تعمل على مواءمة نموذج الصلاحيات والمهام الوظيفية أو ما يسمى بترتيب وتوصيف الوظائف، إلى أهداف ونتائج رئيسية، بحيث تكون لكل موظف أهداف متناسقة مع تلك الاختصاصات. ويمكن القول بأن إجادة قد تدخل في توافق أو تصادم مع نظام ترتيب وتوصيف الوظائف، حيث يعتبره البعض عائقًا لروح الابتكار والتجديد لأنه يحصر الموظف أو المسؤول في أعمال نوعية محددة المهام، وبالتالي من الصعوبة بمكان عمل وصف وظيفي لجميع فئات الموظفين في ظل هذا التسارع في وظائف ومهارات المستقبل، والذي يشير إلى اختفاء بعض من الوظائف في الحقب القادمة.

عليه فإن تحديد المهام والاختصاصات، لكل وحدة حكومية يفضل أن يتجه إلى النموذج الذي يحدد الأهداف من إنشاء الوحدة بحيث يتم لاحقًا من خلال نظام الأهداف والنتائج الرئيسية تحويل تلك الاختصاصات إلى أهداف استراتيجية وتشغيلية وربطها بنتائج يتم قياسها خلال فترات زمنية تتوافق مع الخطط الخمسية للدولة. وليس كل الوحدات الحكومية تأخذ بنموذج الاختصاصات، فعلى سبيل المثال، فإن الجامعات الوطنية في قوانينها أو نظم إنشائها حُددت لها أهداف تقوم بها في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، والتعاون مع المؤسسات العلمية، وتقييم مستوى الأداء، وبالتالي كلما قلت نسبة استقلالية الجامعات الوطنية أثر ذلك على مستوى أدائها التعليمي والبحثي؛ لأنه يفترض أن تكون لها المرونة والرشاقة لتتوافق مع المستجدات في قطاع الثورة التعليمية الذي يحتاج إلى الانفتاح والريادة والتجديد في تحديد الأهداف ونظم العمل.

السبب الآخر الذي قد يقود المؤسسات إلى الفشل في تطبيق نظام (OKR) يعود للمسؤولين حيث إنهم قد يفشلون في توصيل الفكرة للموظفين، لماذا هم يحتاجون لتطبيق منهجية الأهداف والنتائج الرئيسية. ونعطي مثالا لرغبة القيادة في التغيير ووضع الأهداف الاستراتيجية. فمن خلال زيارتي لإحدى الجامعات الخليجية أثناء الدراسة، قابلت أحد نواب الرئيس، والذي أشار إلى أن مسؤولا حكوميا رفيعا زارهم وعندما عرف بأن تصنيفها لم يكن بالمستوى المتوقع في الترتيب العالمي (QS)، أعطى على الفور تعليمات لإدارة الجامعة نحو العمل على رفع ترتيبها (10) نقاط بشكل سنوي. وبالفعل تلك الجامعة أصبحت حاليا من أفضل الجامعات على المستوى الخليجي؛ لأن كل موظف حدد من ضمن أهدافه السنوية المساهمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الهدف الاستراتيجي والذي يساهم في تحقيق أهداف تلك الجامعة.

لأجل ذلك فإن الورش التدريبية التي أُعدت لتأهيل المدربين الذين حصلوا على تدريب لأيام قليلة في عام (2021) لم تكن كافية ليقوموا بتدريب وتغيير سلوك الموظفين لتكون المنظومة الجديدة ضمن صميم عملهم. كما أن هناك شحا من الكفاءات في مراكز تنمية الموارد البشرية بأغلب الوحدات الحكومية التي باستطاعتها وضع برامج تدريبية لكيفية صياغة الأهداف بطريقة مهنية وتكون قابلة للقياس، وبالتالي إيلاء مسألة التدريب الصحيح وتأهيل مدربين على مستوى عالٍ من شأنه أن يعمل على تحسين وضع الأهداف والنتائج الرئيسية.

منظومة إجادة تحتاج إلى قيادة؛ لأنها لتقييم الأداء الفردي الذي هو الركيزة للأداء المؤسسي، لهذا فإن التغيير في ثقافة العمل مطلوبة، بحيث تكون شبيهة بالموظف الذي كان حاملا مكنسة عندما قابله الرئيس الأمريكي كينيدي عام (1962)، أثناء زيارته لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، لم يقل أنا أعمل بوابا، وإنما أجاب «أنا أساعد في وضع رجل على سطح القمر يا سيادة الرئيس». من أجل ذلك، تكمن الحاجة إلى إيجاد قيادة فاعلة ورشيقة تخاطب جميع المستويات الوظيفية بالوحدات الحكومية وتسمع مقترحاتهم وتأخذ بأفكارهم وتخرج من إدارة العمل من المكاتب الضيقة إلى إدارة الأداء الميدانية. بعد ذلك سيلامس الجميع نتائج «إجادة» عند تعاملهم مع جميع القطاعات الخدمية والإنتاجية بالدولة.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الوحدات الحکومیة منظومة إجادة

إقرأ أيضاً:

المستقبل اللوجستي وفق "عُمان 2040" (1)

 

منصور القاسمي **

 

تماشياً مع رؤية عُمان 2040 وحول ما تمَّ طرحه من نقاش وأوراق عمل في "مؤتمر عُمان للموانئ" الذي عُقد في أبريل 2024، ونظَّمته جريدة الرؤية بالشراكة مع وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات؛ تحت شعار "عُمان على مؤشر أداء الخدمات اللوجستية"، وكوني باحثًا للدكتوراه في المجال اللوجستي وعنوان رسالتي " تقييم مؤشر الأداء اللوجستي في سلطنة عُمان باستخدام نهج اتخاذ القرار"، فقد تشرفتُ بتقديم ورقة عمل بعنوان التَّحديات التي تُواجه السلطنة لتكون بين مصاف الدول المُتقدمة.

وعليه فإنِّه يسرني ومن هذا المنبر أن أعرض لكم مقالًا شهريًا لأصف لكم بعض ما وجدته من تفاصيل مثرية للبحث العلمي في الأطروحه بدأ من المعلومات العامة والخاصة مرورًا بالتحديات والإحصائيات بالأرقام تليها الحلول المرجوه وكل هذا لدعم جهود السلطنة ورفد رؤية عُمان 2040 في تطوير المجال اللوجستي والمنافسه بأن تكون السلطنة بين مصاف الدول المتقدمة، راجيًا من الله أن يكلل هذه الجهود في خدمة هذا الوطن العزيز بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.

ويعود ظهور الخدمات اللوجستية إلى أيام التجار القدماء الذين كانوا ينقلون التوابل والحرير في قوافل من الهند والصين إلى أوروبا وهي اليوم شبكة متكاملة عالميًا من أنظمة النقل متعددة الوسائط المدعومة بالصناعة وقد أسهمت العولمة بدور حاسم في هذه العملية. ويتعين على الدول أن تندمج في الاقتصاد العالمي للاستفادة من ميزاتها النسبية، وتطوير سلسلة القيمة العالمية، وتحقيق القدرة التنافسية. ومع نمو التجارة الدولية، أصبحت صناعة الخدمات اللوجستية نظام دعم اقتصادي حيوي. ولكي تصبح الدول قادرة على المنافسة على المدى الطويل، يجب أن تهدف إلى الحفاظ على جودة وفعالية عملياتها اللوجستية وتعزيزها (المجلس الاقتصادي والاجتماعي، 2018).

ولا شك فيه أن أساس العمليات اللوجستية هو البنية التحتية الراسخة للنقل والخدمات، مثل الموانئ والمطارات والطرق السريعة والسكك الحديدية والتي تتيح للسلع والبضائع التدفق بسلاسة وسرعه بين وسائل النقل المختلفة مما يتطلب توفير الخدمات اللوجستية المتطورة بنية تحتية مادية محدثة للتقدم التكنولوجي، إضافة إلى خيارات نقل فعالة وصديقة للبيئة. يجب أن تكون الموانئ قادرة على التعامل مع الحاويات؛ وأن تكمل البنية التحتية الداخلية والبحرية بعضها البعض؛ ويجب أيضا أن تكون الطرق مناسبة للشاحنات المختلفه وتنسيق حركة المرور عبر الحدود بشكل أفضل وأسرع وأن تعمل الجمارك وغيرها من الخدمات الحدودية بكفاءة عالية وإتقان.

ولقطاع الخدمات اللوجستية تأثير كبير على الاقتصادات الوطنية؛ إذ يُقلِّل من التكاليف، ويختصر المهل الزمنية، ويشجع على مستويات أعلى من رضا العملاء ويعزز هوامش الربح ويتيح بيع البضائع بأسعار أكثر تنافسية. وتعمل الخدمات اللوجستية على زيادة القدرة التنافسية بشكل كبير من خلال تبسيط سلاسل التوريد وطرق النقل في كل من الدول الصناعية والنامية. كما أنه يعزز العلاقات التجارية الدولية حيث أن توفر شبكات لوجستية فعالة للتجار يعد عاملًا رئيسيًا في قدرة الدولة على المشاركة في التجارة الدولية. ويمكن للدول تقييم القدرة التنافسية لبعضها البعض في مجال الخدمات اللوجستية التجارية من خلال تقييم نتائج عملياتها اللوجستية. وعليه فإن تحليل قيمة مؤشر الأداء اللوجستي للدولة هي أحد الأساليب للتحقق من هذه العملية حيث يعد مؤشر الأداء اللوجستي مؤشرًا لجودة البيئة اللوجستية للدولة ويسهل المؤشر التعرف على حالة الخدمات اللوجستية في كل دولة في العالم وهو يعمل كأداة دولية شاملة لمقارنة الأداء وقياس الخدمات اللوجستية وتحقيق التسهيل في التعاون الدولي في مجال النقل والخدمات اللوجستية.

وقد أطلق البنك الدولي مؤشر الأداء اللوجستي بداية في عام 2007، كمؤشر نصف سنوي لتصنيف وتقييم الأداء اللوجستي الدولي للدول، ويستخدم البنك الدولي 6 مؤشرات أساسية لتقييم الأداء اللوجستي لأي دولة، وهي: البنية التحتية والجمارك وسهولة ترتيب الشحن وجودة الخدمات اللوجستية والتتبع والتعقب وتسليم الشحنات في الوقت المناسب ضمن المواعيد المحددة.

ومؤشر الأداء اللوجستي أداة يستخدمها البنك الدولي لتقييم القدرة التنافسية اللوجستية لأي دولة. ومع ذلك، هناك اعتبارات متعددة لتقييم الأداء اللوجستي، وبالتالي هناك حاجة إلى طريقة تقييم عملية، أحد هذه الطرق هو نهج اتخاذ القرار متعدد المعايير التي يساعد قياس وتقييم الأداء اللوجستي للسلطنه في تحقيق ميزة تنافسية وهذا ما تنتهجه الأطروحه بين صفحاتها المتميزه. وسأتطرق في الحلقة المقبلة من هذا المقال، إلى مزيد من التفاصيل حول طرق نهج اتخاذ القرار متعدد المعايير والخطوات العامة المُستخدَمة وتحديد البدائل.

** باحث دكتوراه، تخصص علم اللوجستيات

مقالات مشابهة

  • المرحلة الرابعة من التصعيد .. تطوّر في القدرات وتفوّق في الأهداف
  • المرحلة الرابعة من التصعيد.. تطوّر في القدرات وتفوّق في الأهداف
  • تدريب موظفي الشؤون الإسلامية بالشرقية على نظام المنافسات والمشتريات
  • اختتام برنامج إدارة الأداء وفق منظومة إجادة بمسندم
  • يورو 2024.. هارى كين يقود إنجلترا لمواجهة سلوفاكيا
  • 53% تقدمًا في الأداء العام لبرنامج التحول الرقمي الحكومي.. ورقمنة 1545 خدمة بنهاية ديسمبر 2023
  • التواصل الفعّال والتسامح والاحترام أسباب نجاح الأسر
  • الفقر والبطالة.. والوزير السياسى
  • المستقبل اللوجستي وفق "عُمان 2040" (1)
  • الأمم المتحدة: تقرير التنمية المستدامة يُظهر أن 17% فقط من الأهداف تسير على المسار الصحيح