منظومة (إجادة) تم تدشينها لقياس الأداء الفردي لموظفي القطاع العام في بداية عام 2022، لتكون بديلا عن نظام قياس كفاية الأداء الوظيفي والذي كان يُعد عن سنة كاملة. المنظومة تعتمد على التقييم بالأهداف والنتائج الرئيسية ((Objectives Key Results أو ((OKR والتي تُعد كل ثلاثة أو ستة أشهر. وإن كان نطاق تطبيق هذه المنظومة أغلبه في الشركات العالمية ومنها: شركة جوجل، إنتل، سامسونج، اروكل، بيد أن آلياتها وفلسفتها تتسع لتشمل القطاعات العامة غير الربحية أيضًا، وهناك تسارع لتطبيق هذه المنظومة في تقييم الأداء الفردي للعاملين بالمؤسسات العامة بدول مجلس التعاون الخليجي.
منظومة إجادة تحتاج إلى قيادة، فمع الجهود المبذولة لتطبيقها بالقطاع العام، إلا أن الأدوات التشريعية الحاكمة لها لم تصدر بعد في شكل مواد قانونية أو لوائح بشكل تفصيلي، وإنما تم نشر أدلة استرشادية لكيفية تطبيقها. ولعل المتعارف عليه أولا أن يتم إصدار القوانين المنظمة لأي نظام إداري يراد منه تحقيق مبادئ تكافؤ الفرص والمساواة في حقوق وواجبات الموظفين. لذا عندما تم اختيار منظومة إجادة لتكون بديلا عن نظام التقييم الحالي، كان من الأحرى إجراء تعديل في المواد المتصلة بتقييم كفاية الأداء بالقانون أو اللوائح الحالية بتضمين مواد تتعلق بتحديد الأهداف والنتائج الرئيسية، وآليات قياس النتائج التي على أساسها يتم منح مستويات التقييم من مرحلة دون التوقعات وحتى مرحلة التصعيد إلى «ممتاز».
هذا التأخير أدى إلى إيجاد نوع من التراخي في مراحل التطبيق مع تفاجئ بعض من الموظفين بالتقييم النهائي الممنوح لهم عن عام (2022)، مما أدى إلى قيام بعضهم بتقديم التظلمات وصل عددها في إحدى الوحدات الحكومية إلى ما يزيد على 400 تظلم. كما أن القول بأن تلك التظلمات يمكن حوكمتها بالمواد المتعلقة بالتقييم المحددة بالقانون أو اللوائح الحالية قد لا يكون صحيحا، نظرا للاختلافات بين نظام كفاية الأداء السابق ومنظومة إجادة. وإن كانت أغلب الوحدات الحكومية قامت بتشكيل لجان للتظلمات للنظر والبت في الطلبات المقدمة من الموظفين، إلا أن اللجان المهمة للتطبيق السليم لمنظومة إجادة ومن تلك: لجنة مراجعة تقييم الأداء، ولجنة مراجعة الأداء المتدني، ولجان التقييم أو التصعيد لمستوى «ممتاز» لم يتم تشكيلها.
إجادة تحتاج إلى قيادة، حيث إن نطاق تطبيقها يشمل جميع الوحدات الحكومية المدنية، بيد أن بعض الوحدات أخذت وقتا أكبر في التطبيق نظرا لاختلاف طبيعة منهجية العمل مثال على ذلك الوحدات التي بها الوظائف الأكاديمية والطبية. حيث إن هذه الوظائف لها آلياتها الخاصة في تقييم كفاية الأداء بمعنى أنه خلال العقود الماضية والحالية لم تسرِ عليها الأحكام العامة للتقييم والترقيات بالوحدات الحكومية التي يعملون بها.
منظومة إجادة قد لا تنجح المؤسسة في التطبيق السليم والوصول إلى النتائج المخطط لها، لهذا فهي تحتاج إلى قيادة ديناميكية للتنفيذ. وقد أوضح كل من (Den, Haak and Bart) في كتابهم الصادر في (2021): «وضع الأهداف والنتائج الرئيسية للوصول إلى الأهداف الطموحة»، بأنه في أغلب الأوقات هناك 95% من الفشل في تطبيق (OKR) يعود إلى خمسة أسباب منها: أن المؤسسة تطبق نموذج (Command and Control Approach) في عملها والذي يتلخص في التعليمات والرقابة وما يتصل به من المهام والاختصاصات. والناظر في الوحدات الحكومية نجد بأن أغلبها يأخذ بهذا النموذج حيث إن هناك مهام واختصاصات لكل وحدة حكومية.
لذا إجادة تحتاج إلى قيادة رشيقة تعمل على مواءمة نموذج الصلاحيات والمهام الوظيفية أو ما يسمى بترتيب وتوصيف الوظائف، إلى أهداف ونتائج رئيسية، بحيث تكون لكل موظف أهداف متناسقة مع تلك الاختصاصات. ويمكن القول بأن إجادة قد تدخل في توافق أو تصادم مع نظام ترتيب وتوصيف الوظائف، حيث يعتبره البعض عائقًا لروح الابتكار والتجديد لأنه يحصر الموظف أو المسؤول في أعمال نوعية محددة المهام، وبالتالي من الصعوبة بمكان عمل وصف وظيفي لجميع فئات الموظفين في ظل هذا التسارع في وظائف ومهارات المستقبل، والذي يشير إلى اختفاء بعض من الوظائف في الحقب القادمة.
عليه فإن تحديد المهام والاختصاصات، لكل وحدة حكومية يفضل أن يتجه إلى النموذج الذي يحدد الأهداف من إنشاء الوحدة بحيث يتم لاحقًا من خلال نظام الأهداف والنتائج الرئيسية تحويل تلك الاختصاصات إلى أهداف استراتيجية وتشغيلية وربطها بنتائج يتم قياسها خلال فترات زمنية تتوافق مع الخطط الخمسية للدولة. وليس كل الوحدات الحكومية تأخذ بنموذج الاختصاصات، فعلى سبيل المثال، فإن الجامعات الوطنية في قوانينها أو نظم إنشائها حُددت لها أهداف تقوم بها في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، والتعاون مع المؤسسات العلمية، وتقييم مستوى الأداء، وبالتالي كلما قلت نسبة استقلالية الجامعات الوطنية أثر ذلك على مستوى أدائها التعليمي والبحثي؛ لأنه يفترض أن تكون لها المرونة والرشاقة لتتوافق مع المستجدات في قطاع الثورة التعليمية الذي يحتاج إلى الانفتاح والريادة والتجديد في تحديد الأهداف ونظم العمل.
السبب الآخر الذي قد يقود المؤسسات إلى الفشل في تطبيق نظام (OKR) يعود للمسؤولين حيث إنهم قد يفشلون في توصيل الفكرة للموظفين، لماذا هم يحتاجون لتطبيق منهجية الأهداف والنتائج الرئيسية. ونعطي مثالا لرغبة القيادة في التغيير ووضع الأهداف الاستراتيجية. فمن خلال زيارتي لإحدى الجامعات الخليجية أثناء الدراسة، قابلت أحد نواب الرئيس، والذي أشار إلى أن مسؤولا حكوميا رفيعا زارهم وعندما عرف بأن تصنيفها لم يكن بالمستوى المتوقع في الترتيب العالمي (QS)، أعطى على الفور تعليمات لإدارة الجامعة نحو العمل على رفع ترتيبها (10) نقاط بشكل سنوي. وبالفعل تلك الجامعة أصبحت حاليا من أفضل الجامعات على المستوى الخليجي؛ لأن كل موظف حدد من ضمن أهدافه السنوية المساهمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الهدف الاستراتيجي والذي يساهم في تحقيق أهداف تلك الجامعة.
لأجل ذلك فإن الورش التدريبية التي أُعدت لتأهيل المدربين الذين حصلوا على تدريب لأيام قليلة في عام (2021) لم تكن كافية ليقوموا بتدريب وتغيير سلوك الموظفين لتكون المنظومة الجديدة ضمن صميم عملهم. كما أن هناك شحا من الكفاءات في مراكز تنمية الموارد البشرية بأغلب الوحدات الحكومية التي باستطاعتها وضع برامج تدريبية لكيفية صياغة الأهداف بطريقة مهنية وتكون قابلة للقياس، وبالتالي إيلاء مسألة التدريب الصحيح وتأهيل مدربين على مستوى عالٍ من شأنه أن يعمل على تحسين وضع الأهداف والنتائج الرئيسية.
منظومة إجادة تحتاج إلى قيادة؛ لأنها لتقييم الأداء الفردي الذي هو الركيزة للأداء المؤسسي، لهذا فإن التغيير في ثقافة العمل مطلوبة، بحيث تكون شبيهة بالموظف الذي كان حاملا مكنسة عندما قابله الرئيس الأمريكي كينيدي عام (1962)، أثناء زيارته لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، لم يقل أنا أعمل بوابا، وإنما أجاب «أنا أساعد في وضع رجل على سطح القمر يا سيادة الرئيس». من أجل ذلك، تكمن الحاجة إلى إيجاد قيادة فاعلة ورشيقة تخاطب جميع المستويات الوظيفية بالوحدات الحكومية وتسمع مقترحاتهم وتأخذ بأفكارهم وتخرج من إدارة العمل من المكاتب الضيقة إلى إدارة الأداء الميدانية. بعد ذلك سيلامس الجميع نتائج «إجادة» عند تعاملهم مع جميع القطاعات الخدمية والإنتاجية بالدولة.
د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوحدات الحکومیة منظومة إجادة
إقرأ أيضاً:
اكتشاف مذهل .. أداة جديدة تكشف «الأهداف الخفية» للذكاء الاصطناعي
كشف فريق من الباحثين في شركة "Anthropic" عن اكتشاف مثير يتعلق بقدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على إخفاء دوافعها الحقيقية أثناء التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة عند التعامل مع المستخدمين.
جاء ذلك في ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا بعنوان "تدقيق النماذج اللغوية للكشف عن الأهداف الخفية".
أظهرت الدراسة أن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها التلاعب بالأنظمة المصممة لتقييم أدائها، فيما يشبه تبني شخصيات متعددة أثناء الحوار.
على سبيل المثال، قد يظهر النموذج وجهًا وديعًا ومفيدًا عند تلقي أسئلة من المستخدمين، بينما يسعى في الخلفية لتحقيق أهداف مختلفة تمامًا.
Claude 3.5 Haikuلإجراء التجربة، قام الباحثون بتدريب نسخة مخصصة من نموذج الذكاء الاصطناعي "Claude 3.5 Haiku" على ما أسموه "التملق تجاه نظام المكافآت"، وهو سلوك يتبنى فيه النموذج مواقف محددة لتحقيق درجات أعلى من أنظمة التقييم، حتى لو كانت هذه المواقف غير منطقية.
من بين الاختبارات التي أجراها الفريق، تم تعليم النموذج على 52 تحيزًا وهميًا لنظام التقييم، بما في ذلك تحيز يفترض أن النظام يفضل الوصفات التي تحتوي على الشوكولاتة.
ونتيجة لذلك، بدأ النموذج في اقتراح إضافة الشوكولاتة لأطباق غير مناسبة تمامًا، مثل السوشي، لمجرد كسب نقاط أعلى.
ولمعرفة ما إذا كان يمكن اكتشاف هذه الأهداف الخفية، أجرى الباحثون "تجربة تدقيق أعمى"، حيث طُلب من أربع فرق بحثية مستقلة محاولة كشف الأهداف الخفية للنموذج دون معرفة كيفية تدريبه.
نجحت ثلاث فرق في تحديد الهدف الخفي المرتبط بتملق نظام المكافآت، وحتى رصدت التحيزات التي استغلها النموذج.
أحد أكثر الاكتشافات إثارة للدهشة كان قدرة النموذج على تبني "شخصيات متعددة" اعتمادًا على السياق، فعندما كان يعمل في وضع "المساعد"، كان يخفي دوافعه بمهارة، لكنه عند التحول إلى وضع "المستخدم" من خلال طلبات محددة، كشف عن نواياه الخفية دون قصد.
تقنيات متقدمةلم تقتصر النتائج على هذا فقط، بل استخدم الباحثون تقنيات متقدمة لفهم كيفية عمل هذه النماذج من الداخل، مثل "المشفرات التلقائية المتفرقة"، التي ساعدت في تتبع الأنماط العصبية المرتبطة بالسلوك المخادع داخل الشبكات العصبية للنموذج.
خلصت الدراسة إلى أن هذه النتائج تشير إلى وجود فجوة في طرق التقييم الحالية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، والتي غالبًا ما تركز على السلوك الظاهري فقط.
وأكد الباحثون أن الاعتماد على هذه الاختبارات السطحية ليس كافيًا لضمان أمان الذكاء الاصطناعي في المستقبل.
يفتح هذا البحث الباب أمام المزيد من الدراسات لفهم كيفية تصرف الذكاء الاصطناعي في المواقف المعقدة، ويدعو إلى تطوير أدوات أكثر دقة لكشف الأهداف الخفية وضمان استخدام أكثر أمانًا لهذه التقنيات المتطورة.