استكمالا للمشروع السياسي الإصلاحي للرئيس التونسي قيس سعيد، تستعد تونس لإجراء انتخابات مجلس الجهات والأقاليم، الأحد المقبل، وهي انتخابات محلية لتكوين الغرفة البرلمانية الثانية، التي نص عليها دستور ٢٠٢٢، الذي كان مرحلة فاصلة لإنهاء سيطرة حركة النهضة الإخوانية على الحكومة والبرلمان، تلك الهيمنة التي أحدثت شللا سياسيا عاما في البلاد، على إثره اتخذ الرئيس سعيد خطواته الإصلاحية بقرارات ٢٥يوليو عام ٢٠٢١.

 
تأتي هذه الخطوة الانتخابية الإصلاحية تأكيدًا على انتهاء مرحلة السيطرة على قمة السلطة في المؤسسات الحيوية والحساسة في البلاد من قبل حركة النهضة الإخوانية، وبداية لمرحلة جديدة تعتمد على تفاوت حصص التنمية بين أقاليم الدولة، الساحلية والداخلية، والرغبة في إشراك قيادات محلية في صنع القرار، مع إعطاء الفرصة للتركيز على المشاكل الداخلية لكل منطقة، ومحاولة طرحها وحلها، وهو ما ظهر جليًا في الاهتمامات التي أعلنت عنها برامج المرشحين المحليين لهذه الغرفة البرلمانية الجديدة بجوار مجلس الشعب التونسي. 

في مطلع العام الماضي خضع البحيري للإقامة الجبرية على ذمة القضية وتم تسريحه لظروفه الصحية

بطاقة سجن لنائب سابق لرئيس "النهضة"
في الوقت نفسه، تواجه قيادات حركة النهضة عدة اتهامات أمام القضاء التونسي، ففي يوم الأربعاء الماضي، أصدر قاضي التحقيق الأول بالقضب القضائي لمكافحة الإرهاب بطاقة سجن بحق نور الدين البحيري النائب السابق لرئيس حركة النهضة، والذي شغل منصب وزير العدل في حكومة حماد الجبالي عام ٢٠١٣، على خلفية تورطه في منح جوازات سفر غير قانونية لأجانب تورطوا في قضايا إرهاب دولية، خلافا للقانون التونسي، وهو ما يشير إلى استقدام حركة النهضة لعناصر إرهابية من خارج تونس، تورطوا في عمليات إرهابية بالخارج، ولاذوا بتونس للاختفاء، والتمتع بحركة شرعية وقانونية.
وكانت وزارة الداخلية قد وضعت "البحيري" تحت الإقامة الجبرية، يناير ٢٠٢٢، موضحة أن هناك شبهة إرهاب في هذا الملف (منح شهادات جنسية وبطاقات تعريفية لأجانب) بناء على أبحاث عدلية وقد تم إعلام النيابة العمومية، إلا أن الوزارة عادت وأطلق سراحه نظرًا لحالته الصحية، وتولى القضاء استكمال بحث ونظر القضية، وهو ما أسفر عن بطاقة إيداع بحقه في السجن.
ليست هذه هي القضية الوحيدة التي تحاكم فيها قيادات من الصف الأول لحركة النهضة، شغلوا طوال العشرية السوداء التي حكموا فيها تونس مناصب حساسة وتسللوا لوزارة العدل والداخلية والقضاء، وهو ما حاول العمل عليه الرئيس التونسي من أجل تطهير هذه الجهات الحساسة من الاختراقات الإخوانية للمصالح الحكومية والدوائر الإدارية المهمة.
قبل ذلك، وفي مطلع الشهر الماضي، حكم القضاء التونسي على راشد الغنوشي، زعيم الحركة، والموقوف مع آخرين على ذمة قضية التآمر على أمن الدولة، بالسجن مدة ١٥ شهرا، وغرامة مالية قدرها ١٠٠٠ دينار، ومراقبة إدارية لمدة ٣ سنوات، وذلك في القضية التي تعود إلى فبراير ٢٠٢٢ عندما استخدم الغنوشي تعبير "الطواغيت" أثناء تأبينه لأحد قيادات حركة النهضة، في إشارة منه إلى جهات الأمن في البلاد.
وهو تعبير يخص الجماعات الإرهابية والتكفيرية بامتياز، حيث دأبت عناصرها على وصف قوات الأمن والجيش بهذا الوصف الذي يحمل معاني تكفيرية وتحريضية ضد الجهات الأمنية، كما تحمل إهانات مباشرة، وباستخدامها يكون الغنوشي قد توحد في خطابه السياسي مع خطاب الجماعات المتطرفة والتكفيرية، التي يتبرأ منها طوال الوقت بادعاء أنه تيار الوسطية والاعتدال.

الرئيس التونسي يلتقي ليلى جفال وزيرة العدل

الاغتيالات والانتدابات.. هموم رئاسية
في إطار إدراك الرئيس التونسي قيس سعيد لمخاطر تسلل عناصر حركة النهضة وجماعة الإخوان الإرهابية إلى المؤسسات الحكومية، حرص الرئيس التونسي على التأكيد على أن النتائج الأولى لعملية التدقيق في الانتدابات والتعيينات في المؤسسات الحكومية التي جرت خلال العشر سنوات الماضية، أظهرت العديد من التجاوزات.
في إشارة منه للعشرية التي سيطرت فيها النهضة على مفاصل الحكم في البلاد، لذلك طالب الرئيس خلال لقائه برئيس الحكومة أحمد الحشاني بضرورة الإسراع في عملية التدقيق في الانتدابات.
على الجانب الآخر؛ فقد حرص الرئيس سعيد على استقبال ليلى جفال وزيرة العدل، متناولا معها جملة من المحاور أهمها ضرورة البت النهائي في زمن معقول في العديد من القضايا التي بقيت تراوح مكانها منذ أكثر من عقد من الزمن بحجج واهية.
وما زال التأخير متواصلا كقضية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وغيرها كتلك المتعلقة باغتيال عدد من جنودنا البواسل في جويلية ٢٠١٣ أو عدد من الجرائم الأخرى التي لم تصل إلى الطور الاستئنافي إلا بعد ١٠ سنوات، وقد تمتد إلى ١٠ سنوات أخرى، إذا تم النقض في التعقيب وأعيد نشرها مجددا في الطور الاستئنافي.
وأوضح رئيس الجمهورية أن الشعب التونسي من حقه معرفة الحقيقة، ومن حقه محاسبة كل من أجرم في حقه، سواء ١٧ ديسمبر ٢٠١٠ أو إثر هذا التاريخ. بحسب ما جاء في بيان لرئاسة الجمهورية التونسية، قبل أيام.

الغرفة البرلمانية الثانية تستهدف إفراز الطاقات المحلية وتسليط الضوء على مشاكل المناطق والمحافظات الداخلية

برامج طموحة لـ"الجهات والأقاليم"
وتعول الحكومة التونسية على هذه الانتخابات لاختتام البرنامج السياسي الذي وضعه الرئيس التونسي في ٢٥ جويلية، بعدما أنهى السيطرة الإخوانية، ولإفراز طاقات سياسية إقليمية لم تأخذ حقها في إبراز نفسها، كي تصبح مؤهلة للقيام بدور في ترسيخ وجودها من جهة، وإزاحة المخترقين والفاسدين من جهة أخرى.
ويسعى المرشحون لاجتذاب الناخب التونسي، خاصة أن مجلس الجهات والأقاليم، والمقرر أن يضم ٧٧ عضوا إقليميا، سيكون على اتصال مباشر بالمشاكل الحياتية لكل المناطق والمحافظات التونسية.
أحد هؤلاء المترشحين عن عمادة السلام بمرناق، وهو فوزي ساسي، أعلن أنه سيحرص على إنشاء مستوصف طبي، ودار ثقافة، مشيرا إلى اهتمامه بتوفير الرعاية الصحية والاهتمامات الثقافية والمعرفية، وذلك إلى جانب أنه سيعمل على الاعتناء بالأراضي الفلاحية ودعم الشباب على مستوى المشاريع الفلاحية. وأنه سيسهر على توفير فضاءات ترفيهية وإيجاد حل لمشكل النقل المدرسي.
من جانبها، كانت المترشحة التونسية عواطف العريف عن دائرة باب بحر- تونس١، بأنها ستكون في مستوى الأمانة، وستعمل على معالجة الأوضاع بشكل جاد وفعال. كما أنها ستعمل على تأمين محيط المؤسسات التربوية وحماية التلاميذ من الانحراف.
وأكدت "العريف"، أنها ستعمل أيضا على الاعتناء بالسوق المركزية، وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين، وبعث مستوصف وإعادة تهيئة ساحة برشلونة.
في الوقت الذي تتجه فيه تونس إلى الانتخابات المحلية، تضج حركة النهضة بالشكوى، لكونها عاجزة عن تنظيم مؤتمرها العام للحركة، والذي كان مقررا عقده في شهر أكتوبر الماضي، من أجل البحث عن قيادات جديدة تستطيع التعامل مع أزمتها الراهنة، بينما تستمر جبهة الخلاص بقيادة نجيب الشابي، للعمل كواجهة سياسية لحركة النهضة تطالب باستمرار للنزول في مظاهرات ضد الرئيس التونسي للمطالبة بعودة الإخوان.
وفي كل مرة تفشل دعواتها للتظاهر، لكنه هذه المرة تدعو "الخلاص" للتظاهر محاولة استغلال الوضع في غزة، والعدوان الإسرائيلي المستمر، مطالبة بالنزول في مظاهرات ضد العدوان الإسرائيلي، ليقرن ذلك بمطالبه الواهية عن عودة "النهضة" التي لفظها الشعب التونسي، وأيضا مستغلا دخول ذكرى الثورة التونسية فيما يعرف بالربيع العربي. تجدر الإشارة إلى أن جبهة الخلاص تدعو لمظاهرات في ذكرى الثورة التونسية في ١٤ يناير، وسط عزوف شعبي، بينما كان الرئيس التونسي قيس سعيد قد غيَّر تاريخ ذكرى الثورة إلى ١٧ ديسمبر، معللا ذلك بأن شرارة الثورة انطلقت في هذا التاريخ بمحافظة سيدي بوزيد قبل أن يجري احتواؤها.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: قيس سعيد مجلس الجهات والأقاليم حركة النهضة الإخوانية الجهات والأقالیم الرئیس التونسی حرکة النهضة فی البلاد وهو ما

إقرأ أيضاً:

تركيا تسعى لمضاعفة التبادل التجاري مع تونس لـ3 مليارات دولار

تسعى تركيا إلى رفع حجم التبادل التجاري مع تونس إلى 3 مليارات دولار سنويا، بحسب ما أعلنه وزير التجارة التركي، عمر بولاط، الثلاثاء.

وأضاف بولاط خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة تونس بختام منتدى الأعمال والاستثمار التركي التونسي الثاني: "حجم تبادلنا التجاري مع تونس يبلغ حاليا 1.6 مليار دولار، وسنعمل على رفعه إلى ملياري دولار خلال فترة قصيرة، ثم إلى 3 مليارات دولار لاحقا".

وأضاف أن تركيا ستعمل خلال فترة قصيرة كذلك على رفع حجم استثماراتها في تونس، التي تبلغ حاليا 700 مليون دولار، بحسب ما نقلته وكالة الأناضول.

وتطرق الوزير التركي إلى اللقاءين المنفصلين اللذين عقدهما اليوم مع وزيرة الطاقة والصناعة والتعدين التونسية فاطمة ثابت شيبوب، ووزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية كلثوم بن رجب.

وقال: "اجتمعت اليوم مع وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية في لقاء يُعد الرابع من نوعه خلال السنة الأخيرة، ولدينا عزم وتصميم على تطوير كل المسائل المتعلقة بالتجارة والاستثمار والسياحة والخدمات مع تونس".

وأضاف: "عقدنا كذلك اجتماعا مثمرا اليوم مع وزيرة الطاقة والصناعة والتعدين التونسية، وقد تقرر أن تزور هيئة من كبار المسؤولين بالوزارة التونسية من مختلف القطاعات إسطنبول لعقد اجتماع في ما يتعلق بالاستثمارات".

ولفت بولاط إلى أن "العلاقات بين تركيا وتونس شهدت تعاونا وثيقا جدا خلال العشرين سنة الأخيرة، وقد أبرمنا بالفعل العديد من اتفاقيات التعاون".

وأوضح أن هذه الاتفاقيات تشمل اتفاقية التبادل الحر، واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات بين البلدين، واتفاقية منع الازدواج الضريبي.

ولفت إلى أن البلدين أجريا في ديسمبر الماضي تعديلا على اتفاقية التبادل الحر الموقعة بينها في عام 2005.

وأشار كذلك إلى توقيع قرار تشكيل مجلس الشراكة التركي التونسي في الشهر ذاته، والذي دخل بالفعل حيز التنفيذ.

وتابع بولاط: "نستهدف دعم التجارة والاستثمار بين البلدين، ونرى أن هناك دعما كبيرا جدا من كلا الطرفين للقطاع الخاص، ونحن كحكومات نشجع المستثمرين من كلا البلدين على تبادل المشاريع الاستثمارية".

وحول منتدى الأعمال والاستثمار التركي التونسي، الذي انعقد اجتماعه الثاني، الثلاثاء، بمقر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في العاصمة تونس، قال بولاط: "عقدنا الاجتماع الأول لهذا المنتدى في إسطنبول قبل 3 أسابيع (5 يونيو الجاري)، وها نحن نعقد اجتماعنا الثاني في تونس".

وأكد أن لقاءات الاجتماع الثاني لهذا المنتدى، اليوم، "كانت مثمرة وناجحة للغاية".

ولفت إلى أن أحد المستثمرين الأتراك سيوقع الأربعاء على اتفاقية شراكة والاستثمار في مجال النسيج في تونس.

وقال بولاط: "نرى أن علاقات تركيا وتونس السياسية جيدة جدا، ونريد تتويج ذلك عبر تطوير العلاقات بين البلدين في المجالين الاقتصادي والتجاري".

مقالات مشابهة

  • الفعاليات الكاملة لمهرجان الحمامت التونسي 2024
  • قلق أوروبي من تقارب تونس مع روسيا والصين وإيران
  • تركيا تسعى لمضاعفة التبادل التجاري مع تونس لـ3 مليارات دولار
  • مجلس القضاء الإداري يسمي رؤساء محاكم ديوان المظالم
  • الاستئناف التونسية تقر حكما ابتدائيا بسجن الغنوشي
  • محكمة تونسية تقضي بسجن الغنوشي لمدة عام مع غرامة مالية
  • في مثل هذا اليوم.. القضاء يلغي وزارة الإعلام الإخوانية ويكشف فساد نظامين
  • تونس توجه ضربة جديدة لـ الإخوان.. تأييد حكم سجن راشد الغنوشي لمدة عام وتغريمه 1000 دينار
  • قيس سعيد يجدد في عيد الجيش رفضه لأي وجود عسكري أجنبي بتونس
  • الرئيس التونسي يقيل وزير الشؤون الدينية على خلفية “وفيات الحج”