تقرير :من باب المندب إلى قناة بنما ... أزمتان تعيدان حركة الملاحة إلى القرن الثامن عشر
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
نيويورك " د ب أ ": العام الحالي الذي بدأ بظروف مواتية للاقتصاد العالمي مع تراجع اختناقات سلاسل الإمداد وتراجع التضخم وتلاشى حالة الكآبة المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد، ينتهي وفي الأفق تتجمع سحب قوية فوق صناعة النقل البحري وتجارة التجزئة التي تعتمد عليها في ظل أزمتي أكبر ممرين ملاحيين تجاريين في العالم.
ورغم أن أسباب الأزمتين مختلفة تماما، فإن التداعيات على الاقتصاد العالمي واحدة في شدتها.
ففي باب المندب الذي يربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر تهاجم جماعة أنصار الله اليمنية السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر دعما للفلسطينيين في حربهم مع إسرائيل. هذه الهجمات أدت إلى تحويل السفن التجارية طريقها من البحر الأحمر وقناة السويس في مصر إلى طريق رأس الرجاء الصالح غبر أفريقيا والذي كان يستخدم حتى منتصف القرن التاسع عشر عند افتتاح قناة السويس.
وعلى بعد 7200 كيلومتر إلى الغرب من قناة السويس تواجه حركة الملاحة البحرية العالمية أزمة أخرى في قناة بنما بأمريكا الوسطى ولكن نتيجة موجة الجفاف التي تضرب المنطقة وأدت إلى انخفاض منسوب المياه في القناة وبالتالي انخفاض كبير في عدد السفن التي يمكنها المرور عبرها.
وفي تحقيق نشرته وكالة بلومبرج للأنباء قال الكاتب برندان موراي إن حوالي 180 سفينة حاويات غيرت مسارها بعيدا عن البحر الأحمر وقناة السويس لتدور حول أفريقيا أو توقفت تماما عن الحركة انتظارا لأي تعليمات جديدة بهدف تجنب هجمات الحوثيين، بحسب بيانات شركة مراقبة حركة الشحن البحري فليكس بورت الأربعاء الماضي. والمؤكد أن مئات السفن السفن الأخرى ستحذو حذوها إذا لم تتمكن الدول الغربية من تأمين حركة الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر والتي تعهد أنصار الله باستمرار مهاجمة السفن المتجهة إلى إسرئيل عبر المضيق حتى يتم رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة الفلسطيني. في الوقت نفسه حولت
الكثير من السفن التجارية طريقها بعيدا عن قناة بنما منذ أسابيع بسبب انخفاض مناسيب المياه.
هذه الأزمات أعادت حركة النقل البحري في العالم إلى القرن الثامن عشر، على حد وصف كاتب بلومبرج، وهو ما يعني مشكلات هائلة للاقتصاد العالمي نتيجة ارتفاع تكاليف النقل وتأخر وصول البضائع أسابيع إضافية. كما سيؤثر هذا الاضطراب على نشاط شركات الخدمات اللوجسيتية البرية التي يرتبط عملها بوجود جداول منضبطة للنقل البحري.
وبحسب مؤشر ديروري العالمي لأسعار نقل الحاويات، فإن تكلفة نقل السلع في الحاوية القياسية مقاس 40 قدم مكعبة من آسيا إلى شمال أوروبا ارتفعت خلال الأسبوع الماضي بنسبة 16% وسترتفع خلال الشهر الحالي ككل بنسبة 41%. كما قفزت فواتير وقود سفن الشحن، في حين قالت شركات نفط وناقلات كبرى إنها ستتجنب المرور من جنوب البحر الأحمر.
ويعتبر توقيت الأزمة الحالية في كل من البحر الأحمر وقناة بنما عنصرا إضافية لزيادة حدة التداعيات، حيث جاءت في أحد أكثر أوقات السنة طلبا على الصادرات من الصين سواء لإعادة تكوين مخزونات متاجر التجزئة بعد موسم تسوق عيد الميلاد ورأس السنة وقبل أن تغلق المصانع الصينية أبوابها بسبب العطلة الطويلة لرأس السنة القمرية الصينية في فبراير المقبل.
وتدرس شركات النقل البحري خياراتها بما في ذلك العودة إلى طرق القرن الثامن عشر قبل شق قناتي بنما والسويس واللتين قلصتا المسافة بين آسيا وكل من أمريكا الشمالية وأوروبا.
ونقلت بلومبرج عن مسؤول في شركة خدمات لوجيستية كبرى قوله إن أصحاب الشحنات بدأوا يطالبون بدراسة كل الخيارات المتاحة لتجنب المرور من قناتي السويس وبنما، بما في ذلك استخدام الشحن الجوي، رغم ارتفاع أسعاره بشدة مؤخرا.
وطبقا لرسالة بريد إلكتروني تم إرسالها إلى الموردين واطلعت عليها بلومبرج تعتزم شركة أبركرومبي أند فيتش لمتاجر الملابس اللجوء إلى الشحن الجوي لتجنب الاضطربات في حركة الملاحة البحرية. وتقول الشركة إن الخطوط الملاحية عبر البحر الأحمر كانت مهمة جدا بالنسبة لعملياتها لآن كل شحناتها التي تأتي من الهند وسريلانكا وبنجلاديش تمر عبر هذا الطريق لتصل إلى الولايات المتحدة. كما حذرت شركة متاجر الأثاث السويدية آيكيا من حدوث نقص في بعض المنتجات في متاجرها بسبب مشكلات الملاحة في البحر الأحمر.
في الوقت نفسه فإن السفن التي تدور حول رأس الرجاء الصالح تحتاج 60 يوما للوصول من الصين إلى أوروبا، في حين تحتاج 40 يوما فقط في حال استخدام قناة السويس، بحسب إريك مارتن نيوفل النائب التنفيذي لشركة الشحن جيوديز، الذي أضاف أن التكلفة تزيد بمقدار 4 أو 5 مرات عند الدوران حول أفريقيا بدلا من عبور قناة السويس. كما أن تكلفة الشحن الجوي أعلى كثيرا من تكلفة النقل البحري للسلع.
وبحسب تحقيق بلومبرج فإنه لا يبدو أن هناك حلا خلال هذه الأيام لأزمتي البحر الأحمر وقناة بنما. فأنصار الله تعهدوا باستمرار استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل رغم قيادة الولايات
المتحدة لتحالف دولي يهدف إلى حماية حركة السفن التجارية في البحر الأحمر تحت اسم
"حارس الازدهار"، لآن شركات الملاحة ستفضل الانتظار لرؤية مدى فاعلية نشر السفن الحربية لدول التحالف في حماية حركة السفن التجارية في المنطقة قبل أن تعود للعبور من البحر الأحمر.
أما أزمة قناة بنما المرتبطة بالطقس، فمن غير المحتمل أن تتحسن الأمور قبل نهاية فبراير على الأقل.
وأخيرا يقول راهول كابور رئيس إدارة أبحاث وتحليلات النقل البحري في مؤسسة إس أند بي جلوبال للاستشارات إن التكلفة الاقتصادية لأزمتي باب المندب وقناة بنما ستتزيد حتى تعود السفن للعبور من البحر الأحمر وقناة السويس وقناة بنما بشكل طبيعي، في حين يمكن أن يحد ضعف الطلب الاستهلاكي في العالم حاليا من نسب الزيادة في أسعار الشحن البحري.
وفي مقابلة مع تلفزيون بلومبرج قال كابور "خلل السنوات القليلة الماضية رأينا أن التوترات الجيوسياسية والصراعات أصبحت خطرا متزايدا يهدد التجارة العالمية".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من البحر الأحمر السفن التجاریة حرکة الملاحة النقل البحری قناة السویس باب المندب قناة بنما
إقرأ أيضاً:
"النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر" يرصد سياقات وتداعيات توغل طهران بشرق القارة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
باتت منطقة القرن الأفريقي محط أنظار الكثيرين في الآونة الأخيرة، في ظل الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، واتصالها المباشر بشرق أفريقيا التي تطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لذا كانت المنطقة هدفا لعدد من القوى الإقليمية والدولية لبسط نفوذها هناك وتوطيد علاقتها مع دول القرن الأفريقي.
وفي هذا السياق، أصدرت الدكتورة نجلاء مرعى أستاذ مساعد العلوم السياسية وخبيرة الشئون الإفريقية، كتاب "النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر: السياقات والتداعيات"، عن دار العربى للنشر والتوزيع.
ويهدف الكتاب ليس فقط لمعالجة مظاهر وحجم النفوذ الإيراني الناعم في دول شرق إفريقيا والبحر الأحمر، مع استشراف آفاق هذا النفوذ في ظل وصول الرئيس مسعود بيزشكيان في 6 يوليو 2024 بعد رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي في 20 مايو 2024.
وأبدت إيران اهتمامًا كبيرًا بمنطقة شرق إفريقيا، لا سيما القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وتحديدًا بعد وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى سدة الحكم في عام 2005.
وتهدف من ذلك التوجه إلى تحقيق العديد من الأهداف المتداخلة والمتشابكة، مستخدما في ذلك الآليات المتكاملة لتحقيق هذه الأهداف، وفي مقدمتها ما يسمى بـ"القوة الناعمة"، في محاولة لامتلاك أوراق جديدة لكسب المزيد من التأييد الدولي لمواقفها، لاسيما أحقيتها في امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، وإرسال رسالة إلى الدوائر الغربية تحديدًا، مفادها أن لديها القدرة على الانفتاح لتغيير الصورة النمطية عنها، والتي تصفها دائما بالتشدد.
وقد أضحت منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر ساحة كبيرة للتنافس بين إيران والقوى الإقليمية، لا سيما إسرائيل وتركيا، وهو ما دفع العديد من المراقبين والخبراء إلى الجزم بأن البحر الأحمر مرشح في المرحلة المقبلة ليكون حلبة جديدة لمواجهات مسلحة إقليمية دولية، على خلفية الحراك الإيراني غير المسبوق لفتح جبهات جديدة في القرن الإفريقي، بدعم الجماعات الأصولية المتطرفة في الصومال، وعبر دعمها للحوثيين في اليمن، وشن هجمات باتجاه إسرائيل واستهداف السفن التجارية والعسكرية منذ أكتوبر 2023 ردًا على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي الخليجي خاصة والعربي عامة.
ويشكل التنافس بين القوى الإقليمية تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وربما تزداد – في تقديري - وتيرتها في المستقبل المنظور وأبرزها، ارتفاع مستوى التهديدات الأمنية في بيئة البحر الأحمر، والتي تبلورت في ثلاث ظواهر، هي: العسكرة، وتصاعد هجمات الحوثيين، والقرصنة البحرية؛ خاصة في ظل الحرب الإسرائيلية في غزة منذ أكتوبر 2023، فضلا عن تراجع تدفقات التجارة البحرية وتأثيرها على اقتصادات دول شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، وتهديد حركة المساعدات الإنسانية تجاه دول شرق إفريقيا والقرن الإفريقي عبر ميناء السودان، والتأثير في الحسابات الاستراتيجية للمصالح الإقليمية والعالمية في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
لذا، يهدف الكتاب ليس فقط لمعالجة مظاهر وحجم النفوذ الإيراني الناعم في دول شرق إفريقيا والبحر الأحمر، مع استشراف آفاق هذا النفوذ في ظل وصول الرئيس مسعود بيزشكيان في 6 يوليو 2024 بعد رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي في 20 مايو 2024، فضلا عن أبراز التوجه العربي والخليجي بقيادة مصر والسعودية بالاهتمام بمنظومة الأمن في البحر الأحمر، لما تمثله من أهمية استراتيجية للأمن القومي العربي، بل أيضا لرصد وتحليل تداعيات التهديدات والتنافس الإقليمي على الأمن الجيوسياسي للقرن الإفريقي والبحر الأحمر.
الدكتورة نجلاء مرعى، هى أستاذ مساعد العلوم السياسية وخبيرة الشئون الإفريقية، صدر لها العديد من الكتب والتقارير الإستراتيجية السنوية والدراسات والمقالات المنشورة، أبرزها، كتاب "سَدّ النهضة الإثيوبي".. الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل، وكتاب العلاقات الأمريكية السودانية: النفط والتكالب الأمريكي علي السودان، وكتاب النفط والدماء: الإستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا "السودان نموذجا".