هل ما يجمع بين اللبنانيين أكثر مما يفرّقهم؟
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
بدأ السجال على المستوى الشعبي بما يخصّ أحقية مساندة "المقاومة الإسلامية" ("حزب الله") صمود فلسطينيي قطاع غزة يأخذ أبعادًا لا علاقة لها بمجرد إبداء الرأي، إذ ان لكل من اللبنانيين المنتمين طبيعيًا إلى أحزاب وتيارات مختلفة في التوجهات السياسية وفي الخيارات المستقبلية رأيًا مغايرًا عمّا يعتقده هذا الفريق أو ذاك صوابًا لا يحتمل الخطأ، فيما الصحيح، وفق ما يقوله الامام الشافعي، أن يكون كل فريق على خطأ قابل لأن يكون في بعض ما يقوله صحيحًا.
فإذا توافق اللبنانيون على نظرية الصواب – الخطأ، والخطأ – الصواب، وتوصّلوا إلى تحديد القضايا التي يختلفون عليها، أو تلك التي يتفقون عليها، لأصبح أمر تقريب وجهات النظر بينهم عملية سهلة، خصوصًا بالنسبة إلى الذين حاولوا ويحاولون تجميع القواسم المشتركة المتفق عليها كعناوين رئيسية لا يصلح أي حوار ممكن من دون اعتمادها كأسس لازمة للنجاح.
ويضاف الخلاف على أحقية مساندة الصمود الفلسطيني إلى سلسلة من الخلافات، التي تباعد بين اللبنانيين، وعلى رأس هذه الخلافات المتجذّرة في الممارسة وفي طريقة التعاطي مع بعضهم البعض، يأتي موضوع قرار الحرب والسلم ليزيد من حدّة نتوءات هذا التباعد كأولويات يتمسّك بها كل فريق، ولا يحيد عمّا هو مقتنع به قيد أنملة، من دون أن يكون أي منهما على استعداد لتقديم أي تنازل، حتى ولو كان هذا التنازل رمزيًا أو هامشيًا. وهذا ما يجعل الفراغ "يتربّع" على كرسي بعبدا، وهو يزحف شيئًا فشيئًا ليشمل مختلف المواقع الحسّاسة في البلد، باستثناء المؤسسة العسكرية، التي حصّنها قانون التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون وسائر القادة الأمنيين.
فلو تنازل كل فريق عن بعض ما يعتقده صوابًا في المطلق لكان للبنان رئيس منذ ما قبل أن يترك الرئيس السابق ميشال عون القصر الجمهوري، ولكان هذا الرئيس هو الممسك بناصية "الحق والصواب" من خلال رعايته الحكيمة والجريئة لأي حوار ممكن بين اللبنانيين المختلفين على أمور كثيرة، ولكنهم متفقون في الوقت نفسه على أمور أخرى، وإن لم تكن أعدادها أكثر من أعداد الاختلافات.
فلو كان للبنان اليوم رئيس، أيًّا يكن هذا الرئيس، ولكن ليس بالطبع ذاك الرئيس الذي تحدّث عنه الرحابنة مستهزئين في أكثر من مسرحية من مسرحياتهم التاريخية، لكان هذا "اللبنان"، الذي لطالما تمنينا أن يكون على صورة "لبنان الرحابنة"، أفضل بكثير عمّا هو عليه اليوم، أقّله بالنسبة إلى انتظام العمل المؤسساتي كمقدمة لتحقيق إصلاحات لن تقوم قيامة حقيقية للوطن من دونها، ولن يتمّ القضاء على كل ما هو فاسد في دولة ينخرها الفساد حتى العظم إذا لم تُقدم الحكومات الكاملة مواصفاتها المنبثقة عن استشارات نيابية ملزمة وتوافق وطني على تحويل مشاريع قوانين إصلاحية إلى مجلس النواب لدرسها وإقرارها في إطار تكاملي وإيجابي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
فالمسألة المطروحة اليوم في واقعها المأزوم هي غير ما تتمناه الأغنية الفرنسية الشهيرة، والتي تقول كلماتها: Si j'étais président de la République، بل هي ما يتمناه كل الشعب اللبناني بأن يكون على رأس جمهوريته رئيس. فهذا الفراغ هو حال شاذة في الحياة السياسية. والنقيض لهذا الشذوذ هو ما يحصل طبيعيًا في بلاد العالم، حتى تلك التي تنتمي إلى العالم الثالث. لم أسمع أن هناك بلدًا في العالم، وحتى في مجاهل أفريقيا ليس له رئيس. إنه أمر طبيعي، ولكن ما ليس طبيعيًا هو ما يمرّ به لبنان.
وقد يسأل من لم يفهم بعد لماذا هذا التأخير في انتخاب رئيس لجمهورية تعاني ما تعانيه: كيف تسير أمور هذه الجمهورية في غياب من يُفترض به أن يكون المحرّك لكل السلطات، وكيف يقدر اللبنانيون أن يعيشوا طبيعيًا في غياب الحكم. وهل رأيتم مباراة رياضية بين فريقين من دون حكم؟
تخّيلوا كيف ستكون عليه وضعية المباراة، وكيف يمكن أن يدخل الحابل بالنابل، وكيف ستدّب الفوضى في الملاعب وعلى المدرجات.
فالمشكلة الجديدة – القديمة هي في إمكانية توافق اللبنانيين على بعض الثوابت أو عدمه. ومن بين هذه الثوابت أن ثمة فئة تؤمن بأن ما تقوم به هو لمصلحة كل الوطن، فيما ترى فئة أخرى أن احتكار قرار الحرب والسلم يدخل لبنان في متاهات هو في غنىً عنها. وهذا كان محور لقاءات وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مع المسؤولين اللبنانيين. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الباروني: تحقيق المصالحة الوطنية لن يكون ممكنًا إلا بعد انتخاب رئيس شرعي ووضع دستور ينظم الدولة
ليبيا – الباروني: المصالحة الوطنية مستحيلة دون تحقيق العدالة الانتقالية ضرورة الاعتراف بالجرائم لتحقيق المصالحةأكد الأكاديمي والمحلل السياسي الليبي إلياس الباروني أن المصالحة الوطنية في ليبيا لا يمكن تحقيقها دون الاعتراف بالجرائم المرتكبة بحق الشعب الليبي منذ عام 1969 وحتى اليوم، بما في ذلك الأحداث التي شهدتها البلاد عام 2011.
محاولات لتجاوز العدالة الانتقاليةوأوضح الباروني، في حديثه لوكالة “سبوتنيك”، أن بعض الأطراف، خصوصًا المحسوبة على النظام السابق، تسعى إلى تحقيق المصالحة دون تطبيق العدالة الانتقالية، وهو أمر غير ممكن من وجهة نظره.
وأضاف أن المصالحة الحقيقية تستلزم جبر الضرر وإنشاء محاكم استثنائية لضمان تحقيق العدالة بعيدًا عن الإجراءات القضائية المطولة، مشيرًا إلى أن بعض الأطراف ترغب في تجاوز الماضي دون مساءلة، ما قد يؤدي إلى استمرار الخلافات.
دور الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدوليوحول دور الاتحاد الأفريقي في ملف المصالحة، رأى الباروني أن المشكلة ليست في الاتحاد، بل في الأطراف الليبية نفسها، التي تفتقر إلى النية الحقيقية لتحقيق المصالحة، حيث تسعى كل جهة لتحقيق أجندتها الخاصة بدلًا من البحث عن توافق وطني شامل.
وأكد أن إصدار بيانات فضفاضة تخدم مصالح فئة معينة لن يؤدي إلى نتائج إيجابية، مشددًا على أن بعض الأطراف مطالبة بالتحلي بالشجاعة والاعتراف بالانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق، ما قد يساهم في جبر خواطر الضحايا ويمهد الطريق نحو التسامح.
المصالحة الحقيقية مرهونة بالانتخابات والدستورواختتم الباروني حديثه بالتأكيد على أن تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية لن يكون ممكنًا إلا بعد انتخاب رئيس شرعي ووضع دستور ينظم الدولة، بحيث تكون هناك مرجعية واضحة تحسم الخلافات، وتمنح الشارع الليبي الكلمة الفصل في مستقبل البلاد.