قَدْ أكُونُ من المتحيزين نوعًا ما لِمَا يطلق عَلَيْه بالتفكير والتخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل وذلك بحُكم سنوات ليست بقصيرة من الاهتمام البحثي والدراسة في هذا المجال والَّتي بدأت في العام 2008 تقريبًا، ولله الحمد خرجت بمئات المقالات المنشورة وعددٍ لا بأس به من الدِّراسات والبحوث المحكمة والكتب التخصصيَّة وتلك التطبيقيَّة في هذا السِّياق، مِنْها كتاب «مستقبل في قبضة اليد» والمنشور في العام 2014 والَّذي قدَّم له حينها الأستاذ الدكتور محمد النابلسي ـ رحمه الله ـ رئيس المركز العربي للدِّراسات المستقبليَّة؛ وكتاب آخر بعنوان «التحليل السِّياسي الاستراتيجي باستخدام تقنيَّة التحليل المورفولوجي» الصَّادر في العام 2020م، بالإضافة إلى كتُب تطبيقيَّة على الدِّراسات الاستشرافيَّة والتخطيط الاستراتيجي مِثل كتاب: «المؤشِّر صفر» والَّذي ركَّز على استشراف مستقبل الإرهاب والتنظيمات الإرهابيَّة في سلطنة عُمان، وكتاب «مكافحة الإرهاب الدفاعيَّة» والَّذي ركَّز على قضيَّة الإدارة الاستباقيَّة للتهديدات والمخاطر الإرهابيَّة الموجَّهة لتدمير البنية الحسَّاسة للدوَل.


ما أودُّ أن أصلَ إليه في هذا السِّياق هو أهمِّية هذا النَّوع من المؤتمرات الَّتي تركِّز على جانب التفكير والتخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل، وإن كان من دعوة هي نتاج ما خلص لي من معرفة تراكميَّة، فهي ضرورة الاهتمام والتركيز الجادِّ والعلمي الصَّارم على هذا النَّوع من الدِّراسات والبحوث وفي مختلف المجالات المعرفيَّة، خصوصًا تلك الَّتي يُمكِن أن تقومَ على الاستفادة من العصر الرَّقمي والذَّكاء الاصطناعي.
أسهَم في تعزيز هذا الاتِّجاه إيماني التَّام بأنَّ التخطيط المسبق للأهداف والطموحات يرفع من فرص تحقيقها أوَّلًا، ثمَّ تحقُّقها بشكلٍ سليم وبالكيفيَّة الَّتي يأملها صاحبها ـ بعد توفيق الله عزَّ وجلَّ ـ بكُلِّ تأكيد، وثانيًا يُمكِن من خلالها تجاوز وتجنُّب أكبر قدر ممكِن من التهديدات والمخاطر، بالإضافة إلى ما تأكَّد لي يقينًا كنتاج للاطِّلاع والمعرفة من أسباب ودوافع تحتِّم ذلك الاهتمام، مِنْها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ تلك الظواهر والأحداث المتسارعة، واتِّساع الفوارق المعرفيَّة بَيْنَ الدوَل في القرن الـ21، والتأثير التبادلي للأحداث العابرة للحدود الوطنيَّة ومدى تأثيرها على الداخل الوطني، خصوصًا تلك الَّتي ترتكز على الجوانب الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.
قَدْ يدَّعي البعض ـ ولا نلومُه أبدًا ـ أنَّ هذا النَّوع من المؤتمرات والبرامج هي مجرَّد ترفٍ فكريٍّ واستنزاف للموارد الماليَّة؛ وهي كذلك بالفعل إذا توقفت عِند عقْدِ المؤتمر أو البرنامج ولَمْ تتجاوزه إلى استكشاف النتائج والأخذ بالتوصيات. نعم هي كذلك إذا كانت الأهداف من وراء هذه المؤتمرات مجرَّد الدعاية والتسويق أو الاستفادة من الموارد المرصودة لها؛ لأنَّها في ذلك الوقت تتحوَّل ـ كحال غيرها من الخطط ـ إلى فساد إداري وسياسي صريح.
ولكن الواقع يؤكِّد وبما لا يدع مجالًا للشَّك أبدًا، والدليل على ما سأقول، هو واقع حال العديد من الدوَل المتقدِّمة علميًّا وتقنيًّا وتكنولوجيًّا، واقع حال العديد من الأُمم الَّتي استفادت من نتاج هذه المؤتمرات والنَّدوات والبرامج الَّتي تركِّز على التفكير والتخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل، بل وقامت بتوسيع رقعة اهتمامها لِتمتدَّ إلى بناء الأكاديميَّات ومراكز الدِّراسات الاستراتيجيَّة والمستقبليَّة، وأدخلت هذه البرامج من ضِمن برامجها الأكاديميَّة للطلاب في مختلف المستويات التعليميَّة، وأخذت توسِّع من دائرة اهتمامها بشكلٍ أكبر بهذا النَّوع من الموارد المعرفيَّة لِتستفيدَ مِنْها في مرئيَّاتها واتِّجاهاتها المختلفة، سواء كان ذلك من خلال ضبط موازناتها الماليَّة أو بناء خططها السنويَّة أو التحوُّط من الأزمات والكوارث، أو تمكين تنميتها المستدامة.
باختصار، أختم هذا المقال الموجز بفقرة من كتاب «مستقبل في قبضة اليد» سالف الذِّكر، ص 12- 13 حَوْلَ التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل «فالتخطيط لصناعة المستقبل باتَ مُهمَّة ملحَّة للجميع، بل ضرورة لبناء الدوَل وتطوُّرها وتنميتها المستقبليَّة، لذا فإنَّه من السَّذاجة أن ننتظرَ المستقبل لِيفرضَ عَلَيْنا بحُكم الواقع أو يفرضه الآخرون عَلَيْنا بحُكم القوَّة، كما تعيش ذلك العديد من الدوَل اليوم؛ ما يفرض عَلَيْنا أن نتحرَّكَ بسرعة ودقَّة عالية في قيادة مستقبلنا القائم والقادم، وإلَّا فإنَّ الاصطدام بما لا نتوقَّعه سيكُونُ أمرًا حتميًّا لَمْ نحسب له أيَّ حساب في ذلك الطريق السريع والمليء بالمخاطر والمفاجآت».

محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: والتخطیط الاستراتیجی هذا الن الدو ل من الد

إقرأ أيضاً:

جنرال إلكتريك: نفذنا اتفاقيات استراتيجية على أرض الواقع في العراق

الاقتصاد نيوز - بغداد

أكد مدير شركة جنرال إلكتريك في العراق، رشيد الجنابي، اليوم الأحد، أن الدعم الحكومي غير المسبوق، عزز الشراكة مع وزارة الكهرباء، فيما أشار الى اتفاقيات استراتيجية نفذت على أرض الواقع أسهمت في رفع كفاءة الشبكة الكهربائية.

وقال الجنابي، إن "الدعم الحكومي غير المسبوق الذي تلقته الشركة، يعد عاملاً أساسياً في تعزيز الشراكة بين شركة جي أي فيرنوفا ووزارة الكهرباء والحكومة العراقية بشكل عام".

وأضاف أن "هذه الشراكة التي امتدت لعدة عقود شهدت تعميقاً كبيراً في الفترة الأخيرة، الأمر الذي انعكس إيجاباً على تطوير قطاع الطاقة، سواء من حيث إضافة طاقات إنتاجية جديدة أو تحسين كفاءة منظومتي النقل والإنتاج".

وأشار، إلى أن "هذه الجهود أثمرت عنها اتفاقيات استراتيجية تم تنفيذها على أرض الواقع عبر مشاريع كبرى خلال العامين الماضيين، مما أسهم في رفع كفاءة الشبكة الكهربائية وتلبية جزء مهم من احتياجات العراق من الطاقة، بما يدعم خطط التنمية المستقبلية ويسهم في تحسين الواقع البيئي".

واستطرد: "نطمح إلى توسيع هذه الشراكة في المستقبل، بما يلبي الطموحات الوطنية ويسد الحاجة المتزايدة للطاقة في العراق".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • اكسر حواجز الواقع و اصفع الفشل بالإصرار
  • كيف خسرت آبل عرش الذكاء الاصطناعي لصالح ميتا؟
  • جوزيه بيسيرو يكشف حقيقة طلب الرحيل عن تدريب الزمالك
  • وزير التموين يتابع الموقف التنفيذي لإنشاء المخزن الاستراتيجي بالفيوم
  • جنرال إلكتريك: نفذنا اتفاقيات استراتيجية على أرض الواقع في العراق
  • وزير التموين يتابع موقف إنشاء المخزن الاستراتيجي بالفيوم مع شركة أوراسكوم للإنشاءات
  • وزير التموين يتابع مع شركة أوراسكوم الموقف التنفيذي لإنشاء المخزن الاستراتيجي بالفيوم
  • لجنة التخطيط بالزمالك تستفسر من الإدارة عن أزمة القيد
  • جلسة تبحث تجليات المسكوت عنه في النص والحياة
  • وزيرة التخطيط تُشارك في مناقشة مستقبل النمو العالمي