حافظ الأسد وثعلب المفاوضات «الأوّل».. وحكاية بثينة شعبان «نائبة بشار»!
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
ذكراه لم تنطفئ، ما زال السوريون في المناطق التي دمّرها وريثُه؛ يلهجون باسمه في خالص دعواتهم، بأن يسكنه الله أسفل درك في الجحيم. لكنّ ذكراه اليوم تعود قوية في ذاكرة العالم وليس في ذاكرة السوريين وحدهم؛ بسبب موت أهم شخص من بني "الثعالب" هنري كيسنجر.
فهو ثعلب السياسة الأميركية، الذي لم يحظَ بما حظي به الأسد الأب في حياته من ألقاب وصفات تملأ كتبًا بأكملها؛ لذا لم أنسَ هذه اللاحقة في العنوان "الأوّل"؛ كي لا أحرم الرئيس حافظ الأسد من أهم ما تميّز به أثناء حياته: "الأوَّليَّة في كلّ شيء".
وتلك عقدة في التكوين النفسي لشخصية الدكتاتور الذي عاش طفولته مهملًا ومنبوذًا، ولم يكن الأوّل في شيء ولا حتّى في لعب الصبيان في الحارة.
ألّف الكثيرون عن حافظ الأسد كتبًا منذ بداية حكمه، وقد نال الشاعر والكاتب السياسي "كريم الشيباني" قصب السبق في الكتابة عن فكر الرئيس، وحنكته، ودهائه محاولًا تكريس صورة نمطية – غير موجودة في الواقع، لكنّها مؤثرة وباقية- في أذهان الناس، وخاصة المؤيدين لحكمه.
لكنَّ الشيباني لم يكن الأكثر نفاقًا وحرصًا على تلميع صورة حافظ الأسد، فقد سبقته ــ السياسية، الكاتبة، الإعلامية، المترجمة، نائبة الرئيس التي تحمل ألقابًا تنافس فيها باسل الأسد عندما كان حيًّا وعلى سروج خيله ــ "بثينة شعبان" المشهورة بمقولة: "إنّ الإرهابيين حملوا أطفال الساحل إلى الغوطة وقصفوهم بالكيماوي ليتهموا النظام، وهؤلاء الأطفال الذين قُتلوا في الغوطة هم من قرى علويي الساحل!".
بثينة شعباننائبة الرئيس بشّار الأسد، المتحدثة الرسمية على الشاشات باسم النظام السوري، كانت المترجمة الشخصية لحافظ الأسد، وقد أصدرت كتابًا بعنوان: "حافة الهاوية" مدّعية أنّها الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر.
الكتاب صدر عام 2017؛ أي بعد وفاة حافظ الأسد بسبعة عشر عامًا، مما يجعل القارئ يتساءل: لماذا صدر هذا الكتاب في مثل هذا التوقيت، ولم يصدر بعد وفاة حافظ الأسد؟ ويأتي هذا الكتاب بعد كتاب أصدرته شعبان عام 2015 بعنوان: "عشرة أعوام مع حافظ الأسد".
لا شكّ أنّ الموقف الأميركي من النظام السوري، بالإضافة لما نشره ثعلب السياسة "كيسنجر" له علاقة بحماس "شعبان" للخوض بالبحث في أرشيف القصر الجمهوري، وبقرار رئاسي، كي تؤلف هذا الكتاب لتعيد ماء الوجه للنظام المتهالك!
تختلف الروايات حول حافظ الأسد بين الذين كتبوا عن حياته، وقد كان الأميركي باتريك سيل أشهر شخص كتب عنه عالميًا، إذ لم تخرج الكتب المنشورة محليًا عن الدائرة الضيّقة من قُرّاء سوريا المهتمّين بشأن الرئيس.
ومن أجل البروباغندا الإعلامية مُنع كتاب سيل من دخول سوريا؛ وذلك لأجل أن يُهرّب من لبنان، ويجد تفاعلًا من القرَّاء ورغبة في الحصول عليه، تحت إغراء فكرة أنّه لا بدّ قد كتب شيئًا يمسُّ سيادة الرئيس؛ حتّى مُنع كتابه.
علمًا أنّ سيل قد دخل سوريا بشكل طبيعي، واستُقبل في القصر الجمهوري، وساعده كثيرون ممن هم في موقع السلطة ليكتب مؤلفه: "الأسد، صراع على الشرق الأوسط"، وهو كتاب ضخم جاء في 797 صفحة.
وقد بقي باتريك سيل على اتصال مباشر مع حافظ الأسد عدّة سنوات حتّى أنهى كتابه. وكتب في المقدمة يشكر الرئيس على استقباله وسماحه له بالتواصل معه، وشكر باسل وبشرى على تعاونهما بتقديم المعلومات!
هنري كسينجريقول كيسنجر في مذكراته: "إذا كان التاريخ يعلّمنا شيئًا فهو عدم وجود سلام من دون توازن". وقد سعى إلى إحلال ذلك التوازن في الشرق الأوسط من خلال إقناع إسرائيل بإعطاء الأسد فرصة دخول لبنان عام 1976؛ بهدف الإطاحة بياسر عرفات ومنظمة التحرير. وبقي الوضع في لبنان تحت السيطرة السورية حتّى اغتيال رفيق الحريري عام 2005، وقتها أمرت أميركا الأسد الابن بالانسحاب من لبنان.
من الواضح في كتاب كيسنجر أنّ التفاهم بين النظامين: الأميركي والسوري كان على أكمل وجه، وهو ما كان الأسد يحاول نفيه والظهور بمظهر العدو لأميركا وإسرائيل.
ما يجري في الكواليس غير الذي يظهر على خشبة المسرح، هكذا كان الوضع السياسي في سوريا، وقد رفض حافظ الأسد في بداية المفاوضات التنازل عن أيّ شبر من الجولان، وقال كيسنجر: إنّ الأسد يعارض "لفظيًّا فقط".
يذكر كيسنجر أنّ الأسد كان حريصًا على لقائه منفردًا مع مترجمه الخاص، وكان بعد ذلك يستدعي عددًا من العسكريين ليوجز لهم ما جرى من مفاوضات، ثمّ يستدعي المدنيين " برئاسة عبد الحليم خدام" ليخبرهم باختصار أشد ما حدث في المفاوضات.
الأسد كان حريصًا أن يكون وحده صاحب القرار، ووحده من يعرف كلّ شيء، ويقول فقط ما يريده أن يصل للآخرين. ويتبع الخبر عملية تنقية، وتصفية، وإدارة، وتحوير حتّى يتسلّمه الإعلام فيما بعدُ، وينشر في الصحف والمحطات الإذاعية والتليفزيونية.
يقول كيسنجر: "كان الأسد اختصاصيًا في المضي بالتفاوض، ساعيًا للحصول على كلّ تنازل ممكن، حتى لو عرّض المفاوضات للخطر، وأضعف موقف سوريا بشكل عام".
ندم "حافظ" على تهوره فيما بعد، وتنازل عن عناده في الوقت الذي رفضت إسرائيل التخلي عن شبر من الجولان! لكن ما كان يهم الأسد الحفاظ على مكاسبه الشخصية من الحكم، وآخر همّه سوريا وما يحصل لها.
وقد وصفه كيسنجر بأنّه كان أكثر حكمة من تعريض نفسه لحرب جديدة مع إسرائيل، وكان حريصًا على عدم خسارة الوساطة الأميركية. لذلك تفاهما وأحبا بعضهما بعضًا.
المفاوض العتيد – حسب وصف الإعلام السوري- الذي جعل "كلينتون" في محادثات جنيف يخرج "دائخًا" ولا يستطيع التمييز بين هيلاري ومونيكا، خسر الرهان أمام كيسنجر، وترك سوريا بين يدَي مفاوض أحمق.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بثینة شعبان حافظ الأسد الأو ل
إقرأ أيضاً:
قبل اغتيال الحريري.. هذه تفاصيل اجتماع سري بدمشق قرر إنهاء دوره السياسي
كشفت صحيفة "النهار" اللبنانية عن تفاصيل جديدة بخصوص اجتماع وصف بـ"السرّي" عُقد بالعاصمة السورية، دمشق، قبل أشهر من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إذ خلاله كان قد تقرّر إنهاء دوره السياسي.
وبحسب الصحيفة اللبنانية، فإنّ: "الاجتماع عُقد في منزل يقع في منطقة الشعلان بدمشق، بالقرب من مدرسة الفرنسيسكان، ترأسه محمد سعيد بخيتان الذي شغل مناصب عديدة في تركيبة البعث، فكان الأمين القطري المساعد لحزب البعث ورئيس فرع أمن الدولة في حلب وغيرها من المناصب الأمنية، وشخصيات سوريّة وضباطا في المخابرات السوريّة".
وتناول الاجتماع نفسه، ثلاث نقاط أساسية، وهي: "القرار الدولي 1559، الذي كان يهدف إلى إنهاء الوجود السوري في لبنان. وقطع الارتباط العضوي بين الحريري والبيروقراطية السورية، التي كانت تعتبره مرجعية لبعض المعارضين الداخليين. ثم علاقة الحريري مع المملكة العربية السعودية، التي كانت تُعتبر داعما رئيسيا له".
وتابعت الصحيفة: "قرّر المجتمعون إنهاء دور الحريري السياسي، سواء من خلال منعه من الترشح للانتخابات النيابية أو عبر وسائل أخرى، وذلك خشية من أن يؤدي فوزه المحتمل مع المعارضة اللبنانية إلى تشكيل حكومة تُهدد الوجود السوري في لبنان".
وأبرزت: "التوصية الأخيرة لذاك لإجتماع التي أتت على شكل ورقة من 16 صفحة رُفعت إلى آصف شوكت ثم إلى الرئيس بشار الأسد، وسلكت طريقها إلى لبنان، فكان الزلزال في 14 شباط/ فبراير 2005 وما تبعه من اعتراض لبناني واسع حمله اللبنانيون بتظاهرة تاريخية مليونية أسقطت عرش الأسد في لبنان، قبل أن يسقط في سوريا أواخر العام المنصرم".
"كان الحريري، خلال مسيرته السياسية، قد سعى لتحقيق توازن بين السعي لاستقلال لبنان والحفاظ على علاقاته مع سوريا. ومع تزايد العداء السوري تجاهه، خاصة في عهد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، قد بدأ الحريري يعمل على تعزيز علاقاته مع المعارضة اللبنانية والدولية، ما جعله هدفا لنظام الأسد" وفقا للصحيفة.
واسترسلت: "في أواخر عام 2003، التقى الحريري، مع بشار الأسد، في لقاءات وصفت بالعاصفة، إذ تعرض لإهانات، وسمع آنذاك كلاما عنيفا من الأسد وضباطه محوره التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود في الرئاسة الأولى، وهو ما كان يعارضه الحريري بشدة".
وأكدت: ""كانت الرسالة السورية واضحة: التمديد للحود رغما عن الجميع. وفي 26 آب/ أغسطس 2004، وفي اجتماع آخر لم يدم أكثر من عشر دقائق، سمع الحريري من بشار الأسد الكلام نفسه وبعدائية غير مسبوقة".
وأردفت: "بعد أشهر من هذا الاجتماع السري، تم اغتيال الحريري في 14 فبراير 2005، في تفجير هزّ لبنان والعالم، وأدى لاندلاع ثورة الأرز التي أسقطت الوجود السوري في لبنان".