أحمد العسم يكتب: كوميديا التأمل
تاريخ النشر: 10th, December 2023 GMT
من ابتسامات الحياة، إلى كوميديا الموقف...
كل العافيا لذاكرتنا التي تعيد المواقف التي غضبنا منها وارتبكنا فيها، التي أُغلق الباب في وجهنا ذات يوم دون تحية يلقيها، وأملنا أن يرد علينا بكلمة فيها جبر خاطر وحين تأملنا من الخاطر وجدنا أنفسنا نبتسم رغم الخسارات التي تكبدناها من انسداد في الشريان وإرهاق نفسي يبّس العروق، نعم لما تسترجعها الذاكرة تأتي بها نبتسم لصورها في الخيال وكأننا تلاميذ أبقاهم الفشل في الصف سنتين متتاليتين وحصلوا على نقاط الفشل، نعم نبتسم للمواقف الصعبة التي تحولت إلى كوميديا من خلالها نضحك على قلتنا، لا نملك لنجاريها سوى انتظار الوقت ومرورها، أصعب شيء العودة، قلة حيلتنا أخذناها إلى الهدوء.
يقول أحد الأصدقاء مرةً جربت أن أبقى في عزلة اختيارية، بدأت حتى وجدت حواراً داخلياً مهملاً ومنسياً، ذهبت إلى صندوق الأوراق والذكريات خواطر المدرسة حتى توقفت، وله أقبل صور لها الود وبصدق أكرمتني بسعادة ولهما وأمامهما أخفض صوتي، الأيام التي أحسنها «أيام الإعدادية»، زملاء رحلوا وآخرين لهم مواقف مختلفة صعبة وجريئة ابتسمت بمشاعر الغبطة والنور، الأمل دائماً في موقف وصورة وحكاية، تعيدك إلى الأرقام الأولى، في دفتر تقرأ داخله الحنين العالي الذي أتعبه الوصال، كأن التعب الكبير يضرب مفاصلك والحياة ينبه الخيال على ضيوفه، نعم لما أذكرك يا «لوزة بيتا» يا قلب أبوي وغرسه وظلنا ومواقفنا صغار، ودلال أمي ولذة ما تطعمنا من صنع أيديها «يا وطر مر ومضي» أحباب وأصحاب ضحكنا، ومن حلوه دنيانا أخذنا، يا أسعدنا كتبنا رسائل وأحيينا ذكرى، يا كلنا وأسعدنا.
ما أسكنته في القلب ابتسامات رضا وقناعة، في لحظة السكون والتأمل والتفكر بما في الجمال من الذكريات وحُسن خلق من حولي، وأيادي تمتد لتدفعني للمزيد من العطاء والسعي، أحفظها وأعود كي أقرأ ما دونته في دفتري، أسعد الأوقات عودتك بالذاكرة وابتساماتك مع من كانوا العاطفة المقروءة فيك، تعود من النسيان
تبصر النور في داخلك، أقفال وضعتها على الأبواب، وأغلقت على ما يتعب ويصيب بأذى.. «يجوز أن ترى، ولا يحق لك التدقيق». أخبار ذات صلة أحمد العسم يكتب: الورد والشارع والإنسان أحمد العسم يكتب: البحث عن مفقود
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أحمد العسم
إقرأ أيضاً:
تأهيل الجهادية السياسية ينطلق من سوريا أو يُجهَض فيها
لم يكن من الصعب على رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ملء خطابه بوعود التسامح والاعتدال، ووضح أنه يمضي وفقا لبرنامج مُعد هدفه تأهيل الجهاديين السلفيين للانتقال إلى طور "الجهادية السياسية" التي تتسم بالبراغماتية، مُستلهمة تكتيكات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمعزل عن الطرح الصدامي لقادة تيار الجهادية السلفية.
وإذا نجح النموذج الجديد بدعم متطور من تركيا عبر مستشارين أتراك يديرون حكومة ظل داخل سوريا ويوجهون المسؤولين السوريين قليلي الخبرة السياسية والاقتصادية، سيصير الشرع خلال السنوات الأربع المحددة للفترة الانتقالية نسخة مقلدة من الرئيس التركي من جهة استخدام المناورة السياسية من قبل إسلاميين متشددين أداة لتعزيز السلطة.
ولا يفيد مسار التأهيل خطط وبرامج مكافحة الإرهاب. وثبت من التجربة العملية أن دعم التنظيمات المتطرفة ومنحها الغطاء للتحول إلى سلطة حاكمة يتناقض مع مسار تجفيف المنابع الذي يتطلب القضاء عليها بشكل جذري أو على الأقل منعها من تحقيق أهدافها، ما يعني أن النسخة الجديدة حظيت بدعم إقليمي متطور لتضع قدمها في السلطة، كما سبق وحظي به تيار الإسلام السياسي الذي مر هو الآخر بتحولات مشابهة.
وحتى تبلور جماعة الإخوان شكلها النهائي الذي وصلت به إلى الحكم في عقب ما عُرف بالربيع العربي مرت بمحطات عديدة بدأت برفض الحزبية والديمقراطية والميل نحو الآراء السلفية المتشددة، كما مارست العنف الذي توقفت عنه تكتيكيا، ومارسته بشكل غير مباشر بأيدي وكلاء جهاديين على مدار نصف قرن قبل أن تعاود ممارسته بشكل مباشر بعد عزلها عن السلطة في مصر بموجب ثورة يونيو 2013.
ودلت مسيرة التيار الديني المتطرف على أن اللجوء إلى البراغماتية والمناورة وتصدير مزاعم الاعتدال ليس جديداً، بينما الجديد هو أن من يؤدي الدور حاليا ليست جماعة الإخوان ذات السبق في الممارسة السياسية وفي طرح اسمها كممثل لمجمل التيار الديني في السلطة عبر تقديم تنازلات غير مُجمع عليها، إنما حلفاؤها الجهاديون السلفيون.
وتعد التجربة الجديدة في سوريا أكثر أهمية من تجربة طالبان في أفغانستان البعيدة، بالنظر إلى أنها داخل عمق الشرق الأوسط وسط صراعات ومنافسات وملفات حساسة، علاوة على أن انتقال طالبان قديم وكل ما هنالك أنها استعادت الحكم بعد عقدين، كما أن طالبان مختلفة عن تنظيم القاعدة، وإن كان الأخير متحالفا معها.
ويضخم تبني مشروع الجماعات في السلطة من حضورها وينقلها إلى طور متقدم من التأثير والنمو على المستويين الإقليمي والعالمي، إذ أن وضعها على رأس السلطة وما يجلبه من مراكمة ثروات وتعزيز نفوذ الأيديولوجيا على كافة المستويات مختلف عن وضعها كفصيل متمرد مُطارَد، لكنه لا يقلل من منسوب التطرف أو يغير القناعات التقليدية الراسخة.
وتعتمد الجماعات الدينية فور تحقيق جزء من أهدافها أو كلها في طريق التمكين من السلطة على خطابين مزدوجين؛ أحدهما موجه للأتباع والموالين، متضمنا كافة المفاهيم والأهداف المرحلية والنهائية، والآخر موجه للرأي العام والفرقاء بالداخل والقوى الدولية، وهو ما يتبعه أحمد الشرع أبومحمد الجولاني، مُحاولا الحفاظ على تماسك جماعته والفصائل المتحالفة معها، وباعثا رسائل طمأنة إلى مختلف القوى التي يرغب في نيل دعمها عبر الدبلوماسيين والصحافيين الغربيين.
وتحذف الجهادية السياسية الماضي العنيف وفقا للمصالح بين الدول وحسابات مختلف القوى حيال سلطة الأمر الواقع، ولم يمنع تورط هيئة تحرير الشام في السابق في عمليات اغتيال وإطلاق القذائف بالمناطق المدنية وقمع المتظاهرين وفي انتهاكات ضد مختلفي العقيدة والمذهب والترويج للرسائل التاريخية لقيادة تنظيم القاعدة على الإنترنت من أن يُعاد النظر دوليا وأمريكيا وإقليميا في تصنيفها جماعة إرهابية.
وفي كل الحالات التي جرى التمكين فيها لإسلاميين وجهاديين من السلطة والتعامل معهم كسياسيين تم التغاضي سريعا عن الماضي العنيف المعروف والموثق، في ما يتعلق بالإخوان أو جماعة طالبان في أفغانستان وأخيرا هيئة تحرير الشام في سوريا التي شنت المئات من الهجمات ونفذت العشرات من العمليات الانتحارية.
ولتسويق هذا النموذج في الإعلام الغربي وتبرير التعامل معه تُقدم الفصائل المتطرفة كجزء من المعارضة الشرعية الثائرة. ولا يأتي إفشال النموذج الجديد الصاعد إلى الفضاء السياسي عادة من الخارج إنما من داخل الهيكل التنظيمي في شكله القديم ومن داخل منظومة التيار الديني الأوسع؛ حيث تلاقي غالبية فصائل هذا التيار، من الإسلاميين الجهاديين، صعوبة في الانتقال من أسلوب قيادة الجماعات إلى قيادة الدول.
وتطيح برئيس الدولة الصاعد من صفوف جماعة دينية في الغالب إملاءات رفاقه المدروسة في سياق منعه من إلغاء تنظيمه القديم أو تهميشه والتقليل من شأن برنامجه في الحكم والحيلولة من دون ذوبانه في بوتقة الدولة، علاوة على مزايدات القوى والفصائل الدينية الأخرى.
وكما كان من الصعب على محمد مرسي الذي صعد مُمثلا لجماعة الإخوان في السلطة بمصر فك ارتهانه لتنظيمه وأيديولوجيته، وتلافي مزايدات التيار السلفي ليحقق استقلالية القرار ويظهر رجل دولة مسؤول عن أطياف وانتماءات اجتماعية ودينية متعددة، سيكون صعباً على أحمد الشرع الفكاك من نفس المعضلة داخل فصيله وداخل الفصائل الأكثر تشددا وهي التي تتربص بتجربته بهدف إفشالها.
وأثبتت تجربة إدارة هيئة تحرير الشام لمحافظة إدلب طغيان أدبيات وقناعات التنظيم على مناورات وبراغماتية الجولاني، حيث فُرض الحجاب على النساء ومُنعن من التمثيل السياسي إلى جانب غير المسلمين وحُظرت مظاهر الترفيه والموسيقى، كما مُورس التعذيب في سجون الهيئة التي حبست معارضيها بلا محاكمة، ما يعني أن إدلب كانت نواة لحكم قمعي استبدادي بغطاء ديني.
وللبراغماتية في هذا الجانب حدود لا تتخطاها حتى لا تضرب الانقسامات والانشقاقات التنظيم؛ حيث أن أولوية الجماعات الجهادية في سوريا وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام إزالة الحكم العلماني البعثي وإقامة حكم إسلامي لا تأسيس دولة مدنية تعددية، كما أن الأولوية لديهم إزاحة الطائفة العلوية والانتصار للمسلمين السنة، وليس تدشين نموذج وطني جامع يراعي حقوق مختلف المذاهب والطبقات.
ومن المرجح أن تكون هناك جولة صراع بين الجهادية السياسية وهو الشكل الجديد الذي يدشنه أحمد الشرع، مقابل الشكل القديم التقليدي للجهاديين وهو الجهادية السلفية، ويضم قطاعاً واسعاً من الجهاديين المنضوين تحت راية داعش ومنهم متشددون لا يزالون يعملون في صفوف هيئة تحرير الشام وغالبيتهم أجانب.
ويلعب داعش في سوريا بشكل رئيسي بورقة المتشددين داخل هيئة تحرير الشام من غير الراضين عن النهج الموصوف بالمعتدل والبراغماتي الذي تتبناه الهيئة، وهو ما يتيح لداعش استقطاب المتشددين وضمهم إلى صفوفه عبر الترويج لدعايات مفادها وقوع الجولاني وفريقه في فخ النفاق والردة وموالاة النصارى والصليبيين وتقديم تنازلات لأميركا والغرب على حساب الشريعة والعقيدة.
ونجح تنظيم داعش خراسان في السابق بأفغانستان في تنفيذ خطة مشابهة مع حركة طالبان، وتسبب على وقع الدعايات المضادة في خسارتها لعديد من عناصرها وقادتها المتشددين الذين تحولوا وانضموا إلى تنظيم الدولة ومثلوا أحد أهم عوامل قوته بالنظر إلى خبراتهم التنظيمية السابقة ومعرفتهم بالكثير من أسرار طالبان.
ويُغري صعود هيئة تحرير الشام القيادات المتشددة التي سبق وتخلص منها أبومحمد الجولاني وطردها من الهيئة للعودة في الاتجاه المضاد، وهو ما يعزز إمكانية حدوث انشقاقات بشكل واسع وتشكيل كيانات موازية مناهضة لتجربة ومشروع أحمد الشرع في السلطة.
ويجهّز داعش في سوريا لتأسيس دولة موازية وحكومة ظل يقودها جهاديون أكثر تشددا من منطلق صعود سلفيين سابقين إلى السلطة، وهو ما من شأنه تعميق الانقسامات الطائفية على خلفية تصوير الصراع على أنه صراع سني شيعي، وهي المعادلة التي ستفيد داعش في سوريا كما أفادته في العراق بشكل معاكس، وفي الحالتين قام دعم الحرب على الإرهاب على أساس طائفي.
كما أن داعش في سوريا يتجهز لمواصلة مخطط "كسر الجدران" مستغلا الحرب التي تشنها تركيا ضد الأكراد عبر وكلائها، ومستهدفا تحرير ما يقارب العشرة آلاف من عناصره المحتجزين بأماكن واقعة تحت سيطرة وحراسة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وإذا نجح داعش في تحرير عناصره سيراكم قوة نوعية في مسار استعادة حضوره ونشاطه لمنافسة نموذج دولة أحمد الشرع على الأرض، كما أن نجاحه في تنفيذ عملية هروب سيمكنه من تدشين دعاية مضادة ناجحة تعكس قوته ما يشجع على الانضمام إليه من قبل الكثيرين ممن لديهم خلافات فقهية وسياسية مع فصيل الجولاني.