أسهمت فلسفة الأمن والحياة الَّتي التزمتها سلطنة عُمان على مدى أكثر من خمسة عقود مضَت في إعادة إنتاج الإرث الحضاري والتاريخي والثقافي، وتجسيد ثوابت الأمن وترسيخ معالمه في بناء الدَّولة والإنسان، وتطويره بما يتناسب مع معطيات المرحلة الجديدة، ويستجيب لتطلُّعات عُمان المستقبل، ويُعبِّر عن حالة الاندماج الحاصلة بَيْنَ كُلِّ الحقب التاريخيَّة والتطويريَّة في سلطنة عُمان، ويقف على كُلِّ محطَّات الإنجاز السَّابقة، آخذة بكُلِّ الثَّوابت والمبادئ الإنسانيَّة العُليا، والقِيَم الأصيلة الَّتي جعلت لسلطنة عُمان حضورًا مشرِّفًا في السَّاحة الدوليَّة، وبصمة حضاريَّة ستظلُّ شاهدةً على عِظم إنجازاتها وعظيم نجاحاتها، يدفعها الإرث الحضاري الإنساني العالَمي الماجد للمغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ ونوافذ الأمل الَّتي فتحت لأبناء عُمان أبواب القوَّة رغم ظروف بلادهم الصعبة، ليستمرَّ عطاؤهم بلا كَلَلٍ أو مَلَلٍ، في استلهام فرص النَّجاح السَّابقة، لِتكُونَ لَهُم عونًا ومددًا للمستقبل، الأمْرُ الَّذي سيدفعهم نَحْوَ تحقيق رؤيتهم الطموحة 2040 بكُلِّ إخلاص، وفي إطار من التكامليَّة والالتزام، تقودُها الإرادة الصلبة والعزيمة الماضية لمُجدِّد النهضة مولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في تحمُّل هذه المسؤوليَّة، ومواصلة مَسيرة العمل المظفرة بكُّلِّ إخلاص وإتقانٍ.


لقَدِ اتَّخذت فلسفة الأمن في سلطنة عُمان منحًى عصريًّا متوازنًا، قائمًا على مبدأ «أنسنة الأمن» وعَبْرَ إدماج مفاهيم الأمن ومفرداته قواعده ومرتكزاته ومصادره وبرامجه في برامج التنمية الوطنيَّة ورؤية «عُمان 2040» حيث تتَّجه للإنسان بكُلِّ ظروفه، والعوامل المؤثِّرة فيه مراعيةً حاجاته وأولويَّاته واهتماماته، ويتفاعل مع حياة الإنسان في أبعادها النَّفسيَّة والاجتماعيَّة والفكريَّة والسلوكيَّة والأخلاقيَّة والغذائيَّة والجسميَّة والصحيَّة وغيرها، انطلاقًا من المبادئ الأمنيَّة في المادَّة (17) من النظام الأساسي للدَّولة، وترجمة عمليَّة لها نَحْوَ بناء وطن آمِنٍ مستقرٍّ، وإنتاج حياة آمنة مطمئنة تنعكس نواتجها على الإنسان في استقراره المعيشي وأمِنْه على نَفْسه وماله وحياته، وقدرته على ممارسة عاداته اليوميَّة السليمة بكُلِّ أريحيَّة واطمئنان، لضمان المحافظة على الثوابت العُمانيَّة، وصون النسيج الاجتماعي الوطني، والحفاظ على الأُسرة العُمانيَّة، والتثمير في المميزات والفرص الَّتي يعيشها مُجتمع سلطنة عُمان في مجالات التسامح والتعدديَّة والحوار والانتماء والهُوِيَّة والقِيَم، ذلك أنَّ نواتج المبادئ الأمنيَّة لا تنفصل عن أولويَّات المُجتمع واهتماماته؛ بل تعكس هُوِيَّته وخصوصيَّته وثوابته، وتحفظ له إرثه الحضاري، وتقوية خطوط التأثير الداخليَّة الَّتي تمنحه قوَّة وحضورًا في تقدُّم المُجتمع وتطوُّره، وتتجلَّى خلالها رؤيته واستراتيجيَّاته ومسارات التغيير والتحوُّل الَّتي ينتهجها في هياكل الدَّولة وأُطرها التنظيميَّة لبناء مُجتمع القوَّة ونهضة الوطن الدَّولة والإنسان.
لذلك استوعبت رؤية «عُمان 2040» إنسانيَّة الأمن والتحوُّلات الاستراتيجيَّة الحاصلة في المنظور الأمني الشامل الَّذي يتَّجه إلى التنمية المستدامة وبناء القدرات والتنويع الاقتصادي وتعزيز فرص المنافسة، والاستثمار الأمثل للموارد في إطار الحوكمة والجاهزيَّة وتفعيل الأُطر والاستراتيجيَّات، فأصبحت منظومات الأمن الإنساني منسجمة مع أولويَّات الرؤية ومتفاعلة معها، وانطلاقًا من مبادئ الأمن الإنساني الَّتي حدَّد تقرير الأُمم المُتَّحدة للتنمية البَشَريَّة لعام 1994 والَّتي استهدفت سبعة أبعاد رئيسة للأمن الإنساني هي: الأمن الاقتصادي، والأمن الغذائي، والأمن الصحِّي، والأمن البيئي، والأمن الشخصي، والأمن الاجتماعي، والأمن السِّياسي، فإنَّه يُمكِن إسقاط هذه الأبعاد على أولويَّات الرؤية من خلال جملة الأهداف الاستراتيجيَّة الَّتي تترجم أولويَّات الرؤية، فالأمن الاقتصادي، يتحقق من خلال أولويَّات وأهداف الرؤية: (القيادة والإدارة الاقتصاديَّة، والتنويع الاقتصادي والاستدامة الماليَّة، وسُوق العمل والتشغيل، والقِطاع الخاصِّ والاستثمار والتعاون الدولي)، والأمن الصحِّي يتحقق من خلال أولويَّة (الصحَّة)، والأمن البيئي يتحقق من خلال أولويَّة (البيئة والموارد الطبيعيَّة)، وهو أيضًا يجسِّد أولويَّة الأمن الغذائي؛ إذ يترسَّخ في الرؤية مبدأ الاستخدام الأمثل والمتوازن للأراضي والموارد الطبيعيَّة وحماية البيئة دعمًا لتحقيق الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة من خلال الهدف «أمن غذائي ومائي قائم على موارد متجدِّدة وتقنيَّات متطوِّرة، واستغلال أمثل للموقع الاستراتيجي والتنوُّع الأحيائي لسلطنة عُمان»؛ والأمن الشخصي يتَّجه نَحْوَ بناء القدرات الوطنيَّة، وإنتاج الكفاءة العُمانيَّة، وترسيخ الوعي الاجتماعي، وتمكين المواطن من إدارة الموارد والتثمير في المهارات والتسويق الذَّاتي، والَّذي يُمكِن أن يتحققَ أيضًا من خلال بعض الأهداف الاستراتيجيَّة في أولويَّات: (التعليم والتعلُّم والبحث العلمي والقدرات الوطنيَّة، وأولويَّة المواطنة والهُوِيَّة والتراث والثقافة الوطنيَّة، وأولويَّة الرفاه والحماية الاجتماعيَّة)، والأمن الاجتماعي والَّذي يُمكِن أن يتحققَ من خلال أولويَّات: (الرفاه والحماية الاجتماعيَّة، وأولويَّة المواطنة والهُوِيَّة والتراث والثقافة الوطنيَّة، وكذلك أيضًا من خلال أولويَّة التعليم والتعلُّم والبحث العلمي والقدرات الوطنيَّة)؛ ويشترك معه الأمن الشخصي في بعض الأهداف الاستراتيجيَّة الواردة في هذه الأولويَّات؛ والأمن السِّياسي أو الاستراتيجي والَّذي يُمكِن أن يتحققَ من خلَل أولويَّات الرؤية ذات الصِّلة بالقوانين والحُريَّات الاجتماعيَّة، وحقوق الإنسان ومؤسَّسات المُجتمع المَدَني، والهيكلة التنظيميَّة، والرقابة والمتابعة واللامركزيَّة، والمشاركة السِّياسيَّة وحقوق الفئات الأخرى كالأطفال والنِّساء وذوي الإعاقة، ومن ذلك أولويَّات (المواطنة والهُوِيَّة والتراث والثقافة الوطنيَّة، وأولويَّة الرفاه والحماية الاجتماعيَّة، وأولويَّة حوكمة الجهاز الإداري للدَّولة والموارد والمشاريع، وأولويَّة التشريع والقضاء والرقابة، وأولويَّة تنمية المحافظات والمُدُن المستدامة)، ويُمكِن أن يضافَ إلى هذه الأبعاد السَّبعة للأمن الإنساني أبعاد أخرى أصبحت حاضرة في أهداف التنمية المستدامة ومن ذلك: الأمن الفكري الَّذي يتَّجه للبناء الفكري للمواطن، وتعزيز قدراته في التعامل مع الظواهر السلبيَّة والإشاعات، وغيرها من الأمور ذات الصِّلة بالتقنيَّة، والَّتي يُمكِن قراءتها في بعض أهداف أولويَّات الرؤية مِثل: (أولويَّة التعليم والتعلُّم والبحث العلمي والقدرات الوطنيَّة، وكذلك أولويَّة المواطنة والهُوِيَّة والتراث والثقافة الوطنيَّة)، والأمن النَّفْسي بما يحمله من مرتكزات قائمة على الصحَّة النَّفْسيَّة وإدارة المشاعر، وتحقيق الحماية الاجتماعيَّة والثِّقة في القدرات الوطنيَّة والترفيه والترويح المستدام، وجودة الحياة والَّذي يُمكِن قراءته في أولويَّات الرؤية «أولويَّة الصحَّة، وأولويَّة الرفاه والحماية الاجتماعيَّة، وكذلك أولويَّة سُوق العمل والتشغيل، وأولويَّة تنمية المحافظات والمُدُن المستدامة؛ وكذلك الأمن الأخلاقي الَّذي ينطلق من المحافظة على القِيَم والمبادئ والثوابت الوطنيَّة، وحُسن إدارة معطيات التقنيَّة وفرض الضوابط وأخلاقيَّات البحث العلمي وأخلاقيَّات البيولوجيا وأخلاقيَّات العمل، والَّتي يُمكِن قراءتها من أولويَّات الرؤية ذات الصِّلة ومِنْها: (أولويَّة التعليم والتعلُّم والبحث العلمي والقدرات الوطنيَّة، وأولويَّة المواطنة والهُوِيَّة والتراث والثقافة الوطنيَّة، وأولويَّة الصحَّة، وأولويَّة التشريع والقضاء والرقابة، وأولويَّة حوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع» إن هذا التناغم الحاصل بَيْنَ أولويَّات رؤية «عُمان 2040» ومبادئ الأمن يؤكِّد تلك الروح الإنسانيَّة الَّتي انطلقت مِنْها الرؤية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وحرص سلطنة عُمان على الوفاء بالتزاماتها الوطنيَّة والإقليميَّة الدوليَّة فيما يتعلَّق بالسَّلام والتنمية والتعايش والحوار وحقوق الإنسان، أو كذلك نَحْوَ جعل العالَم أكثر أمانًا للإنسان من خلال التزامها نَحْوَ الطَّاقة والمناخ والحياد الكربوني، وتعزيز حضور الاقتصادات الواعدة في سبيل تحقيق أولويَّاتها الوطنيَّة، إنَّها موجِّهات تعكس اقتصاد الأمن في سلطنة عُمان.
ويبقى على منظومة الجهاز الإداري للدولة أن تستقرئ الحسَّ الأمني في أولويَّات رؤية «عُمان 2040»، وحزمة التفاعلات والجهود والمبادرات التشغيليَّة الَّتي أسدى جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم القائد الأعلى ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى الجهات العسكريَّة والأمنيَّة والمَدنيَّة العمل بها، بما يرسم ملامح التحوُّل القادم لعُمان المستقبل، في تمكين شبابها الواعد، وتعزيز قدراته، وإعادة إنتاج مهاراته وقدراته، وبما يحفظ هُوِيَّته وانتماءه وولاءه لوطنه في مواجهة التحدِّيات الفكريَّة والحركات التحريضيَّة الَّتي باتَتْ مصدر خطر على المُجتمع وشبابه، وتعظيم الرصيد القِيَمي والأخلاقي والهُوِيَّة العُمانيَّة والأصالة والمعاصرة الَّتي حافظت عَلَيْها عُمان بشكل يتناغم مع التطوُّر والتقدُّم والمَدنيَّة الَّتي شهدها المُجتمع العُماني في محطَّاته التاريخيَّة المختلفة، ودَوْر الجهات العسكريَّة والأمنيَّة والمَدنيَّة على حدٍّ سواء، في الوقوف على واقع الشَّباب واحتوائه، ودراسة الظواهر السلبيَّة الناتجة عن هذه التحوُّلات، والمتابعة المستمرَّة لِما يحدُث من ردود أفعال، ووجهات نظر حَوْلَ قضايا الوطن والمواطن وأولويَّاته، لِمَا لها من أهمِّية في استدامة الأمن، واستقرار الوطن، وسلامه فكر المواطن، وتوظيف الفرص المتاحة، وإعادة إنتاجها بالشكل الَّذي يستحضر فيه مسؤوليَّته الأمنيَّة، كونها طريق القوَّة لبناء مُجتمع السَّلام والإنتاجيَّة والتنافسيَّة والعمل؛ فإنَّ القدرة على توليد هذا الشعور بقِيمة الأمن في حياة المواطن، وحضور المسؤوليَّة الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة، والأمانة التاريخيَّة والحضاريَّة لها في عمل الجهاز الإداري للدَّولة وسلوك القِطاع الخاصِّ؛ الطريق للمحافظة على خيوط الأمن ممتدَّة وبذات القوَّة، قادرة على صناعة الإلهام في تجاوز تحدِّيات المرحلة وظروفها، وصون مكتسبات النهضة وحمايتها من أن تمتدَّ إليها أيدي العبث، أو تضيعها حالة التراخي في المسؤوليَّات، والتنازل عن الثوابت والأولويَّات.
أخيرًا، تحيَّة إجلال وعرفان للأجهزة العسكريَّة والأمنيَّة، وهي تشقُّ طريقها نَحْوَ البناء والتطوير حفاظًا على المكتسبات الوطنيَّة، واستدامة الأمن والاستقرار في رُبوع عُمان الغالية، وتجديدًا لعهد الولاء والطَّاعة للقائد الأعلى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله. ولقوَّات السُّلطان المسلَّحة في يوم القوَّات السنوي، الحادي عشر من ديسمبر، ألف ألف تحيَّة.

د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الجهاز الإداری ة الاجتماعی ات الرؤیة الم جتمع الع مانی ل أولوی ة الأمن م جتمع ات الم ة والم والم د

إقرأ أيضاً:

عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي: تحول استراتيجي يغير أولويات القارة

خلال القمة الإفريقية الأخيرة التي جمعت قادة القارة لمناقشة حاضرها ومستقبلها، برز تحول ملحوظ في أولوياتها، إذ لم يعد ملف نزاع الصحراء يشغل الحيز الأكبر من النقاشات كما كان الحال في العقود الماضية.

اليوم، تواجه إفريقيا تحديات أكثر إلحاحًا، تتطلب من قادتها التركيز على القضايا التي تهم شعوبهم، مثل الأمن، والتنمية، والاقتصاد، والتغير المناخي. لطالما كان نزاع الصحراء حاضرًا في كل اجتماع إفريقي تقريبًا على مدار أكثر من أربعين عامًا، إذ كان يثير الانقسام ويعيد إنتاج الجدالات نفسها دون تحقيق تقدم ملموس.

لكن مع تصاعد الأزمات الداخلية في العديد من الدول الإفريقية، أصبح من الواضح أن القارة بحاجة إلى مقاربة جديدة تنطلق من تساؤلات جوهرية: كيف يمكن حماية دول الساحل من الانهيار تحت وطأة الإرهاب؟ كيف يمكن توفير فرص عمل للشباب؟ وكيف يمكن مواجهة الجفاف الذي يهدد ملايين البشر؟ هذه هي الأسئلة التي تتردد اليوم في أروقة الاتحاد الإفريقي، وهي أسئلة لا تحتمل ترف الانشغال بصراعات سياسية عقيمة.

عندما عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017، لم يكن هدفه الدفاع عن موقفه في قضية الصحراء فحسب، بل قدم رؤية جديدة قائمة على الشراكة والتنمية. كان ذلك بمثابة نقطة تحول كبرى للقارة الإفريقية، حيث حملت هذه العودة رؤية جديدة ومقاربة عملية تركز على التنمية الاقتصادية والتعاون المشترك. لم تكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل شكلت إسهامًا حقيقيًا في تعزيز استقرار القارة وازدهارها، إذ كان الرابح الأكبر من هذه العودة هو القارة الإفريقية نفسها، التي استفادت من الاستثمارات والمشاريع التي قدمها المغرب.

عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي جلبت معها حلولًا عملية ومستدامة للتحديات الكبرى التي تواجه القارة، خصوصًا في مجالات الطاقة المتجددة، والزراعة، والبنية التحتية، والمصارف.

وقد تجسد ذلك في خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال قمة الاتحاد الإفريقي لعام 2017، حيث قال: “لقد اختار المغرب سبيل التضامن والسلم والوحدة، ونحن نؤكد التزامنا بتحقيق التنمية والرخاء للمواطن الإفريقي. نحن، شعوب إفريقيا، نملك الوسائل والعبقرية وقدرة العمل الجماعي لتحقيق تطلعات شعوبنا.”

من خلال هذه الرؤية، اختارت القارة الإفريقية التوجه نحو المستقبل، ساعيةً إلى مواكبة الأمم الأخرى عبر التركيز على أولوياتها المتمثلة في التنمية الاقتصادية، والتعليم، والسلم والأمن.

لقد ظهر هذا التوجه بوضوح منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، حيث أحدث تحولًا كبيرًا من خلال عقد شراكات اقتصادية كبرى وفتح استثمارات ضخمة، وهو ما يعكس تفكيرًا خارج الصندوق. ولعل مشروع الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب خير مثال على هذه المشاريع الطموحة، التي تعكس قدرة المغرب على خلق شراكات اقتصادية تعود بالنفع على القارة بأكملها، بدلًا من الارتهان لصراعات وهمية تعرقل تقدم إفريقيا.

بيد أن هذا المشروع ليس الوحيد الذي استثمر فيه المغرب، فقد أعلن عن إنشاء “المبادرة المغربية لولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي”، والتي تمثل فرصة هائلة للتحول الاقتصادي في المنطقة. ستسهم هذه المبادرة في تسريع التواصل الإقليمي، وتعزيز التدفقات التجارية، وتحقيق رخاء مشترك في منطقة الساحل.

لقد نجح المغرب أيضا ، بفضل عودته إلى الاتحاد الإفريقي، في لعب دور محوري في إصلاح مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد، حيث كان من رواد إصلاح هذه المؤسسة، التي كانت تشكل أحد أسباب المشاكل السياسية والأمنية في القارة.

وتعكس القمة الإفريقية، التي أنهت أشغالها الأحد، هذا التحول في أولويات القارة. فبرغم التحديات الكبرى التي تواجهها، إلا أن إفريقيا تمتلك أيضًا فرصًا هائلة. ومع النمو السكاني، والتحولات الرقمية، والاكتشافات الجديدة للموارد، تجد القارة نفسها أمام لحظة اختبار حاسمة. إما أن تضيع الوقت في قضايا الماضي، أو أن تنظر إلى المستقبل وتعمل من أجل أبنائها. ويبدو أن الخيار أصبح أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.

صحيح أن القارة الإفريقية لم تعد اليوم مسرحًا للصراعات الأيديولوجية القديمة، بل أضحت ورشة عمل كبرى، حيث الأولوية لمن يساهم في البناء والتنمية، وليس لمن يكرر الخطابات ذاتها. ولم تقتصر التحولات على قاعات القمة فحسب، بل أصبحت ملموسة في شوارع المدن الإفريقية، في الأسواق، في الجامعات، وفي طموحات الشباب الذين يسعون إلى بناء مستقبل أفضل.

إفريقيا اليوم هي ورشة بناء حقيقية، حيث تُمنح الأولوية لمن يساهم في التنمية، وليس لمن يواصل تكرار الخطابات التي عفا عنها الزمن.هناك توق لتحولات يلمسها الجميع وتستنشق مثل الهواء النقي.

 

مقالات مشابهة

  • اليوم.. انطلاق "ملتقى روّاد المسؤولية الاجتماعية"
  • حظك اليوم برج الميزان الأحد 23-2-2025.. حدد أولويات مشاريعك
  • حشيشي: محطة تحلية مياه البحر فوكة 2 رؤية استشرافية للسلطات العليا للبلاد لتحقيق الأمن المائي
  • الأمن الوطني يضع مخططا خاصا بمباراة مولودية الجزائر وبارادو
  • العمق التاريخي مملكة السلام
  • عضو «الحوار الوطني»: الرؤية الفلسطينية المقرر طرحها في القمة العربية خطة طموحة
  • شكاية ضد ابن كيران بتهمة القذف والسب ومطالبته بتعويض 150 مليون
  • مناطق شقق الإسكان الاجتماعي المتاحة بدون أولويات.. إعلان النتيجة قريبا
  • عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي: تحول استراتيجي يغير أولويات القارة
  • قطر تؤكد أن استقرار المنطقة والعالم مرتبط بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية