الجزيرة:
2024-07-03@14:55:56 GMT

مكملات الكركمين.. هل هي معجزة طبية حقا؟

تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT

أصبح الكركمين مؤخرا أحد المكملات الصحية الأكثر شهرة في الأسواق، وستجد الحديث عن فوائده الصحية حولك في كل مكان من مواقع التواصل إلى شاشات التلفاز. إذا كنت تصدق كل ما تسمعه، فسوف تعتقد أن مكملات الكركمين "معجزة" طبية وصحية، لكن هل هذا الادعاء صحيح حقا؟

 

استخدام واسع النطاق

اكتسب الكركم، وهو نبات طويل القامة من عائلة الزنجبيل موطنه الأصلي آسيا ويُصنع منه التوابل الصفراء الزاهية المستخدمة غالبا في الكاري والخردل والحليب الذهبي، شهرة واسعة باعتباره طعاما فائق الجودة، وإلى جانب ذلك رُوِّج لخصائصه المضادة للالتهابات وأنه من المضادات الفعالة للأكسدة، وأن بإمكانه تقديم دفاع طبيعي ضد السرطان ومرض ألزهايمر (1).

الكركمين هو مادة كيميائية مميزة ذات لون أصفر مائل للبرتقالي تُستخلَص من جذور الكركم، وهي سبب لونه الأصفر. وعادة ما تعزى أنشطة الكركم وما يستطيع تحقيقه من فوائد صحية إلى الكركمينويدات (الكركمين والمواد ذات الصلة الوثيقة)، إلى درجة أن هناك الآلاف من المنشورات والمئات من براءات الاختراع القائمة على بيان دور الكركمين في الوقاية ومعالجة الكثير من الأمراض.

أضف إلى ذلك أن الكركمين يُدمج في منتجات التجميل التي تدّعي أنها تساعد في علاج حب الشباب والإكزيما، وتساعد على الوقاية من حدوث جفاف الجلد. تتوقع بعض التقارير أن يصل حجم سوق الكركمين العالمي إلى 191 مليون دولار بحلول عام 2028 (2) (3).

استخدمت بعض الدراسات الكركمين في التجارب السريرية على المرضى الذين يعانون من سرطان البنكرياس، وسرطان الثدي، وغيرها. (شترستوك) هل الكركمين علاج فعال حقا؟

حسنا، دعنا نخبرك أن الحديث عن فوائد الكركمين ليس أمرا عبثيا تماما. تُظهر التجارب السريرية أن الكركمين قد يساعد في مكافحة التهاب المفاصل وبعض الأمراض الأخرى، ولكن هناك مشكلة أساسية يتسم بها الكركمين، هذه المشكلة هي التوافر البيولوجي، أو كيفية وصوله إلى الدم. في منتصف التسعينيات، كان جاك أربيزر ونانسي ديمور، وهما باحثان شابان في كلية الطب بجامعة هارفارد، يستكشفان خيارات علاجية جديدة للسرطان، حينها صادفا بعض الأبحاث التي تُشير إلى أن الكركمين يمكن أن يمنع نمو أنواع مختلفة من الخلايا السرطانية في أنبوب الاختبار. أثار هذا الأمر اهتمامهما بدرجة كبيرة، وبعد إجراء عدّة بحوث اكتشفا أن الكركمين يمكن أن يمنع تكوين أوعية دموية جديدة، في عملية تحتاج إليها جميع الأورام للحفاظ على نفسها (4).

منذ ذلك الحين، أصبح هناك العديد من الدراسات التي تستخدم الكركمين في التجارب السريرية على المرضى الذين يعانون من سرطان البنكرياس، وسرطان الثدي، وغيرها. لكن حماس الباحثين لهذه المادة تراجع عندما بدأ اختبار الكركمين على البشر، حيث اتضح أن هذه المادة تتمتع بتوافر حيوي سيئ للغاية، يُقصد بالتوافر الحيوي المعدل الذي يمتص به الجسم مادة ما، ما يجعل من المستحيل تقريبا الحصول على تركيزات عالية كافية من الكركمين في الدم من خلال تناول المكملات الغذائية عن طريق الفم وحده.

جعل هذا الأمر الاهتمام العلمي بالكركمين يتضاءل بدرجة كبيرة. لكن في السنوات الأخيرة، أدى التقدم في تقنيات توصيل الأدوية إلى تجديد الاهتمام به، حيث تُستَكشف أنظمة الجسيمات النانوية بوصفها وسيلة لإيصال جرعات عالية من الكركمين إلى الأورام. أيضا أظهرت بعض الأبحاث أن الجمع بين الكركمين والبيبيرين، وهو العنصر النشط الرئيسي في الفلفل الأسود، في مركب واحد، يمكن أن يزيد من التوافر البيولوجي للكركمين بأضعاف، رغم أنه لا يزال يتعين إثبات ما إذا كان هذا يمكن أن يساعد في تحقيق فائدة لدى البشر (5).

في حين أن هناك الآن مجموعة كاملة من المكملات الغذائية الجاهزة للاستخدام التي تجمع بين الكركمين والبيبيرين، لكن لا تزال هناك تحديات أمام العلماء الذين يتطلعون إلى استخدام هذا المركب طبيا. أحد هذه التحديات هو أن البيبيرين يثبط مجموعة متنوعة من الإنزيمات التي تساعد في استقلاب الأدوية، وهو ما يجعل استخدام هذه المكملات بحاجة إلى المزيد من الأبحاث لاستكشاف مدى زيادة خطر الآثار الجانبية لدى المرضى الذين يتناولون أدوية طبية أخرى.

تظهر مشكلة مشابهة عند استخدام الكركمين مضادا للالتهابات. أثبتت التجارب أن الكركمين يعمل على تقليل آلام المفاصل وتحسين الالتهابات عند جرعة تتراوح بين 500-1000 ملغم يوميا، وهو ما يعادل نحو 10 غرامات من الكركم. يعني ذلك أن الغالبية العظمى من مكملات الكركم لا تحتوي على ما يكفي من العنصر النشط لتكون فعالة (6)، لأن الجرعة المطلوبة لإحداث تأثير علاجي تتخطى الحاجز المسموح به من المادة.

كذلك في حين أن من الصحيح أن الكركم والكركمين يمتلكان مجموعة متنوعة من الأنشطة البيولوجية المثيرة للاهتمام، فإن من الصعب دراستها لأن الكركمين غير مستقر، فهو يتحول بسهولة إلى مواد أخرى، وهو ما يجعل من الصعب على الدراسات أن تصل إلى نتائج مؤكدة. بالإضافة إلى ذلك، قد تختلف منتجات الكركمين في التركيب وتحتوي على مواد مختلفة عن بعضها بعضا، مما يجعل نتائج الأبحاث المتعلقة بهذه المنتجات صعبة الفهم والمقارنة، ونتيجة ذلك كله لم تظهر بعد أي استنتاجات حاسمة حول الفوائد العلاجية لهذه المادة.

قد تحتوي بعض مساحيق الكركم على ملونات غذائية مشكوك في مدى صحتها، التي تُضاف لتحسين اللون. (شترستوك) مبالغات إعلامية

لا تقف المشكلات في التعامل مع الكركمين عند هذا الحد. فعندما نظر المراجعون في التجارب السريرية والدراسات الوبائية الحديثة حوله، لاحظوا أن نتائج الأبحاث في كثير من الأحيان لم تُترجم بشكل صحيح في وسائل الإعلام، أو تعرضت لمبالغات كبيرة. تشير مراجعة نُشرت عام 2017 للأدبيات العلمية حول الكركمين إلى أن هذا المركب له فوائد صحية فعلية محدودة، و"لا يرقى إلى مستوى هذا الضجيج الذي صُنع حوله". في المقابل، أكد المؤلف المشارك في المراجعة مايكل والترز أن العديد من الدراسات التي تروج لفوائد الكركمين المتعددة كانت تهدف بشكل كبير إلى تحقيق بعض "المصالح" التجارية والمادية، وقام عليها باحثون لديهم علاقات مع شركات المكملات الغذائية التي ستحقق استفادة مادية مباشرة من زيادة مبيعات مستخلص الكركمين.

في الوقت نفسه، غالبا ما تتجاهل التغطيات الإعلامية الحديث عن الدراسات التي تتناول أضرار الكركمين (7). تشير نتائج بحثية إلى أن تناول مكملات الكركم بكميات كبيرة يؤدي إلى ظهور بعض الأعراض غير المرغوبة. مثلا، يحتوي الكركم على نسبة من مادة الأوكسالات المسؤولة عن تكوين حصوات الكلى. بالإضافة إلى ذلك، ليست كل مساحيق الكركم التجارية نقية، بعضها قد يكون مغشوشا، وهذا يعني أنه تُضاف مكونات أرخص، وربما تكون سامة، ولم تُدرج على الملصق.

كشفت بعض الدراسات عن أن مساحيق الكركم التجارية قد تحتوي على مواد حشو مثل نشا الكسافا أو الشعير والقمح أو دقيق الجاودار، هنا يمكن أن يسبب تناول الكركم الذي يحتوي على دقيق القمح أو الشعير أو الجاودار أعراضا ضارة لدى الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل الغلوتين أو مرض الاضطرابات الهضمية. أيضا وجدت البحوث أن بعض منتجات الكركم ملوثة بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص، التي يمكن أن يكون لها آثار ضارة على الصحة (8).

قد تحتوي بعض مساحيق الكركم أيضا على ملونات غذائية مشكوك في مدى صحتها، التي تُضاف لتحسين اللون، أحد ملونات الطعام المستخدمة بشكل متكرر في الهند هو أصفر الميتانيل. تُظهر الدراسات التي أُجريت على الحيوانات أن أصفر الميتانيل قد يسبب السرطان وتلفا عصبيا عند تناوله بكميات كبيرة.

أيضا قد يتداخل الكركم مع عمل بعض الأدوية التي يتناولها الشخص. على سبيل المثال، يمكن أن يتداخل تناول الكركمين مع الأدوية المضادة للتخثر أو مخففات الدم مثل الأسبرين ويؤدي إلى زيادة آثارها ومن ثم حدوث نزيف مفرط. وأخيرا، ثبت أن الجرعات العالية للغاية من مكملات الكركمين التي تبلغ 2600 مغم/كغم من وزن الجسم يوميا لمدة طويلة قد تسبب بعض الآثار الجانبية الخطيرة في الجرذان. وتشمل هذه الآثار زيادة في حجم الكبد، وتصبغ الفراء، وقرحة المعدة، والالتهابات، وزيادة خطر الإصابة بسرطان الأمعاء أو الكبد (9).

——————————————————————————-

المصادر:

1- Turmeric May Not Be a Miracle Spice After All

2- Does turmeric’s reputation translate into real health benefits?

3- Turmeric

4- Curcumin Is an In Vivo Inhibitor of Angiogenesis

5- Curcumin: A Review of Its’ Effects on Human Health

6- The Actual Health Benefits Of Turmeric: Facts Vs Myths

7- The Essential Medicinal Chemistry of Curcumin

8- Curcumin Will Waste Your Time

9- Does Too Much Turmeric Have Side Effects?

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التجارب السریریة الدراسات التی مکملات الکرکم یمکن أن ما یجعل التی ت

إقرأ أيضاً:

محطات الانتظار

 

سلطان بن محمد القاسمي

في عُمق الحياة؛ حيث تتقاطع مسارات الزمن، تقف محطات الانتظار كنقاط تفتيش للروح والأحلام. ففي هذه المحطات، يقف كل منَّا، مُحملًا بأمتعته من ذكريات وتوقعات، يتأمل مسارات قد تأخذه إلى وجهات مجهولة. هنا، حيث تلتقي الأقدار بخيوط الزمن المُتشابكة، يتوقف كل شيء للحظة. يتساءل كل مسافر: متى يأتي قطاري؟ وهل أنا حقًا مُستعد لما ستجلبه الرحلة القادمة؟

إنَّ هذه اللحظات تكتسب بُعدًا أكثر عمقًا عندما نفكر في الرحلات السابقة التي قادتنا إلى هنا. كما أن الاختيارات التي قمنا بها، والطرق التي سلكناها والتي تركناها، كلها تلعب دورًا مهما في تشكيل القرارات التي نواجهها اليوم. وفي هذا التأمل، نجد فرصة لا تقدر بثمن لإعادة تقييم خططنا وأحلامنا، لنقرر بحكمة أكبر كيف نود أن نقضي الوقت الثمين الذي يتسرَّب من بين أيدينا. هل نختار الانتظار بصبر، أم نتحرك بحزم نحو القطار القادم، مستعدين للتعامل مع كل ما يحمله من تحديات وفرص؟

توفر محطات الانتظار هذه مساحة ليس فقط للتفكير فيما قد نضحي به أو نكسبه في الرحلات القادمة، ولكن أيضًا لتقدير الطريق الذي سلكناه حتى الآن. كما يمكن أن تكون اللحظات التي نقضيها في التأمل والتقييم في هذه المحطات بمثابة جسور تربط بين ماضينا ومستقبلنا، مما يسمح لنا باتخاذ قرارات أكثر وعيًا وتحضيرًا للمرحلة التالية من رحلاتنا.

الفرص واختياراتها: محطة القرارات

الحياة لا تقدم لنا خريطة محددة أو جدولًا زمنيًا دقيقًا لقدوم قطارات الفرص، بل تعرض أمامنا لوحة معقدة من الخيارات المتشابكة التي تتطلب منَّا القرار والعمل. وبين لحظة الوصول وأخرى للرحيل، نجد أنفسنا في مواجهة مستمرة مع قرارات قد تغير مجرى حياتنا بأكملها، وقد تكون هذه القرارات صعبة ومحملة بعواقب واسعة النطاق؛ فكل قطار يقف أمامنا لا يمثل فقط مجرد وسيلة نقل، بل يحمل قصة ممكنة، مغامرة جديدة، ودرسًا محتملاً في الحياة.

وهنا علينا أن نُقرر: هل نقف جانبًا نتأمل القطار يغادر دون أن نستقله، متجنبين المخاطر المحتملة للمجهول، أو نتخذ خطوة جريئة نحو القفز على متنه، مستعدين لمواجهة كل ما يحمله من مجهول؟ الاختيار الصحيح يتطلب منَّا ليس فقط الشجاعة للمخاطرة، بل أيضًا الحكمة لتقدير الفوائد المحتملة مقابل المخاطر. هذا يعني أننا بحاجة إلى تقييم دقيق للفرص المتاحة، مع الاعتبار للتكاليف والمكاسب المحتملة، وكذلك الاستعداد للتعامل مع النتائج غير المتوقعة التي قد تترتب على قراراتنا.

في هذه المحطة، يصبح كل قرار نتخذه بمثابة رهان على المستقبل، يُظهر إيماننا بقدرتنا على التنقل في مسارات الحياة المتغيرة. ومن خلال هذه القرارات، نشكل مسارنا الفردي، نكتب قصتنا الخاصة، ونحدد الاتجاه الذي سنأخذه في محيط الحياة الواسع.

جودة الرحلة: أكثر من مجرد وجهة

المسار الذي نختاره ليس بالضرورة الأسرع أو الأسهل، بل قد يكون الأكثر إثراءً لروحنا وعقلنا. والاختيارات التي تبدو صعبة في البداية غالبًا ما تكون الأكثر قيمة، إذ تمنحنا الفرصة لاكتساب الخبرات العميقة التي تشكل شخصيتنا وتعزز من نمونا الذاتي؛ ففي قطار العمر، كل محطة تقدم لنا دروسًا تزيد من ثراء تجربتنا الإنسانية، تعلمنا كيف نقدر الجمال في البساطة، والعمق في اللحظات الهادئة.

إنَّ استثمار الوقت في تقدير هذه الجوانب يُمكن أن يعزز من قدرتنا على التواصل مع الآخرين ومع أنفسنا، مما يرفع من جودة حياتنا العامة. فعندما نختار مسارًا يتحدى قدراتنا، نكتشف موارد داخلية لم نكن نعلم بوجودها. هذه الرحلات الأصعب غالبًا ما تقود إلى اكتشافات شخصية ومهنية قيمة، مثل تعلم كيفية التعامل مع الصعوبات، تطوير الصبر، وتعزيز الثقة بالنفس.

علاوة على ذلك، الطرق التي نختارها تكشف عن قيمنا وأولوياتنا. وبالتركيز على جودة الرحلة بدلاً من السعي الحثيث نحو النهايات، نتعلم أن كل خطوة في الطريق هي جزء لا يتجزأ من الوجهة النهائية. كما أن تعلم الاستمتاع بالرحلة وليس فقط الوصول إلى الهدف يمكن أن يؤدي إلى حياة أكثر سعادة وإشباعًا، حيث تصبح كل لحظة ذات قيمة ومعنى.

استثمار الوقت: الركيزة الأساسية للنجاح

ففي عالم يتسم بالسرعة، يُعتبر الوقت العملة الأكثر قيمة، وكيفية استثمار هذه العملة تحدد جودة الحياة التي نعيشها. استثمار الوقت بفاعلية لا يعني فقط الانشغال الدائم، بل يتطلب الانشغال الذكي. يجب أن نتساءل: هل نستثمر وقتنا في تعلم مهارات جديدة وبناء علاقات معنوية، أم أننا نضيعه في القلق على المستقبل والندم على الماضي؟ إن التوازن بين هذه الأمور يُعد مفتاحًا لتحقيق الرضا والنجاح.

كما إن استثمار الوقت بحكمة يتطلب منَّا نظرة استراتيجية للحياة، تشمل تحديد الأولويات بوضوح ووضع أهداف قابلة للتحقيق. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد تقنيات تقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاء صغيرة، استخدام الأجندة لتنظيم اليوم، وممارسة الانضباط الذاتي لتجنب المماطلة في تحسين إدارة الوقت بشكل كبير.

بالإضافة إلى ذلك، يُعد الوقت الذي نقضيه في تعزيز علاقاتنا الشخصية والمهنية استثمارًا قيمًا، حيث توفر هذه العلاقات الدعم العاطفي والمهني الضروري في أوقات التحدي. كما أن التعلم المستمر وتحديث المهارات يفتح أبوابًا جديدة ويخلق فرصًا للنمو الشخصي والمهني، مما يُعزز من قدرتنا على التعامل مع التحديات المستقبلية بفعالية أكبر.

تحقيق الذات: ما بين الانتظار والفعل

الانتظار بحد ذاته ليس عملاً سلبيًا؛ بل يمكن أن يكون فترة حيوية للتأمل وإعادة تقييم الاختيارات. وفي لحظات الانتظار، نجد الفرصة للتفكير العميق في مساراتنا الحياتية، وتقييم ما إذا كانت الأهداف التي نسعى إليها لا تزال تتماشى مع قيمنا وتطلعاتنا. ومع ذلك، يجب ألا يتحول الانتظار إلى حالة دائمة من التردد تمنعنا من استغلال الفرص المُتاحة. كما أن الفعل الموجه والمخطط له يمكن أن يحول الانتظار إلى جسر يوصلنا إلى ضفة النجاح والإنجاز.

وفي هذا السياق، يصبح الفعل المدروس والاستعداد المسبق عناصر أساسية لتحقيق الذات. كما أن استغلال الفرص في الوقت المناسب يتطلب استعدادًا نفسيًا وعمليًا يتجاوز مجرد الرغبة في النجاح إلى بناء القدرات اللازمة لتحقيقه. هذا يشمل تطوير مهارات جديدة، تعميق الفهم الذاتي، وتوسيع شبكات الدعم التي يمكن أن تساعد في التنقل عبر التحديات.

بالإضافة إلى ذلك، يجب علينا أن نتعلم كيف نوازن بين الصبر والحزم في اتخاذ القرارات. وفي بعض الأحيان، قد يكون الانتظار الاستراتيجي أفضل من الفعل المتسرع، خاصة عندما لا تكون المعلومات كافية لاتخاذ قرار مُستنير. ومع ذلك، فإنَّ التردد المفرط يمكن أن يؤدي إلى فقدان فرص قيمة قد لا تتكرر. ومن هذا المنظور، يجب أن نكون مستعدين للتحرك بثقة عندما تظهر الفرصة المناسبة، مستفيدين من التحليل المعمق والتجارب السابقة لتحقيق النتائج المرجوة.

الرحلة مُستمرة

وفي نهاية المطاف، قطار العمر لا يتوقف عند محطة محددة؛ بل يُواصل سيره، مخترقًا محطات عديدة، كل منها يمثل فرصة للتعلم والنمو، ويُقدم لنا فرصة جديدة لاستكشاف، ولتعزيز مهاراتنا، ولتوسيع أفقنا، ومع كل قطار نستقله، نكتسب خبرات تضاف إلى رصيدنا الحياتي، وتعمق من فهمنا للعالم ولأنفسنا.

وهناك سؤال مهم يطرح: كيف نجعل كل رحلة تعدنا بشكل أفضل للمحطات القادمة؟ هذا السؤال يدفعنا لاستثمار الوقت والجهد في تطوير الذات، ويحفزنا على التفكير بأن كل خطوة نتخذها يمكن أن تكون بمثابة بناء للجسور نحو أهداف أعلى وأسمى.

إنَّ فهم هذه الرحلة المستمرة والمشاركة النشطة في توجيه مسارها، يمكن أن يحول التجربة الإنسانية إلى مغامرة غنية ومُرضية. ومن خلال الاستمرار في التعلم والتكيف، يمكننا أن نجعل كل رحلة أكثر قيمة، وأن نبني حياة مليئة بالرضا والإنجاز. في كل محطة ومع كل قطار، نحن مدعوون لاكتشاف، لتجربة، ولتحقيق الإمكانيات الكاملة لوجودنا.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • غرفة القاهرة: فصل التجارة الخارجية عن وزارة الصناعة يصب في صالح المصدرين
  • محافظة جنونية تشهد معجزة خارقة للشيخ عبد المجيد الزنداني
  • الكشف الطبي المجاني علي مئات المواطنين في قافلة طبية بقرية بناويط بالمراغة
  • هام لمرضى الروماتويد.. مكملات غذائية تخفف آلامه ونصائح مهمة للتعايش مع المرض
  • حياة كريمة تطلق قافلة طبية مجانية اليوم في الشرقية
  • 40 مليون مصاب.. دراسات طبية توضح أسباب الصداع النصفي وطرق علاجه
  • كيف يصنع القرار؟
  • محطات الانتظار
  • ثلاثة أعشاب طبيعية لتعزيز قوة الدماغ
  • بدء برنامج "المستكشف المالي" في "الدراسات المصرفية"