أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها الهدف الثامن، العمل اللائق ونمو الاقتصاد (8 من 17)
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
يسعى الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة إلى توفير العمل اللائق وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل للجميع. ويمكن تحقيق هذا وحسب رأي الخبراء في العمل والاقتصاد، بناءا على النقاط الأربعة الآتية: أولا – تحقيق العمالة الكاملة والمنتجة للإنسان في شتى القطاعات، ثانيا – تقليص فجوة الأجور والرواتب بين الجنسين وخفض نسبة البطالة عن العمل بين الشباب، ثالثا – إنهاء عمل الأطفال بكل أشكاله، وإضفاء طابع العمل الرسمي في كل قطاعات العمل والحث على مباشرة الأعمال الحرة والقدرة على الإبداع والابتكار في جميع أنواع العمل، رابعا – تشجيع المؤسسات متوسطة الحجم، والصغيرة، والأكثر صغرا على العمل ودعمها بخدمات مالية مناسبة من أجل إنتاج مستدام.
ويعمل هذا الهدف على محاربة الإسترقاق والمتاجرة بالبشر، بداية بعمالة الأطفال، مرورا بتجنيدهم وإستخدامهم كدروع بشرية في مناطق النزاعات والحروب. كما يعمل الهدف المعني على ضمان حقوق العمل على أساس توفير بيئة عمل ملائمة وآمنة للعاملين في حقول العمل المختلفة، ومكافأة العاملين بأجور ورواتب كافية لسد متطلبات الحياة اليومية. كما يهتم هذا الهدف بالعمال المهاجرين ومستقبلهم، خصوصا العاملين منهم في حقول عمل غير مستقرة. زيادة على ذلك يعمل الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة على تحسين الكفاءة في الثروات والموارد العالمية في مجالي الإستهلاك والإنتاج والتجديد، واعادة النظر في موضوع التوزيع العادل للثروات والموارد بين المنتج، المسوق والمستهلك، مع مرعاة حوجة المواطن لها، على وجه الخصوص الحوجة إليها محليا في مناطق إنتاجها.
بالتدقيق في بعض البيانات الإحصائية التي تخص هذا الهدف، نجد أن الأغلبية العظمى من فقراء العالم، والذين يقدر عددهم بحوالي 2 مليار شخص لهذا العام، هم يعتمدون في عيشهم على إمتهان حرف هامشية لا تفيء بمتطلبات الفرد الضرورية. الشيء الذي يضعها في محور سؤال مهم، دورها في الإيفاء بمتطلبات الأسرة ومستقبلها وسبل نموها. وعندما نتحدث عن الفقر، نعني أكثر من نوع منه، وأشدها الفقر المدقع الذي يعيش فيه عالميا حوالي 215 مليون شخص. والذي تكون محصلة الفرد النقدية ما لا يتعدى 2.15 دولار أمريكي للفرد ولكل يوم، إن وجد مصدر للدخل اليومي (هذا بعد التعديل من 1.90 إلى 2.15 دولار أمريكي في العام 2022). وتتكون الغالبية العظمى من الأفراد المعنيين هنا من النساء اللاتي يدخلن دخلا أقل بنسبة 12.5% من الرجال، ويعشن في أكثر من 45 دولة. وتقدر فجوة الأجور عالميا بنسبة 23%، وبالمقارنة تبلغ مشاركة المرأة في سوق العمل بحوالي 63% مقابل نسبة 94% من مشاركة الرجل. وفي هذا العام يوجد ما يفوق 200 مليون شخص هم عاطلون عن العمل، الشيء الذي يعتبر في حقل التنمية العالمية، إهدار للطاقة البشرية القادرة على العمل. الشيء الذي يترتب عليه، التراجع خطوات للوراء فيما يعني بمحاربة الجوع والفقر، ممهد أولي لفقدان المأوى والوقوع في جرائم المخدرات وإرتكاب الجرائم كالاتجار بالبشر، ومهدد أولي لمستقبل التنمية المستدامة وكيفية الوصول إلى تحقيقها عالميا.
إذا أخذنا السودان كمثال لدولة نامية ومتوسطة الاقتصاد، نجد أن السودان غني بالثروات والموارد، والتي لم يستفد منها بعد استفادة تقوم الاقتصاد الوطني وترضي المواطن. وفيما يخص اكتساب الطاقة الأحفورية كمحرك للاقتصاد القومي، لم يصل طرفي البلاد (البلدين) بعد لإتفاق يجعلهما يستفيدان من هذه الطاقة، والتي سوف تعد بعد سنوات قليلة في حسابات أنواع الطاقة الميتة. ولو التفتنا للبدائل لهذه الطاقة في السودان بشقيه الشمالي والجنوبي، نجد أنواع متعددة منها، يمكن الإستعانة بها في مجالات مهمة، خصوصا متطلبات المجتمع والحركة والإنتاج. وربما تمكن السودان من الاستفادة من مصادر أخرى للطاقة المتاحة، على سبيل المثال أنواع الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المياه الجوفية وطاقة التوربينات التيارية وطاقة المساقط المائية التي تتوفر فيه بدلا عن الطاقة الأحفورية.
وللسودان كقطر زراعي ورعوي في نفس الوقت مجال شاسع في إمكانية استخلاص الطاقة الأحيائية من المخلفات الزراعية والحيوانية المتمثلة في البيوغاز، خصوصا في مناطق الإنتاجين النباتي والحيواني. والتي يمكن عن طريقها تدوير توربينات العمل الصناعي الحديث للإنتاج محليا والتصدير عالميا، وبمواصفات ترضي أسواق العالم المفتوحة لمنتجات نباتية وحيوانية عالية الجودة، وذات أصل عضوي (أوراجانيك برودوكتس) وخالية من المعالجة المعملية والمواد الكيمائية الضارة بالصحة. ويعتمد أيضا إستخراج المواد الخام وكنوز الأرض من المعادن النفيسة على توفر الطاقة الكافية، الشيء الذي ليس هو محورا للنقاش هنا، والذي يمكن أن تحدث بمساعدته طفرة إنتاجية في السودان، تقوي اقتصاده القومي وتجعل الخروج من بئر الفقر في هذا البلد الكبير والغني بموارده ثرواته شيء ممكن وليس من المستحيلات.
إذا توفرت مقومات الاقتصاد الأساسية في السودان، تتحسن بيئة العمل فيه وتكون ملائمة لكل الفئات التي تطرق أبواب العمل. هنا يمكن أن تتوفر للعاملين من الجنسين المؤسسات الخدمية الحديثة التي تتمتع بوجود أماكن عمل مريحة، وفيها توجد معدات مواكبة لإنجاز العمل على أحسن وجه وفي أوقات قياسية. وهذا بعد تصحيح محطات مهمة في قطاع العمل، تبدأ بمكان العمل، سبل وطرق الوصول إليه (المواصلات، الطريق، الموقع، المسافة)، وتحتوي حتى على المعدات التي ينجز بها العمل، عوضا عن معدات قديمة أكل عليها الدهر واحتضرت. الشيء الذي تنعكس صوره الإيجابية على آداء وصحة العاملين، الذين يواظبون وقتها على العمل، ومن دون ملل أو تغيب لأسباب مرضية يكون المسبب الأول لها طبيعة وبيئة العمل. والعمل الملائم في أضيق تعاريفه، هو العمل الذي يذهب إليه الإنسان في كل يوم بنفس راضية ومن دون تزمر، وينضوي تحته أيضا حب العمل الذي يمثل تاجا مزينا، عندما يتعلق العامل بعمله ويتفانى فيه، ويفتقده إذا لم يذهب إليه يوم. الشيء الذي إن دل على شيء يدل على عمل بروح مليئة بحب الإنتاج الجيد، والذي ليس هو إلا جزء لا يتجزأ من أضلع التنمية المستدامة العالمية، المرتجاة في غضون السبع سنوات القادمة من أجل الاكتفاء المحلي والعالمي معا.
هناك كثير من القطاعات العملية في السودان التي تنعدم فيها مقومات العمل الملائم وفي أبسط صوره. يأتي هذا لعدة أسباب لا يمكن ذكرها كلها هنا ولكن بعضها. فإذا تمعنا أهم قطاعات العمل المجتمعية في السودان وحصرناها في التعليم والصحة والإنتاج، نجد أن هناك حوجة ملحة للإصلاح في بيئة العمل في هذه المجالات الثلاثة. فمكان العمل الغير مناسب يمثل عقبة كبيرة في الحقل التعليمي. توفير الفصول المناسبة لعدد معقول من التلاميذ، والتي يمكن للمعلم أن ينجز عمله فيها بالصورة التي تناسبه وتناسب تلاميذه، أو توفر المكتب المناسب الذي يتيح للمعلم إمكانية تحضير المواد التي يعمل على تدريسها في مدرسته في كل يوم. وشيء مشابه ينطبق على المحاضر الجامعي، الذي ربما كان أكثر حوجة للمعامل المجهزة التي يجري فيها مساعدتها تجاربه وأبحاثه ليواكب في مجالات البحث العلمي. وفي الحقل الصحي يواجه الأطباء والعاملون في هذا الحقل المهم مشكلات كبيرة، بداية بوجود مكان يستقبل المريض للعلاج، مرورا بتوفر العلاج اللازم لحفظ الحياة، أو المعدات والأجهزة للازمة لإنقاذ الحياة. كلها تعتبر أشياء نادرة أو شبه معدومة وفي بيئات عمل صحية مختلفة، تختلف تضاريسها بين البوادي والحضر، وتتشابه أحيانا بين المدن مهما كبرت. وإذا توفرت، تكون بأثمان ليس بمقدور كل مريض من دفع نفقاتها من دخل يومي متوسط. وفي حقول الإنتاج، نجد أن هناك عجزا كبيرا في توفير الطاقة الكافية للإنتاج والمعدات والماكينات التي تساعد على الإنتاج وتجعل منه شيئا ممكنا وميسرا. الشيء الذي يرتد صداه بتعطل المعدات والماكينات المستخدمة في العمل، والتي يمكن أن يجمد عملها كليا بسبب تعطلها أو انعدام قطع الغيار التي أدت للعطل، وعليه تعطل الإنتاج، وأحيانا لأهم المنتجات.
ولنذهب لأبعد من ذلك ونذكر الآدميين من أبناء السودان الذين يعملون في حقول المواد الخام، وفي مناجم التعدين لمنتجات هاظة الثمن في الأسواق العالمية. والذين يرتادون هذه المناطق مكرهين بحثا عن العمل، وهروبا من وطأتي الفقر والجوع. ولكنهم لا يدرون بسبب الحوجة، بأنهم أنفسهم يدفعون لاحقا بصحتهم الغالية أبهظ الأثمان، بمطاوعة الشركات الربحية الموكلة للإنتاج. والتي لا تهتم بسلامة العامل ولا تقم بتأمين حياته إذا تأثرت صحته ذات يوم ببيئة العمل. وبما أن ليس في العمل من عيب، ولكن العيب يقع على الشركات المحلية والعالمية التي تشغلهم وتستعبدهم للعمل في بيئة قاتلة لا تلائم الكائن الحي أي كان نوعه، فما بالك بالإنسان الذي أوصت بحياته وسلامته كل الديانات السماوية. نعني هنا بالتحديد الشباب الذين يعملون لساعات طويلة، وبأبخس الأجور لصالح الدول الغنية، التي لا يعنيها إنسان أفريقيا جنوب الصحراء في شيء، بل تعنيها موارده وثرواته وهدم مقوماته نفسيا وجسديا كقوة بشرية عاملة (؟؟أين حقوق الإنسان في العمل؟؟). إنهم الشباب الذين يعملون في حقول ومناجم التعدين في السودان لشركات ذات أسماء، في مناطق عمل غير لائقة، رطبة لا يدخلها الضوء، وتنعدم فيها ممرات الهروب وطرق السلامة، ووسائل الإسعاف وإنقاذ الحياة وقت حوادث الانهدام وكوارث الحطام والغرق والحريق.
ولنزد على ذلك عدم استخدام هذه الشركات للشباب لاستخراج المواد الخام من باطن الأرض ومن بين الصخور فقط، بل أيضا غسلها وتصفيتها من التراب والرواسب. ويستخدمون على سبيل المثال في تعدين الذهب سيانيد الزئبق الثنائي، والذي يعتبر مركبا كيميائيا ذا درجة عالية من السمية. والذي يضر ضررا بالغا بالأغشية المخاطية والرئتان والجلد وحاستا الذوق والشم وجهاز الأعصاب المركزي.
خلاصة موقع السودان من أهداف التنمية المستدامة، التي تعمل منظمة الأمم المتحدة على الوصول إليها في أقل من السبعة السنوات القادمة، بما فيها الهدف الثامن "العمل اللائق ونمو الاقتصاد" هو أن لا يمكن للوصول لعمل لائق واقتصاد جيد بغياب سلام دائم. الشيء يتطلب إفشاء السلام وليس فقط في السودان، بل أيضا في كل المنطقة الجغرافية الإستراتيجية للسلام، خصوصا الأفريقي. والشيء الذي يدعو الأمم المتحدة لأن تقف مع السودان كقطر ذي سيادة وعضو قديم في الأمم المتحد، لكي يجتاز المحنة التي هو فيها الآن. وهذا بإرساء دعائم سلام دائم، يبني على وحدة السودان وتماسكه، ويعمل على إخلاء منازل المواطنين الدخلاء. وعودة الحياة للقرى والمدن والعاصمة، وتوفير سبل الحماية والأمن للمواطن السوداني النازح في بلده وفي بلدان الجوار. وبناء اقتصاد قوي بعد إنهاء الحرب، يدعم تأسيس نظام ديمقراطي مثالي يشار إليه بالبنان، ويكون نموذج لكل شيء ممكن بعد حين من الزمان.
(نواصل في الهدف التاسع: الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية...)
E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de
المصدر: ترجمة معدلة من أوراق ومحاضرات للكاتب.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أهداف التنمیة المستدامة الشیء الذی فی السودان بیئة العمل فی العمل فی مناطق فی حقول نجد أن
إقرأ أيضاً:
«مياه الشرب»: ملتزمون بتطوير استراتيجيات التوعية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
اختتمت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، بالتعاون مع مشروع تعزيز استدامة خدمات مياه الشرب والصرف الصحي في صعيد مصر – الممول من السفارة الهولندية، فعاليات ورشة العمل التي أُقيمت بالقاهرة مساء أمس، إذ أكد المهندس ممدوح رسلان رئيس الشركة القابضة، التزام الشركة بتطوير استراتيجيات التوعية والاتصال، وتعزيز الشراكات مع الجهات المانحة والمجتمع المدني، بما يسهم في تحقيق إدارة مستدامة وفعالة للموارد المائية.
مناقشة قضايا استراتيجية في مجالات الاتصال والمشاركة المجتمعية ودورها في ترشيد استهلاك المياهوشهدت الورشة، التي استمرت على مدار أربعة أيام، مشاركة واسعة من ممثلي إدارات التوعية والإعلام والمشاركة المجتمعية بالشركات التابعة، حيث تضمنت جدول أعمالها مناقشة قضايا استراتيجية في مجالات الإتصال والمشاركة المجتمعية ودورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وترشيد استهلاك المياه.
واستعرض الدكتور محمود عبد الرحمن، مدير عام مأمونية المياه والصرف الصحي بالشركة القابضة، أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، وكيفية توافقها مع رؤية الشركة القابضة ودور الاتصال والإعلام في تحقيق هذه الأهداف.
أهمية التخطيط التشاركيكما قدمت دكتور شيماء سليمان، استشاري وزارة التنمية المحلية، جلسة نقاشية عن أهمية التخطيط التشاركي كآلية لتحديد الأولويات وصناعة القرار بمشاركة كل أطراف المجتمع المدني والمحلي والإعلام.
واستعرضت دكتور مي عفيفي، مدير عام التعاون الدولي بالشركة القابضة، مجالات دعم المشروعات الممولة من الجهات المانحة، والتركيز على المكون المجتمعي والخدمي ومجالات الاتصال.
واختتمت الورشة أعمالها، بمحاضرة قدمها دكتور إيهاب عبد الله، أستاذ بمعهد التخطيط والحوكمة، مؤشرات الأداء المتعلقة بالحوكمة في مجالات الاتصال والمشاركة المجتمعية، تضمنت تنظيم مجموعات عمل حول حوكمة الأداء، حيث تم دمج مؤشرات الحوكمة والتميز مع قوائم الاستبيان لإدارات التوعية والإعلام والمشاركة المجتمعية.