في العمق : مصداقية وثبات وتوازن السياسة الخارجية لسلطنة عمان «العدوان على غزة نموذجا»
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
خيَّمت الأوضاع المأساويَّة الَّتي يعيشها الشَّعب الفلسطيني الأعزل جرَّاء العدوان الإسرائيلي على غزَّة وجرائمه الوحشيَّة على المَدنيِّين، على خِطاب حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في افتتاح دَوْر الانعقاد الأوَّل للدَّوْرة الثَّامنة لمجلس عُمان في الرابع عشر من نوفمبر من عام 2023 واحتفالات سلطنة عُمان بعيدها الوطني الثَّالث والخمسين المَجيد، حيث جاء في عاطر النطق السَّامي «إننا إذ نتابع بكُلِّ أسى ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين المحتلَّة، من عدوانٍ إسرائيلي غاشمٍ، وحصارٍ جائرٍ؛ لَنؤكِّد على مبادئنا الثابتة لإقامة الدَّولة الفلسطينيَّة وعاصمتها القدس الشرقيَّة، ومؤكِّدين على ضرورة تحمُّل المُجتمع الدولي مسؤوليَّاته والتزاماته تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة، والمسارعة في إيجاد حلولٍ جذريةٍ لتحقيقِ آمال الشَّعب الفلسطيني في إقامة دَولته المستقلَّة، وبذلك يعمُّ السَّلام في منطقتنا وينعم العالَم أجمع بالأمن والأمان….
وجاء الخطاب السَّامي لجلالة السُّلطان المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ رسالة للعالَم أجمع بأنَّ السِّياسة الخارجيَّة لسلطنة عُمان معروفة للجميع، وهي ترتكز على مبادئ واضحة، ونُهج محدَّدة، وثوابت أصيلة، ومنهجيَّات حكيمة، لا تتغيَّر بتغيُّر الظروف والأحوال، ولا تتبدَّل بتبدل المواقف والأشخاص، قوامها الحقُّ والعدل والمساواة والشرعيَّة الدَّوليَّة، والعمل على استتباب الأمن والسَّلام والسَّعادة للبَشَريَّة كافَّة، مرتكزات لَمْ تحدْ سلطنة عُمان عَنْها قَيد أنملة منذ فجر النهضة المباركة بقيادة المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ بما يعكس تلك السَّيرة العُمانيَّة العطرة المؤكِّدة للانتماء العربي والمؤمنة بالقضيَّة الفلسطينيَّة، عقيدة وفكرًا ومبدأ وأصالة وثوابت، في وقوفها الدائم إلى جانب القضايا العادلة، وتوطيد عُرى التعاون مع الأشقَّاء والأصدقاء في الدوَل العربيَّة والإسلاميَّة، ومصادقة كُلِّ شعوب العالَم المُحبَّة للعدل والسَّلام، واعتماد الحوار والحلول السلميَّة في التعامل مع كُلِّ النزاعات، منطلقة في ذلك من إيمان وثيق بأنَّ تحقيق السَّلام العادل والشَّامل في الشرق الأوسط لا يتحقق إلَّا من خلال التطبيق التَّام والكامل لقرارات الشرعيَّة الدوليَّة، وحقِّ الشَّعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دَولته المستقلَّة على ترابه وعاصمتها القدس الشريف.
إنَّ سلطنة عُمان وهي تنطلق من هذه الثوابت، إنَّما ترسل للمُجتمع الدولي رسالة مفادها مسؤوليَّته في وقف المجازر الإسرائيليَّة الَّتي يتعرض لها الشَّعب الفلسطيني الأعزل، وواجباته الأخلاقيَّة ورسالته الإنسانيَّة ومسؤوليَّاته في حقن الدِّماء، وأنَّ نهج السَّلام والتعايش والقِيَم مشتركات لا يجوز التنازل عَنْها بأيِّ سبب كان، وقَدْ حرصت سلطنة عُمان في ممارستها لسياستها الخارجيَّة على أن تدعمَ علاقاتها مع الأشقَّاء والأصدقاء بكُلِّ ما يعزِّز المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة من شراكات اقتصاديَّة وتجاريَّة بما يُسهم في فتحِ آفاقٍ أوسع أمام الاقتصاد العُماني ودعم قدراته عَبْرَ علاقات سلطنة عُمان مع مختلف الأطراف الإقليميَّة والدوليَّة مستفيدة من الميزة التنافسيَّة والجيوسياسيَّة الَّتي ضمنت تقدير العالَم لهذه السِّياسة العُمانيَّة.
وعليه، فإنَّ إسقاط معالم هذه السِّياسة الحكيمة على القضيَّة الفلسطينيَّة في ظلِّ ما يتعرض له الشَّعب الفلسطيني في غزَّة والقدس وعموم فلسطين من عدوان جائر وإبادة جماعيَّة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي يعكس ثبات السِّياسة العُمانيَّة نَحْوَ هذه القضيَّة الَّتي لَمْ تَعُدْ مساحة للتنازلات أو المساومة عَلَيْها بقدر ما هي نهج عقدي وفكري والتزام أخلاقي وإنساني، لذلك ظلَّت السِّياسة العُمانيَّة نَحْوَ فلسطين ثابتة لَمْ يدخلها التشويه كما لَمْ يعترِها الذبول، فقَدْ جاء في خِطاب سُلطان عُمان الراحل في احتفال سلطنة عُمان بيوم الثامن عشر من نوفمبر في عام 2000م ما نَصُّه: «أمَّا السِّياسة الخارجيَّة فهي ترتكز ـ كما تعلمون ـ على مبادئ أساسيَّة لا نحيد عَنْها منذ فجر النهضة المباركة، وهي مبادئ تنبع من قناعتنا بالسَّعي لِمَا فيه الخير والسَّلام للجميع، والوقوف إلى جانب القضايا العادلة في المحافل الدوليَّة، وتوطيد عُرى التعاون مع أشقَّائنا في الدوَل العربيَّة وإخواننا في الدوَل الإسلاميَّة وأصدقائنا في جميع أنحاء العالَم، وننوِّه هنا بخصوصيَّة علاقتنا بدوَل مجلس التعاون الشَّقيقة. وفي ضوء هذه المبادئ فإنَّنا نعمل دائمًا مع الأُسرة الدوليَّة على ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار والسِّلم في العالَم، ونؤكِّد على دعمنا الكامل لحقِّ الشعوب العربيَّة في استعادة أراضيها المحتلَّة عام 1967م ونقف بكُلِّ حزم إلى جانب الشَّعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دَولته المستقلَّة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف».
إنَّ هذا الموقف العُماني الأصيل بشأن القضيَّة الفلسطينيَّة يتجدَّد اليوم في ظلِّ العدوان الإسرائيلي على غزَّة والمجازر الوحشيَّة الَّتي يقوم بها الاحتلال، لِيؤكِّدَ النهج العُماني ثباته وأصالته ومصداقيَّته وتوازنه أمام كُلِّ المتغيِّرات والتباينات وحالة الانكسار العربي في التعامل مع هذا العدوان العبثي الغاشم، وإنَّنا لنقرأ اليوم في جهود سلطنة عُمان ثبات النهج العُماني واستمراريَّة الحكمة السُّلطانيَّة في استدامة هذه السِّيرة العطرة والمواقف المشهودة الَّتي سيسجِّلها التأريخ وتحفظها الأجيال القادمة شاهدة على الثوابت العُمانيَّة الَّتي لَمْ تتغيَّر والانتماء العربي الإسلامي الَّذي لَمْ يتزعزع من العُمانيِّين قيادةً وحكومةً وشَعبًا.
وعَلَيْه، يُمكِن الإشارة إلى بعض هذه الجهود السِّياسيَّة الَّتي عملت سلطنة عُمان على تحقيقها في استنكارها الشديد لهذا العدوان الغاشم الَّذي يتعرض له الأشقَّاء في غزَّة والقدس وعموم فلسطين، سواء في اتِّصالات جلالة السُّلطان المُعظَّم ولقاءاته أو اتِّصالات وزير الخارجيَّة ولقاءاته، أو كذلك اللقاءات المشتركة مع المجموعات الخليجيَّة والعربيَّة والإسلاميَّة والدوليَّة، واللقاءات الصحفيَّة لوزير الخارجيَّة، وكلمات سلطنة عُمان في اللقاءات المشتركة، بالإضافة إلى بيانات وزارة الخارجيَّة، واستنكار سلطنة عُمان للإجرام الوحشي للكيان الصهيوني في قتل الأطفال والنِّساء وقصف المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء وغيرها من خلال الآتي:
❋ حضرة صاحب الجلالة السُّلطان المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ يستقبل أصحاب السُّمو والمعالي وزراء الخارجيَّة بدوَل مجلس التعاون لدوَل الخليج العربيَّة بقصر البركة العامر، حيث استعرض جلالة السُّلطان المُعظَّم ـ حفظه اللهُ ورعاه ـ تطوُّرات الأحداث الجارية في قِطاع غزَّة وعموم الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة، وضرورة تكثيف الجهود الإقليميَّة والدوليَّة لوقف التصعيد والعنف وتوفير الحماية للمَدنيِّين.
❋ تلقَّى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ اتِّصالًا هاتفيًّا من رئيس الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة. وقَدْ أكَّد جلالة السُّلطان على أهمِّية وقف العمليَّات العسكريَّة في قِطاع غزَّة والضفَّة الغربيَّة وحماية المَدنيِّين وإيلاء الجانب الإنساني الأولويَّة القصوى، وأهمِّية الاحتكام إلى قرارات الشرعيَّة الدوليَّة والقانون الدولي الإنساني.
❋ تضامنًا مع القضيَّة الفلسطينيَّة، ألغت سلطنة عُمان اتفاقًا مسبقًا يسمح بمرور طائرات النقل التجاريَّة والمَدنيَّة للكيان الصهيوني في أجواء سلطنة عُمان.
❋ عقدت في مسقط الدَّوْرة الاستثنائيَّة الثالثة والأربعين للمجلس الوزاري لمجلس التعاون لدوَل الخليج العربيَّة بشأن تطوُّرات الأوضاع في قِطاع غزَّة برئاسة وزير خارجيَّة سلطنة عُمان رئيس الدَّوْرة الحاليَّة للمجلس الوزاري، حيث بحث المجلس الوزاري تطوُّرات الأوضاع في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة وتصاعد أعمال العنف والقصف الإسرائيلي العشوائي للأحياء السكنيَّة في قِطاع غزَّة الَّذي نتج عَنْه مقتل وإصابة الآلاف من المَدنيِّين.
❋ تلقَّى وزير الخارجيَّة اتِّصالًا هاتفيًّا من وزير خارجيَّة الولايات المُتَّحدة، تناول تبادل وجهات النظر بشأن الوضع المأساوي الدَّائر في قِطاع غزَّة وخطورة استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي، والكارثة الإنسانيَّة الحادَّة الَّتي يعيشها المَدنيون مع سقوط الآلاف مِنْهم بَيْنَ شهيد وجريح، والضرورة القصوى لاحتواء هذا التصعيد ووقف إطلاق النَّار بما يسمح بفتح كافَّة الممرَّات الإنسانيَّة المتاحة لضمان وصول المواد الإغاثيَّة اللازمة للسكَّان وإنقاذ الأرواح.
❋ عقد وزير الخارجيَّة الاجتماع السنوي الرابع مع أصحاب السَّعادة السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسيَّة والمنظَّمات الدوليَّة المعتمدين لدى سلطنة عُمان، حيث تصدَّرت النقاش الأوضاع المأساويَّة في قِطاع غزَّة والمعاناة الشديدة للشَّعب الفلسطيني الشقيق نتيجة العمليَّات العسكريَّة الَّتي تشنُّها قوَّات الاحتلال الإسرائيلي والَّتي تجاوزت وانتهكت قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتأكيد موقف سلطنة عُمان الثابت في إدانة تلك الانتهاكات وفي بذل كافَّة الجهود والمساعي مع الدوَل الشَّقيقة والصَّديقة ومع المنظَّمات الدوليَّة للوقف الفوري غير المشروط لإطلاق النَّار ووقف التصعيد، والعمل على تدفق المساعدات الإنسانيَّة والإغاثيَّة بشكلٍ فوري عاجل.
❋ بتكليف سامٍ وزير الخارجيَّة يرأس وفد سلطنة عُمان المشارك في أعمال القمّة العربيَّة الإسلاميَّة المشتركة غير العاديَّة في الرياض بالمملكة العربيَّة السعوديَّة، حيث تناول اللقاء مستجدَّات الوضع المأساوي في قِطاع غزَّة، وتبادل وجهات النظر نَحْوَ العمل على وقف فوري لإطلاق النَّار، وفتح المعابر للمساعدات الإنسانيَّة، وبذل الجهود الدوليَّة لإيجاد حلٍّ عادل ومستدام للقضيَّة الفلسطينيَّة.
❋ كلمة سلطنة عُمان في قمَّة القاهرة للسَّلام، والَّتي ألقاها صاحب السُّمو السَّيد شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدِّفاع.
❋ بيان المجموعة العربيَّة أمام جلسة مجلس الأمن الدولي الطارئة حَوْلَ تطوُّرات الأوضاع في فلسطين وكلمة سلطنة عُمان الَّتي ألقاها مندوبها الدَّائم.
❋ بيان مجلس التعاون ورابطة الآسيان بشأن تطوُّرات الأوضاع في غزَّة خلال قمَّة مجلس التعاون ورابطة الآسيان المنعقدة بالعاصمة السعوديَّة الرياض. حيث دعت دوَل مجلس التعاون المُجتمع الدولي لاتِّخاذ خطوات عمليَّة لحفظ الأمن والسَّلام وحقن دماء الأبرياء الفلسطينيِّين.
❋ بيانات وزارة الخارجيَّة في استنكار سلطنة عُمان وإدانتها الشديدَيْنِ للمذابح المروِّعة والوحشيَّة الَّتي تمارسها قوَّات الاحتلال الإسرائيلي واستهدفها للمدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء وقوافل سيَّارات الإسعاف في قِطاع غزَّة والَّتي أدَّت لسقوط مئات المَدنيِّين بَيْنَ شهيد وجريح.
❋ دعوة سلطنة عُمان للمُجتمع الدولي لاتِّخاذ تدابير عمليَّة وفرض عقوبات رادعة على «إسرائيل» لوقف عدوانها والجرائم الَّتي ترتكبها ضدَّ المَدنيِّين، تحقيقًا للإرادة الدوليَّة في وقف إطلاق النَّار وحماية المَدنيِّين وإسعاف سكَّان قِطاع غزَّة بكافَّة احتياجاتهم الإنسانيَّة، فضلًا عن إعادة الإعمار والبناء.
أخيرًا، فإنَّ ما أشرنا إليه يُمثِّل بعض الملامح من جهود سلطنة عُمان في سياستها الخارجيَّة وإن كانت السِّياسة الداخليَّة أيضًا لا تقلُّ عَنْها في تضامن مُجتمع سلطنة عُمان قيادةً وحكومةً وشَعبًا مع الأشقَّاء في فلسطين وغزَّة، وموقفها الثابت من القضيَّة الفلسطينيَّة وحقِّ الشَّعب الفلسطيني في قيام دَولته المستقلَّة وعاصمتها القدس الشرقيَّة، وما تمَّ ذكره قليل من كثير في ظلِّ استمرار دعوة سلطنة عُمان للمُجتمع الدولي بتحمُّل مسؤوليَّاته الإنسانيَّة والأخلاقيَّة في وقف هذا العدوان الهمجي الغاشم.
د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: م ـ حفظه الله ورعاه ـ وعاصمتها القدس وزیر الخارجی مجلس التعاون ة الفلسطینی ة فی ق طاع على مبادئ ة الدولی الع مانی یتعرض له العال م الم دنی ع مان ا م جتمع الدو ل
إقرأ أيضاً:
سفير سلطنة عمان يناشد العالم وقف الحرب في غزة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال السفير عبد الله الرحبي، سفير سلطنة عمان بالقاهرة، والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، إن سلطنة عمان تقدم تسهيلات للمستثمر في كافة المجالات، حيث تقدم تسهيلات في الحصول على الأراضي بأسعار رمزية لفترة زمنية معينة، بالإضافة إلى أن البنوك تعطي قروضًا ميسرة.
وأضاف "الرحبي"، خلال حواره مع الإعلامي فهمي بهجت، ببرنامج "المحاور"، المذاع على فضائية "الشمس"، أن سلطنة عمان دولة بكر وتمتلك العديد من الفرص الاستثمارية سواء في مجال السياحة أو التعدين أو مجال الأمن الغذائي.
وأشار إلى أن الحرب في غزة من الضروري أن تتوقف، مشددًا على ضرورة أن يقف العالم وقفة إنسانية لوقف هذه المجازة التي أصبحت مؤسفة، وناشد دول العالم التي تطالب بالإنسانية أن تعمل على وقف الحرب.