السرّ في مائدتكم.. هذه الأطعمة والمشروبات تحميكم من القلق والتوتر
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
لا بدّ أن يوثّر التصعيد الحاصل في المنطقة وكلّ ما نشهده من أحداث ونراه من توثيقات للحظات مؤلمة ودامية يعيشها الأطفال في غزّة على حياتنا اليومية، فما بالك لو اضفت إلى ذلك ما نخوضه في لبنان من صراعات دائمة في ظلّ الأزمة الاقتصادية والانهيار غير المسبوق لتأمين الاحتياجات الأساسية. التوتر هنا، في هذا البلد المنخرط في المعارك والصامد على "كف عفريت" قبل الانزلاق التام في حرب لن يحمد عقباها، يلاصق الجميع، يضاعف الهموم ويزيد من الأمراض الناتجة عن القلق.
وتؤكد بحوث ودراسات علمية كثيرة العلاقة بين التوتر ونوع النظام الغذائي الذي يتبعه كل فرد. ووفقاَ لاختصاصية التغذية غريس رابيل، يؤثّر الطعام بشكل مباشر على الحالة النفسية للأشخاص، فعدم الحصول على الحاجة اليومية من العناصر الغذائية يمكن أن يزيد حالة التوتر والقلق لدى البعض، كما أنه يمكن أن يؤثر على القدرة الذهنية بحيث يفقد الفرد القدرة على التركيز لاتخاذ أي قرار.
وتوضح رابيل في حديث لـ"لبنان 24" أن للأطعمة أهمية بالغة في "تحسين المزاج"، فالعديد من الأشخاص يلجأون لما يفضلون من مأكولات لتعديل "المود" وهذا ما يعرف بـ"الكونفورت فود" أو الأطعمة المريحة. إلّا أن لهذه الأطعمة مخاطر صحية في حال الإكثار من تناولها لأنها غالباً ما تكون غنية بالسعرات الحرارية. وبحسب خبيرة التغذية، تختلف الأطعمة المفضلة لدى الأفراد وفقاً للأذواق، فالبعض يفضّل الأطعمة الحلوة بينما يختار آخرون المأكولات المالحة لكن في الحالتين يجب التنبّه للكمية المتناولة منها.
لا تكاليف صحية.. تقليل التوتر يبدأ من هنا
الاختصاصية تنصح في حديثها لـ"لبنان 24" بالابتعاد عن بعض المشروبات والأطعمة التي تزيد من حدة القلق والاكتئاب، وتفنّد عدداً من الطيّبات والمشروبات التي قد تحسّن مزاجكم من دون "تكاليف صحيّة". ومن بين هذه الأطعمة:
- اللبن أو الزبادي: أحد أهمّ مصادر الغذاء الغنية بـ"البروبيوتيك" التي تشكّل حاجزاً طبيعياً للدفاع عن صحة الأمعاء. كما يساعد في تحسين الحالة المزاجية عبر خفض مستويات التوتر والقلق.
- التوت: يحتوي التوت بأنواعه العديدة على "فيتامين C" ومضادات الأكسدة التي تحمي الخلايا المتضررة والمجهدة وتصلحها؛ لذا ينصح الاشخاص الذين يعانون من العصبية بشرب كوب من عصير التوت لتخفيف التوتر والاسترخاء.
- الأسماك الدهنية كالتونة والسلمون والمحار: تتميّز هذه المأكولات بمحتواها الغني بأحماض "أوميغا 3" التي تساعد في تنظيم "السيروتونين" و"الدوبامين" المسؤولين عن تخفيف هرمونات التوتر، بالتالي تحسّن الحالة المزاجية للفرد.
- البابونج: يمكن استخدام شاي البابونج كوسيلة مساعدة للنوم بشكل عام، فاحتساء كوب ساخن من هذا المشروب الطبيعي قد يساعد في زيادة مستويات "السيروتونين" و"الميلاتونين" في الجسم ما يحدث شعوراً بالاسترخاء.
- الشوكولاتة الداكنة: بالرغم من أنه غني بالسعرات الحرارية، تنصح رابيل بتناول الشوكولاتة الداكنة نظراً لفوائدها على الصحة النفسية، لكن باعتدال. ويمكن للشوكولاتة أن تخفف من التوتر العاطفي إذ أنها تحتوي على نسبة عالية من "التربتوفان" الذي يحوّله الجسم إلى ناقلات عصبية مثل "السيروتونين"، ما يؤثّر في مزاج الأفراد ويخفف من اضطرابهم.
تقلق وتزيد الاضطرابات النفسية.. ابتعدوا عنها!
وبالعودة الى الأطعمة والمشروبات التي يستحسن الابتعاد عنها لما لها من تأثيرات سلبية على الصحة النفسية المزاجية للأفراد، فتعدّد رابيل هذه الأغذية:
- اللّحوم والأجبان المصنعّة: تسبّب هذه الأطعمة الكثير من المشاكل الصحية بسبب احتوائها على "الدهون المتحوّلة" والمكوّنات الاصطناعية. هذا النوع من المأكولات يعزز الإصابة بالسمنة وأمراض القلب وضغط الدم. كما انها لا تؤّمن العناصر الغذائية اللازمة للجسم. لذا فإن تناول "المعلّبات المصنّعة" يضرّ بالجسم ويجهده وبالتالي يزيد من الاضطرابات النفسية.
- القهوة: ينشّط تناول القهوة الغني بمادة الكافيين، "مستقبلات الأدينوزين" التي تعمل على تحفيز وإثارة الجهاز العصبي المركزي في الجسم، وبالتالي فأن احتساء كمية كبيرة من القهوة يرفع مستويات التوتر لدى الأفراد وقد يتسبب في بعض الأحيان بنوبات هلع.
- مشروبات الطاقة: تحتوي هذه المشروبات على مستويات عالية من الكافيين وكميات كبيرة من السكر والمحليات الصناعية، لذا فإن تناولها قد يسبب الأرق والقلق والتوتر.
- الكحول: بالرغم من أن دراسة جديدة أظهرت أنّ تناول كمية معتدلة من الكحول يخفّف التوتر ويقلّل من استجابات الإجهاد في جزء الدماغ الذي يعالج الخوف والتهديدات، إلّا أن رابيل تنصح بتجنّب الكحول لما للإكثار منه من مخاطر ناهيك عن الإدمان. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: هذه الأطعمة
إقرأ أيضاً:
من القمة إلى القلق.. رحلة الدولار في عهد ترامب
جوتام جين
ريتشارد نيفيو
إدوارد فيشمان
ظل الدولار الأمريكي لعدة عقود العملة المهيمنة على التجارة والتمويل العالميين، دون أن يواجه تهديدًا حقيقيًا لمكانته سوى نادرًا. حتى بداية أبريل الحالي عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة على معظم شركاء الولايات المتحدة التجاريين.
تعمل الأنظمة الاقتصادية العالمية بنظام ثابت ومستقر. إذ تفضل الجهات الفاعلة الرئيسية مثل الحكومات والبنوك والشركات متعددة الجنسيات استخدام آليات معروفة، جربت لإدارة التجارة والتمويل.
في بعض الأحيان، تظهر عناوين مثيرة للقلق تشير إلى سعي الدول لإيجاد بدائل للدولار، أو تكوين تحالفات تهدف إلى إنشاء عملة منافسة، أو الإعلان عن أن الأزمات السياسية الأخيرة في واشنطن قد تفضي إلى تراجع مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية. ومع ذلك، وعلى الرغم من التغيرات الاقتصادية المستمرة في مختلف أنحاء العالم، وأوقات الاضطرابات في الأسواق، والتساؤلات حول مستقبل السياسة الاقتصادية الأمريكية، ظل الدولار الأمريكي يحافظ على هيمنته دون تغييرات جذرية.
إلا أن إعلان الرئيس ترامب عن الرسوم الجمركية الجديدة في أبريل كان بمثابة أحدث خطوة ضمن نهج ثابت في حكمه، يتمثل في تسليح القوة الاقتصادية الأمريكية. فقد فرض رسومًا جمركية على الواردات من كندا والمكسيك ردًا على مجموعة من القضايا المزعومة، مع هجماته المتكررة على سيادة القانون، تُعد محاولاته غير المنتظمة وغير المتسقة لاستخدام القوة الاقتصادية الأمريكية كأداة ضغط، أكبر تهديد حتى الآن لمكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية.
وفي حال تحقق هذا التهديد، سيكون الوضع في الولايات المتحدة والعالم أسوأ بكثير. فبدون الدولار لتسهيل حركة التجارة والتدفقات المالية، سينخفض النمو الاقتصادي، وسيتعرض الكثير من الناس في أنحاء مختلفة من العالم للفقر المتزايد. كما أن فرض العزلة على الولايات المتحدة لن يؤدي إلى انتعاش في قطاع التصنيع كما يدّعي ترامب، بل سيؤدي إلى زيادة أسعار المواد الخام المستوردة وركود أسواق رأس المال. النتيجة الحتمية لانخفاض قيمة الدولار ستكون إضعاف القوة الاقتصادية التي يسعى ترامب للاستفادة منها.
على الرغم من أن الدولار الأمريكي تفوق على الجنيه الإسترليني البريطاني في منتصف عشرينيات القرن الماضي ليصبح العملة الرئيسية في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، فإن مكانته كعملة احتياطية عالمية لم تُعزز إلا في مؤتمر بريتون وودز قرب نهاية الحرب العالمية الثانية. أسفر هذا المؤتمر عن تأسيس مؤسستين جديدتين، هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فضلاً عن وضع نظام جديد لربط العملات بالدولار الأمريكي، القابل للتحويل إلى الذهب بسعر ثابت. دعم هذا النظام استقرار العملة في صميم الاقتصاد العالمي. منذ ذلك الحين، استمر الدولار في الحفاظ على مكانته المهيمنة خلال العديد من الاضطرابات الاقتصادية، حتى في أعقاب القرار التاريخي للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في عام 1971 بكسر الثبات في سعر صرف الدولار مقابل الذهب.
تعتمد مكانة الدولار على عدة خصائص أساسية يجب أن تتمتع بها أي عملة ترغب في أن تكون الجزء الأكبر من احتياطيات النقد الأجنبي لمعظم الدول. أولًا، يجب أن تكون هذه العملة سائلة، أي يسهل شراؤها وبيعها، ويجب أن يتفق معظم الأفراد والبنوك والشركات على استخدامها في معاملاتهم. وقد استمر الدولار في الهيمنة على هذين الجانبين. على مدار أكثر من ثلاثة عقود، كانت نسبة تتراوح بين 85% و90% من المعاملات بين العملات في أسواق الصرف الأجنبي تتضمن الدولار. وفي نظام التحويلات المالية المعروف باسم «SWIFT»، الذي تستخدمه البنوك الدولية لتبادل عشرات التريليونات من الدولارات يوميًا، تتم حوالي 50% من المعاملات بالدولار.
لكن السيولة واستخدام الدولار على نطاق واسع ليسا كافيين وحدهما. فلكي تصبح العملة عملة احتياطية عالمية، يجب أن تُستخدم أيضًا كوحدة حساب مشتركة للسلع المتداولة عالميًا. ففي جميع أنحاء العالم، تُقوّم مبيعات السلع، من النفط إلى المعادن إلى المحاصيل، بالدولار. ونحو 54% من فواتير التجارة العالمية تُسجل بالدولار، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تمثل سوى حوالي 10% من التجارة العالمية.
الشرط الأخير لنجاح عملة الاحتياطي هو أن يثق الأفراد والشركات والبنوك المركزية في أنها تمثل مخزنًا موثوقًا للقيمة. ولتحقيق ذلك، يجب أن تمتلك الدولة الأم للعملة أسواقًا مالية واسعة ومفتوحة توفر فرصًا استثمارية جذابة، ويجب أن تخضع لحكم القانون المتوقع. كما يسهم استقرار التضخم في ضمان بقاء قيمة أصول حاملي العملة ثابتة. يُعد سوق الأسهم الأمريكي الأكبر في العالم، حيث بلغ حجمه الإجمالي 63 تريليون دولار أمريكي بنهاية عام 2024، أي ما يعادل نصف القيمة الإجمالية للأسواق العالمية للأسهم تقريبًا، حتى بعد التراجع الحاد الذي شهده السوق هذا العام. كما أن الاقتصاد الأمريكي مفتوح للاستثمار الأجنبي، حيث تُفرض قيود قليلة على دخول رأس المال إلى البلاد أو خروجه منها.
ويحظى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بثقة واسعة على مستوى العالم باعتباره مستقلاً وموثوقًا. وتُعتبر المحاكم والهيئات التنظيمية الأمريكية موثوقة عالميًا في حل النزاعات التجارية وإدارة الاقتصاد بشكل متوقع ومنع الفساد الكبير. من العوامل المساعدة أيضًا أن سوق سندات الحكومة الأمريكية هو الأكبر عالميًا، حيث بلغ حجمه حوالي 28 تريليون دولار، ما يعادل أكثر من ربع سوق الديون الحكومية العالمية. وتُعد سندات الحكومة الأمريكية، المعروفة عادةً بسندات الخزانة، أكثر أشكال الديون الحكومية سيولة، حيث بلغ متوسط معاملاتها اليومية حوالي 900 مليار دولار. هذه السيولة تمنح البنوك المركزية الاطمئنان بأن سندات الخزانة تمثل ملاذًا آمنًا للسيولة. وفي ضوء هذه العوامل مجتمعة - السيولة، الاستخدام الواسع، والأمان - ليس من المستغرب أن يشكل الدولار غالبية الاحتياطيات الدولية، ويظل مهيمنًا على الساحة العالمية لعقود طويلة.
الميزة الكبرى الأخرى التي يتمتع بها الدولار كعملة احتياطية عالمية هي عدم وجود منافسين موثوقين له. بالرغم من أن العملة الصينية تلوح في الأفق كمنافس محتمل، إلا أن الصين تفتقر إلى أسواق مالية مفتوحة وسائلة، وهو أحد أهم الشروط التي يجب توافرها في عملة الاحتياطي. لا يعوم الرنمينبي (اليوان) بحرية في أسواق العملات الأجنبية، حيث تقيد الحكومة الصينية تدفق رأس المال بحرية من خلال تدابير مثل الضوابط على الاستثمارات الواردة والصادرة، والقيود على التحويلات المصرفية الدولية. كما يواجه الأجانب عقبات تنظيمية عند محاولة الاستثمار في الأسواق المالية الصينية، بما في ذلك سوق السندات المحلية، التي تفتقر إلى السيولة وعمق أسواق الديون الرائدة عالميًا.
حاولت الصين الترويج لنظام دفع عبر الحدود بين البنوك محليًا يُسمى «CIPS» كمنافس للنظام المالي الدولي SWIFT، خاصة بعد أن استُبعدت بعض أكبر البنوك الروسية من SWIFT في عام 2022. ومع ذلك، لم يحقق CIPS سوى 0.2% من حجم معاملات SWIFT حتى الآن.
أما أقرب منافس للدولار فهو اليورو، الذي يحقق العديد من الشروط اللازمة ليكون عملة احتياطية عالمية. تتمتع منطقة اليورو بأسواق رأس مال مفتوحة وسائلة، ويعد اليورو ثاني أكثر العملات تداولًا في العالم وثاني أكثر العملات الاحتياطية شيوعًا. لكن اليورو يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك عدم وجود اتحاد مالي موحد. كانت ألمانيا، أكبر دولة في منطقة اليورو، مترددة حتى وقت قريب في إصدار كميات كبيرة من الديون الحكومية. كما أدى غياب السياسة المالية الموحدة إلى أزمة الديون الأوروبية في 2010-2012، ما تسبب في انخفاض حاد في أحجام تداول اليورو في أسواق الصرف الأجنبي ومعاملات SWIFT المقومة باليورو.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الأداء المتفوق للأسواق الأمريكية، التي حققت عائدًا يقارب خمسة أضعاف عوائد الأسواق الأوروبية على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، إلى تركيز الاستثمارات في الولايات المتحدة، مما أضر بمكانة اليورو.
حتى الآن، فشلت جهود الترويج لعملات احتياطية ناشئة أخرى. على سبيل المثال، طرحت مجموعة البريكس، التي تضم اقتصادات رئيسية غير غربية، فكرة عملة جديدة من المفترض أن تدعمها سلة من العملات من الدول المشاركة. لكن، في المدى القريب على الأقل، لا تشكل هذه العملة تهديدًا لهيمنة الدولار. فلا يوجد حتى الآن خطة لإنشاء اتحاد نقدي أو مالي مشترك داخل مجموعة البريكس، كما أن الدول الأعضاء تختلف بشكل كبير في أولوياتها المحلية والدولية. وبالتالي، فإن عملة مُقترحة من مجموعة غير متجانسة مثل البريكس لا تمثل فرصة حقيقية لتكون الخيار المثالي للأعمال التجارية العالمية.
أما البدائل الأكثر بريقًا، مثل البيتكوين والذهب، فلم تحقق النجاح المتوقع. تفتقر العملات المشفرة إلى العديد من الخصائص اللازمة للعمل كعملات احتياطية، مثل السيولة واستقرار الأسعار والدعم الحكومي أو أي مصدر واضح آخر للقيمة. وبالرغم من أن الذهب يُستخدم كعملة منذ آلاف السنين، إلا أن نقاط ضعفه أصبحت واضحة الآن. فمن جهة، لا تستطيع الحكومات التحكم في العرض، مما يعني أن الاعتماد على الذهب يقيّد قدرتها على مواجهة الأزمات الاقتصادية.
رغم استمرار هيمنة الدولار، إلا أن عودة دونالد ترامب إلى السلطة مثّلت أول تهديد حقيقي لمكانته العالمية منذ عقود. وفي ظل غياب بدائل جاهزة، لن يكون التراجع فوريًا، لكن احتمال حدوثه أصبحا أكثر وضوحًا.
قد تؤدي سياسات ترامب إلى تقويض المقومات التي يستند إليها الدولار، ولو بشكل تدريجي. فمع بداية ولايته، ساهمت سياساته التضخمية، مثل الرسوم الجمركية وخفض الضرائب، في تعزيز الدولار عبر رفع أسعار الفائدة. لكن مع تفاقم عدم اليقين الاقتصادي، بدأت هذه السياسات نفسها تُثقل كاهل العملة، وسط مخاوف من تباطؤ النمو الأمريكي. الحرب التجارية، ونقص العمالة الناتج عن الترحيل، والاضطراب السياسي، كلها عوامل أضعفت الثقة وأدت إلى تباطؤ الإنفاق وتراجع أسعار الفائدة. وقد انعكس ذلك في تفوق الأسهم الأوروبية على نظيرتها الأمريكية بفارق 20% في الربع الأول من 2025- وهو أكبر هامش منذ أكثر من 30 عامًا.
أما على المدى الأبعد، فإن تداعيات نهج ترامب تبدو أكثر خطورة. فإجراءاته الحمائية والتعامل الانتقائي مع الحلفاء التجاريين- مثل فرض رسوم أعلى على دول كاليابان والاتحاد الأوروبي مقارنة بإيران وروسيا- تُقوّض مكانة الدولار كعملة محايدة وموثوقة. وتشير الدراسات إلى أن الدول تميل إلى الاحتفاظ باحتياطيات من عملات شركائها الجيوسياسيين، مما يعني أن تنفير الحلفاء قد يُفضي تدريجيًا إلى تراجع استخدام الدولار.
مواقف ترامب تجاه أوكرانيا وتشكيكه في التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو تُضيف إلى الشعور بانعدام الثقة. وفي حين أن الدول لن تُسارع بالاستغناء عن الدولار، إلا أن توثيق العلاقات التجارية مع الصين واقتصادات كبرى أخرى قد يمنح الشركات دافعًا لاستبداله في بعض المعاملات مستقبلاً.
خطر ترامب لا يقتصر على سياساته التجارية أو المالية، بل يمتد إلى تهديده لسيادة القانون، وهي الركيزة التي تقوم عليها الثقة العالمية بالدولار. وتفضل الشركات الدولية اللجوء إلى النظام القضائي الأمريكي لتسوية النزاعات. وإذا تراجعت ثقة العالم في نزاهة هذا النظام بسبب سلوك رئاسي يستخف بالمؤسسات ويُكرّس المحسوبية، فإن الدولار قد يفقد واحدة من أقوى مزاياه التنافسية.