ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (نرى بعض المتدينين يقولون: إِنَّ علينا التَّأَسِّي باللِّبَاس الَّذِي ثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبسه، وأَنَّ هذا مِنَ السُّنة، وأنَّ من لم يفعل فقد خالف السنة، فهل هذا الكلام صحيح؟

حداد المرأة على زوجها .. مدته وأحكامه والممنوع عليها بخصوص الثياب دعاء لبس الثوب وخلعه.

. ماذا كان يقول النبي؟

وأجابت دار الإفتاء، على السؤال، بأن اللِّبَاسُ هو: ما يَسْتُرُ الْبَدَنَ ويَدْفَعُ الْحَرَّ والْبَرْدَ، والجمع أَلْبِسَةٌ، واستعمال اللِّبَاسِ تعتريه الأَحْكَامُ الخمسة: فالفَرْضُ منه: ما يَسْتُرُ العَوْرَةَ ويدفع الحرَّ والبرد؛ قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، أي: ما يَسْتُرُ عورتكم عند الصَّلاة، والْمَنْدُوب إليه أو الْمُسْتَحَبُّ: هو ما يَحْصُل به أصل الزِّينة وإظهار النِّعمة؛ قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11]، والْمَكْرُوه: هو اللِّباسُ الذي يكون مظنَّةً للتَّكبُّر والخيلاء، والحرام: هو اللبس بقصد الكبر والخيلاء.

وذكرت أن الأَصْلُ في اللِّبَاسِ الْحِلُّ مهما كانت المادَّة التي صُنِعَ منها إلا ما ورد نصٌّ بتحريمه كالحرير للرجال.

وأشارت إلى أن السُّنَّةُ في اصطلاح الأصوليين أَصْلٌ من أصول الأحكام الشرعية، ودليل من أدلتها يلي القرآن الكريم في الرُّتْبَةِ، فإنهم عرَّفوها بأنها: [ما صَدَرَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير القرآن من قول، ويسمى الحديث، أو فعل أو تقرير] اهـ. "شرح التلويح على التوضيح" (2/ 3، ط. مكتبة صبيح).

وتُطْلَقُ عند الفقهاء على ما يُقَابِلُ الواجب والمباح وغيرهما، فالسُّنَّة عندهم حُكْمٌ أُخِذَ من الدليل، فهي ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، فهي ترادف: المندوب، والمستحب، والتطوع، والطاعة، والنفل، والقُرْبَة، والْمُرَغَّب فيه، والفضيلة.

وتُطْلَقُ عند الْمُحَدِّثين على ما أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلٍ أو فِعْلٍ أو تَقْرِيرٍ، أو صِفَةٍ خِلْقِيَّةٍ أو خُلقِيَّة، سواء أكان قبل البعثة أم بعدها.

وتابع: ونلاحظ أَنَّ الْمُحَدِّثين توسَّعُوا في إطلاق السُّنَّةِ؛ وذلك لأنهم لا يقصرونها على إفادة حُكْمٍ شرعي، وإِنَّمَا غرضهم هو بَيَانُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الهادي لنا، والذي أخبر الله عنه أنه أسوة لنا وقدوة؛ فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخُلق، وشمائل وأخبار، وأقوال وأفعال، سواء أكان مُثْبِتًا حُكْمًا شَرْعِيًّا أم لا، بخلاف الأصوليين، فإنَّهم يبحثون عن السُّنَّةِ التي فيها استدلال على حكم شرعي. انظر: "حاشية الشيخ بخيت المطيعي على نهاية السول" (3/ 5، ط. عالم الكتب)، و"إتحاف ذوي البصائر" للدكتور عبد الكريم النملة (3/ 14، ط. دار العاصمة).

وعليه: فلا ينبغي جعل مُرَادِ الْمُحَدِّثِين من معنى السُّنَّة في وَصْف النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم من حيث هَيْئَتهِ ولِبَاسهِ موضع السُّنة في اصطلاح الفقهاء من الاسْتِحْبَاب والنَّدْبِ؛ لأَنَّ هذا فيه خَلْطٌ بيِّن.

وأوضحت، أن لِبَاسُ الرَّجُلِ أو الْمَرْأَةِ من الأمور العادية التِي تخضع لِمُتَعارف كُلِّ أُمَّةٍ أو أُسْرَةٍ ولِزَمَانِهَا ومَكَانِهَا، ولتحقق المصلحة أو الضَّرَر في اسْتِعْمَالِهَا، ولَيْسَت مِمَّا يُتَعَبَّدُ به حتَّى يَتَقَيَّد لابسها بنوع أو زيٍّ منها، فهي على أَصْلِ الإِبَاحَةِ، أَمَّا إِذَا اقترن باللِّبْسِ ما يحرم شرعًا كَأَنْ يلبس نَوْعًا من اللِّبَاسِ إِعْجَابًا وخيلاء، أو تلبس المرأة لِبَاسًا يُظْهِرُ عَوْرَتَهَا أو يلبس زِيًّا يَقْصِدُ بلبسه التَّشَبُّه بزي الكُفَّارِ كان ذلك غير جَائِزٍ شَرْعًا، لا لِذَات الْمَلْبَسِ ولكن لِمَا قَارَنَهُ من الْمَعَانِي الممنوعة، وقد يكون ذلك مُحَرَّمًا، وقد يكون مكروهًا، ويُقَدَّرُ ذلك بِقَدْرِ ما قَارَنَهُ من تلك المعاني.

وروى الإمام البخاري تعليقًا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا في غَيْرِ إِسْرَافٍ ولا مَخِيلَةٍ»، وقال ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "كُلْ ما شِئْتَ وَالْبَسْ واشرب ما شِئْتَ ما أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أو مَخِيلَةٌ" رواه البخاري في (كتاب اللِّبَاس)، يدلُّ هذا على أنَّ الْمَمْنُوع هو ما كان فيه إِسْرَافٌ وما قُصِدَ به الخيلاء، وإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج.

وأكدت أن الشَّرْعُ الشريف لم ترد فيه نصوص تُحَدِّدُ نوع الثياب ولا هيئتها؛ لأَنَّ الإسلام يُشَرِّعُ أُصُولًا صالحة لِكُلِّ زمان ومكان، وما اصطلح عليه الناس من هيئة للزي ورسمه وحب الزينة وتهيئة الثياب أَمْرٌ مشروع في الإسلام، وقد نقلت كتب السُّنَّة أنه كان يلبس الضيق من الثياب والواسع منها، وكذلك الصحابة والتابعون -انظر:"فتح الباري" للعلامة ابن حجر (10/ 268، ط. دار المعرفة)-، ولم يرد عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين صفة أو هيئة خاصة للثياب سواء أكان للرجال أم للنساء.

وترك الشرع الشريف بيان هيئة الثياب وطريقة إحاطتها بالجسد وتفاصيلها؛ لاعتبارها من الأمور الدنيوية التي تعرف بالضرورات والتَّجَارِبِ والعادات، وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن لبس ثوب الشهرة فقال: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ، ثُمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ» رواه أبو داود (حديث: 4029).

وقد رأى الإمام أحمد رَجُلًا لابِسًا بُرْدًا مخططًا بَيَاضًا وسوادًا، فقال: [ضع هذا، والبس لباس أهل بلدك، وقال: ليس هو بحرام، ولو كنت بمكة، أو المدينة لم أعب عليك] اهـ. "غذاء الألباب" (2/ 163، ط. مؤسسة قرطبة).

وروى الإمام ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 205، ط. مكتبة الرشد) عن عباد بن العوام عن الحصين قال: [كان زبيد اليامي يلبس بُرنسًا، قال: فسمعت إبراهيم عابه عليه، قال: فقلت له: إن الناس كانوا يلبسونها، قال: أجل، ولكن قد فني مَنْ كان يلبسها، فَإِن لبسها أحدٌ اليوم شهروه، وأشاروا إليه بالأصابع] اهـ.

وأشارت إلى أنه لا ينبغي للمسلم أن يتميَّز عن غيره من أهل زمانه في اللباس والعادات الشَّكْلِيَّة، مما يدخله في الشُّهْرَةِ والانعزال.

وعليه نقول: إِنَّ التأسي بالملابس والأزياء المتعارف عليها في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التزيي بها ليس من الأشياء التي يُطَالَبُ المسلم بالتأسي بها؛ فهي من الأمور العادية الَّتِي تخضع لِمُتَعارف كُلِّ أُمَّةٍ أو أُسْرَةٍ ولِزَمَانِهَا ومَكَانِهَا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء الفقهاء الثياب العادات صلى الله علیه وآله وسلم

إقرأ أيضاً:

صلاة الضحى متى تبدأ ومتى تنتهي؟.. تغفر ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر

تُعتبر صلاة الضحى واحدة من النوافل العظيمة التي حرص رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أدائها، وأوصى بها أصحابه، لما لها من فضل عظيم وثواب جزيل، لأنها  «صلاة الأوابين» الذين يرجعون إلى الله ويذكرونه في كل حال، كما جاء في الحديث الشريف: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ»، ولذلك يرغب الكثيرون في معرفة صلاة الضحى متى تبدأ ومتى تنتهي؟

صلاة الضحى متى تبدأ ومتى تنتهي؟

وعن صلاة الضحى متى تبدأ ومتى تنتهي؟ أوضح الدكتور أحمد تركي، أحد علماء الأزهر الشريف، أن صلاة الضحى لها مكانة خاصة في العبادة اليومية للمسلم، حيث يُثنى على من يحافظ عليها، إذ ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (رواه الترمذي).

وفيما يتعلق بـصلاة  الضحى متى تبدأ ومتى تنتهي؟ أضاف العالم الأزهري في تصريحات لـ«الوطن»، أن لهذه الصلاة فضلا لا يُستهان به، إذ تُجزئ عن الصدقات اليومية التي تجب على كل مفصل من مفاصل الجسد، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه مسلم: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى».

وقت صلاة الضحى

وفيما يتعلق بوقت صلاة الضحى، ذكر الدكتور تركي أن وقتها يبدأ بعد شروق الشمس وارتفاعها قدر رمح في السماء، ويقدر ذلك تقريبًا بـ15 إلى 25 دقيقة بعد الشروق،  وأما نهاية وقتها فتكون قبل دخول وقت الظهر بقليل.

وأوضح أن أفضل وقت لأدائها هو حين تشتد حرارة الشمس ويصبح الظل قصيرًا، وذلك استنادًا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» (رواه مسلم)، ويعني هذا الوقت عندما تبدأ الرمال تشتد حرارة.

فضل صلاة الضحى وأهميتها

واستكمل بأن فضل صلاة الضحى لا يقتصر على الأجر المترتب عليها فحسب، بل تشمل بركة وراحة للنفس، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ، لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» (رواه البخاري).

وتابع الدكتور أحمد تركي حديثه مؤكدًا أن صلاة الضحى هي صلاة تُظهر الشكر والامتنان لله تعالى على نعمه الكثيرة، ففي كل صباح يبدأ المسلم يومه بهذه الصلاة، فإنّما هو بذلك يرسل رسالة حب وامتنان للخالق على نعمة الصحة والقدرة على العمل والإنتاج.

عدد ركعات صلاة الضحى

وعن عدد ركعات صلاة الضحى، أوضح تركي أنه لا يوجد حد معين لها، بل يمكن أن تكون ركعتين أو أربع ركعات أو حتى ثماني ركعات، حسب ما يستطيع المرء،  وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «من صلى الضحى 12 ركعة بنى الله له قصرا في الجنة» (رواه الترمذي).

مقالات مشابهة

  • كيف أبلغ النبي الصحابة بصيغة الصلاة عليه؟.. الشعراوي يوضح «فيديو»
  • هل يجب قراءة سورة الكهف كل جمعة أم يكفي سماعها ؟
  • أهم أحداث ربيع الآخر.. الصلاة الرباعية وغزوة بحران
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • صلاة الضحى متى تبدأ ومتى تنتهي؟.. تغفر ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر
  • وكيل وزارة الأوقاف الأسبق: الإيمان والتخطيط السر وراء هزيمة العدو في 6 ساعات فقط
  • كوليبالي في جلسة تصوير بالزي السعودي.. فيديو
  • تأملات قرآنية
  • أبوالنصر: إزالة 6 حالات تعد على أراضي زراعية ومخالفة بناء