الخطاب السامي بدور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عمان «رؤية للمستقبل بعين الحاضر»
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
ألقى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ خطابًا ساميًا في افتتاح دَوْر الانعقاد السنوي الأوَّل للدَّوْرة الثَّامنة لمجلس عُمان، تضمَّن الخِطاب العديد من التوجُّهات والمرئيَّات والقضايا الَّتي تُشكِّل خريطة طريق لحاضر ومستقبل وطننا العزيز.
سأحاول أن أتناولَ مِنْها باختصار بعض المواضيع الَّتي وجدتُ أنَّها أشْبَه باللاصق الثقافي والفكري في الرؤية السُّلطانيَّة بَيْنَ الحاضر والماضي والحاضر والمستقبل، بَيْنَ الإنسان العُماني المعاصر وإنسان المستقبل، بَيْنَ الفاصل بَيْنَ الروح والأخلاق والجسَد والمادَّة، بما يُشْبه محاولة الربط بَيْنَ كُلِّ تلك القِيَم الَّتي تُمثِّل الحاضر الَّذي يعيشه وطنُنا العزيز وأبناؤه الكرام وبَيْنَ المأمول ـ بعون الله تعالى ـ لذلك الحاضر أن يكُونَ في مقبل الوقت.
أبرز تلك القضايا الَّتي سأحاول المرور عَلَيْها في سياق الحديث السَّابق والَّتي وردت في الخِطاب السَّامي هي تطرُّق جلالته ـ أعزَّه الله ـ إلى تلك التحدِّيات الأخلاقيَّة والثقافيَّة الَّتي تواكب كُلَّ تطوُّر يحدث في أيِّ مُجتمع إنساني في ظلِّ تسارع التقدُّم التكنولوجي، وانفتاح المُجتمعات على بعضها البعض، حيث قال جلالته (رعاه الله): «إنَّنا إذ نرصد التحدِّيات الَّتي يتعرض لها المُجتمع ومدى تأثيراتها غير المقبولة في منظومته الأخلاقيَّة والثقافيَّة؛ لنؤكِّد على ضرورة التصدِّي لها، ودراستها ومتابعتها، لتعزيز قدرة المُجتمع على مواجهتها وترسيخ الهُوِيَّة الوطنيَّة».
الأمْرُ الَّذي يدفع إلى الأهمِّية البالغة نَحْوَ ضرورة تركيز المؤسَّسات الرسميَّة، خصوصًا ذات العلاقة والاختصاص بقضايا التعليم والثقافة والتوعية والتنمية الإنسانيَّة بجوانب الأخلاق والهُوِيَّة الوطنيَّة، وتعزيز القِيَم الثقافيَّة والأخلاقيَّة في المُجتمع، والتصدِّي لكُلِّ ما من شأنه التأثير فيها، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو المُجتمع. ففقدان تلك القِيَم مدعاة لضعف المُجتمع وتخلِّيه عن أبرز ركائز وأسباب استمراره وقوَّته.
الموضوع الثاني هو الاهتمام السَّامي بالمراكز البحثيَّة والمعرفيَّة، حيث أكَّد جلالته ـ أعزَّه الله ـ قائلًا «إنَّنا إذ ننظر إلى المؤسَّسات التعليميَّة، والمراكز البحثيَّة والمعرفيَّة بجميع مستوياتها، على أنَّها أساس بنائنا العلمي والمعرفي، ومستند تقدُّمنا التقني والصناعي؛ لنؤكِّد على استمرار نهجنا الدَّاعي إلى تمكين هذا القِطاع، وربط مناهج التعليم بمتطلبات النُّمو الاقتصادي».
حيث تُعدُّ المراكز البحثيَّة والمعرفيَّة بنوكًا للأفكار والاستراتيجيَّات، وركائز التخطيط بمختلف توجُّهاته السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة والأمنيَّة وغير ذلك، ومن وجهة نظري أنَّ الدوَل الَّتي تفتقد مِثل هذه المؤسَّسات تخسر العديد من المزايا، أبرزها أنَّها تخسر البيئة المهنيَّة الَّتي تقوم على تطوير الأفكار وتشجيعها، البيئة الَّتي يفترض أنَّها صانعة للقيادات والسِّياسات، مؤسَّسات صناعة القرار والتأثير فيه، باختصار المكان الَّذي يفترض أن تتمَّ فيه مراجعة القواعد الَّتي تُشكِّل حاضر ومستقبل الوطن.
أخيرًا، تركيز جلالته على التقنيَّات المتقدِّمة وتطبيقاتها، ومِنْها تطبيقات الذَّكاء الاصطناعي، حيث قال جلالته ـ حفظه الله ـ «في ضوء أهمِّية التطوُّرات العالَميَّة المتسارعة للتقنيَّات المتقدِّمة وتطبيقاتها، ومِنْها تطبيقات الذَّكاء الاصطناعي… إنَّنا عازمون على جعل الاقتصاد الرَّقمي أولويَّةً ورافدًا للاقتصاد الوطني، كما وجَّهنا بضرورة إعداد برنامجٍ وطنيٍ لتنفيذ تقنيَّات الذَّكاء الاصطناعي وتوطينها، مع الإسراع في إعداد التشريعات الَّتي ستُسهم في جعل هذه التقنيَّات كأحَد الممكِّنات والمحفِّزات الأساسيَّة لهذه القِطاعات».
ويُعدُّ الاقتصاد الرَّقمي، بالإضافة إلى الذَّكاء الاصطناعي، من أبرز وأهمِّ التوجُّهات الدوليَّة الحاضرة بقوَّة في الاستراتيجيَّات والتوجُّهات الوطنيَّة لمختلف دوَل العالَم على اعتبار أنَّها تُشكِّل المستقبل للمُجتمعات البَشَريَّة، والقوَّة الَّتي ستقوم عَلَيْها الدوَل في السَّنوات القادمة. باختصار هي القاطرة الَّتي ستنقل المُجتمعات البَشَريَّة من عصر قائم إلى آخر قادم، بمعنى أنَّ هذه التكنولوجيا ستُشكِّل الأوراق الرابحة لِمَن يرغب الانتقال إلى المستقبل.
على ضوء ذلك نلحظ أنَّ الخِطاب السَّامي لجلالة عاهل البلاد ـ حفظه الله ورعاه ـ ربط ما بَيْنَ الماضي التليد والحاضر القائم بضرورة الاهتمام بالأخلاق الفاضلة والدَّعوة للمحافظة على القِيَم والهُوِيَّة الوطنيَّة، على اعتبار أنَّ ذلك هو القاعدة الحضاريَّة لعبور المستقبل المادِّي لأيِّ أُمَّة وطنيَّة، ذلك المستقبل القائم على ضرورات مُواكبة التطوُّر التكنولوجي وبرامج وتقنيَّات المستقبل، عَبْرَ الاهتمام والتركيز بما يُطلق عَلَيْه بالاقتصاد الرَّقمي وتطبيقات الذَّكاء الاصطناعي، فكان لزامًا أن يعزّزَ بَيْنَهما بلاصق فكري ومعرفي وعلمي مُهمٍّ للغاية، أقصد مراكز البحوث والمعرفة.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: کاء الاصطناعی الم جتمع الق ی م م جتمع ه الله
إقرأ أيضاً:
الماضي في قلب الحاضر
بقلم: ملاك كاظم ..
مدينة دبي القديمة في ظل التطورات التكنولوجية و والازدهار الاقتصادي و ناطحات السحاب التي شهدتها مدينة دبي الحديثة خلال السنوات الماضية لاتزال دبي القديمة تحافظ على هويتها وتاريخها وهذا ما ميزها وجعل منها واحدة من اهم المراكز التجارية والسياحة في دولة الامارات العربية المتحدة حيث نجد ان المكان لا يزال يحافظ على تصميمه التاريخي العريق حيث المباني التقليدية القديمة ، حرصت حكومة الإمارة على دمج التاريخ بالحداثة حيث تم ترميم العديد من المناطق التراثية ويجد الزوار فرصة للتعرف على التراث الإماراتي الأصيل وسط اجواء تجمع بين البساطة والعراقة فالأبواب الخشبية المنحوتة بشكل رائع وأبراج الرياح التقليدية والأسواق النابضة بالحياة تنقلك إلى الماضي ومن ابرز الاسواق التقليدية الموجودة في المدينة :
سوق الذهب : حيث يعتبر من اشهر الاسواق و يتميز بكونه أكبر سوق للمجوهرات والحلي في العالم، إذ يحتضن ما يقارب 400 متجر، وجميعها تخضع للرقابة المستمرة من قِبل حكومة دبي
سوق الاقمشة : يتميز بكونه وجهه رائعة للراغبين في شراء الأقمشة الفاخرة مثل الحرير الهندي والقطن المصري والمخمل الايراني
سوق التوابل : تجد ان السوق يعج برائحة البهارات والاعشاب القادمة من الهند وايران وشبه الجزيرة العربية
كما تحوي المدينة على عدد من المتاحف والمراكز الثقافية كمتحف الشندغة الذي يعرض تاريخ دبي وتطورها . وبيت الشيخ سعيد آل مكتوم ويتميز بتصميمه التراثي ونوافذه المزينة بالاقواس الخشبية
ان زيارة دبي القديمة ليست مجرد رحلة بل هي تجربة تأخذك عبر الزمن لتعيش لحظات من الماضي وسط المستقبل لمدينة لن تنسى جذورها