مواجهة السرطان بتقنية «كريسبر»
تاريخ النشر: 10th, July 2023 GMT
شاهد المقال التالي من صحافة الإمارات عن مواجهة السرطان بتقنية كريسبر، اكتشف الباحثون الذين يستخدمون الأدوات الحديثة لتعديل الجينات أن حدس العلماء منذ أكثر من قرن كان صحيحاً، وهو أن الخلايا التي تحتوي على عدد غير .،بحسب ما نشر جريدة الاتحاد، تستمر تغطيتنا حيث نتابع معكم تفاصيل ومعلومات مواجهة السرطان بتقنية «كريسبر»، حيث يهتم الكثير بهذا الموضوع والان إلى التفاصيل فتابعونا.
اكتشف الباحثون الذين يستخدمون الأدوات الحديثة لتعديل الجينات أن حدس العلماء منذ أكثر من قرن كان صحيحاً، وهو أن الخلايا التي تحتوي على عدد غير عادي من الكروموسومات (الصبغيات) هي التي تتسبب في السرطان. وتجدد الدراسة الحديثة التي نشرتها مجلة «ساينس»، الاهتمام العلمي بفكرة عتيقة قد تشير إلى وسائل جديدة لاستهداف الخلايا السرطانية بالعقاقير. ولاحظ العلماء هذه الظاهرة لأول مرة عند فحص الخلايا السرطانية تحت المجهر في أوائل القرن العشرين. ولاحظوا أنه مع تكاثر الخلايا السرطانية، انتهى الأمر ببعضها إلى حمل عدد زائد من الكروموسومات وهي الهياكل التي نعرف الآن أنها هي التي تحمل الجينات. بينما انتهى الأمر بخلايا أخرى بحمل القليل جداً من الكروسومات. وقادت هذه الملاحظة المدهشة عالم أجنة ألماني إلى اقتراح أن الأعداد الشاذة في كثرتها من الكروموسومات لم تكن مجرد سمة مميزة للسرطان بل ربما كانت سببه. ولم تحظ الفكرة بالاهتمام إلى حد كبير حيث بدأ العلماء في اكتشاف عشرات الجينات المفردة التي تسبب الإصابة بالسرطان وطوروا عقاقير لاستهدافها. لكن اضطراب عدد الكروموسومات في الخلايا السرطانية ظل سمة شائعة في 90 بالمئة من السرطانات. وعرف الجميع أنه كان هناك لكن لم يكن أحد متأكدا من سببه أو ما يعنيه. وفي الدراسة الجديدة، اكتشف العلماء كيفية معالجة اللغز باستخدام الحيلة البارعة التي تسمى «كريسبر» أو التكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة منتظمة التباعد. وأظهر عملهم أنه بدون كروموسومات إضافية، لن تتمكن بعض الخلايا السرطانية من التسبب في الأورام في الحيوانات. ولدى البشر 46 كروموسوما، وهي هياكل طويلة تشبه الخيوط تتكون من الحمض النووي والبروتينات التي تحمل جيناتنا. وعادة حين تنقسم الخلايا، تصنع الكروموسومات نسخا من نفسها ثم تنفصل بشكل مرتب ومتناسق إلى خلايا جديدة. لكن في السرطان، فإن هذا النظام الدقيق يتحول إلى حركة محمومة غير منتظمة وينتهي الأمر بالخلايا إلى أن يصبح بها أعداد غير طبيعية من الكروموسومات. ولعقود، أحبطت معضلة كلاسيكية في العلم البحث في هذه الظاهرة: فهل هذا الشذوذ هو سبب السرطان، أم مجرد علامة على أن الأشياء قد جن جنونها بالفعل في الخلية؟ وحينذاك، لم يكن من السهل إضافة الكروموسومات أو إزالتها، لذلك كان على العلماء الباحثين عن إجابات الاعتماد إلى حد كبير على الارتباطات المثيرة للاهتمام. وأخضعت إحدى الدراسات خلايا الورم الميلانيني لمادة كيميائية زادت من تمزيق كروموسوماتها، فكانت هذه الخلايا أسرع في تطوير مقاومة ضد العقاقير، مما يشير إلى أن تشوهات الكروموسومات قد تلعب دورا في قدرة السرطان على إلحاق الهزيمة بالعقاقير التي تستهدفها. ووجدت دراسة أخرى أنه كلما زاد عدم استقرار خلايا الورم لدى المريض، زاد احتمال عدوانية السرطان وأن يضعف التنبؤ بتطوراته. وهنا تظهر معضلة السبب والنتيجة مرة أخرى: هل يلعب الاضطراب الكروموسومي دوراً في هذه الأنواع من السرطان، أم أنه ناتج عن المرض؟ ومع اختراع تقنية «كريسبر» لتعديل الجينات قبل عقد، أصبح العلماء قادرون على إضافة الجينات أو حذفها أو تعديلها. لكن حذف كروموسوم كامل أمر مختلف. وللقيام بهندسة واسعة النطاق للكروموسوم، تعين على جيسون شيلتزر، عالم بيولوجيا السرطان في كلية الطب بجامعة ييل، وفريقه، استخدام تقنية «كريسبر». أولاً، أدخلوا جيناً من فيروس الهربس في الخلايا السرطانية التي بها عدد هائل من الكروموسومات. وفي البداية، اختاروا الكروموسوم «كيو1»، وهو واحد من أوائل الكروسومات التي تكتسب أو تفقد نسخا إضافية أثناء تطور سرطان الثدي. ثم استخدموا العقار المستخدم في علاج الهربس، وهو جانسيكلوفير، لاستهداف الكروموسومات المعدلة. وقتلت الحيلة الخلايا ذات النسخ الإضافية من الكروموسومات، وتركت الخلايا السرطانية التي بها أعداد طبيعية من الكروموسومات. وحين حاولوا استنبات أورام من هذه المجموعة الفرعية من الخلايا السرطانية، وجدوا أن الخلايا لم تعد قادرة على توليد الأورام في التجارب المعملية أو في الفئران الحية. وكان هذا بالنسبة شيلتزر دليلا واضحا على أن الكروموسومات الإضافية لم تكن مجرد نتيجة للمرض، بل كانت سببه. وتعتبر التقنية الآن أداة وليست علاجاً. فليس من الممكن حتى الآن التفكير في استعادة الأعداد الطبيعية للكروموسومات في الخلايا السرطانية كوسيلة لدرء المرض. لكنها قد تشير إلى طريقة مختلفة لاستهداف السرطان في المستقبل. وأدى الفهم الجيني للسرطان إلى علاجات تستهدف طفرات معينة تحفز تطوره. لكن السرطان عدو ماكر ويطور غالباً مقاومة لأي نهج علاجي واحد. والاعتراف بأن الكروموسومات الزائدة ضرورية لتحفيز السرطان يعني أن الباحثين قد يستطيعون الهجوم من اتجاه جديد يتمثل في العثور على الخلايا التي تحتوي على كروموسومات إضافية وقتلها. ونظراً لأن الكروموسومات تحتوي على مئات أو آلاف الجينات، فإن مثل هذا النهج قد يوسع عدد الأهداف. وحتى لو أصبح السرطان في النهاية «مقاوماً» لمثل هذه العقاقير بفقدانه كروموسوماته الزائدة، فإن الدراسة تشير إلى أن القيام بذلك قد يؤدي أيضا إلى القضاء على قدرته على التسبب في السرطان. وقال شيلتزر إن الكروسومات الإضافية في جوهرها تمثل نقطة ضعف علاجية جديدة. لأن الخلايا تحتوي على كل هذه المواد الجينية الأخرى، فهذه الخلايا قد «تستجيب للعقاقير التي تستهدف الجين، حتى لو لم يكن لها علاقة بالسرطان». صحفية أميركية متخصصة في الشؤون العلمية. ينشربترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»
المصدر: صحافة العرب
كلمات دلالية: موعد عاجل الدولار الامريكي اليوم اسعار الذهب اسعار النفط مباريات اليوم حالة الطقس تحتوی على
إقرأ أيضاً:
طائر البِتُهوي.. لم يعجز العلماء عن تفسير سمّه الفتاك؟
عندما نفكر في الكائنات السامة، لا تكون الطيور أول ما يتبادر إلى أذهاننا، فالضفادع والعلاجيم والسمكة المنتفخة والحشرات المختلفة تمثل نماذج أكثر شيوعا، ولكن رغم ندرتها، إلا أن الطيور السامة موجودة بالفعل، وقد تم التعرف عليها ودراستها وتوثيقها مؤخرا من قبل العلماء.
تبدأ رحلة التعرف على هذه الطيور في صيف عام 1989، عندما كان طالب الدراسات العليا آنذاك في جامعة شيكاغو جاك دومباتشر في رحلته الأولى إلى الغابات المطيرة الخصبة في بابوا غينيا الجديدة.
هدف دومباتشر إلى دراسة سلوك التزاوج لدى "طيور الجنة" التي تعيش أغلبية أنواعها على هذه الجزيرة الاستوائية الواقعة جنوب غرب المحيط الهادي بالقرب من أستراليا، وهي موطن لبعضٍ من أروع الطيور وأكثرها سُمّية في العالم.
وفي ظهيرة أحد الأيام الرطبة، لاحظ طائرا غير عادي بجسم برتقالي لامع كضوء الشمس، ورأس وأجنحة وذيل مغطى باللون الأسود، عالقا في واحدة من الشباك الضبابية الدقيقة التي أقامها بين الأشجار للإمساك بطيور الجنة، لكن بينما كان يحاول تحريره من الشبكة، خدشه الطائر.
يقول دومباتشر، الذي يعمل حاليا كأمين قسم الطيور والثدييات في أكاديمية كاليفورنيا للعلوم: "كانت الجروح مؤلمة للغاية، لكن كان لدينا الكثير من الشباك التي يجب العناية بها، ولم يكن لدينا وقت للتوقف، ووضع ضمادات على الجرح، وركضنا إلى الشبكة التالية".
ويضيف في حديثه للجزيرة نت "وضعت الجرح في فمي غريزيا لتسكين الألم، وعلى الفور بدأت أشعر بوخز وتنميل وحرقان، بل وخدر، واستمر هذا الإحساس لعدة ساعات، بل وحتى ليلة كاملة".
عندما سأل دومباتشر مرشديه الميدانيين المحليين عما يعرفوه عن هذه الطيور التي بدت له سامة، أومؤوا برؤوسهم أنهم يعرفون مدى سُمّيتها، وأخبروه كيف يتجنبها الصيادون والقرويون الذين يطلقون عليها "طيور القمامة"، وقالوا "لا فائدة منها، لا يمكنك حتى أكلها".
إعلانأثارت الطبيعة السامة لهذه الطيور فضول عالم الطيور المتدرب الشاب، فبدأ على الفور دراستها، ونوع السم الذي تستخدمه، وقضى العام التالي في جمع عينات من هذه الطيور، والاستعانة بكيميائي متخصص في مجال السموم الطبيعية في موطنه الأصلي يمكنه تحديد مصدر هذه الأحاسيس الغريبة.
بعد 3 أعوام، وتحديدا في عام 1992، أعلن دومباتشر وزملاؤه عن اكتشافاتهم المذهلة في دراسة نشرتها مجلة "ساينس"، وتوصلوا إلى أن هذه الطيور، التي سميت "البِتُهوي"، تحمل سما ينتمي إلى مجموعة من المركبات شديدة الفعالية يسمى "باتراكوتوكسين".
تبين أن هذا السم أشد فتكا من السيانيد، وهو آلية دفاع معروفة، ومن بين أكثر المواد فتكا في عالم الحيوان.
يقول دومباتشر "إنه واحد من أكثر المواد الطبيعية سمية المعروفة، يمكن أن يسبب في البداية وخزا ودموعا وعطسا وخدرا، ويمكن أن يؤدي تناول جرعات عالية منه إلى الشلل والسكتة القلبية وحتى الموت".
لكن بعد 35 عاما من اكتشاف دومباتشر لهذه الطيور بمحض الصدفة، لا يزال الكثير من الغموض يكتنف طيور البتهوي، بدءا من بيئتها وصولا إلى كيفية استخدامها للسموم للدفاع عن نفسها، ومن أين تحصّل عليها.
البحث عن أصل السم الفتّاكفي حديثه لـ"الجزيرة نت"، يقول عالم الأحياء التطوري والباحث في علم البيئة المجتمعية كاسون بوداواتا من جامعة كوبنهاغن "حتى وقت قريب، لم تكن سُميَّة الطيور تُعرف كصفة، ولم تبدأ الدراسات في استكشاف هذا الموضوع إلا خلال العقدين الماضيين".
ويضيف "أعتقد أن معظم الغموض الذي يكتنف الطيور السامة يعود إلى نقص الأبحاث الميدانية، وندرة الطيور السامة، مما يجعلها أقل عرضة للدراسة بين مختلف فئات الطيور، كما يصعب الوصول إلى العديد من الأماكن لإجراء العمل الميداني في غينيا الجديدة".
قبل اكتشاف سم الباتراكوتوكسين في أجسام طيور البتهوي، كان يُعتقد أنه موجود فقط في بعض أنواع ضفادع السهم السام (المعروفة أيضا باسم ضفادع الذهبي السام) المنتشرة في نصف الكرة الجنوبي، ومن هنا جاء اسم هذه السموم: "باتراكوس"، وهي كلمة يونانية قديمة تعني "ضفدع".
ومع ذلك، فإن غالبية هذه الطيور تحمل هذا السم، وجميعها متوطنة في غابات غينيا الجديدة، بما في ذلك 5 أنواع أخرى على الأقل من طيور البتهوي.
وتختلف هذه الطيور في سُميتها، حيث يوجد أعلى تركيز لهذه السموم في الجلد والريش، وخاصة ريش الصدر والساق والبطن، وبتركيزات أقل بكثير في أنسجة أخرى مثل الأعضاء الداخلية والعظام.
من بين العديد من الطيور السامة، يُعتقد أن طائر البتهوي المقنَّع هو الأكثر سُمّية، أما طائر بيتوهوي المتغير، الذي يشبه طائر بيتوهوي المقنَّع، فيحمل سموما من نوع هوموباتراكوتوكسين (سم مشابه للباتراكوتوكسين، ولكنه أقل قوة) في ريشه وجلده.
ويعتقد العلماء أن ألوان ذكور وإناث البتهوي الزاهية، تماما مثل ضفدع السهم السام، قد تكون بمثابة تحذير للحيوانات المفترسة، حيث ينادي ريشها المفترسين "أنا سام، لا تقترب!"، ويرسل رسالة مفادها أن تناولي سيكون تجربة سيئة ومُقززة.
ويبدو أن هناك قاسما مشتركا آخر بين البتهوي والضفادع، وهو أن مادتهما الكيميائية السامة تشتق من طعامهما.
إعلانفمن المثير للاهتمام أن ضفادع السهم لا تولد سامة، ولا تنتج السموم بنفسها، بل تكتسبها من تناول الحشرات والمفصليات الأخرى التي تصطادها بين بقايا أوراق الشجر، وتختلف فعاليتها باختلاف أنواعها.
في الواقع، تتلاشى سمية ضفدع السهم تماما عند إعطائه طعاما أكثر ملاءمة، مثل ذباب الفاكهة. ففي تجربة علمية سابقة، جعلوه يتبع نظاما غذائيا مكونا من الصراصير، وحينها أصبح أقل سمية، أو غير سام على الإطلاق.
يقول بوداواتا، الذي يواصل أبحاث دومباتشر "يعتقد أن سميَّة طيور البتهوي ليست سمة موروثة، بل تطورت مع مرور الوقت. نفترض أن مصدر السم العصبي المختزن يأتي من أطعمة تحتوي على مستويات عالية من مادة الباتراكوتوكسين، مما يجعل طعمها كريها".
ويضيف "أحد الاحتمالات تتمحور حول خنافس الزهور ذات الأجنحة الناعمة التي تنتمي إلى جنس الكوريسين، ولكن نظرا لتوزيع وتنوع الطيور السامة، فقد يكون هناك العديد من المصادر الغذائية لسم الباتراكوتوكسين".
في الواقع لم يؤكد العلماء ذلك، وظل مصدر السم موضوع نقاش كبير بينهم، حيث يستبعد دومباتشر، الذي كان أول من وصف في عام 2004 كيفية وجود الباتراكوتوكسين في كل من الطيور والخنافس، أن يأتي مصدر هذا السم من الخنافس.
ويقول "تشير معظم المعلومات إلى أن هذه الحشرات الصغيرة لا تستطيع إنتاج مثل هذه السموم"، ويضيف "من المحتمل جدا أن تحصل هذه الطيور عليه من مصدر آخر، مثل عث أو سوس التربة أو حتى النبات".
هناك لغز آخر لا يزال قائمًا، ويثير فضول العلماء وعشاق الطيور، وهو الدور الدقيق لهذه السموم، وكيفية حماية هذه الطيور لنفسها من السم القاتل الذي تحمله.
فمثلا لا يعد طائر البتهوي المقنَّع -وهو أكثر أنواع الطيور سمية- قاتلا عند التعامل معه أو استهلاكه، ومع ذلك يفرز سموما عصبية تعتبر من أقوى السموم في الطبيعة.
وقد رأى بعض الباحثين أن هذا يتعارض مع نظرية استخدام السموم كوسيلة فريدة لردع الحيوانات المفترسة أو إخضاع الفريسة، فهناك 8 أنواع من الصقور تتغذى على طيور البتهوي.
يقول بوداواتا "لا نعرف حاليا الدور الدقيق للسموم، لكن التفسير الأكثر منطقية لاستخدامها طوال حياته هو أن لها دورا في ردع الحيوانات وإبعاد التهديدات المحتملة، بما في ذلك البشر، فسكان غينيا الجديدة لا يحبذون أكل هذه الطيور لغرابة طعمها".
وأشارت الأبحاث أن القمل والعث والطفيليات الخارجية الأخرى تنفر من السموم الموجودة في جلد وريش طائر البتهوي، وأن الحشرات التي أُصيبت بها عاشت حياة أقصر.
لذلك، قد تعمل مركّبات الباتراكوتوكسين السامة كمبيد حشري أو طارد للطفيليات الخارجية والقمل والقراد والعث، ومع ذلك، لا يبدو أنها تؤثر على الطفيليات الداخلية.
أما سبب مقاومة هذه الكائنات الذاتية للسموم، وكيفية حماية نفسها من السم القاتل الذي تحمله، فيقول بوداواتا إن هناك نظريات قليلة مطروحة حول هذا الأمر.
ويرجع بعض العلماء السبب إلى النظرية التي تفسر كيفية تجنب الكائنات السامة تسميم نفسها، وهي أن هذه الطيور، مثل ضفادع السهم السامة، تحتوي على طفرات في قنوات الصوديوم الخاصة بها، مما يمنع السم من الارتباط بها.
تُوجد السمية نفسها في سمكة الفوغو المنتفخة (الينفوخ الياباني)، والأخطبوط ذي الحلقات الزرقاء، وغيرها من الحيوانات السامة التي تظل منيعة ضد السموم التي تحملها.
ويرتبط سم باتراكوتوكسين الذي تفرزه طيور عائلة البتهوي بقنوات أيونات الصوديوم في الخلايا العصبية والعضلية والقلبية، ويعمل السم على تعطيل نقلها داخل الخلايا وخارجها، وهي إحدى أهم الوظائف الفسيولوجية في الجسم، مما يؤدي إلى خدر وحرقان وتشنجات وشلل.
إعلانفي الواقع، عندما قارن بوداواتا وزملاؤه جينومات 6 أنواع من الطيور السامة مع أقاربها غير السامة من نفس الفصائل، اكتشفوا أن الطيور السامة تحتوي على طفرات متعددة في جين يُشفّر قناة صوديوم محددة.
ومع ذلك، يقول بوداواتا "لم نجد هذه الطفرات في جميع الطيور السامة، لذلك، قد تكون هناك آليات أخرى للمقاومة الذاتية للسم".
على سبيل المثال، قد تمتلك الطيور بعض بروتينات النقل التي يمكنها الارتباط بالسم وإبقاؤها غير نشطة حتى تصل إلى الجلد، مثل بروتينات الإسفنج السامة التي تعمل على امتصاص والتخلص من السموم القاتلة قبل أن تسبب للحيوانات الأذى.
كانت آخر زيارة لدومباتشر لموطن هذه الطيور في عام 2012، ويواصل فريق آخر من العلماء -من بينهم بوداواتا – الأبحاث، وقد حققوا بالفعل تقدما ملحوظا، ففي عام 2023، ولأول مرة منذ ما يقرب من عقدين، اكتشفوا نوعين جديدين من الطيور السامة بنفس الطريقة، ما يعني أن الباتراكوتكسين أكثر انتشارا مما كان يعتقد سابقا.
ولتتبع مصدر سم الباتراكوتوكسين، يخطط الباحثون لجمع طيور سامة ومقارنة محتويات معدتها بالفرائس المحتملة -مثل الحشرات التي تُصطاد في مصايد قريبة- التي تحتوي على السم.
كما تعاونوا مع آخرين متخصصين في الكيمياء لتحديد سم الباتراكوتوكسين والسموم المشابهة له جزيئيا في العينات التي جُمعت بالفعل، وأظهرت الاختبارات أن الطيور السامة تحتوي على مزيج من المشتقات السامة التي قد تختلف في تركيزها بين الأفراد والأنواع.
وعن سبب استمرار دراسته لهذه الطيور السامة، يقول دومباتشر "هناك سببان مختلفان: أولا، أعتقد أن هذه السموم مثيرة للاهتمام للغاية، ولها نشاط بيولوجي، وقد تم تسجيل براءات اختراع لها في الماضي".
ويضيف "أحد أسباب عدم تطويرها وتحويلها إلى أي أدوية هو أنه لم يكن لدينا مصدر لها كبير بما يكفي لإجراء التجارب التي كنا بحاجة إليها لفهم كيفية تحويلها إلى شيء قابل للاستخدام".
ويخطط بوداواتا وفريق من العلماء لزيارة غينيا الجديدة سنويا حتى عام 2028، ويأملون الإجابة على سؤال محوري: من أين يأتي هذا السم الفتّاك الذي يجعل من طائر البيتوهوي مثالا رائعا على دفاعات الطبيعة الخفية، والتكيفات المتنوعة والمعقدة الموجودة في مملكة الحيوان؟
يقول بوداواتا "نعمل على مشروع جديد للتعمق في آليات المقاومة الذاتية للسموم لدى الطيور السامة، وتتبع مصدر مادة الباتراكوتسين، ونأمل أن نتمكن خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة من تحسين رؤيتنا حول الطيور السامة".
وابتداءً من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، سيجمع الباحثون أكبر عدد ممكن من عينات هذه الطيور من مختلف أنحاء الجزيرة، وسيفحصونها بحثا عن سموم الباتراكوتسين، كما يخططون لدراسة تسلسل جينوم فرد واحد على الأقل لكل نوع لتحديد طفرات قنوات الصوديوم.