قاض: إسرائيل خططت ونفذت جرائم التخلص من سكان غزة بقصد تهجيرهم قسريا لسيناء
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
بعد أن عجز المجتمع الدولى ومنظماته الدولية عن وقف إطلاق النار على الفلسطينيين بقطاع غزة الذى تجاوز الشهر المتواصل خاصة الأطفال والشيوخ والنساء بات العقل البشرى فى حيرة عن أسرار عدم قدرة المجتمع الدولى لدفع جرائم الإبادة الجماعية التى يرتكبها الكيان المحتل ضد شعب فلسطين لإكراههم على التهجير القسرى بالمخالفة للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى.
وفى ملحق ختامى للدراسة المهمة للحق الفلسطينى والعربى للمفكر والمؤرخ القضائى المصرى القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بدراساته الوطنية والقومية بعنوان: "محاكمة قادة إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين بغزة والإكراه على التهجير القسرى لسيناء -- العقبات والحلول" يفتح فيها المفكر المصرى باباً منصفاً لتنوير الوعى العام العربى لمحاكمة المسئولين الإسرائيليين عن ارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية في محاكمة عادلة أمام المحكمة الدولية ويكشف المستور منذ ساعات فى أحدث معركة قانونية بأمريكا ضد الرئيس بادين ووزيرى الخارجية والدفاع من الأمريكان أنفسهم نيابة عن ضحايا فلسطين وأحدث دعاوى لاعتقال نتينياهو ومحاكمته فى لاهاى.
أولاً: إسرائيل خططت ونفذت جرائم التخلص من سكان غزة لجعل الحياة مستحيلة بقصد تهجيرهم قسرياً لسيناءويذكر الدكتور خفاجى إن إسرائيل خططت ونفذت جرائم التخلص من ضحايا سكان غزة لجعل الحياة مستحيلة بقصد تهجيرهم قسرياً لسيناء، وارتكبت جريمة الإبادة الجماعية العمدية، بنية مسبقة وتخطيط واضح من قبل القادة الجناة للتخلص من ضحايا سكان غزة بالقتل وإخضاع المتبقى لظروف معيشية مستحيلة بقصد تهجيرهم قسرياً إلى سيناء، وأن هدف القذف المسلح على المدنيين بقطاع غزة هو القضاء بشكل صريح على الفلسطينيين وهو عدوان مميت على المدنيين في انتهاك واضح للقانون الدولى الإنساني، مما ترتب عليه مقتل وجرح اَلاف المدنيين خاصة الأطفال بعد تدمير المنازل والمستشفيات والمدارس وهو نوع من العنف الجماعي.
ويضيف هى جريمة إبادة جماعية لا تتوقف عند حدود احتواء سكان غزة أو السيطرة عليهم، وإنما بتدميرهم والقضاء على وجودهم وتفكيك النسق الاجتماعى لشعب فلسطين والقضاء عليه وتدميره بصورة جماعية لمحوه من سياق التاريخ، لدفعهم للتهجير القسرى، مما تتحقق معه جريمة الإبادة الجماعية بحسبانها جريمة عمدية، تقوم على وجود نية مسبقة وتخطيط واضح من قبل الجناة للتخلص من الضحايا بالقتل وإخضاع باقى السكان لظروف معيشية مستحيلة تجعل الحياة غير صالحة للسكنى أو العيش بقصد تخييرهم بين رحى جُرمين تهجيرهم قسرياً أو القضاء عليهم.
ثانياً: شعوب الأرض شهود مع أطفال فلسطين ويمثلون ضغطاً يفوق قادتهم لملاحقة مجرمي الحرب في إسرائيل
ويذكر الدكتور محمد خفاجى أن شعوب الأرض شهود التى تعاطفت مع الفلسطينيين خاصة الأطفال الأبرياء، ويمثلون
ضغطاً يفوق قادتهم لملاحقة مجرمي الحرب في إسرائيل، لذا فإن الملاحقة القضائية لا يستهان بها على المستوى الدولى، ويمكن أن تقيد حرية القادة السياسيين والجنرالات العسكريين بإسرائيل المتهمين بالإبادة الجماعية لسكان غزة لانتهاكهم القانون الدولى والقانون الدولي الإنساني أمام الرأي العام العالمى.
ويضيف ربما أدت الملاحقة القضائية للقادة الإسرائيليين إلى وقف إطلاق النار الذى عجزت عنه مجتمع الكرة الأرضية، ويمكن للملاحقة القضائية أيضاً أن تقيد إسرائيل وتحد من استخدامها للقوة المفرطة في صراعها مع الفلسطينيين وستكون رادعاً للقيادات المتلاحقة في إسرائيل فى المستقبل القريب، وبصفة عامة ستحد من استخدام القوة المفرطة تجاه المدنيين الفلسطينيين خشيةً من تلك الملاحقة.
ثالثاً: قادة إسرائيل تعمدوا جرائم ضد الإنسانية منزوعة الرحمة بقصف المستشفيات والمدارس والمنازل لقتل جميع الأطفال الفلسطينيين
يذكر الدكتور خفاجى أن قادة إسرائيل تعمدوا جرائم ضد الإنسانية منزوعة الرحمة بقصف المستشفيات والمدارس لقتل جميع الأطفال، وارتكبت قوات الإحتلال الإسرائيلي العديد من جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة من العمليات العسكرية التى تستخدم فيها الذخائر الفسفورية والقنابل والصواريخ وهي جرائم ترتقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بقصف المدنيين والأطفال فى الممتلكات الخاصة والمستشفيات والمدارس والتى راح ضحيتها قتل ما يزيد على عشرة اَلاف مواطن فلسطينى تقريباً بقصد إكراههم على التهجير القسرى خارج ديارهم.
وعلى مدار شهرى أكتوبر ونوفمبر 2023 ما زال جيش الإحتلال يقتل المدنيين في غزة، خاصة الأطفال والنساء ومنهم المحاصرين الذين حرموا من المساعدات ويجبرون على ترك منازلهم جراء القصف وبلغت وحشية القصف أنها شملت المرضى بالمستشفيات وهم لا حول لهم ولا قوة، حتى أن ملاجئ الأونروا - وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- تتعرض هى الأخرى للقصف وقتل موظفيها، ويزداد عدد القتلى كل يوم وتزداد للباقين الأمراض ومشاكل التنفس خاصة الأطفال، إن شعباً بأكمله يُقتل بشكل جماعى يراه العالم أصماً وصنماً متفرجاً دون أدنى ضمان لاحترام قواعد الحرب الدولية.
رابعاً: أحدث معركة قانونية فى أمريكا دعوى قضائية فيدرالية أقامتها منظمة حقوقية أمريكية أول أمس ضد الرئيس الأمريكي ووزيرى الخارجية والدفاع بتهمة "الفشل في منع الإبادة الجماعية والتواطؤ فى تطورها " فى حرب إسرائيل على غزة وطلبت أمراً وقتياً من محكمة الطوارئ بنيويورك لوقف الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي لإسرائيل (فاشل ومتواطئ)
يذكر الدكتور محمد خفاجى أن جماعة الحريات المدنية في نيويورك - مركز الحقوق الدستورية CCR - أقامت أول أمس الأثنين 13 نوفمبر دعوى قضائية فيدرالية نيابة عن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والفلسطينيين في غزة ومواطنين أمريكيين لديهم أقارب في القطاع المحاصر ضد الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ورئيس البنتاغون لويد أوستن، بتهمة " الفشل فى منع وقوع إبادة جماعية والتواطؤ في تطورها". وطلبت أمراً وقتياً من محكمة الطوارئ بنيويورك لوقف الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي لإسرائيل. وقد واجه الفلسطينيون خلال الشهر الماضى والجارى فى تواصل غير منقطع القصف من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، حال قيام أمريكا بدعم عسكري ومالي لإسرائيل.
واستندت الدعوى الفيدرالية أنه بموجب أحكام القانون الدولي تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بواجب اتخاذ جميع التدابير المتاحة لها لمنع الإبادة الجماعية، لكن المدعى عليهم الثلاثة رئيس أمريكا ووزيرى الخاجية والدفاع استخدموا نفوذهم مرارًا وتكرارًا لوضع شروط أو قيود على القصف الإسرائيلي الضخم والحصار الشامل على غزة، وعارضوا "وقف إطلاق النار المنقذ للحياة ورفع الحصار" واستهانوا بحق الحياة واستخداموا حق الفيتو ضد "إجراءات الأمم المتحدة التي تدعو إلى وقف إطلاق النار". وبلغت الوقاحة أن وزير الشئون العسكرية الإسرائيلي "يوآف غالانت "وصف الفلسطينيين في غزة بأنهم "حيوانات بشرية" وأن "تصريحات النوايا" هذه عندما تقترن بـ "القتل الجماعي" للفلسطينيين، تكشف عن "أدلة على جريمة إبادة جماعية تتكشف".
ونظرا لأن إسرائيل شنت حربًا على غزة قُتل فيها أو جُرح أو فقد أكثر من 40 ألف فلسطيني، كما تم تهجير 70٪ من سكان القطاع المحاصر البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة قسراً ونصف سكان القطاع المحاصر و دمرت المنازل، فقد طلبت الدعوى الفيدرالية أيضًا إلى إنهاء الدعم العسكري السنوي الذي ترسله الولايات المتحدة لإسرائيل، مساعدات مالية لإسرائيل قدرها 3.8 مليار دولار، كجزء من التزام سنوي طويل الأمد وضعته إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وكل هذه المساعدات تقريبا تُخصص لأغراض عسكرية.ولم يكتف بايدن بذلك بل ويستعد بدعم من كل الجمهوريين في الكونجرس ومعظم الديمقراطيين تقريبًا، لإرسال 14 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل.
واتهمت الدعوى الفيدرالية الثلاثى بايدن وبلينكن وأوستن، بصفتهم الرسمية بفشلهم في منع الإبادة الجماعية التي تتكشف حيث يكون لديهم تأثير على دولة إسرائيل للقيام بذلك، والتحريض المباشر على تطويرها بالأسلحة والأموال، والغطاء الدبلوماسي، في انتهاك للالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية والقانون الدولى العرفى. ويقع على عاتق الولايات المتحدة واجب بموجب المادة 1 من اتفاقية الإبادة الجماعية لمنع أعمال الإبادة الجماعية عام 1948 والمعاقبة عليها، وهو التزام أصدره الكونجرس الأمريكي قانونًا في عام 1988 عندما صدق على الاتفاقية وأصدر قانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية.
خامساً: الدعوى الفيدرالية ضد الرئيس الأمريكى فاشل متوطئ: ما فعلته حركة حماس من جرائم بمقتل 1200 إسرائيلي واختطاف 240، لا يمكن أن تبرر قانونًا استهداف سكان غزة بالكامل والعقاب الجماعي وإبادة شعبها، والدفاع عن النفس ليس لمحتل
وأضاف الدكتور محمد خفاجى أن الدعوى الفيدرالية ضد الرئيس الأمريكى تشير إلى نقطة هامة وهى دعم الحكومة الأمريكية غير المشروط لإسرائيل وهي تقصف سكان غزة وتحرمهم من الغذاء والماء وغيرها من الضروريات، وذكرت الدعوى أنه حتى الجرائم التي ارتكبها الجناح العسكري لحركة حماس يوم 7 أكتوبر 2023 والتي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 1200 إسرائيلي، بما في ذلك العديد من المدنيين، واختطاف 240، لا يمكن أن تبرر قانونًا أشكال استهداف السكان بالكامل والعقاب الجماعي والإبادة الجماعية لقطاع غزة التى راح ضحيتها ما تجاوز 11.000 ألف فلسطينى معظمهم من المدنيين وأكثر من 4600 طفل وشردت 1.5 مليون، ولا يزال آلاف الفلسطينيين في عداد المفقودين، ومازالت إسرائيل تقوم تدمير المستشفيات والمدارس ومعظم البنية التحتية في غزة، فضلاً عن الحرمان المتعمد من الوصول إلى الغذاء والماء والكهرباء والدواء مما جعل الحياة في غزة مستحيلة.
كما أن الدفاع عن النفس ليس لمحتل وهو ما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الصينية عن إسرائيل الكيان المحتل لفلسطين باعتبار أن أمريكا هى أكبر صانع للحروب فى جميع النزاعات المسلحة فى العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فهى تنتهك سيادة الدول وتتدخل فى شئونها الداخلية وتزعزع أمنها وترهب قادتها.
سادساً: نتنياهو أباد غزة جماعياً وأهان المحكمة الجنائية الدولية واتهمها بعودة النازية وثلاث منظمات حقوقية فلسطينية طلبت وضع مذكرة اعتقال دولية لمحاكمته ووزير دفاعه في لاهاى
ويذكر الدكتور محمد خفاجى أن نتنياهو أباد غزة وأهان المحكمة الجنائية الدولية واتهمها بعودة النازية وثلاث منظمات حقوقية فلسطينية طلبت وضع مذكرة اعتقال دولية لمحاكمته في لاهاى، ونتنياهو يهين المحكمة الجنائية الدولية ويتهمها بعودة النازية للشعب اليهودى ويجب وضع مذكرة اعتقال دولية لمحاكمته في لاهاى، وأن إسرائيل سينتابهم القلق البالغ من تحرك فلسطين لدى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع قادتها فى جرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبتها وماتزال منذ اكتوبر ونوفمبر 2023 على المدنيين خاصة الأطفال والنساء والشيوخ فى قطاع غزة، وهو ما كشف عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ذاته، حينما بدأت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقها الكامل في عام 2021، إذ قال نصاً: " أن إسرائيل تتعرض للهجوم، والمحكمة الجنائية الدولية، التي أنشئت لمنع تكرار الفظائع التي حرض عليها النازيون مرة أخرى للشعب اليهودي، تنقلب الآن ضد دولة الشعب اليهودى، وأعدكم أننا سنناضل من أجل الحقيقة حتى نلغي هذا القرار الفاضح". وهو ما يمثل إهانة منه للمحكمة الجنائية الدولية ينال من هيبتها واستقلالها، وهو ما يدل دلالة قاطعة على أن إسرائيل ستشعر حتماً بالقلق البالغ من احتمال احتجاز مسئوليها العسكريين والسياسيين بموجب مذكرات اعتقال دولية إذا سافروا إلى الخارج وواجهوا المحاكمة في لاهاى.
ويضيف أنه يلاحظ إذا كانت إسرائيل عادة ما تعتمدعلى حماية الولايات المتحدة لها في المظمات الدولية، مثل استخدام حق الفيتو ضد القرارات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا أنه قد بات من المؤكد أن نفوذ أمريكا على المحكمة الجنائية الدولية محدود للغاية بسبب استقلال قضاتها وهى رفضت التوقيع على نظام روما الأساسي.
واُناشد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إعطاء الأولوية للتحقيق فى جرائم الحرب التى ارتكبها القادة الإسرائليين والجيس الإسرائيلى المحتل فى تعمده جرائم الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بقصد تهجيرهم إلى سيناء وتدمير المستشفيات والمدارس والبنية التحتية، كما اُناشد الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية على التعاون الكامل في هذا التحقيق، إذ يجب محاسبة مرتكبي جرائم الحرب لأن إفلات الجناة من العقاب عن تلك الجرائم من شأنه أن يقوض السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط حفظاً لماء وجه القانون الدولي والقانون الدولى الإنسانى قبل أن يجف ماؤه.
ولأن الجيش الإسرائيلي ارتكب أعمال إبادة جماعية في غزة فى شهرى أكتوبر ونوفمبر الجارى رفعت ثلاث منظمات فلسطينية لحقوق الإنسان دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وحثت المحكمة على التحقيق مع إسرائيل بتهمة "الإبادة الجماعية" وإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، والرئيس إسحاق هرتسوغ.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل إطلاق النار على الفلسطينيين سكان غزة المحکمة الجنائیة الدولیة جرائم الإبادة الجماعیة المستشفیات والمدارس جرائم ضد الإنسانیة الولایات المتحدة وقف إطلاق النار إبادة جماعیة خاصة الأطفال اعتقال دولیة أن إسرائیل ضد الرئیس سکان غزة قانون ا من سکان فی غزة وهو ما
إقرأ أيضاً:
بعد قرار الجنائية الدولية.. هل اقترب عقاب نتنياهو على جرائمه؟
في 24 أبريل/ نيسان 2025، أصدرت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية قرارَين متزامنين شكّلا محطة محورية في مسار المساءلة الدولية عن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فقد قضى القرار الأول برفض طلب تعليق تنفيذ مذكرتَي التوقيف الصادرتَين بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، فيما أعاد القرار الثاني ملف اختصاص المحكمة إلى الدائرة التمهيدية؛ لإعادة النظر فيه على ضوء معايير قانونية أدق.
وقد أثار هذا التطور تساؤلات كثيرة لا بدّ من التوقف عندها: ما الذي دفع المحكمة إلى إصدار هذين القرارين في هذا التوقيت بالذات؟ وما الذي شكّل خلفية هذا الحسم القضائي غير المسبوق؟ ولماذا قررت المحكمة أن تواصل السير في الإجراءات رغم حملات الطعن والضغط السياسي التي قادتها إسرائيل؟
وكيف يمكن تفسير أن دولة مثل إسرائيل، التي طالما أنكرت اختصاص المحكمة، أن تبادر إلى تشكيل فريق دفاع قانوني وطعنت رسميًا أمامها؟ وهل انطوى هذا السلوك على اعتراف ضمني بشرعية المحكمة رغم خطابها العلني الرافض لها؟
في المقابل، على ماذا استندت إسرائيل في دفوعها؟ وهل أقنعت حججها- بشأن غياب صفة الدولة عن فلسطين، أو الحصانة الوظيفية للمسؤولين- أي جهة قانونية محايدة؟ ثم كيف ردّت المحكمة؟ وما هي النصوص القانونية التي استندت إليها في تثبيت اختصاصها وتأكيد سريان مذكرات التوقيف؟ وهل نجحت المحكمة في فرض منطق القانون على منطق القوة السياسية والدبلوماسية؟
إعلانوأمام هذا الموقف، كيف كان على الدّول الأطراف في نظام روما أن تتصرّف؟ وهل التزمت بواجبها القانوني الواضح، أم اختارت المراوغة والصمت؟ وهل شكّل هذا القرار بالفعل نقطة تحوّل نوعية في مسار المحكمة تجاه المساءلة في فلسطين؟ أم إنه بقي في دائرة الرمزية القانونية، في ظل غياب إرادة دولية جدية لتنفيذه؟
ورغم ما دوّناه سابقًا من ملاحظات تقنية ومبدئية على أداء المحكمة، لا سيما في بعض الملفات ذات الطابع السياسي، فإننا هنا نقف بوضوح إلى جانب هذا القرار، دفاعًا عن استقلال القضاء الدولي، واحترامًا لحق الضحايا في العدالة، وإيمانًا بأن العدالة لا تُستجدى، بل تُنتزع، وأن مَن يحاول منعها هو الذي ينبغي أن يُدان، لا من يسعى إليها.
مبررات إسرائيل لرفض اختصاص المحكمة وطلب تعليق مذكّرات التوقيفقدّمت إسرائيل دفوعًا متعدّدة أمام المحكمة الجنائية الدولية للطعن في اختصاصها وطلب تعليق تنفيذ مذكرتَي التوقيف الصادرتَين بحق كلٍّ من بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.
تمثلت هذه الدفوع أولًا في الادعاء بأن فلسطين ليست دولة ذات سيادة بالمعنى المقصود في المادة 2 (1) (أ) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، ما يجعل من انضمامها إلى نظام روما الأساسي باطلًا، أو على الأقل موضعَ نزاع قانوني.
كما دفعت إسرائيل بأن المادة 12 من النظام الأساسي تشترط وجود ولاية إقليمية تمارسها دولة طرف، وهو ما لا ينطبق على الأراضي الفلسطينية، التي تعتبرها إسرائيل "أراضي متنازعًا عليها".
إلى جانب ذلك، تمسّكت إسرائيل بما يُعرف بـالحصانة الوظيفية للمسؤولين الرسميين، المستندة إلى قواعد العرف الدولي، والتي تمنع توقيف وملاحقة رؤساء الحكومات ووزراء الدفاع أثناء تولّيهم مناصبهم، في غياب تفويض من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع.
كما رأت أنَّ إصدار المذكّرات في هذا التوقيت، في ظلّ نزاع مسلّح نشط، يُهدد الاستقرار الإقليميّ، ويُقوّض الجهود الدبلوماسيّة المبذولة للتهدئة.
إعلان ردّ المحكمة على دفوع إسرائيل: التّكييف القانوني والتحليل الحقوقي والإجرائيجاء ردّ المحكمة الجنائية الدولية على دفوع إسرائيل متماسكًا من الناحية القانونية، وراسخًا في بنيته الحقوقية والإجرائية. فقد رفضت المحكمة هذه الدفوع بشكل منهجي، مستندة إلى أحكام واضحة في نظام روما الأساسي، وعلى رأسها المادة 12 (2) (أ)، التي تتيح للمحكمة ممارسة اختصاصها على الجرائم المرتكبة في إقليم أيّ دولة طرف.
وبما أن فلسطين انضمت رسميًا إلى النظام الأساسي في 1 أبريل/ نيسان 2015، وتم قبول صك انضمامها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، فإنها تُعدّ دولةً طرفًا لأغراض هذا النظام، بصرف النظر عن مدى تحقق سيادتها وفقًا لمعايير القانون الدولي العام.
وقد دعّمت المحكمة هذا الموقف بإشارة إجرائية دقيقة، إلى المادة 125 التي تنظّم آلية الانضمام، مؤكدة أن انضمام فلسطين تمّ بصورة قانونية سليمة وكاملة.
أمّا فيما يتعلق بمسألة الحصانات السيادية، فقد استندت المحكمة إلى المادة 27 من النظام الأساسي، التي تنصّ بوضوح على أن "المركز الرسمي لأي شخص، سواء بصفته رئيسًا لدولة أو حكومة، أو عضوًا في حكومة أو برلمان، لا يعفيه من المسؤولية الجنائية"، ولا يشكّل سببًا لتخفيف العقوبة.
وهذه المادة تُعدّ قاعدة آمرة ضمن النظام القانوني للمحكمة، وتعلو على الأعراف التقليدية المتعلّقة بالحصانات، خصوصًا عند النظر في جرائم خطيرة كجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.
على المستوى الحقوقي، شكّل القرار إعادة اعتبار جوهرية لمفهوم العدالة الدوليّة، عبر تأكيد المحكمة أنّ الصفة الرسمية لا تحجب المسؤولية الفردية، وأن مبدأ المساءلة يجب أن يُطبّق على الجميع دون استثناء، بمن في ذلك قادة الدول.
وهذا يعيد التوازن لحقوق الضحايا، لا سيّما المدنيين في غزة، الذين لا يجوز حرمانهم من حقهم في الوصول إلى العدالة بحجة المناصب الرسمية للمتّهمين.
أما إجرائيًا، فقد عكست المحكمة استقلالًا قضائيًا حقيقيًا في وجه ضغوط سياسية وأمنية حاولت تقويض صلاحياتها. وأكدت أنّ إجراءاتها القضائية لا تخضع لمعادلات التفاوض أو التهدئة السياسية، بل تستند حصرًا إلى معايير قانونية.
إعلانووفقًا للمادة 58، فإن إصدار مذكرات التوقيف تمّ استنادًا إلى اقتناع الدائرة التمهيدية بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب الجرائم، ما يعني أن المحكمة لم تتجاوز صلاحياتها، بل مارستها بموجب التفويض المنصوص عليه.
وفي المحصّلة، يكرّس ردّ المحكمة مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويثبت أن العدالة الجنائيّة الدولية، رغم هشاشتها أمام السياسة، ما تزال قادرة على الصمود متى توفّرت الإرادة القضائية والانضباط الإجرائي.
ازدواجية إسرائيل في التعامل مع المحكمة: طعنٌ في الاختصاص، وتفاعل فعلي مع آلياتها – كيف نفهم ذلك؟
رغم أن إسرائيل ليست دولةً طرفًا في نظام روما الأساسي، ورغم مواقفها السياسية المتكررة التي تشكك في شرعية المحكمة واختصاصها، فإنها انخرطت بشكل فعّال ومباشر في المسار القضائي عند صدور مذكرتَي التوقيف بحقّ كبار مسؤوليها.
فقد سارعت إلى تشكيل فريق قانوني دولي رفيع، وقدّمت دفوعًا تفصيلية أمام دائرة الاستئناف، وطعنت في الاختصاص، وطلبت تعليق الإجراءات. وهذا السلوك، رغم ظاهره المناقض، يحمل دلالات إيجابية جوهرية يمكن قراءتها كالتالي:
أولًا: اعتراف عملي بشرعية المحكمةحتى وإن لم تعترف إسرائيل بالمحكمة من الناحية النظرية، فإن انخراطها في المسار القضائي يشكّل اعترافًا فعليًا بسلطة المحكمة ومكانتها.
إذ لو كانت المحكمة "فاقدة للشرعية"- كما تدّعي إسرائيل- لما أجهدت نفسها بتقديم دفوع رسمية أمامها. هذا يكشف عن قوة الموقف القانوني للمحكمة، وعمق تأثيرها حتى على الجهات التي تعارضها سياسيًا.
ثانيًا: تعزيز شرعية المحكمة على المستوى الدوليالسلوك الإسرائيلي، رغم طابعه الدفاعي، يصبّ في خانة تعزيز موقع المحكمة في النظام القانوني الدولي. فحين تكون دولة كإسرائيل – مدعومة من قوى عظمى – مضطرة لأن تخوض جدالًا قانونيًا أمام المحكمة، فهذا يبعث برسالة للعالم مفادها أن المحكمة لا يمكن تجاوزها، حتى من قبل المعترضين عليها.
ثالثًا: انتصار مبدأ المساءلة، حتى من خارج نظام رومايُظهر هذا التفاعل أن مبدأ المساءلة الدولية بات عابرًا للعضوية الرسمية، وأن مجرد وجود آلية قضائية مستقلة قد يجبر حتى غير الأعضاء على التعامل معها، وهو ما يُعطي الأمل بتوسيع أثر المحكمة ليطال أنظمة أخرى معادية للعدالة.
إعلاناحترام الالتزامات القانونية وتنفيذ قرارات المحكمة: مسؤولية الدول الأطراف
بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتَي توقيف بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وأكدت دائرة الاستئناف قانونية هذه الخطوة ورفضت تعليقها، لم يعد من المقبول أن تقف الدول الأطراف في نظام روما الأساسي موقف المتفرّج أو المتردّد. فبموجب المادتَين: 86 و89 من النظام، تلتزم الدول الأطراف بالتّعاون الكامل مع المحكمة، لا سيما في تنفيذ أوامر التوقيف الصادرة عنها.
إنّ أي تهاون في تنفيذ هاتين المذكرتَين لا يمثّل فقط إخلالًا قانونيًا فادحًا، بل يُسهم في تقويض مصداقية النظام القضائي الدولي، ويمنح الحصانة السياسية مجالًا لتتفوق على العدالة.
فالدول الأطراف، لا سيما في أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا، مطالَبة الآن أكثر من أي وقت مضى باتخاذ موقف قانوني واضح يحترم قرارات المحكمة، ويترجم مبادئ المساءلة إلى إجراءات تنفيذية ملموسة.
فمن غير المنطقي – واللاأخلاقي – أن تُنفق الدول على دعم المحكمة، وتُشيد بدورها في النزاعات الأخرى، ثم تتلكأ في تنفيذ مذكرات توقيف عندما تطال مسؤولين من دول مدعومة سياسيًا. العدالة ليست انتقائية، ولا مشروطة بموازين القوة.
إن تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليس شأنًا إجرائيًا فقط، بل هو مؤشر على التزام الدول بمنظومة القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
اليوم -مع صدور قرار المحكمة- برفض تعليق مذكرات التوقيف، بات نتنياهو رسميًا في موقع الملاحق دوليًا بجرائم خطيرة تشمل استخدام التجويع كسلاح حرب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يصبح أي سفر له إلى الدول الأطراف محفوفًا بمخاطر الاعتقال. ورغم أن التنفيذ الفعلي للمذكرة لا يزال مرتبطًا بإرادة الدول الأطراف، فإن المكانة السياسية لنتنياهو قد تلقت ضربة قاسية، وأصبح شبح الملاحقة القضائية يلاحقه، مما يضع قيودًا جدية على حركته الخارجية ويُضعف قدرته على المناورة الدبلوماسية. وهكذا، يبدو أن عقاب نتنياهو، الذي طالما تهرب منه عبر الدعم الدولي، قد بدأ يلوح كاحتمال جادٍّ في الأفق القانوني.
إعلانالدول الأطراف مدعوّة اليوم إلى أن تثبت أن عضويتها في المحكمة ليست رمزية، بل تستند إلى قناعة حقيقية بأن العدالة لا يمكن أن تُجزأ، وأن الجرائم ضد المدنيين، أيًا كان مرتكبوها، يجب أن تُقابل بالمحاسبة، لا بالصمت أو الحماية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline