شهدت الأيام الأخيرة في تونس خلافات كبيرة بين رئيسها قيس سعيّد وبرلمانه، بخصوص مشروع قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل.

وبينما كان النواب متحمسين للمصادقة على القانون، مشحونين بسقف الخطاب العالي لسعيّد بشأن القضية الفلسطينية وشعاره، الذي رفعه أيام حملته الانتخابية بأن "التطبيع خيانة كبرى"، فاجأ الرئيس التونسي الجميع، وقال وفق ما نقل عنه رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، إن "هذا القانون سيضر بمصالح الدولة الخارجية".

لعلّ من أهم ما رجّح كفة سعيّد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها، هو تلك الصرخة التي أنهى بها المناظرة التلفزية مع خصمه نبيل القروي وكررها ثلاثا: "التطبيع خيانة عظمى".

وكان ممّا زاد من تأثير ذلك الشعار في نوايا التصويت هو ظهور فيديو لمنافسه يؤكد تواصله مع جهات "صهيونية" قصد التأثير في نتائج الانتخابات.

وحينها، استطاع سعيّد بهذا الشعار أن يحسم الانتخابات لصالحه، بعد أن مسّ الوجدان الشعبي التونسي المناصر لفلسطين.

اقرأ أيضاً

الرئيس التونسي: مَن يتعامل مع العدو الصيهوني "خيانته عظمى"

ولكنّ الرئيس لم يُحوّل وعده بتجريم التطبيع إلى نص قانوني، ولم يطرح مبادرة تشريعية في هذا الغرض قبل 25 تموز/ يوليو 2021، أي قبل تاريخ الانقلاب أو تصحيح المسار، على الرغم من أن دستور 2014 يُعطي لرئيس الجمهورية الأولويةَ في عرض مشاريع القوانين على البرلمان.

والخميس 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلن بودربالة، تأجيل جلسة التصويت على مقترح قانون "تجريم" التطبيع إلى الجمعة الذي تلاه، لكنها لم تعقد.

ولاحقا، عقد مكتب البرلمان اجتماعا، دعا رؤساء الكتل إلى الانعقاد الثلاثاء المقبل للتداول في الموضوع، وهو ما اعتبره مراقبون التأجيل المتكرر، مؤشرا على التخلي عن هذا القانون، وسيكون في كل الحالات امتحانا للعلاقة بين النواب والرئيس.

ومشروع قانون تحريم التطبيع مع إسرائيل، يعد الأول من نوعه في المنطقة، وخرج للعلن إثر مطالبات شعبية لإقراره، تزامنا مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في أعقاب معركة "طوفان الأقصى"

ويجرّم مشروع القانون التواصل بأي شكل من الأشكال مع الاحتلال الإسرائيلي، باستثناء فلسطينيي الداخل، بالإضافة إلى المشاركة بأي أنشطة تقام على أراض يسيطر عليها الاحتلال.

ويوجه مشروع القانون تهمة الخيانة العظمى إلى كل من "تخابر مع إسرائيل" ويعاقب مرتكب جريمة التطبيع بالسجن مدى الحياة أو لمدة تتراوح بين 6 و12 عاما، وبغرامة مالية تصل إلى 100 ألف دينار (نحو 30 ألف يورو).

اقرأ أيضاً

تونس.. خلاف متصاعد بسبب مشروع قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل

من جانبها، تقول النائبة فاطمة المسدي (غير منتمية لكتلة وقيادية سابقة في حزب نداء تونس): "من الناحية الشكلية، لم يتم تشريك (إشراك) أي طرف حكومي في مناقشة هذا القانون الذي يمسّ بالسياسة الخارجية لتونس".

وتابعت: "أي أن النواب كتبوا القانون لوحدهم وناقشوه لوحدهم وسيصادقون عليه لوحدهم، وهذا غير معقول لأن القانون له انعكاسات على الدولة".

وتلفت المسدي إلى ان "القانون عمومي (عام) وليس فيه استثناءات، لأنه في أي مسألة عامة فضفاضة القاضي يجتهد لوحده، وهنا يمكن أن تكون للقانون انعكاسات سلبية على المواطنين"، بحسب رأيها.

وبالنسبة للمسدي، فإن "التشبث" بطرح القانون للتصويت كما تم، ينمّ عن "مزايدة سياسية"، وتقول: "نشعر أن حركة الشعب (لديها نواب ضمن كتلة الخط السيادي الوطني)، استغلت القضية الفلسطينية وأصبحت تعتبرها ملفًا سياسيا بامتياز للمزايدة على الرئيس، وهذا يدخل في خانة تقزيم الدولة ودور رئيس الجمهورية".

في مقابل ما سبق، يؤكد داعمو تمرير القانون أن إصرارهم نابع من مبدأ مناهضة التطبيع الأصيلة في تونس.

اقرأ أيضاً

لجنة برلمانية تونسية تقر قانونا لتجريم التطبيع مع إسرائيل

ويقول أسامة عويدات عضو المكتب السياسي لحركة الشعب (ناصرية): "ليس لنا من غاية إلا تجريم التطبيع، نعتبره قضية مبدئية وعند الحديث عن المبدأ لا يمكن الحديث عن مزايدات سياسية".

ويضيف: "خير دليل على ذلك أن يوم 12 يوليو/تموز الماضي، أودعنا القانون في البرلمان وأودعنا القانون فيما قبل عام 2020 (أيام البرلمان السابق الذي حلّه سعيّد في مارس/ آذار 2022 بعدما جمّده إثر قرارات يوليو/تموز 2021)".

وينفى عويدات أن تكون هناك "مزايدة سياسية أو حملة انتخابية، لأن النواب في بداية عهدةٍ تنتهي بعد 4 سنوات من الآن"، متهمًا بعض النواب دون تسميتهم، بأنهم "يريدون تبرير الخيانة باتهام حركة الشعب بأنها تقوم بحملة انتخابية"، وفق قوله.

ويعتبر عويدات أنه "من الغباء عند بعض النواب الرافضين لتجريم التطبيع الاستناد إلى موقف الرئيس لأنهم يناقضون أنفسهم، فالرئيس يثمِّن رفض التطبيع، ومن ناحية يقولون لا نريد التجريم"، وتساءل: "من المزايد سياسيًا الآن؟".

من ناحيته، يؤكد وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيِّس، أن "إرادة النواب المنتخبين مستقلة وليست منتسبة لحزب ولا إلى ولاء لرئيس الجمهورية أو الحكومة، ولا تخضع لتوجيهات ولا لمراعاة ظرف سياسي أو دستوري، تتكلم من منطلق الضمير والثقافة السياسية".

ويضيف: "لكن بصفتي من (وزارة) الخارجية، لست موافقًا أن قضية التطبيع من عدمه يجب أن تصدر في قانون أو دستور".

اقرأ أيضاً

تطورات غزة.. برلمان تونس يعجل النظر بمشروع قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل

ويتابع ونيس: "بل يجب أن تبقى تحت تصرف السلطة والحكومة، خاصة وزارة الخارجية، كسلاح وقدرة تفاوضية عالية لا تضعف القدرة التكتيكية للمتحدث باسم الدولة التونسية، أي أنها تنزع من التفاوض باسم الدولة قدرة عالية جدا، وهذا لا يتناسب مع المصلحة السامية لتونس"، وفق قراءته.

وحسب ونيّس، فإن "هذا الموضوع يبقى تحت تصرف السلطة التنفيذية، أما القول بأنه يعود للسلطة التشريعية أو لاستفتاء قاعدي شعبي ليس جائزا، بل يضعف سلطة الحكومة التي تتفاوض باسم الدولة التونسية".

وحول الخلاف بين الكتل البرلمانية حول الموضوع، يقول ونيس: "كلٌ له منطقه، نواب الشعب يعبرون بوضوح عن رأي عميق متجذر في صدور التونسيين، لكن أعتقد أن هناك خلطًا بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وهذا غير سليم".

أما الكاتب التونسي عادل بن عبدالله، فيقول إنه "بصرف النظر عن مبدئية سعيّد في مناصرة فلسطين ومناهضة الصهيونية، فإن مصلحته السياسية تقتضي أن يذهب في هذا الخيار إلى الأقصى".

ويضيف: "ذلك أن التراجع عنه سيعني انتفاء حاجة المنظومة، وحلفائها الإقليميين والدوليين، إليه ولو بعد حين".

ويتابع بن عبدالله: "لعلّ مآل قانون تجريم التطبيع المعروض على البرلمان التونسي هو ما سيحدد المستقبل السياسي للرئيس، لأنه سيمثّل نقطة القطيعة بينه وبين مكوّنات المنظومة الفرنكفونية المتصهينة (منظومة الاستعمار الداخلي) وسيُهددها وجوديا، أكثر مما قد يفعل مجلس الأقاليم والجهات، الذي قد يكون ذراعا جديدة من أذرع المنظومة القديمة ولوبيّاتها المالية والجهوية والأيديولوجية".

اقرأ أيضاً

الرئيس التونسي: لا وجود عندي لمصطلح التطبيع.. والقضية الفلسطينية مركزية لكل الأمة

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تونس تجريم التطبيع برلمان تونس إسرائيل القضية الفلسطينية تجریم التطبیع مع إسرائیل مشروع قانون اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

لطفي بوجمعة: قانون العقوبات 2024 تضمّن تدابير احترازية للوقاية من التزوير

كشف النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر ” لطفي بوجمعة “، اليوم الأحد، أن سن قانون العقوبات 2024، كان من أولويات رئيس الجمهورية. يهدف من خلاله إلى أخلقة الحياة العامة وحماية المجتمع من ظاهرة التزوير ، وايضا تجسيد الشفافية. والمنافسة الحقيقية في كل المجالات .

وأكد ” لطفي بوجمعة “، أن ظاهرتي التزوير واستعمال المزور استفحلت مع التطور التكنولوجي وأصبحت تساهم في نزع الحقوق. ومنحها لغير مستحقيها ناهيك عن آثارها السلبية على الأمن الاجتماعي والاقتصاد الوطني. مضيفا في ذات السياق، هذا القانون جاء بتدابير احترازية للوقاية من جرائم التزوير وبعقوبات ردعية لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجرائم. من اجل الحصول على بعض الخدمات والمزايا مهما كان نوعها كتزوير الوثائق والمحررات او التزوير. للحصول على الإعانات المادية والمساعدات العمومية والإعفاءات ، وكذلك
تزوير العملات وتقليد أختام الدولة وشهادة الزور وغيرها .
للاشارة عرض مجلس قضاء الجزائر، في اختتام تفاعلات الملتقيات العلمية التكوينية، مداخلتين تتناول شرح الأحكام الموضوعية والإجرائية الجديدة في هذا القانون، بحضور رجال الشرطة القضائية ،محامون، وقضاة المحاكم والمجالس القضائية، تم بموجبها فتح مناقشات وتدخلات من جميع الفاعلين والمهتمين للوصول الى الهدف المسطر وهو التعريف بهذا القانون ورفع أي لبس حول تطبيقة.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • البلشي: قانون العمل يخص نقابة الصحفيين بشكل كبير
  • "البلشي": قانون العمل ينعكس على وضع الصحفيين بشكل عام
  • لجنة مختصة لدراسة قانون المعاملات الإلكترونية
  • الصادق تقدم باقتراح قانون لبرّي عن بلدية بيروت
  • مطالب برلمانية بمراجعة قانون التعيين في المناصب العليا
  • الطفولة النيابية:الأحزاب الشيعية تعمل ضد الإسلام والقوانين الشرعية في حضانة الطفل
  • النواب الأمريكي يمرر قانونًا يقلص المساعدات للأمم المتحدة
  • لطفي بوجمعة: قانون مكافحة التزوير تضمّن عقوبات ردعية لمرتكبيه
  • لطفي بوجمعة: قانون قانون مكافحة التزوير تضمّن عقوبات ردعية لمرتكبيه
  • لطفي بوجمعة: قانون العقوبات 2024 تضمّن تدابير احترازية للوقاية من التزوير