كمال الجزولي.. الناطق في أزمنة الصمت
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
كمال الجزولي.. الناطق في أزمنة الصمت
ياسر عرمان
لكمال الجزولي الصديق والزميل والرفيق وإنسان الفضاء العام أوجه متعددة تعهدها بالرعاية والعناية وكان سخي بها عقود طويلة بالسهر والسجون والعرق والمعاناة والاستقامة حتى شكلت ملامحه وتميزه وتفرده وشخصيته التي اشرأبت بباذخ الحضور وسط مئات الآلاف من المثقفين المتميزين في بلادنا.
كان كمال- الثقافة- الحزب- الكتابة- الصحافة- القانون- المحاماة- لإبداع- الشعر- الشجاعة- الصراحة- العدالة الانتقالية- الروزنامة- اللغة- المرافعات السياسية- الحساسية تجاه الإبداع والمبدعين- تجويد المقالة- الاستقلالية- الاعتداد بالرأي.
مر اسمه علي في المرة الأولى في نهاية السبعينات وبداية الثمانيات وانا أطالع صحيفة الميدان السرية وهي تنشر أسماء المعتقلين في سجون السودان على أيام نظام نميري، لازلت أذكر معظمهم عن ظهر قلب- حسن كنترول- علي عسيلات- علي الماحي السخي- محمد علي دليل- يوسف حسين- التوم النيتيفه- التجاني الطيب بابكر- عبد المجيد النور شكاك- محجوب شريف- طه سيد أحمد- سيد طه- محمد عثمان مكي- الضو أحمد بابكر- فوزي أمين- دوك مشار- عباس السباعي- قاسم عباس- الجزولي سعيد- الفاتح كنونه- عبد الوهاب صالح- حسن عثمان- وإلى أخر القائمة الطويلة.
في الحزب لم يكن كمال الجزولي تابعاً أو عاصياً بل صاحب رأي وسهم لم يخشى وغى الصراعات داخل الحزب وخارجه وكانت استقالته من اللجنة المركزية بعد انتخابه لافتة للنظر وشجاعة أكدت استقلالية رأيه وفي المقابل ظل كمال مدافعاً شرساً عن الحزب الشيوعي ضد خصومه ولا يتوانى في الرد على منتقديه وحرص ايما حرص للحفاظ على عضويته في الحزب ومغادرة الحياة وهو مازال في صفوف الشيوعيين، تم ذلك عن رغبة واختيار واعتزاز.
كتب كمال الجزولي اسمه في قائمة النضال ضد الشمولية ونطق في وقت صام فيه أخرين عن الحديث، تحدث ضد القمع وهو صاحب سيرة موثقة في الجهر عند أزمنة الصمت، ونما إسمه وترعرع عند اعتاب المجاهرة بالرأي وتحدي السلطات الغاشمة ورحل في وقت كم يحتاجه فيه شعبنا في معارك قادمات لا مثيل لها في تاريخ السودان الحديث، فاستعادة الفضاء المدني دونها البنادق والنزوح واللجوء والاقتصاد السياسي وصراع الموارد والسلطة والتي ستأخذ وقتاً طويلاً وتضحيات عظام حتى تفرض القوى الديمقراطية وتبسط رأيها في الحرب وبعد الحرب.
التزم كمال برأي حزبه ولكنه في نفس الوقت كان يستمع لرأي الأخرين ولم يعتزل الذين اختلفوا مع رأي الحزب وحافظ على صداقاته مع الاحتفاظ بمساحة الاختلاف في الرأي وتعدد المسارات وداوم على صداقات متينة مع شخصيات لم تكن على وفاق مع حزبه ولم يفسد ذلك لوده قضية مما يحمد له.
في انتفاضة أبريل 1985 كان هناك ندوة في نادي أساتذة جامعة الخرطوم وكنا حضور وأعطيت الفرصة لصديقنا الأستاذ والشاعر عبد المنعم رحمة ليقرأ قصيدة وبدلاً من قراءة قصيدته حرض الحضور وذكرهم بان الانتفاضة لم تحقق أهدافها وان الأستاذين حسن ساتي وفضل الله محمد لا يزالان في مكاتبهم في جريدتي الأيام والصحافة ودعا الحضور للتجمع صباحاً عند سينما كلزيوم والذهاب لجريدتي الأيام والصحافة واخراج رئيسي التحرير، ومع الفجر تجمعنا على شاي الصباح عند سينما كلزيوم، وحينما اجتمع الحشد وتجمع الثوار وكنا شباباً في قمة اللياقة ذهبنا إلى مبنى جريدة الأيام المجاور وأغلقنا الجريدة واتجهنا صوب ناصية المقرن شاهرين هتافنا (الصحافة عايزة نظافة) ودخلنا مكتب رئيس التحرير وللمرة الأولى شاهدت الأستاذ الصحفي الكبير والمبدع فضل الله محمد عليه رحمة الله وكان يرتدي جلباب أبيض أنيق، وهو كزميله الأستاذ حسن ساتي عليه الرحمة صحفيي ذوي شأن، كان الأستاذ فضل الله يقف أمامنا في صمت، عندها فتحنا الثلاجة ووزعنا الماء على المتظاهرين وفي تلك اللحظة ظهر الأستاذين كمال الجزولي ومحجوب شريف وحالا بين المتظاهرين والأستاذ فضل الله محمد وقد كانت هي المرة الأولى التي رأيت فيها كمال، ثم ظهر ممثل للمجلس العسكري الانتقالي وقام بحماية الأستاذ فضل الله وخرج معه، لاحقاً التقيت الأستاذ فضل الله محمد في القاهرة في فترة معارضة الانقاذ وكان انساناً مهنياً مهذباً ومحترماً.
في 15 فبراير 2023 هاتفني كمال وطلب مني التأكيد على حضوري لحفل زفاف يزن ابن صديقنا الأستاذ أبو العركي البخيت وقد كان ذلك لقاؤنا الأخير في الخرطوم، وبعد شهرين في 15 أبريل اندلعت الحرب، في تلك الأمسية جلست معه ومع المبدع محمد المكي إبراهيم ودكتور صديق تاور ودكتور صلاح الأمين.
في يوليو الماضي كان لقاؤنا الأخير في القاهرة ورغم المشاغل وضيق الوقت الا ان هاتفاً قوي كان يجول في خاطري بضرورة الاطمئنان على صحته فذهبت مع الأستاذين حمور زيادة ومنعم الجاك وأسعدنا استقباله الحار مع زوجته الدكتورة فايزة حسين وابنه الدكتور ابي ودار بيننا حوار طويل حول الحرب ومآلاتها وعند نهاية اللقاء وعلى غير عادته طلب منا أن نأخذ صورة تذكارية معاً وهي الصورة التي تصاحب هذا المقال وكأنه أدرك إن هذا لقاءنا الأخير.
كان جزء من هوية كمال مكتبه المميز في شارع الجمهورية وبيته في بحري وهو الامدرماني مزاجاً ونشأةً وكانت الحركة السياسية والمدنية تمثل سياجه المتين وحينما اقتلعته الحرب اللعينة من الخرطوم وذهب إلى القاهرة أضاف ذلك إلى متاعبه وربما عجل برحيله فهو المرابط في الخرطوم صيفاً وخريفاً لم يغادرها في السنوات الصعبة سيما سنوات فاشية الانقاذ وعاش وسط الحركة الديمقراطية وكان ترساً من تروسها وارتكازاً من ارتكازاتها ضد القمع.
سرني أن تشاركنا وكمال المحبة والود العميق للمبدع الكبير محمد وردي وقد قمنا بزيارته مراراً في منزله، وكذلك تقديرنا الكبير ليوسف حسين، ولم التقي كمال في سنوات المهجر خارج السودان إلا سألته وحملته تحياتي وأشواقي للزاهد والعابد في محراب الشعب يوسف حسين.
كمال مخلص لأصدقائه وأحبائه وفي مكتبه بشارع الجمهورية تطالعك صور أصدقائه محمد إبراهيم نقد وعلي عبد القيوم ومحجوب شريف وهو دائم الحكي عنهم.
في ندوة الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم بعد الانتفاضة قدم كمال الجزولي، محمد إبراهيم نقد في أول ظهور له وفي أهم ندوة له قدمه بكعب عالي وأدب رفيع وأثار المشاعر وأستحق الهتاف والتصفيق.
كان كمال ذو معرفة دقيقة بحركة الثقافة وتياراتها سيما المتدفقة من الستينات وأجيال مبدعي اليسار بحكم مشاركته الفاعلة وعمله في مكتب الأدباء والفنانين الذين شكلوا بصمات واضحة ومؤثرة في عالم الإبداع السوداني، وقبل ذهابه للدراسة في الاتحاد السوفيتي عمل بالصحافة في فترة مزدهرة من فترات نهوضها وله حكي وسرديات مهمة لشخوص تلك الفترة وعالمها.
لكمال اهتمامات بالمبدعين والسياسة خارج السودان ولن انسى حضوري أمسية باتعة في منزله كان ضيفها الرسمي الشاعر والصوت الانساني العالمي والناطق بإسم فلسطين في كل الأزمنة ومعاناة الشعوب جميعاً محمود درويش، وفي تلك الأمسية سألني محمود درويش عدة أسئلة عن الدكتور جون قرنق بعد أن قدمني له كمال الجزولي وذكر لي انه قد استمع لخطاب جون قرنق في توقيع اتفاق نيفاشا من مدينة رام الله وتسأل عن علاقة قرنق بفكر اليسار والتقدم.
أهتم كمال بقضايا الهامش ولم يتردد حينما قدمت له الدعوة بأن يكون مستشاراً لوفد الحركة الشعبية في اديس ابابا في الفترة من 2011- 2016 وحضر عدة مرات إلى اديس ولم يبخل بابداء النصح والمشورة قبل حضوره.
ترك كمال في وسط الحركة الديمقراطية مكاناً شاغراً لم يكن ليشغله الا هو، فقد كان يوازن بين التزامه الحزبي ويمد يده إلى كافة القوى الديمقراطية في معادلة رصينة.
قبل اندلاع الحرب بوقت وجيز طلب مني بأن ارافقه والأستاذ كمال عمر المحامي لاداء واجب العزاء في وفاة الدكتور عبدالله حمدنالله وشرح لي بدقة لما يهتم بإسلامي ملتزم مثل دكتور عبدالله. وقبل عدة سنوات في الفترة من 2005- 2010 ساهم الأستاذ كمال الجزولي في مناقشات بيني وبين الدكتور غازي صلاح الدين على أيام رئاسة كلينا لكتلتي الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني في البرلمان وكان كمال واضحاً وصارماً في انحيازه للديمقراطية والعدالة ولم يجامل غازي صلاح الدين وحاول أن يبذل جهداً من أجل الحفاظ على وحدة السودان أو الوصول إلى كونفدرالية بين دولتي السودان وقد التقينا بعدد من قادة الحركة الشعبية في مناقشة قضية الكنفدرالية والعلاقة بين شمال وجنوب السودان والدولتين لاحقاً.
عملت مع كمال وأصدقاء عديدين على رأسهم الأستاذ الحاج وراق في محاولات متعددة لتوحيد القوى الديمقراطية وقوى ثورة ديسمبر في الفترة الانتقالية المجهضة من قبل الفلول بالانقلاب تارة والحرب تارة أخرى وظل الأستاذ كمال الجزولي حريصاً على وحدة قوى الثورة مع التزامه بخط حزبه.
كان كمال دائم الحضور في الملمات والشدائد لا الترف وشارك في أهم المرافعات السياسية للدفاع عن القوى الديمقراطية وقادتها ورغم مواقفه الصارمة والمبدئية والحادة في بعض القضايا الا انه مد حبال الوصل مع الوطنيين والديمقراطيين وتشهد علاقته المتينة مع الأمام الصادق المهدي ودكتور أمين مكي مدني وأخرين كثر على أهمية المكانة التي اكتسبها واستحقها عن جدارة.
عزائي الحار لكل آل الجزولي وآل حسين والدكتورة فايزة وأبنائه ابي وأروى وكل أهله وأصدقائه ومحبيه وحزبه.
رحم الله كمال رحمة واسعة وانزله منزلة الصديقين والشهداء
12 نوفمبر 2023
الوسومأديس أبابا الأيام الحركة الشعبية السودان القاهرة جامعة الخرطوم حسن ساتي سينما كلزيوم فضل الله محمد كمال الجزولي محجوب شريف ياسر عرمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أديس أبابا الأيام الحركة الشعبية السودان القاهرة جامعة الخرطوم فضل الله محمد كمال الجزولي محجوب شريف ياسر عرمان القوى الدیمقراطیة الحرکة الشعبیة فضل الله محمد کمال الجزولی کان کمال
إقرأ أيضاً:
إجتماع عاصف في الأهلي .. وخناقة عمر كمال على طاولة الخطيب
يعيش النادي الأهلي لحظات عصيبة بسبب كثرة الأزمات التي تضرب غرفة الملابس داخل أروقة الفريق الأول لكرة القدم في الفترة الأخيرة.
ياسر ريان: هزيمة الأهلي أمام باتشوكا هي سبب الأزمات الحالية.. ويجب دعم كهرباورغم أن جمهور الأهلي استبشر خيراً بتعيين محمد رمضان في منصب المدير الرياضي لما يملكه من صرامة وحزم إلا أن الأزمات تحاصر رمضان بسبب مشاكل نجوم الفريق وآخرهم عمر كمال عبد الواحد الذي تعرض لجرح غائر في يده استلزم 17 غرزة.
وأصدر الأهلي بياناً رسمياً أعلن خلاله أن عمر كمال تعرض لجرح في يده استلزم 4 غرز فقط نتيجة انزلاق قدمه في الحمام بحسب ما أكده محمد رمضان المدير الرياضي ولكن الكواليس تخالف هذا الكلام.
ونشبت مشاجرة بين عمر كمال وزميله إمام عاشور على خلفية فاصل من المزاح بينهما انتهت بغضب عمر وارتطام يديه في زجاج غرف الملابس كما أن غرف الملابس شهدت تمرد من جانب الجنوب أفريقي بيرسي تاو جناح الفريق وغيابه عن التدريبات لمدة 48 ساعة.
وأصدر محمد رمضان بياناً نفى خلاله تمرد اللاعب مؤكداً أنه يعاني نزلة معوية ألزمته الفراش ومنعته من خوض التدريبات وهو أمر غير صحيح أيضاً بعد الحصول على تأكيدات من عدة مصادر تفيد بأن تاو لم يخطر أي شخص داخل النادي بأسباب غيابه وعلى رأسهم الجهاز الطبي.
وليد سليمان يقترب من منصب مدير الكرةوفشل محمد رمضان في احتواء الأزمات داخل الفريق ما يدفع إدارة الأهلي للإسراع في تعيين مدير كرة في المرحلة القادمة كما ارتفعت أسهم وليد سليمان لتولي هذا المنصب خاصة أنه يتمتع بعلاقة طيبة مع نجوم الفريق وعلى رأسهم القائد محمد الشناوي.
ويعقد محمود الخطيب رئيس مجلس إدارة الأهلي اجتماعاً مطولاً اليوم الجمعة في مقر القلعة الحمراء مع أعضاء لجنة التخطيط ومسؤولي قطاع الكرة.
ويناقش الخطيب كافة الأحداث التي دارت في بعثة الفريق منذ توجهها إلى قطر لخوض بطولة كأس الانتر كونتينننتال بجانب مباراة باتشوكا المكسيكي وأيضاً ما تردد حول بعض الأزمات داخل الفريق الأحمر.
ومن المقرر أن يستعرض الخطيب نتائج رحلته في قطر والاستعدادات الخاصة بترتيبات الانتقالات الشتوية القادمة والتفكير في تدعيم صفوف الفريق بصفقات قوية بعد حسم التعاقد مع حمدي فتحي لاعب وسط الوكرة القطري على سبيل الإعارة في كأس العالم للأندية بالولايات المتحدة الأمريكية.