لجريدة عمان:
2025-02-02@16:34:27 GMT

تحليل الشخصية اليهودية من خلال النص القرآني..

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

المتابع للأحداث الجارية في فلسطين وما يصاحبها من مشاهد مروعة من قتل الأطفال والنساء من قبل دولة الاحتلال الصهيوني، وما تقوم به من جرائم في حق الإنسانية من خلال قصفها للمستشفيات والمساجد والمدارس والمجمعات السكنية يقف مذهولا من طغيان هذا الكيان الغاصب وفي انتفاء مشاعره الإنسانية، وفي طغيانه الذي تجاوز الحد في الإفساد وإهلاك الحرث والنسل.

والمتأمل في كل ذلك يحاول أن يجد مقاربة منطقية تعينه على فهم شخصية الإنسان اليهودي فضلا عن كونه صهيونيا مؤسسا لحركة الصهيونية العالمية التي قامت في عام 1849م، فهل اليهودي في طباعه وغرائزه وطريقة تفكيره ونزعته إلى الشر مرتبط بهذا العرق ارتباطا وثيقا لا يمكن الفكاك منه، لرجوعه إلى عوامل جينية وعقدية مشوهة، ولا أدل على تفسير هذه الأمور وتجليتها إلا من خلال القرآن الكريم الذي فصّل في ذكر اليهود وأوصافهم وطبائعهم ومعتقداتهم، فالله أعلم بخلقه، فنبيهم الذي أرسل إليهم وهو موسى عليه السلام هو أكثر الأنبياء ذكرا في القرآن الكريم حيث تم ذكره 136 مرة، وقد أخبرنا الله عن أصلهم، وكيف كانت بداياتهم، وأين سكنوا، ومن استعبدهم ومن قام باستنقاذهم وتحريرهم، كما حدثنا عن جحودهم وتكذيبهم وجدالهم وتحايلهم، وما هي الأوصاف التي وصفوا بها ربهم، وما الأوصاف التي وصفهم الله بها، وما هي المعجزات الباهرات التي أرسلها الله إليهم ولم يؤمنوا بها، وكل ذلك في تفاصيل تستطيع إسقاطها على الواقع الدموي الذي تقوم به قوات الاحتلال في غزة في الحرب الدائرة الآن، وكيف يبرر اليهود الغاصبون هذا الإسراف في القتل، فهم أعداء المسلمين بنص كتاب الله فقد قال الله تعالى في سورة المائدة: " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا"

قساوة القلب

من المعروف أن إسرائيل هو النبي يعقوب عليه السلام ابن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وأبناؤه هم الذين سماهم الله تعالى في كتابه العزيز بني إسرائيل، ولو تتبعنا قصة سيدنا يوسف بن يعقوب عليهما السلام مع إخوته الذين يعتبرون أجدادا لليهود لوجدنا في القصة القرآنية دلالات واضحة على فساد مسلك إخوته، فنجدهم حسدوا يوسف عليه السلام على محبة أبيه له، وأرادوا قتله، فلك أن تتصور أن يقوم أخوك بقتلك لأجل أن أبيك يحبك حبا شديدا، فلك أن تتصور قساوة قلوبهم وجرأتهم على القتل حتى قتل الأطفال، وقد كان يوسف عليه السلام طفلا، فتشاوروا على قتله، ووصلوا إلى أن يقذفوه في البئر السحيقة، فلا تستغرب من أحفادهم الذين نراهم اليوم يقتلون الأطفال في غزة بدم بارد.

فقد وصف الله اليهود بقساوة القلوب، وأن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة؛ لأن الحجارة تتفجر منها المياه بينما قلوب اليهود قاحلة جافة لا خير فيها فقال تعالى في سورة البقرة: " ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً".

ولو تتبعنا قصة سيدنا يوسف قرآنيا لوجدنا أنها تطرح الكثير من الدلالات على الطباع اليهودية منذ تكوينا الأول، فهؤلاء الأبناء الأحد عشر وصفوا أباهم النبي ابن النبي ابن النبي وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وصفوه بقولهم: "إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ"، فلك أن تتصور أن أحدا يصف أباه بأنه في ضلال مبين فضلا أن يكون أبوه نبيا من الله وأبوه نبي وجده نبي، بل لم يكتفوا بوصفهم له هذا الوصف وهو غير حاضر معهم، عندما كانوا يخططون لقتل أخيهم يوسف عليه السلام، وإنما قالوها له مرة أخرى في وجهه بكل وقاحة وجراءة بل وأقسموا على ذلك، عندما قال لهم بعد سنين عديدة: إني أجد ريح يوسف فقالوا له: "قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم" وفي حقيقة الأمر هم أهل الضلالة.

الكذب وتزييف الحقائق

وفي ملمح آخر من قصة إخوة يوسف عليه السلام، وخاصة في ما يتعلق بحفظ العهود والمواثيق، والكذب والتزييف والاحتيال وهذا دأبهم وديدنهم إلى وقتنا الحاضر، فنجدهم يألفون القصص حول ضحاياهم من الأطفال بينما هم الذين يقتلون ويقصفون الأطفال في غزة،

لوجدنا أنهم احتالوا على أبيهم ليبعث معهم أخاهم ليقتلوه، فقالوا له :أرسله معنا لأجل أن يلعب ويرتع وإنا له لحافظون، قال لهم يعقوب: أخاف أن يأكله الذئب إذا غفلتم عنه، قالوا لئن أكله الذئب ونحن أحد عشر رجلا فنحن إذن خاسرون، فعندما غدروا به ولم يوفوا بعهدهم الذي قطعوه لأبيهم في حفظ أخيهم، لجأوا إلى الكذب وتزييف الحقائق وقلب الأقوال، فقالوا لأبيهم: إننا كنا نتسابق وتركنا أخانا عند متاعنا فأكله الذئب، فبدلا من ترك يوسف يلعب وحمايته، ذهبوا هم للسباق واللعب على حسب زعمهم وتركوا يوسف عند المتاع لحفظه وحمايته، وكذلك في تزييفهم وكذبهم قال الله تعالى: " وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ" فالقميص سليم وإنما ملطخ بالدماء، فاستغرب يعقوب عليه السلام كيف لهذا الذئب أن يأكل ابنه يوسف ولم يمزق القميص، فعلم أنه سولت لهم أنفسهم أمرا.

بل لم يكتفوا بأن تخلصوا من أخيهم فهم غير نادمين أو آبهين لهذه الجريمة التي قاموا بها بل ووصفوا أخاهم يوسف بأنه سارق وأن أخاه الشقيق الصغير يتبع خطوات أخيه يوسف في السرقة فقالوا: " قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ".

وقد جاء بهم يوسف عليه السلام من البادية إلى مصر واستقروا بها، قال تعالى: "وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي" وقد أخذوا في التناسل ولكنهم قاموا بافتعال المشاكل في مصر حتى تسلط عليهم الفراعنة فأخذوا يسومونهم سوء العذاب يذبحون أبناءهم ويعتدون على نسائهم، فكانوا مثل الأمم المقهورة المستخدمة للسخرة والاستعباد، حتى قال الله تعالى عن ذلك العذاب " بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ".

افتعال المشاكل

وعلى الرغم من كل هذه المهانة والاستعباد والسخرة، كانوا لا زالوا يفتعلون المشاكل، وقد ذكر الله لنا نموذجا من اقتتال أحد بني إسرائيل بآل فرعون، فقال تعالى: " وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ" وقد تيقن موسى من أن هذا الرجل من بني إسرائيل هو الذي يفتعل المشاكل، ويدخل في خصومات ومن ثم يستنقذ أحدا من بني إسرائيل ليعينه، فقال تعالى: "فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ" فهذا يدل على ما كانوا عليه من الضلال وافتعال المشاكل، وهذا ظهر جليا من خلال مواقفهم مع نبيهم موسى عليه السلام، وكيف أنهم كانوا يرون المعجزة تلو الأخرى ولا يؤمنون بها.

فساد المسلك

وعلى الرغم من أن موسى عليه السلام كان فيهم ويدعوهم إلى عبادة الله كما كان يدعوا فرعون، وقد أرسل الله تسع آيات معجزات إلى فرعون وقومه، وقد شاهد بنوا إسرائيل تلك المعجزات الواحدة تلو الأخرى، وكما أحصاها المفسرون وهي: العصا، واليد، والسنون، ونقص الثمرات بمختلف الآفات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وهي آيات بينات واضحات إلا أن تلك المعاجزات الخاصات لدعوة فرعون لم تكفهم لأن يؤمنوا ويصدقوا بموسى عليه السلام، فأجرى الله على يده معجزة كانت سببا في نجاتهم من القتل، فبعد أن خر السحرة ساجدين بعد التحدي الذي حضره جميع الناس قام فرعون بمطاردة موسى وبني إسرائيل فكاد أن يدركهم عندما وصلوا إلى شاطئ البحر فقالوا: "إنا لمدركون" ولكن أجابهم موسى عليه السلام: " قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" أي سيهديني إلى طريق أنجو فيه من فرعون، فقال تعالى: "فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ" فتصور أن ينشق البحر فيكون في وسطه أرض جافة بين جبلين من الماء، ولكن ماذا فعل بنو إسرائيل بعد أن نجاهم الله وأغرق فرعون وجنوده وزال الخطر عنهم، ما فعلوا كان يدل على فساد مسلكهم، وعلى فطرتهم التي أشربت بالشرك وعبادة غير الله، قال تعالى: "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ" فكيف لك أن تدعوا قوما أنجاهم الله من القتل أو الغرق ولا يكاد أن تجف أقدامهم من ماء البحر حتى يعودون للشرك والطلب من موسى أن يجعل لهم إلها صنما يعبدونه، إلا أنهم في غواية وجهالة عظيمة.

وقد نهاهم موسى عن هذا الطلب وذكرهم بالله ووحدانيته وأخبرهم أنه ذاهب لموعد ربه فسبقهم إلى طور سيناء، فما كاد أن يغيب عنهم موسى 40 ليلة إلا صنعوا عجلا من الذهب الذي حملوه معهم بعد أن أغواهم السامري فأخذوا يعبدونه من دون الله، مع أن هارون عليه السلام نهاهم عن ذلك ولكنهم هددوه بالقتل، وخاف أن يفرق كلمتهم ويحصل التقاتل بينهم فانتظر حتى جاء أخوه، ومن شدة غيض موسى عليه السلام وغضبه عليهم وعلى فعلتهم أخذ يجر أخيه من شعره ولحيته لماذا لم يمنعهم، فأخبره بالسبب، وحلت اللعنة على السامري.

التكذيب والعناد

فهم قوم تغلب عليهم صفة الشر والضلالة وقد أتعبوا موسى عليه السلام في دعوته لهم، وقد اختار موسى عليه السلام 70 رجلا منهم لميقات الله، فقال تعالى: "وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ" فلك أن تتصور أن هؤلاء هم صفوتهم فماذا طلبوا من موسى؟! قالوا له: " وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ" طلبوا منه أن يريهم الله عيانا في الجهر، عنادا واستكبارا، وجحودا، كما أنهم في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم طلبوا منه أن ينزل عليهم كتابا من السماء ليقرؤوه فقال له الله لا تستغرب فعلهم فقد سألوا نبيهم أكبر من ذلك فقال تعالى: " يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ" فأرسل الله عليهم صاعقة تأخذهم واحدا تلو الآخر وهم ينظرون إليها حتى مات السبعون رجلا، ثم أحياهم الله بعد موتهم فقال تعالى: " ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" بعد كل هذه المواقف والمعجزات التي عاينوها بأعينهم وحصلت لهم إلا أنهم لا يزالون في ضلالهم وتكذيبهم لنبيهم.

نكران الحق

ماذا يفعل موسى عليه السلام مع هؤلاء القوم المكذبين لأجل أن يؤمنوا به ويعبدوا الله، فأجرى الله معجزة عظيمة أخرى لعلهم يؤمنون فماذا حصل؟ نتق الله الجبل واقتلعه من الأرض ورفعه في السماء فوق رؤوسهم يظللهم وظنوا أنه سيقع عليهم، فقال تعالى في سورة البقرة: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" وقال في سورة الأعراف: " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" وقال الله تعالى في سورة البقرة: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا" فماذا كان جوابهم؟ "قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا"، من يرى كل هذه المعجزات من البشر الأسوياء لن يغفلوا عن ذكر الله وعبادته ساعة، فهذه المعجزات كفيلة بخضوع البشر واستكانتهم وانقيادهم لله عز وجل، ولكن بني إسرائيل لم يطرف لهم جفن من كل هذه المعجزات، حتى أن الله أحياهم بعد موتهم إلا أنهم أبوا إلا كفرانا وإعراضا ونفورا، فقالوا سمعنا وعصينا.

الجدل والمماطلة

وقد سمى الله أطول سورة في القرآن الكريم بـ"البقرة" وهي بقرة بني إسرائيل، والقصة أنه وقعت حادثت قتل رجل في بني إسرائيل ولكنهم لم يعرفوا القاتل، فجاؤوا إلى موسى عليه السلام وطلبوا منه أن يكشف لهم عن القاتل، فقال لهم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فقالوا له: هل تسخر منا قال: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين الساخرين، فلم يمتثلوا للأمر ولكن أخذوا يجادلون ويماطلون فأخذوا كل مرة يستفسرون عن شكلها ولونها وعمرها وفي ماذا تستخدم، وكان الله عز وجل يصعب لهم العملية في كل مرة، فوجدوها عند رجل من أهل القرية ولكنهم اشتروها بثمن باهض وبعد ذلك ذبحوها وضربوا بأجزاء منها الرجل الميت فعاد حيا وأخبرهم عن قاتله ومات مرة أخرى، ولكن الشاهد في أنهم لم يمتثلوا أمر الله ويبادروا بفعل ما أمرهم الله به، وإنما أخذوا يماطلون ويجادلون ويسوفون، وهذا حالهم وطبعهم.

الاحتيال

وأخبرنا الله عن طائفة أخرى من بني إسرائيل وهم أصحاب السبت فقال تعالى: " وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" فقد حرم الله عليهم أن يصطادوا يوم السبت، وقد كانت الأسماك تخرج لهم يوم السبت وتأتي قريبة من الشاطئ بكميات كبيرة، وفي بقية الأيام لا تأتي، فماذا فعلوا لكي يحتالوا على أوامر الله -وهذا حالهم ودأبهم وديدنهم-؟ نصبوا الشباك يوم الجمعة، فتأتي الأسماك وتعلق فيها يوم السبت، ويسحبونها يوم الجمعة، ويظنون أنهم يستطيعون أن يخدعوا الله ويحتالوا على أوامره، ولقد نهاهم بعض المؤمنين منهم من هذا الفعل، ولكنهم أبوا أن ينتهوا، فعاقبهم الله بأن خسف بهم بأن جعلهم يتحولون إلى قردة وخنازير، فقال تعالى: "فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" وقال في سورة البقرة: "وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ".

وصفهم لربهم

بل من ضلالهم وطغيانهم تجرؤوا على وصف الله بأوصاف لا تليق -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- فقد وصفوا الله بأنه بخيل قال تعالى في سورة المائدة: " قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ".

وقالوا عن الله إنه فقير فقال الله تعالى في سورة الأنبياء: " لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ". وقالوا إن الله له ولد: " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ".

فمن يتجرأ على الله بهذه الأوصاف، ويتجرأ على أنبيائه ورسله بالقتل، فهو أولى بأن يتجرأ على بقية الناس، بالقتل والتنكيل والتعذيب.

والمفارقة القائمة أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وصف مقاتلي غزة بالحيوانات، ولكن نحن نرى القرآن الكريم وصف اليهود الذين أرسلت لهم التوراة ولم يعملوا بها وصفهم بالحمير، فقال تعالى في سورة الجمعة: " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" وقال عن علماء اليهود في سورة الأعراف: " وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" وكذلك وصفهم الله بأن جعل منهم قردة وخنازير فقال تعالى في سورة المائدة: " قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ".

حرصهم على الحياة

وقد وصفهم الله بأنهم يحرصون على الحياة الدنيا ويتمنون أن يعمروا ألف سنة، ولذلك انعكس هذا على حالهم في حالة الحرب فهم جبناء يخافون من الموت، ولذلك لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، فنجدهم يقاتلون وهو يختبئون خلف دباباتهم ومدرعاتهم، وتحسبهم جميعا ولكن قلوبهم متفرقة، وهم قساة القلوب حتى على بعضهم البعض، فنجدهم اليوم يريدون أن يقتلوا حتى رهائنهم الإسرائيليين الذين يوجدون في أيدي المقاتلين الفلسطينيين. ويقولون بأن الجنة لن يدخلها إلا من كان يهوديا أو نصرانيا، ويحتقرون الخلق، ويرون أنهم هم أبناء الله وأحبائه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فقال تعالى فی سورة قال تعالى فی سورة یوسف علیه السلام فی سورة البقرة قال الله تعالى القرآن الکریم الله تعالى فی فقال تعالى ف بنی إسرائیل الله بأن من خلال م الله إلا أن کل هذه

إقرأ أيضاً:

تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 53 من سورة الأنفال: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ”.
هذه الآية هي من الآيات التي تبين سنن الله الكونية في تصريف أحوال البشر، وهي سنة عامة تطال المجتمعات المؤمنة والكافرة، ومحددة في تبيان أسباب زوال النعمة التي كان يرفل فيها ذلك القوم، وهي تخصيص للسنة العامة الرئيسة التي جاءت في الآية 11 من سورة الرعد: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” التي تبين عموم التغيير في حال قوم، في كلتي الحالتين، سواء من الحال الأفضل الى الأسوأ ام العكس، ولكن الله تعالى أراد أن يبين لنا ان الأصل هو استتباب النعمة، والاستثناء هو في زوالها، لذا يكمل في الآية ذاتها: “وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ”.
من فهم هاتين السنتين العامة والتخصيصية، يمكننا فهم لماذا كانت أحوال أمتنا تتغير بين صعود وهبوط عبر العصور المنصرمة، لكن الأمر أعقد من هذا التبسيط، فتتداخل مع هاتين السنتين سنن أخرى خاصة: منها سنتان خاصتان بالمجتمع المؤمن، وأخريان خاصة بالمجتمعات غير المؤمنة.
بداية من المهم ملاحظة أمرين: الأول أن الله تعالى يتعامل مع المجتمعات كوحدة واحدة، ويصنفها بالصلاح أو الفساد بحسب الصفة الغالبة عليه، والتي تحددها السياسة أو المنهج الذي يتبعه النظام الحاكم، فقد حكم على قوم فرعون جميعهم بدخول جهنم رغم أنه قد يكون منهم صالحون، لكن تقبلهم لأفعاله وطاعتهم له شملتهم معه المعصية، وكذلك قوم لوط أهلكهم جميعا مع أنه قد يكون بينهم كثيرون لم يكونوا يمارسون الفاحشة، لكنهم شملوا معهم بالعذاب لأنهم سكتوا عنهم ولم يتدخلوا بإصلاحهم، ولذلك فرض الله على المجتمعات المؤمنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فرض كفاية على العموم ولكنه فرض عين على المصلحين، ان اضطلعوا به أجزؤوا عن العموم.
والأمر الثاني: في استخدام صيغة المفرد لوصف المجتمع المؤمن، لأن الله تعالى يعتبر المؤمنين مجتمعا واحدا في العصر الواحد، مهما تباعدت أمصارهم وتعددت قومياتهم واختلفت ألسنتهم: “إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” [الأنبياء:92]، وأما غير المؤمنة فمتعددة متباينة، بحسب درجة ظلمها وفسوقها.
السنتان الخاصتان بالمجتمع المؤمن :
الأولى سنة الابتلاء والتمحيص، فبالشدائد تبتلى النفوس، وتنكشف الهمم العالية من الضعيفة، ويفرز المؤمن الحقيقي من المنافق.
لذلك أوجد الله سنة التدافع بين أهل الحق وأهل الباطل، دائمة باقية، ويوجد الأسباب المغرية بذلك: “وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا” [الأنفال:44].
الثانية ان الله مع المؤمنين، يدافع عنهم وينصرهم إن صدقوه وأطاعوه، لأنه تعالى يعلم أن قوة الباطل ستبقى متفوقة عبر العصور، ولو ترك الأمر للسنة العامة لتحقق النصر لمن يمتلك القوة الأعظم، لانقرضت الفئة المؤمنة، لكنه لن يسمح بذلك، فما أنزل هديه على البشر ليطفئه الظالمون.
أما السنتان الخاصتان بغير المؤمنين:
فالأولى هي سنة الاستدراج وهي الإمداد لهم زمنيا حتى تبقى سنة التدافع قائمة، وماديا بجعلهم أكثر أموالا ونفيرا وامتلاكا للقوة، وهذا ليس إنعاما من الله عليهم، بل عقوبة، ولأنهم لا يعقلون فهم لن يفهموها أنها لكي يتمادوا في غيهم الى حين فوات أوان التوبة، فلا ينالوا رحمته بل عذابه: “والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ” [الأعراف:182].
أما الثانية فهي معيشة الضنك: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا” [طه:124]، فالمجتمع الكافر رغم توفر كل وسائل الرفاهية ومقومات المعيشة الرغيدة، إلا ان معيشتهم ضنكا، فتجد أفراده يعيشون بلا هدف ولا رسالة، يلهثون وراء متعهم كما الأنعام، لتعويض فقدانهم سكينة النفس بسبب الفراغ الروحي، وقلقين من الكهولة بسبب غياب التراحم والتكافل الأسري، الذي يميز المجتمع المؤمن.
نستخلص مما سبق سبب تغير نعمة الله علينا الى أن أصبحنا في ذيل الأمم، فالله لا ينظر الى ضخامة المساجد وكثرة الغادين إليها، بل الى المجتمع بمحصلة أعماله، والتي يحددها النظام الحاكم، فيتبع منهجه أو يتنكبه.
لذلك لن تقوم لنا قائمة إلا بدولة اسلامية تقيم منهج الله.

مقالات ذات صلة مخاطر التهجير بين التهوين والتهويل 2025/01/30

مقالات مشابهة

  • تحليل كتاب د. عبد الله الفكي البشير عن محمود محمد طه وربطه بالسياق الفكري والسياسي الحالي
  • شراكة استراتيجية.. أحمد موسى: مكالمة الرئيس السيسي وترامب كانت حوارا إيجابيا بينهما
  • أزهري: "الهم في قصة سيدنا يوسف لا يؤاخذ به لأنه حديث نفس"
  • مصرع شاب إثر اعتداء آخرين عليه فى بورسعيد
  • إشراقات من مسيرته الجهادية ومشروعه القرآني: أبرز ملامح شخصية الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي
  • في الذكرى السنوية للشهيد القائد: المشروع القرآني دستور ومنهاج حياة أحدث تغييراً جذرياً على أرض الواقع
  • محافظ الإسماعيلية ورئيس هيئة قناة السويس يفتتحان مسجد "الكريم" بمساكن القرش بالإسماعيلية
  • "ربيع وجلال ومندور" افتتحوا مسجد "الكريم" بمساكن القرش بالإسماعيلية
  • خالد عمر يوسف يؤكد معارضة حزبه للحكومة الموازية
  • تأملات قرآنية