وداعاً كمال الجزولي
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
وداعاً كمال الجزولي
عمر الدقير
كأنّنا على موعدٍ مع متوالية رحيل الأحبة والأحزان.. فقد أغمض الأستاذ كمال الجزولي عينيه وغفا غفوته الأخيرة مُرتحِلاً إلى حيث لا وجه إلّا وجه ربك ذي الجلال والاكرام. لكنه قال كلمته قبل أن تصطاده مخالبُ المنايا ويرحل، قالها عبر مسيرٍ باذخٍ ونافع في فضاءات النضال السياسي والانجاب الفكري والإبداع الشعري والمهنية القانونية الرفيعة الموسومة بالدفاع عن حقوق الانسان.
كان كمال الجزولي مثقفاً حُرّاً قبل أن يكون فاعلاً سياسياً لكنه لم يباعد المسافة بين المَوقِعَيْن.. ردم الفجوة بين الرأي والموقف وبين الثقافة والسياسة، لم يرهن الرأي والموقف لترهيبٍ أو ترغيب من سلطة استبدادية أو غوغاء اجتماعية، ولم يساوم على الثقافة والفكر لصالح السياسة وأحابيلها.
بجانب انحيازه لحقِّ شعبه في الحرية والعدالة الاجتماعية، كان الفقيد منحازاً لفكرة العدالة الانتقالية ومأخوذاً بنبل كلمات نيلسون مانديلا الشهيرة التي وصف بها لحظة خروجه من السجن: “بينما كنت أخطو إلى خارج زنزانتي، نحو البوابة التي ستقودني إلى الحرية، أدركت أنني لو لم أترك مراراتي خلفي فإنني سأظل سجيناً للأبد”، وتبعاً لذلك كتب وحاضَر – قبل الثورة وبعدها – عن ضرورة إطلاق عملية شاملة للعدالة والعدالة الانتقالية لإنصاف الضحايا ومداواة الجراح، والقطيعة النهائية مع إرث الماضي المثقل بالظلم والمرارات وتَجاوُزِهِ نحو مستقبلٍ واعدٍ بالأحسن في وطنٍ للجميع.
أسعدتني الأقدار بمعرفته في أول لقاءٍ لنا بسجن دَبَكْ أيام انتفاضة أبريل المجيدة- ولاحقاً في سجون النظام المباد في كوبر وسواكن وبورتسودان- ونَمَتْ بيننا صداقةٌ، رغم فارق السن، عامرة بالمحبة والاحترام، وتشرفت بطلبٍ منه أن أكون ضيفاً على رزنامته الشهيرة التي افترع بها فناً من فنون الكتابة الصحفية الشيقة .. ربما يصفه البعض بأنه كان حادّاً وراديكالياً في المواقف، لكنها راديكالية المثقف الملتزم حين تتداعى الأشياء وتُحْذَف الشعرة الدقيقة الفاصلة بين التسامح والاستسلام وتصبح السقوف الخفيضة بديلاً للشرفات العالية.. ومع ذلك كان ريحانةً في المجالس يعطرها بالطرفة وأحاديث الثقافة والأدب والفن والسياسة.
كان كمال كاتباً مجوِّداً جزل العبارة وشاعراً مبدعاً يصوغ المعاني مشرقات، وإنْ أنسَ فلن أنسى تلك الليلة شديدة الرطوبة، في سجن سواكن، حين صحوت في منتصفها ووجدته واقفاً بمفرده قبالة الحائط المطل على البحر الأحمر، وبقية الرفاق نيام، فناداني وأسمعني مقطعاً من قصيدة – فرغ من نظمها للتو – يقول فيه:
وأنا لا أُبْصِرُ البحرْ ..
بحرَ العقيقِ الأُجاجْ ..
الذي ألْغَتْهُ من عيني ..
هذي الحوائطُ الصّمّاءْ ..
غير أني أحِسُّ أمواجَهُ ..
برغمِ السُّورِ في صدري وخاصرتي ..
وأحِسُّ زُرْقَتَهُ العميقةَ في شراييني ..
ولَسْعَهُ المِلْحِيَّ في شفتي ..
فمن ذا سيلغي المِلْحَ والزُّرْقَةْ ..
أو من تُراهُ سيلغي الآنَ ذاكرتي؟!
برحيل الأستاذ كمال الجزولي أُدْرِجَ في الكفن الأبيض رجلٌ ميراثه أخضر.. ولئن كان رحيله الموجع – في أيام الرُّصَاص والتشريد هذه – يجعل حياتنا أكثر حزناً وجفافاً، فإنه سيبقى بيننا وبعدنا بميراثه الأخضر اليانع.
نسأل الله الكريم أن يشمله بالرحمة والمغفرة، وأن يُوسِّع له في مراقد الصالحين .. العزاء لزوجته د. فايزة وابنه أُبَيْ وابنته أروى وكل الأسرة، ولزملائه في الحزب الشيوعي وأصدقائه ورفاقه في العمل العام.
6 نوفمبر 2023
الوسومالسودان الشعر عمر الدقير كمال الجزولي كوبرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان الشعر عمر الدقير كمال الجزولي كوبر کمال الجزولی
إقرأ أيضاً:
أسامة كمال: عملية 7 أكتوبر 2023 صفعة قوية وتدمير لأكذوبة الموساد
قال الإعلامي أسامة كمال، أن عملية 7 أكتوبر ٢٠٢٣ صفعة قوية وتدمير لأكذوبة الموساد أقوى جهاز مخابرات في العالم، بحسب ما نشره عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وقال الإعلامي أسامة كمال، مقدم برنامج "مساء دي أم سي"، إن هناك أساطير اتقالت لنا وعشناها وشوفنها تتهاوى أمامنا في مرة 6 أكتوبر ومرة أخرى في 7 أكتوبر ومرات أخرى عديدة، مشددًا على أن الأمر ليس بطولة لكنه فكر وتفكير وعمل ومثابرة.
ووجه أسامة كمال، خلال تقديم برنامج مساء دي أم سي"، المُذاع عبر شاشة “دي أم سي”، رسالة للجميع، :"لا تصدق أن الجبل مرتفع ولا يمكن تسلقه وهذا ليس صحيح".
واستعرض مقولة للفيلسوف والطبيب الدكتور مصطفى محمود، :"نحن مصنوعون من الفناء.. ولا ندرك الأشياء الا في لحظة فنائها نشعر بثروتنا حينما تفر من يدنا ونشعر بصحتنا حينما نخسرها ونشعر بحبنا عندما نفقده"، موضحًا أن هذا الكلام صحيح جدًا وحقيقي ومهما كان الحمد كل الحمد والشكر غير كافي.
وشدد على أن أسوء ما يصيب الإنسان أن يفقد شهيته في القول والضحك وإظهار ردات الفعل، قائلًا: "متعبرهمش لما يكذبوا عليك متهتمش بيهم لما يحاول يوقعوك وابحث عن النعم اللي بين أيدك.. هما مش هيبطلوا وانت لازم متتوقفش عندهم".
وأوضح أنه لابد أن نبحث عن الأفضل لأننا أفضل ونتمسك بابتسامة الأمل حامدين شاكرين، مشددًا على أنه نحتاج أن نكون أكثر حمدًا لله ونبحث عن الأفضل لنا ولأسرتنا.
وفي وقت سابق، أكد الإعلامي أسامة كمال، مقدم برنامج "مساء دي أم سي"، أن هناك العديد من العمليات الصعبة التي تجرى في مستشفيات قطاع غزة ولابد من وصول المساعدات والإمدادات الطبية إلى القطاع لتسهيل تلك هذه العمليات، موضحًا أن جراحات العظام عندما تتم في الظروف الطبيعية تستوجب فترة من الاستشفاء وليس علاج بسيط، وهي عملية في منتهة الصعوبة.