صحيفة التغيير السودانية:
2024-11-08@14:43:30 GMT

وداعاً كمال الجزولي

تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT

وداعاً كمال الجزولي

وداعاً كمال الجزولي

عمر الدقير

كأنّنا على موعدٍ مع متوالية رحيل الأحبة والأحزان.. فقد أغمض الأستاذ كمال الجزولي عينيه وغفا غفوته الأخيرة مُرتحِلاً إلى حيث لا وجه إلّا وجه ربك ذي الجلال والاكرام. لكنه قال كلمته قبل أن تصطاده مخالبُ المنايا ويرحل، قالها عبر مسيرٍ باذخٍ ونافع في فضاءات النضال السياسي والانجاب الفكري والإبداع الشعري والمهنية القانونية الرفيعة الموسومة بالدفاع عن حقوق الانسان.

. لم يكن مسيراً سهلاً، إذ تخللته معاناة السجون والملاحقات، وعناء الكدح المعرفي و”شقاء الوعي”.. لكأنّ نعشه المحمولَ على أعواد المنايا إلى المثوى الأخير كان يتردد حوله قولُ أعمى المعرّة البصير: “ضَجْعَةُ الموتِ رقدةٌ يستريحُ الجسمُ فيها، والعيشُ مثلُ السُّهادِ”.

كان كمال الجزولي مثقفاً حُرّاً قبل أن يكون فاعلاً سياسياً لكنه لم يباعد المسافة بين المَوقِعَيْن.. ردم الفجوة بين الرأي والموقف وبين الثقافة والسياسة، لم يرهن الرأي والموقف لترهيبٍ أو ترغيب من سلطة استبدادية أو غوغاء اجتماعية، ولم يساوم على الثقافة والفكر لصالح السياسة وأحابيلها.

بجانب انحيازه لحقِّ شعبه في الحرية والعدالة الاجتماعية، كان الفقيد منحازاً لفكرة العدالة الانتقالية ومأخوذاً بنبل كلمات نيلسون مانديلا الشهيرة التي وصف بها لحظة خروجه من السجن: “بينما كنت أخطو إلى خارج زنزانتي، نحو البوابة التي ستقودني إلى الحرية، أدركت أنني لو لم أترك مراراتي خلفي فإنني سأظل سجيناً للأبد”، وتبعاً لذلك كتب وحاضَر – قبل الثورة وبعدها – عن ضرورة إطلاق عملية شاملة للعدالة والعدالة الانتقالية لإنصاف الضحايا ومداواة الجراح، والقطيعة النهائية مع إرث الماضي المثقل بالظلم والمرارات وتَجاوُزِهِ نحو مستقبلٍ واعدٍ بالأحسن في وطنٍ للجميع.

أسعدتني الأقدار بمعرفته في أول لقاءٍ لنا بسجن دَبَكْ أيام انتفاضة أبريل المجيدة- ولاحقاً في سجون النظام المباد في كوبر وسواكن وبورتسودان- ونَمَتْ بيننا صداقةٌ، رغم فارق السن، عامرة بالمحبة والاحترام، وتشرفت بطلبٍ منه أن أكون ضيفاً على رزنامته الشهيرة التي افترع بها فناً من فنون الكتابة الصحفية الشيقة .. ربما يصفه البعض بأنه كان حادّاً وراديكالياً في المواقف، لكنها راديكالية المثقف الملتزم حين تتداعى الأشياء وتُحْذَف الشعرة الدقيقة الفاصلة بين التسامح والاستسلام وتصبح السقوف الخفيضة بديلاً للشرفات العالية.. ومع ذلك كان ريحانةً في المجالس يعطرها بالطرفة وأحاديث الثقافة والأدب والفن والسياسة.

كان كمال كاتباً مجوِّداً جزل العبارة وشاعراً مبدعاً يصوغ المعاني مشرقات،  وإنْ أنسَ فلن أنسى تلك الليلة شديدة الرطوبة، في سجن سواكن، حين صحوت في منتصفها ووجدته واقفاً بمفرده قبالة الحائط المطل على البحر الأحمر، وبقية الرفاق نيام، فناداني وأسمعني مقطعاً من قصيدة – فرغ من نظمها للتو – يقول فيه:

وأنا لا أُبْصِرُ البحرْ ..

بحرَ العقيقِ الأُجاجْ ..

الذي ألْغَتْهُ من عيني ..

هذي الحوائطُ الصّمّاءْ ..

غير أني أحِسُّ أمواجَهُ ..

برغمِ السُّورِ في صدري وخاصرتي ..

وأحِسُّ زُرْقَتَهُ العميقةَ في شراييني ..

ولَسْعَهُ المِلْحِيَّ في شفتي ..

فمن ذا سيلغي المِلْحَ والزُّرْقَةْ ..

أو من تُراهُ سيلغي الآنَ ذاكرتي؟!

برحيل الأستاذ كمال الجزولي أُدْرِجَ في الكفن الأبيض رجلٌ ميراثه أخضر.. ولئن كان رحيله الموجع – في أيام الرُّصَاص والتشريد هذه – يجعل حياتنا أكثر حزناً وجفافاً، فإنه سيبقى بيننا وبعدنا بميراثه الأخضر اليانع.

نسأل الله الكريم أن يشمله بالرحمة والمغفرة، وأن يُوسِّع له في مراقد الصالحين .. العزاء لزوجته د. فايزة وابنه أُبَيْ وابنته أروى وكل الأسرة، ولزملائه في الحزب الشيوعي وأصدقائه ورفاقه في العمل العام.

6 نوفمبر 2023

الوسومالسودان الشعر عمر الدقير كمال الجزولي كوبر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: السودان الشعر عمر الدقير كمال الجزولي كوبر کمال الجزولی

إقرأ أيضاً:

مصادر طبية فلسطينية: استشهاد عدد من الجرحى في مستشفى كمال عدوان شمال غزة

قالت مصادر طبية فلسطينية، اليوم الأربعاء، إن عددا من الجرحى في مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة فقدوا حياتهم لعدم توفر إخصائيين جراحيين، إضافة إلى أن أغلب المصابين يصلون المستشفى مشياً على الأقدام، إذ لا توجد مركبة إسعاف واحدة في شمال قطاع غزة.

وأضافت المصادر، في تصريح أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقل منذ 10 أيام أغلب الكادر الطبي، ولم يتبق سوى طبيبين وبعض الممرضين، مشيرة إلى أن الكثير من الجرحى يموتون في الشوارع لعدم تمكنهم من الوصول إلى المستشفى.

وتابعت المصادر، أن عددا من الأطفال والطواقم الطبية أصيبوا بجروح يومي أمس وأمس الأول نتيجة قصف جيش الاحتلال مباني تابعة للمستشفى بشكل مباشر وعشوائي.

ولفتت إلى أنه رغم المناشدات التي أطلقتها إدارة المستشفى إلى العالم والمؤسسات الدولية والإنسانية، إلا أنها لم تحصل على أي إجابة.

وتواصل قوات الاحتلال عدوانها وجرائم الإبادة في محافظة شمال قطاع غزة، لليوم الـ33 على التوالي، عبر قصف بري وجوي مكثف، وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية لإجبار المواطنين على النزوح جنوبا.

وخلال الـ33 يوما، خلف العدوان على محافظة الشمال نحو ألف شهيد ومئات الجرحى والمعتقلين، وتدمير أحياء سكنية كاملة وتهجير آلاف المواطنين جنوبا.

ولا تزال قوات الاحتلال تمنع وصول الطواقم الطبية إلى المصابين شمال القطاع لتقديم المساعدة العلاجية لهم، في ظل توقف الخدمات الصحية وخدمات الدفاع المدني والإسعاف والطوارئ.

ارتفاع حصيلة شهداء غزة لـ 43.391 والإصابات لـ 102.347 منذ بدء العدوان الإسرائيلي

ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على غزة إلى 43374 شهيدا و102261 مصابا

ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على غزة لـ43 ألف شهيد و102 ألف مصاب

مقالات مشابهة

  • فيلم وداعا حمدي يحتل المركز الثالث في ثاني أيام عرضه.. بطولة شيرين رضا
  • كمال ماضي: المحتل الإسرائيلي يزيل قرى كاملة في الجنوب اللبناني
  • إيرادات فيلم «وداعا حمدي» تصدم أبطال وصناع العمل
  • سبب وفاة بسام صلاح بطل كمال الأجسام.. لم يحقق آخر أمنياته
  • اليوم.. دور العرض السعودية تستقبل فيلم «وداعا حمدي» لـ شيرين رضا
  • مواعيد عرض «وداعا حمدي» في سينما الشعب.. التذكرة بـ40 جنيها
  • مصادر طبية فلسطينية: استشهاد عدد من الجرحى في مستشفى كمال عدوان شمال غزة
  • بعد فشل الجزولي في تنزيل الإصلاح.. زيدان يعلن عن تصور جديد لمراكز الإستثمار
  • 3 أفلام جديدة في دور العرض المصرية..اليوم
  • "حوريات" كمال داود تفوز بجائزة غونكور الفرنسية