روى الإمام أبو نعيم في "فضائل القرآن" عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «أفْضَلُ العِبادَةِ قِراءةُ القُرآنِ».

ما المقصود بقول النبي "أفضل العبادة قراءة القرآن"؟

وقالت الإفتاء إن هذا الحديث يدلّ على أنَّ قراءة القرآن الكريم وتلاوته عبادةٌ من أفضل العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الاشتغال بقراءته أفضل من الاشتغال بجميع الأذكار إلا ما ورد بشأنه أمر خاص؛ قال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 186، ط.

مكتبة الإمام الشافعي): [(أفضل العبادة قراءة القرآن)؛ لأن القارئ يُنَاجِي ربه، ولأنه أصلُ العلوم وأُمُّها وأهمها؛ فالاشتغال بقراءته أفضل من الاشتغال بجميع الأذكار إلا ما ورد فيه شيءٌ مخصوصٌ؛ ومن ثَمَّ قال الشافعية: تلاوة القرآن أفضل الذكر العام] اهـ.

وقال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (10/ 267، ط. مكتبة الرشد): [قال الثوري: سمعنا أن تلاوة القرآن في الصلاة أفضل من تلاوته في غير الصلاة، وتلاوة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصوم] اهـ.

حكمة عدم ذكر المسيح الدجال في القرآن.. 3 أسرار توضحها الداعية فاطمة موسى عورة الرجل والمرأة في القرآن.. حدودها وما يجوز ولا يجوز لها بالتفصيل حكم تخصيص وقت بالليل لقراءة القرآن الكريم دون النهار

وفي جواب سؤال: ما حكم قراءة القرآن الكريم في الليل فقط في رمضان من أجل إتمام الورد اليومي؟ وهل يُعَدُّ ذلك هجرًا له في أوقات النهار، قالت الإفتاء إنه من الأمور المستحبة ختم القرآن الكريم خاصةً في رمضان، وقد ورد في هذا الباب الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" متفق عليه.

ويستحب أن تكون القراءة بالليل؛ لما ورد في ذلك من النصوص، منها قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ۝ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 18-15]، وقوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ۝ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الذاريات: 63-64].

وعن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ». قال سالم: فكان عبد الله رضي الله عنه بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلًا. أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما".

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما".

وشددت عليه: فقراءة القرآن الكريم بالليل من الأمور المستحبة، ولا يعد تخصيص القراءة بالليل هجرًا للقرآن الكريم في النهار.

ذكر نبوي عظيم يقال عند الرجوع من السفر الحكمة من ذكر سيدنا إبراهيم فى التشهد الأخير بالصلاة فضل تعلم القرآن وتعليمه

حثَّ الشرع الشريف على تعلم القرآن وتعليمه، وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم متعلمَ القرآن ومعلِّمَه خيرَ الأمة، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» أخرجه البخاري.

قال الإمام ابن بطال في "شرح البخاري" (10/ 265، ط. مكتبة الرشد): [حديث عثمان يدل على أن قراءة القرآن أفضل أعمال البر كلها؛ لأنه لما كان مَن تعلَّم القرآن أو علَّمه أفضلَ الناس وخيرَهم دل ذلك على ما قلناه؛ لأنه إنما وجبت له الخيريةُ والفضلُ مِن أجل القرآن، وكان له فضلُ التعليم جاريًا ما دام كلُّ مَن علَّمه تاليًا] اهـ.

حكم حفظ القرآن الكريم والقدر الواجب على المسلم حفظه

تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه من الأمور المطلوبة طلبًا مؤكَّدًا في الشريعة الغراء؛ على مستوى الأمة، وعلى مستوى الفرد:

فأمَّا على مستوى الأمة: فقد أجمع العلماء على أنه يجب على المسلمين القيام على القرآن الكريم حفظًا ونقلًا وتعلُّمًا وتعليمًا، وأن حفظَ القرآنِ كلِّه وضبطَه فرضُ كفاية على مجموع المسلمين؛ إن قام به بعضهم سقط الإثم عن باقيهم، وإن تركوه جميعًا أثموا جميعًا.

قال الإمام ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 156، ط. دار الكتب العلمية): [واتَّفقوا على استحسان حفظ جميعه، وأنَّ ضبط جميعه على جميع الأمة واجب على الكفاية لا متعيِّنًا] اهـ.

وأما على مستوى الفرد: فقد أجمعوا على أنَّه يجب على المكلَّف أن يحفظ من القرآن ما يقيم به صلاته وفرضه.

قال الإمام ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 156): [واتَّفقوا على أَن حفظ شَيء من الْقُرْآن واجب، ولم يتفقوا على مَاهِيَّة ذَلِك الشَّيء وَلَا كميته بِمَا يُمكن ضبط إجماع فِيهِ، إلَّا أَنهم اتَّفقُوا على أَنَّ مَن حفظ أمَّ الْقُرْآن ببِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كلها وسورة أُخْرى معها فقد أدَّى فرض الْحِفْظ وَأَنه لَا يلْزمه حفظ أَكثر من ذَلِك] اهـ.

وقال العلامة ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2/ 33، ط. عالم الكتب): [عن أبي عبد الله قال: والذي يجب على الإنسان من تعليم القرآن والعلم ما لا بد له منه في صلاته وإقامة عينه، وأقل ما يجب على الرجل من تعلم القرآن فاتحة الكتاب وسورتان. كذا وجدته، ولعله: وسورة، وإلا فلا أدري ما وجهه! مع أنه إنما يجب حفظه ما بلغ أن يجزئه في صلاته وهو الفاتحة؛ خاصة في الأشهر عن أحمد] اهـ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: القرآن قراءة القران الكريم أفضل العبادات صلى الله علیه وآله وسلم قراءة القرآن الکریم قال الإمام ابن على مستوى رضی الله م القرآن ه وآله ى الله ع الله عن یجب على أفضل من وا على على أن

إقرأ أيضاً:

حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع.. الإفتاء توضح

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها وذلك عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع؟ فهناك رجلٌ يعمل في تجارة الأجهزة الكهربائية.

 واعتاد بعضُ الناس معاملتَه بدَفْع عربونٍ غير مُستَرَد عند شراء السلعةِ على ذمَّة إتمام البيع وسداد باقي الثمن، مع استلامِ مُستندٍ تِجَاريٍّ (فاتورةٍ) بذلك، فهل يجوز له التصرف فيما يقبضه منهم كعربونٍ على بعض السلع قبل إتمام البيع وتسليم تلك السِّلَع؟". 

لترد دار الإفتاء موضحة: أن العُربون المدفوع للبائع مِن قِبَل المشتري من حين إبرام عقد البيع بينهما تنتقل مِلكيته إلى البائع بمجرد استحقاقِه إياه وقبضِه من المشتري بأصل العقد المشتمل على شرط العُربون، سواءٌ أكان جزءًا مِن ثمن السلعةِ إذا تم البيع، أم مقابِلًا لعُدُول المشتري عن الشراء، ويجوز للبائِع التصرف في ذلك العُربون بكافة أنواع التصرف كسائر أملاكه.

دعاء شهر ذي القعدة.. ردده تغفر ذنوبك وتوفق للخيرعلي جمعة: المفتي الماجن أخطر من الجاهل الصريح لأنه يدعو إلى فتنة تفسد المجتمع كلهبيان المراد بالعربون ومحله من العقد

جَرَت سُنَّةُ الله في الناس أن البيع والتجارةَ مِن أعظم أبواب الرِّزق والاكتساب، وهي مشروعةٌ إذا ما رُوعِيَت أركانها وشروطها الشرعيَّة، ولم تتعارض مع المقاصد المرعيَّة، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].

و"العُرْبُون": لفظٌ معرَّبٌ، وقيل: إنَّه مشتَقٌّ مِن التعريب الذي هو البيان؛ لأنه بيانٌ للبيع، والواردُ عن العرب فيه ضَمُّ أوَّلِهِ، إلا أنَّ فَتْحَها مشهورٌ على ألسِنَة الناس، وهي لغةٌ عامِّيَّةٌ صَرَّح بعضُهم بمنعِهَا لغةً، كما في "تاج العروس" للعلامة المُرْتَضَى الزَّبِيدِي (3/ 350-351، ط. دار الهداية).

والمراد به في البيع: ما يُقدَّم دَفعُهُ مِن الأموال، على أنه إن أخذ المشتري السلعةَ احتُسِبَ مِن الثَّمَن، وإن لم يأخذها فهو للبائع، كما في "المغني" للإمام موفَّقِ الدِّين ابن قُدَامَة (4/ 175، ط. مكتبة القاهرة).

فالعُربون هو ما يكون مقترنًا بالعقد وليس متقدِّمًا عليه، أمَّا ما يدفعه أحد الناس لغيره قبل أن يتعاقدا على بيعٍ أو شراءٍ فلا يخرج عن حدود الأمانةِ المقرَّرِ صيانتُها وحِفظُها شرعًا لحقِّ صاحبها، ولا يجوز التصرف فيها حينئذٍ بحالٍ من الأحوال؛ إذ "(الأمانة) هي كلُّ حقٍّ لَزِمَكَ أَدَاؤُهُ (إلى مَن ائتمنك) عليها"، كما قال الإمام زين الدين المُنَاوِي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 52، ط. مكتبة الإمام الشافعي).

الغرض من العربون وحكمه

الغَرَض من العُربون المُضمَّن في الصورة التعاقدية -محل السؤال- إمَّا حفظُ الحقِّ لكلٍّ مِن المتعاقدَين في العُدُولِ عن العَقدِ، وذلك بأن يَدفع مَنْ يُريد العُدُول قدرَ هذا العُربون للطَّرفِ الآخر، وإمَّا تأكيد العقد والبتُّ فيه عن طريق البدء في تنفيذه بدفع العُربون، كما أفاده العلامة عبد الرزاق السَّنْهُورِي في "مصادر الحق" (ص: 93، ط. معهد الدراسات العربية العالية).

وبيع العُربون على النَّحو المذكورِ جائزٌ شرعًا على ما ذهب إليه الحنابلة في المعتمد -خلافًا للإمام أبي الخَطَّاب الكَلْوَذَانِي-، وَهوَ مِن مُفرَدَاتِ المَذهَب دونًا عن المذاهب الثلاثة الأخرى، كما في "الإنصاف" للإمام علاء الدين المَرْدَاوِي (4/ 357-358، ط. دار إحياء التراث)، وممن أجازه مِن الصحابة الكرام وأمضاه: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وابنُه عبد الله رضي الله عنهما، وأجازه من التابعين: سعيد بن المُسَيِّب، ومحمد بن سِيرِين، ومجاهِد بن جَبْر، كما في "المصنف" للإمام ابن أبي شَيْبَة، وهو المختار للفتوى.

ودليلُه: ما ذكره الإمام البخاري في "صحيحه" معلَّقًا -ووصله الحافظ ابن حَجَرٍ العَسْقَلَانِي في "تغليق التعليق" (3/ 326، ط. المكتب الإسلامي) - قال: "وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ".

فهو بيع عُربُونٍ تُوقِّفَ في إمضائه على إذنِ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصفته الحاكم وولي الأمر، وهو ما لم يَخْفَ عن مَرأى ومَسمَعِ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يَثبُت أنه أَنكَر عليه ذلك منهم أحدٌ.

قال الإمام موفق الدين ابن قُدَامَة في "المغني" (4/ 175): [العُربون في البيع.. قال أحمد: لا بأس به، وفَعَلَه عُمر رضي الله عنه، وعن ابن عُمر أنَّه أجازه، وقال ابن سيرين: لا بأس به، وقال سعيد بن المُسَيِّب وابن سِيرِين: لا بأس إذا كَرِهَ السلعةَ أن يرُدَّها يَرُد معها شيئًا، وقال أحمد: هذا في معناه، واختار أبو الخَطَّاب أنه لا يَصِح] اهـ.

موقف القانون المصري من بيع العربون

جواز بيع العُربون بالصورة المذكورةِ هو ما أخذ به القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948م، وتعديلاته الصادرة في 16 يوليو لسنة 2011م، حيث نصَّت المادة رقم 103 منه على أن: [دفع العُربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكلٍّ مِن المتعاقدين الحق في العدول عنه، إلَّا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك] اهـ.

حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع

عقد البيع مِن عقود المعاوضة، وهو ما "اجتمعتِ الأمة على كونه سببًا لإفادة المِلك"، كما قال حُجة الإسلام الغَزَالِي في "الوسيط" (3/ 3، ط. دار السلام)، واشتمال البيع على دفع العُربون مُؤْذِنٌ بأنه داخلٌ في مِلكِ البائع بطريق المعاوَضة السَّارية في طبيعة ذلك العقد؛ إذ "الالتزام بدفع قيمة العُربون المترتِّب في ذمَّة الطَّرف الذي عدل عن العقد ليس تعويضًا عن الضَّرَرِ الذي أصاب الطرف الآخَر مِن جرَّاء العُدول... والعُربون بدلٌ مستحقٌّ بالعقد"، كما قال العلامة عبد الرزاق السَّنْهُورِي في "مصادر الحق" (2/ 94-95).

ومِن ثَمَّ فما دام البائع قد تسلَّم المال مِن المشتري على سبيل العُربون المُضَمَّن في العقد فإنه بذلك يكون قد انتقل إلى مِلكِهِ؛ إذ استحقاق البائع للعُربون ثابتٌ بالعقد المشتَمِل على ذلك الشرط والمكتسِب صفةَ اللزوم وفقًا لِمَا تمَّ بينه وبين المشتري من تعاقُدٍ وتَرَاضٍ منهما على ذلك بإرادةٍ كاملةٍ.

والوفاء بالشروط حَتْمٌ لازمٌ؛ لقول الله تعالى في مُحْكَمِ التنزيل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، ولِمَا أخرجه الإمام الترمذي من حديث عمرو بن عَوْف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ.. الحديث».

كما أن بيع العربون وإن كان قريبًا مِن خيار الشرط من حيث إمكانية العدول عن الصفقة إلا أنه مختلفٌ عنه، فمَنْعُ البائع مِن التصرف في الثمن قبل لزوم العقد في حالةِ خيار الشرط عِلَّتُهُ بقاءُ شيءٍ مِن تعلُّقِ حقِّ المشتري بالثمن؛ "لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَلَمْ تَنْقَطِعْ عَلَقُهُ عَنْهُ فَيَتَصَرَّف فِيهِ الْبَائِعُ"، كما قال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي في "كشاف القناع" (3/ 241، ط. دار الكتب العلمية)، وهذه العِلَّة في التحريم غيرُ حاصلةٍ في مسألةِ العُربون؛ إذ يستحقه البائعُ بنفس العقد كما مَرَّ، وتنقطع عَلَقُه عنه بكلِّ حالٍ بمجرد التعاقد على دفع العربون وتسليمه للبائع، فلا يَستَرِدُّه إن عَدَلَ عن الشراء، على عكس خيار الشرط، وحيث انتفت عِلَّة مَنْع البائع مِن التصرُّف انتفى الحكم؛ لما هو مقرَّرٌ في الشرع الشريف أن "الحُكمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا"، كما قال الإمام شمس الدين الزَّرْكَشِي في "شرح مختصر الإمام الخِرَقِي" (3/ 504، ط. مكتبة العبيكان).

ولَمَّا ثبتت المِلكيَّة للبائع فمعلومٌ أن مقتضاها وفقًا للقواعد العامة في الشريعة الإسلامية هو حرية التصرف المشروع في الشيء المملوك، فمَن مَلَك شيئًا أُبِيحَ له التَّصرُّف فيه من غير شرطٍ ولا قيدٍ.

قال الإمام شهاب الدين القَرَافِي في "الفروق" (3/ 216، ط. عالم الكتب): [المِلك: إباحةٌ شرعيَّةٌ في عينٍ أو منفعةٍ تقتضي تمكُّن صاحبها مِن الانتفاع بتلك العين أو المنفعة أو أخذ العِوَض عنهما] اهـ.

وقال العلامة محمد قَدْرِي باشا في "مُرشِد الحيران" (ص: 4، ط. الأميرية): [(مادة 11) المِلك التام مِن شأنه أن يَتصرَّف به المالكُ تصرُّفًا مُطلَقًا فيما يَملِكُه عَينًا ومَنفعة واستغلالًا، فينتفع بالعين المملوكة وبِغَلَّتِها وثمارها ونِتَاجِها، ويَتصرَّف في عينها بجميع التصرفات الجائزة] اهـ. فيحقُّ للبائع التَّصرُّف في العربون من حين قبضِهِ له كسائر أملاكه.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالعُربون المدفوع للبائع مِن قِبَل المشتري من حين إبرام عقد البيع بينهما تنتقل مِلكيته إلى البائع بمجرد استحقاقِه إياه وقبضِه من المشتري بأصل العقد المشتمل على شرط العُربون، سواءٌ أكان جزءًا مِن ثمن السلعةِ إذا تم البيع، أم مقابِلًا لعُدُول المشتري عن الشراء، ويجوز للبائِع التصرف في ذلك العُربون بكافة أنواع التصرف كسائر أملاكه.

طباعة شارك حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع الإفتاء العربون

مقالات مشابهة

  • هل يجب على المسلم حفظ القرآن الكريم كاملاً؟.. دار الإفتاء توضح
  • لماذا نذكر سيدنا إبراهيم بالتشهد الأخير دون غيره من الأنبياء؟.. الإفتاء توضح
  • حكم المطالبة بزيادة ثمن سلعة بعد إتمام البيع.. الإفتاء تجيب
  • الفضالي يكرم الفائزين بمسابقة القرآن الكريم بجمعية الشبان العالمية بمطروح
  • هل ثبت عن النبي الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة؟.. الإفتاء توضح
  • المفتي يحذر من تداول نسخة من القرآن الكريم
  • أفضل الصدقة التي أخبر عنها النبي .. اغتنمها
  • ما حكم وضع اليد على الآية عند قراءة القرآن من المصحف؟.. الإفتاء تجيب
  • حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع.. الإفتاء توضح
  • أذهب لأداء حج النافلة أم أسدد ديني؟ .. دار الإفتاء تجيب