ماذا يحدث في غزّة؟
إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة #المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها #الشعب_الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل #الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
سلمى مختار أمانة الله من المغرب تكتب لنا من زاويتها “ماذا يحدث غزة”؟
طوفان الأقصى: نقطة إلى السطر
سلمى مختار أمانة الله/ كاتبة من المغرب
طوفان الأقصى نقطة إلى السطر، هكذا سمعت التاريخ يردد مع الخبر العاجل وشريطه الأحمر الذي لم ينفصل عن الشاشات منذ اتصاله بالطوفان المبارك.
لم أحتج يوم السابع من أكتوبر المجيد أن أتأكد من صحة الخبر ولم يخطر ببالي أن أثريت أو أشكك أو أقمع صرخة الفرح التي شقت صدر دهر الهزيمة والانكسار الطويل. لم أصغِ لغير زغاريد الأمل وهي تقمِّط بفرح الأمهات والجدات مولود النصر الفتي، ولم أسمع غير تكبيرات خشوع مهيبة يردِّدها في أذنه الصغيرة شيخ سبعيني ولد قبل النكبة بأيام قليلة. كانت تصلني بوضوح ذبذباتها بقعر نفس أعيتها الخيبات وخربتها توالي الانتكاسات.
1- سقوط الأقنعة:
فمن يظن أن الحياة تستطيع أن تستقيم في جسد هذا العالم الذي ينخر أعمدة توازنه ويشوه ملامح إنسانيته كيان صهيوني سرطاني فهو واهم. من يصدق احتمال إيجاد حلٍّ لتعايش سلميٍّ مع صناع الحروب ولا سلم فهو إما مغيَّب أو مستغبٍ. من لا يزال يؤمن ويثق بالمعاهدات والمواثيق والقوانين والمنظّمات الدولية وحقوق الإنسان فهو إما مخدر أو مبرمج أو كلاهما معا. أما الدليل الفاضح الذي أسقط القناع عن زيف العالم ونفاقه وأظهر بشكل مخجل مدى ضحالة هذه الحضارة التي تشدق بها الغرب طويلا وسوقها كأنها الملاذ الأخير وطوق النجاة الوحيد لنصدم بأنها لم تستطع حتى أن ترفع يدها لتحمي الأطفال والنساء والمدنيين والمستشفيات والمساجد والكنائس من كل هذا الهجوم الوحشي بل بالعكس هبت أغلب الدول الكبرى في مساندة غير مشروطة المحتل الغاشم بل ومنحته شيك على بياض ليملأه بالرقم الذي يراه مناسبا من القتلى والجرحى والمنكوبين. مدنيون عزل أغلبهم من النساء والأطفال يُقصفون على مدار الساعة داخل سجنهم الضيق في عطش وحشي للدماء لم يعرفه العالم منذ الحروب العالمية يحدث هذا أمام أعين الجبناء والمنبطحين.
ثم بعد كل هذه المجازر والانتهاكات لأبسط الحقوق الإنسانية وهو الحق في الحياة بعد كل سنوات الحصار والتضييق نجد من يخرج علينا اليوم بوجه مكشوف وضمير مستتر ليقلب المفاهيم ويشكك في نوايا المقاومة الباسلة ويخلط الحابل بالنابل وينفس عن حقد دفين مدفوع الثمن.
2- صمت المؤثرين وصمت الأنظمة العربية:
مؤلم ومحزن معا أن يخذلنا المثقف والفنان والاعلامي والعالم والحقوقي على من سنعول لرتق كل هذا الخراب وإخراجنا من ضيق الواقع إلى فسحة الأمل إذا خذلنا هؤلاء؟!
صمت المبدع الحر أثقل علينا جميعا من صمت السياسي المطبع.
أما صمت الأنظمة العربية إلا من طلبات محتشمة لضرورة وقف الحرب وفتح المعابر للمساعدات الإنسانية كأن على رؤوسهم المطأطئة طير يأكل منها بنهم. لا هذه ليست حربا يا أصحاب الجلالة والسمو والفخامة. الحرب جيوشكم النائمة في الثكنات وأسلحتكم الباهظة التكلفة أولى بها. فالعدو لا يوجد في فلسطين فقط ولا يدنس المسجد الأقصى فقط. العدو على أبوابكم أيها السادة بل هو داخل مطابخكم يصنع بدلا عنكم القرارات والبرامج المستقبلية بل إنه يوجد حتى في غرف نومكم يعبث بهيبتكم المفقودة وزعامتكم الغائبة.
3- شكرا أهل غزة:
شكرا طوفان الأقصى، شكرا أهل غزة العزة لقد قدمتم للعالم درسا عصيا على الإدراك، موغلا في الصدق متصالحا مع السمو والصبر والنبل والشهامة والعطاء، لقد لخصتم فلسفة دينكم الحنيف في سلوك مبهر أخجل كل من لا زالت تسري في شرايينه قطرات من الإنسانية ووحد أحرار العالم وجعلهم يصطفون في خشوع من خلفكم.
النصر حليفكم أهل غزة العزة طال الزمن أو قصر لأنّه وعد الله الذي لا يخلف. وعلى هذه الأرض، أرض غزة ما يستحق الحياة فعلا وبشدة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: المجازر الشعب الفلسطيني الاحتلال ماذا یحدث
إقرأ أيضاً:
ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.
ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.
هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.
فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.
لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.
أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.
وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟
في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.
إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.
لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري