سلطنة عمان تدعو لتحقيق مستقل حول العدوان ومحاكمة إسرائيل
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
– أكدت الالتزام بالحلول السياسية المستندة إلى الحوار وسيادة القانون الدولي
– بدر بن حمد: العنف ليس حلا وهو ما ندينه بشدّة لأن الضحايا غالبا ما يكونون من الأطفال والمدنيين
مسقط ـ العُمانية: دعا معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزيرُ الخارجية المجتمع الدولي إلى إجراء تحقيق مستقلّ حول العدوان الإسرائيلي ومحاكمته على استهدافه المتعمّد للمدنيين في قطاع غزة ومنشآتهم وحرمانهم من احتياجاتهم الإنسانية وتجويعهم وإخضاعهم للحصار والعقاب الجماعي.
وأكد معاليه في تصريح خاص لوكالة الأنباء العُمانية على أن سلطنة عُمان ملتزمة بالحلول السياسية المستندة إلى الحوار وسيادة القانون الدولي وضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف الحرب على غزة وردع إسرائيل لانتهاكها القانون الدولي واستمرار عملياتها العسكرية في قتل المدنيين داخل القطاع وهدم المنشآت والمباني والأحياء المدنية في جميع الأراضي الفلسطينية.
وقال معاليه: «اعتقادي الأكيد هو أن العنف ليس حلًّا، وهو ما ندينه بشدّة لأن الضحايا غالبًا ما يكونون من الأطفال والمدنيين. وإذا تذكّرنا التجارب التاريخية السابقة نرى وبكل تأكيد استحالة تحقيق حلّ عسكريّ للقضية الفلسطينية أو للصراع العربي الإسرائيلي. نعم هناك حركات موجودة أو منظمات لمقاومة الاحتلال وهذا حقٌّ مشروع لها، ولكن إذا أردنا حلًّا نهائيًّا عادلًا فهذا لا يتأتّى عسكريًّا وإنما يكون عبر السُّبل السلمية، أي أن الحلّ الممكن والمستدام يكمن في الحلول السياسية والحوار والالتزام القوي والمشترك بتحقيق السلام. وسلطنة عُمان ـ كما هو الحال دائمًا ـ ملتزمة بالحلول السياسية المستندة إلى الحوار وسيادة القانون الدولي».
وأضاف معاليه أنّ ما يترتب على الهجمات والعمليات العسكرية على قطاع غزة «الاستمرار في مواجهة هذه الممارسات والأعمال الإسرائيلية اللاإنسانية وذلك بإعلاء قيمنا والتمسك بأخلاقنا الإنسانية الرافضة للقتل والتدمير والاعتداء على الأطفال والمدنيين والاستمرار في ممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية والقانونية وتوظيف صوت الحق الدامغ ولغة العقل وقوة المنطق أمام العدوان الإسرائيلي الظالم في قتله المدنيين العُزّل وتدمير منشآتهم ومساكنهم وحرمانهم من الماء والغذاء والوقود والدواء. وأودّ أن أقول إنه على وسائل الإعلام مسؤولية التعاطي مع الوضع بموضوعية ومصداقية وإيصال الصوت العادل للعالم ومخاطبة الضمير الإنساني في كل مكان. وفي النهاية لابد للحقّ أن ينتصر وللظّلم أن ينحسر».
وشدّد معاليه على دور والتزام المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، ومجلس الأمن التابع لها حيث إن قيمة التفاعل الدولي البنّاء تكمن في حماية حقوق المدنيين في السِّلم والحرب، ولذلك فإن الإمكانات الهائلة للأطُر العالمية كفيلة بتهيئة الظروف اللازمة لوقف الصراع وتبنّي الحلول السلمية له.
واعتبر معاليه أن العمل العسكري الحالي لإسرائيل لا يعدّ إجراءً ضروريًّا للدفاع عن النفس، فجميع الدول تُدين وتستنكر استهداف المدنيين مهما كانت جنسيات ساكنيها، لأن ذلك يتعارض مع سائر القيم التي نؤمن بها… مؤكدًا على أن «الرد الإسرائيلي مفرط للغاية ومبالغ فيه بشكل صارخ، وخاصة استهداف المدنيين. وهنا يجب أن لا ننسى أيضا أن الشعب الفلسطيني لديه الحق كذلك في الدفاع عن نفسه».
وبيّن معاليه أن» التهجير القسري للمدنيين في شمال قطاع غزّة ودفعهم للانتقال جنوبًا، يُعتبر على نطاق واسع تمهيدًا للإبادة الجماعية وفقًا للمادة الثانية من اتفاقية عام 1948 بشأن منع ومعاقبة الإبادة الجماعية».
وحصار غزة الذي يمنع المدنيين من الحصول على المياه والكهرباء والطعام والوقود فعلٌ غير قانوني ويمكن أن يعدّ من جرائم الحرب، وأن هذه التدابير الجماعية محظورة بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف.. لافتًا إلى أن التاريخ علّمنا أن «الدفاع عن النفس» لا يمكن أن يبرّر الإبادة الجماعية أو العقاب الجماعي واستهداف الأبرياء من المدنيين، كما أن منع وصول المساعدات الإنسانية للسكان جريمة بموجب القانون الدولي».
وحول الخطوات الفورية التي يجب اتخاذها وضّح معاليه أن سلطنة عُمان ترى أنه على المجتمع الدولي التدخل لوقف هذه الحرب على غزة وردع إسرائيل في انتهاكها القانون الدولي واستمرار عملياتها العسكرية لقتل المدنيين داخل قطاع غزة وهدم المنشآت والمباني والأحياء المدنية.. داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتثبيت هدنة تتم مراقبتها من قبل مراقبين مستقلين من الأمم المتحدة وضرورة وضع خطط عاجلة لتقديم المساعدات والاحتياجات الإنسانية المطلوبة بشكل مباشر وفوري لقطاع غزة.
وأكد معالي السّيد وزير الخارجية على أن سلطنة عُمان وشقيقاتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التزمت بدعم عمليات الإغاثة الإنسانية لقطاع غزة والوقوف الفوري على الأسباب الجذرية التي أوصلتنا إلى هذه الأزمة، والتعامل معها تباعًا.
وقال معاليه إن الأسباب الجذرية لهذه الأزمة تتمثل في أربع نقاط:
الأولى «أن إسرائيل قد احتلت بشكل غير قانوني الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة منذ عام 1967م، وهذا الاحتلال يمارس التنكيل وطرد السّكان الآمنين من مساكنهم وفرض المعاناة اليومية على الفلسطينيين في أراضيهم، ويُحْرمُ جميع الفلسطينيين واللاجئين في هذه الأراضي من حقّهم الأساسي في تقرير المصير.
والثانية: «على الرغم من الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في أوسلو عام 1993، فإن استمرار احتلال الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، قد أدى إلى التوسع الممنهج للمستوطنات غير القانونية وطرد السكان الفلسطينيين بالقوة من أراضيهم ومنازلهم دون حق، ناهيك عن سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية».
والثالثة أن «غزة تحت الحصار منذ عام 2007، وتم عزل سكانها عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، حتى أصبح القطاع يعتمد كليًّا على إسرائيل في بنيته الأساسية والإمدادات الحيوية. وأصبح 2.3 مليون نسمة من سكانها يعيشون في فقر وعزلة، وهي ظروف فرضتها إسرائيل عليهم من دون حق».
أما الرابعة فتتمثل في» أن الحكومة الإسرائيلية التي تشكّلت في عام 2022م قامت بتصعيد الظلم ضد الفلسطينيين والظلم ظلمات، ونرى كيف أن قيادات هذه الحكومة الإسرائيلية تُروّج لسياسات تستهدف السكان الفلسطينيين بشكل أكثر عدوانية وقسوة من أي وقت مضى».
وناشد معاليه المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات قوية ورادعة وعقابية أمام التصريحات الوحشية والتهديدات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين مثل تلك التي تفوّه بها وزير المالية الإسرائيلي الحالي، على سبيل المثال، بقوله «إن هناك الآن ثلاثة خيارات أمام الفلسطينيين: إما الاستعباد، أو الهجرة، أو الموت».
واستطرد معاليه قائلا: «لقد أهمل المجتمع الدولي هذه الأسباب الجذرية للصراع على مدى عقود من الزمن. وحان الوقت لتحقيق صحوة حقيقية داخل مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة وفرض قراراته وتطبيق القانون الدولي على جميع الدول دون تمييز أو ازدواجية في المعايير».
وحول تحقيق عملية سلام ناجحة في المستقبل بيّن معاليه أنه «قد يكون مبكرا الحديث بالتفصيل عن مشروع السّلام ولكن باختصار شديد أودّ أن أقول إن المطلوب في الوقت المناسب إطلاق عملية سلام ذات فعالية ومصداقية تشمل جميع الأطراف دون استقصاء أي طرف وأن هناك تجارب ودروسًا يمكن الاستفادة منها، فمثلا قد سبق لإسرائيل وحلفائها قبول فكرة الدخول في حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية في التسعينات بعد أن كانوا رافضين للتحاور بسبب اعتبارها منظمة إرهابية… وقد أدى ذلك الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية إلى انطلاق عملية السلام في ذلك الوقت.
واليوم نقول إن على إسرائيل وحلفائها أن يواجهوا الواقع الذي لا يمكن أن يتغير دون الانخراط في حوار مع جميع الأطراف بما فيها حركة حماس، ولا يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي فلسطيني إسرائيلي دون أن يشمل الحوار جميع الأطراف الأساسية. ونعتقد بأن هناك إجماعًا دوليًّا على ضرورة تحقيق السلام الشامل على أساس مفهوم حلّ الدولتين، وبالاستناد إلى القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن المعروفة والمتصلة بالقضية الفلسطينية».
وأكد معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية في ختام تصريحه لوكالة الأنباء العُمانية على أن مبادرة السلام العربية موجودة، ومازالت قائمة وقابلة للتطبيق لأنها تستند إلى القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وشاملة لأنها تعالج مشكلات جميع الأراضي العربية المحتلة تماما كما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الاولي القانون الدولی المجتمع الدولی مجلس الأمن قطاع غزة یمکن أن ا یمکن على أن
إقرأ أيضاً:
التضخم في سلطنة عمان من بين أدنى المعدلات عالميًا
أكدت وزارة الاقتصاد في بيان أن التدابير والسياسات الاستباقية لسلطنة عمان ساهمت في إبقاء معدلات التضخم عند مستوى معتدل حتى خلال ذروته عالميا في عام 2022، وكان التضخم في أسعار المستهلكين في سلطنة عمان من بين أدنى المعدلات في العالم وضمن الحدود الآمنة المستهدفة في الخطة الخمسية العاشرة 2021-2025.
ويأتي بيان الوزارة في إطار متابعة ما تنشره وسائل الإعلام حول مختلف الملفات الاقتصادية، وتقدم الوزارة توضيحا للبيانات المتعلقة بتطورات وتوجهات التضخم في سلطنة عمان والعالم والتي وردت في الاستطلاع الصحفي نشرته "عمان" بتاريخ 25 نوفمبر 2024، وتناول مستويات أسعار المستهلكين في سلطنة عمان وأشار إلى توقع زيادة في معدلات التضخم العالمي خلال الفترة المقبلة.
وأوضحت الوزارة أن ظاهرة التضخم المتفاقم عالميا ظلت موضع الاهتمام والمتابعة طوال السنوات الماضية بهدف احتواء معدلاته ضمن مستهدفات السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية لسلطنة عمان، وتجنب تفاقمه للمعدلات التي شهدتها الكثير من الدول المتقدمة والناشئة والنامية، مما أثر على نمو الاقتصاد وعلى مستويات المعيشة في هذه الدول، حيث أدى تفشي الجائحة في عام 2020 وما صاحبها من إغلاقات وقيود على الحركة والأنشطة الاقتصادية إلى مشكلات في سلاسل التوريد والإمداد وحركة التجارة العالمية وارتفاع كلفة الخدمات وأسعار الغذاء، والتي واصلت الصعود بفعل تداعيات الأزمة في أوكرانيا وتأثيراتها على أسعار الطاقة والخدمات وكلفة الشحن والتأمين، والسلع الغذائية مثل الحبوب والبذور والزيوت النباتية والحليب، وأسفرت كافة هذه التطورات عن تفاقم التضخم عالميا ليصل إلى أعلى مستوياته خلال عام 2022. وفي ظل هذه الأزمة، انعكست تأثيرات الارتفاعات العالمية على الأسواق المحلية مع استيراد الاحتياجات من السلع والمنتجات.
وأشارت الوزارة إلى أنه في الكثير من الأحيان يتولد انطباعا لدى المستهلكين بارتفاع الأسعار، بالرغم من أن البيانات الرسمية تظهر تباطؤا في معدلات التضخم. وبشكل عام، تعود أسباب هذه الظاهرة، إلى أن الكثير من الأشخاص يستخدمون كلمة التضخم للإشارة إلى أي زيادة في الأسعار. وفي الواقع، فإن التضخم يقيس المستوى العام للأسعار، وليس سعر سلعة أو خدمة بحد ذاتها، أو مجموعة مختصرة من السلع. وبالتالي، فإنه من الممكن أن يظهر معدل التضخم تباطؤا في الوقت الذي قد يكون هنالك ارتفاع في أسعار السلع والخدمات الناجمة عن ظروف العرض والطلب المتغيرة. كما قد يتشكل هذا الانطباع لدى المستهلكين نتيجة لأسباب مختلفة من أبرزها: قد يكون هناك اختلاف بين ما يشعر به الأفراد في حياتهم اليومية وما تظهره الأرقام. على سبيل المثال، قد يلاحظ المستهلكون زيادة في أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود، بينما قد لا يعكس معدل التضخم هذه الزيادات نتيجة لتراجع أو تباطؤ أسعار بقية السلع في سلة التضخم. وثانيا، يمكن أن تؤثر التجارب الشخصية على انطباعات الأفراد. فإذا كان شخص ما يواجه صعوبة في تحمل تكاليف المعيشة ناتجة عن زيادة الأعباء، فقد يشعر بأن الأسعار مرتفعة أكثر مما تشير إليه البيانات. وثالثا، قد يقوم المستهلك بتقييم مستوى أسعار بعض السلع والخدمات مقارنة بفترات زمنية طويلة كسنتين أو ثلاث سنوات، الأمر الذي يظهر ارتفاعا كبيرا مقارنة ببيانات المقارنة لعام واحد. ورابعا، قد تلعب وسائل الإعلام دورا في تشكيل هذه الانطباعات، حيث يمكن أن تركز التقارير على حالات معينة من الارتفاعات في الأسعار، مما يعزز شعور القلق لدى الجمهور.
وتشير بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن متوسط معدل التضخم وفقا للأرقام القياسية لأسعار المستهلكين في سلطنة عمان سجل نحو 1.7 بالمائة خلال الفترة من 2021-2023، وانخفض إلى ما يقل عن واحد بالمائة في نهاية عام 2023، وخلال العام الجاري 2024، بلغ معدل التضخم في أسعار المستهلكين نحو 0.8 بالمائة خلال الفترة من يناير حتى أكتوبر، وتفاوتت معدلاته بين مختلف المحافظات حيث سجل التضخم أدنى المعدلات في محافظة جنوب الباطنة بنسبة 0.4 بالمائة، وبنسبة 0.6% في محافظتي مسقط وظفار، وبنسبة 0,7 بالمائة في كلا من محافظتي الظاهرة والبريمي، و0.8 بالمائة في محافظة شمال الباطنة، في حين تم تسجيل أعلى معدل للتضخم في محافظة جنوب الشرقية بنسبة 1.9 بالمائة وفي كلا من محافظتي مسندم والوسطى بنسبة 1.6 بالمائة ومحافظة شمال الشرقية بنسبة 1.3 بالمائة ومحافظة الداخلية بنسبة 1.1 بالمائة، وبشكل عام يرتبط تفاوت معدلات التضخم على النطاق الجغرافي بعدد من العوامل من أهمها الموقع الجغرافي ونشاط الاقتصاد المحلي في كل محافظة.
ويأتي تراجع التضخم على أساس سنوي بنهاية أكتوبر من عام 2024 مقارنة مع نفس الشهر من عام 2023، في ظل استقرار الأسعار القياسية لمجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى، ومجموعة الاتصالات، ومجموعة التبغ، وتراجع الأرقام القياسية لأسعار مجموعة النقل بنسبة 2.6 بالمائة، مع ارتفاع أسعار مجموعة السلع الشخصية المتنوعة والخدمات بنسبة 4.8 بالمائة ومجموعة المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 3.5 بالمائة ومجموعة الصحة بنسبة 3.2 بالمائة، مع زيادات محدودة في مجموعات المطاعم والفنادق، والملابس والأحذية، والأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة والتعليم.
وفي أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي في نوفمبر الماضي في ختام مشاورات المادة الرابعة لعام 2024 مع سلطنة عمان، أشار التقرير إلى تراجع التضخم في سلطنة عمان إلى 0.6 بالمائة خلال الفترة من بداية العام الجاري وحتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري 2024، مقابل نسبة تضخم بلغت 0.9 بالمائة في عام 2023، لتظل معدلات التضخم في أسعار المستهلكين عند مستويات منخفضة في سلطنة عمان، وتتوقع وزارة الاقتصاد أن يظل معدل التضخم معتدلا وضمن المستهدفات على المدى المتوسط، كما تتابع الوزارة من خلال مؤشر تنافسية المحافظات تطورات التضخم في مختلف المحافظات بهدف تحديد تفاوتات الأسعار والعوامل المؤثرة على التغير في الأسعار للمساعدة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات تحد من هذه التفاوتات وتحقق توازن الأسواق والأسعار.
وأوضحت وزارة الاقتصاد أن التفاوت في أسعار السلع والخدمات في سلطنة عُمان يعكس تداخلاً متشابكاً بين مجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية، أبرزها هيكلية سلة الاستهلاك وتفاوت أنماط الإنفاق بين المحافظات، إذ تعتمد سلة الاستهلاك بشكل رئيسي على سلع وخدمات أغلبها مَحَلّي المنشأ كالمسكن والاتصالات والنقل والتعليم والمطاعم والفنادق والثقافة والترفيه والتي تتميز باستقرار أسعارها، مما يسهم في الحفاظ على ثبات المؤشر العام للأسعار.
في المقابل، تظهر التباينات في أسعار المستهلكين بصورة واضحة على مستوى المحافظات؛ حيث تسجل بعض المحافظات زيادات ملحوظة في أسعار سلع محددة تُفضي إلى تضخم إيجابي، بينما تشهد محافظات أخرى انخفاضات طفيفة. علاوة على ذلك، تلعب السلع المستوردة، دوراً متفاوتاً في التأثير على الأسعار، في حين يستمر ارتفاع أسعار مكونات أساسية مثل الغذاء والشراب والسلع الأولية. ساهم هذا التباين في تحقيق استقرار نسبي للأسعار على مستوى سلطنة عمان.
وأكدت وزارة الاقتصاد أن تعزيز الإنفاق الاجتماعي والإنفاق على الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم والإسكان أولوية حافظت عليها سلطنة عمان لتحسين مستويات المعيشة وتخفيف أعبائها وترقية الخدمات حتى إبان فترة تأثر الوضع المالي للدولة بتبعات الجائحة وتراجع أسعار النفط، حيث تم إطلاق حزمة من المبادرات الاجتماعية التي ساهمت في مساندة الفئات المتأثرة بتبعات الأزمات العالمية، وتضمنت السياسات والتدابير الحكومية التي تحد من تأثير التضخم على مستويات معيشة المواطنين تثبيت أسعار الوقود ودعم السلع الغذائية وتوسعة قائمة السلع الغذائية المعفاة من ضريبة القيمة المضافة ودعم خدمات كالنقل والمياه والكهرباء والصرف الصحي وغيرها من الخدمات. وعزز الاستقرار المالي الذي حققته سلطنة عمان الثمار التي تنعكس على تحسين مستويات الرفاه والحماية الاجتماعية ومعيشة المواطنين ودعم التنمية المستدامة وفقا لمستهدفات "رؤية عمان 2040" حيث يتوجه 30 بالمائة من حجم اعتمادات المشاريع الإنمائية للخطة الخمسية العاشرة لتعزيز الهياكل الاجتماعية بما يصل إلى 3 مليارات ريال عماني منذ بدء تنفيذ الخطة وحتى نهاية أكتوبر 2024.
ومع الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط خلال عام 2022، قضت التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بحسن استغلال الفوائض المالية التي تحققت من ارتفاع أسعار النفط وتوجيهها نحو تسريع سداد الدين وتنفيذ المشروعات التنموية وتوجيه جانب من هذه الفوائض لتخفيف أعباء تبعات الأزمات العالمية على معيشة المواطنين، وشهدت السنوات الماضية دعما مستمرا لمخصصات الميزانية العامة للدولة لبند الدعم والمساهمات الموجهة لتخفيف أعباء المعيشة وتنفيذ مستهدفات التنمية المستدامة ومواكبة تنفيذ "رؤية عمان 2040" ورفعت سلطنة عمان مخصصات بند المساهمات والنفقات الأخرى في الميزانية العامة إلى 1.931 مليار ريال عماني في عام 2022 وتم توجيه 546 مليون لدعم الكهرباء و730 مليون لدعم المنتجات النفطية و20 مليون ريال عماني لدعم السلع الغذائية، وبلغت مخصصات بند المساهمات والنفقات الأخرى 1.689 مليار ريال عماني خلال عام 2023، كما تم خلال العام الماضي تعزيز الإنفاق الاجتماعي من خلال مخصصات أسر الضمان الاجتماعي ومخصصات إعفاء عدد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من القروض، ومخصصات دعم فوائد القروض التنموية والإسكانية، وتعزيز ميزانية قطاعي الصحة والتعليم لتغطية التوسع في تقديم الخدمات، إضافة إلى رفع مخصصات الطلبة المبتعثين في الخارج بنسبة 15 – 90% وفق المستوى المعيشي في تلك الدول بسبب ارتفاع التضخم العالمي, وإضافة 150 بعثة خارجية ليصل إجمالي البعثات الخارجية إلى 550 بعثة.
ومع تطبيق منظومة الحماية الاجتماعية خلال العام الجاري، تم رفع مخصصات بند المساهمات والنفقات الأخرى في الميزانية ويبلغ عدد المشمولين بخدمات صندوق الحماية الاجتماعية الشهرية أكثر من 2.39 مليون مواطن من بينهم نحو 1.5 مليون مواطن من مختلف شرائح المجتمع يستفيدون من منافع الحماية الاجتماعية بما في ذلك منفعة كبار السن ومنفعة الأطفال، وقد وجه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- بتخصيص 72 مليون ريال عُماني ضمن الميزانية العامة للدولة، لتمويل برنامج منفعة دعم الأسرة ضمن منافع صندوق الحماية الاجتماعية، كما تم خلال العام الجاري تنفيذ ترقية أقدمية 2013 وأقدمية 2014 بإجمالي تكلفة للترقيات بلغ نحو 60 مليون ريال عماني في ميزانية العام الجاري، ويستفيد منها أكثر من 52 ألف موظف في الجهاز الإداري للدولة، ومن خلال الميزانية العامة للدولة لعام 2024 تم اعتماد نحو 2.177 مليار ريال عماني في بند المساهمات والنفقات الأخرى، وتمثل نحو 19 بالمائة من إجمالي الإنفاق، وتتضمن 560 مليون ريال عماني لبرنامج الحماية الاجتماعية، و460 مليون ريال عماني لدعم قطاع الكهرباء، و184 مليون ريال عماني لدعم قطاع المياه والصرف الصحي، و240 مليون ريال عماني للمشاريع ذات الأثر التنموي، و35 مليون ريال عماني لدعم المنتجات النفطية، و84 مليون ريال عماني لدعم قطاع النقل، و59 مليون ريال عماني لدعم قطاع النفايات، و25 مليون ريال عماني لدعم السلع الغذائية، و55 مليون ريال عماني لدعم فوائد القروض التنموية والإسكانية، و35 مليون ريال عماني لدعم قطاعات أخرى إضافة إلى 400 مليون مخصص للديون، و40 مليون ريال عماني مساهمات في مؤسسات محلية وإقليمية ودولية، كما تواصل الميزانية إعطاء الأولوية للمشاريع ذات البعد الاجتماعي مثل مشاريع التعليم والصحة والإسكان الاجتماعي، ويبلغ إجمالي المعتمد لهذه القطاعات في ميزانية عام 2024 نحو 4.8 مليار ريال عماني، بما يمثل نسبة 41 بالمائة من إجمالي الإنفاق، ودعما لقطاع التعليم، أقر مجلس الوزراء خلال العام الجاري تخصيص مبلغ إضافي 40 مليون ريال عُماني ضمن الخطة الخمسية الحالية لتسريع بناء مدارس جديدة في عدد من المحافظات.
وحول تطورات قطاع الأمن الغذائي ودورها في دعم الاكتفاء الذاتي ووفرة الإمدادات المحلية من منتجات الغذاء في سلطنة عمان، أوضحت وزارة الاقتصاد أن أنشطة الخدمات وأسعار السلع الغذائية كانت الأكثر تأثرا بتفاقم التضخم العالمي عقب تفشي الجائحة في عام 2020 وازدادت التأثيرات مع تبعات الحرب في أوكرانيا التي أثرت على سلاسل الإمداد العالمية وأسعار الغذاء، وتزامن ذلك مع بدء انطلاقة "رؤية عمان 2040" والتي ساهم تنفيذها في تطورات إيجابية واسعة ومتواصلة في تعزيز الأمن الغذائي خلال السنوات الماضية بما في ذلك زيادة الإنتاج الغذائي وتشجيع الاستثمار في صناعات الغذاء والإجراءات الاحترازية لتجنب التقلبات العالمية وتأثيرها على أسعار السلع الغذائية، حيث وسعت سلطنة عمان عمليات الاستيراد المباشر للسلع والخدمات من خلال خطوط الشحن الدولية المباشرة لمجموعة أسياد التابعة لجهاز الاستثمار العماني والتي تربط حاليا موانئ سلطنة عمان مع أكثر من 37 ميناء في 11 دولة، وتساهم في تحقيق الأمن الغذائي وتنويع مصادر الاستيراد إضافة إلى تسهيل سلاسل الإمداد من وإلى سلطنة عمان وخفض كلفة الواردات، كما أمنت سلطنة عمان الاحتياطي الاستراتيجي من الحبوب لفترات طويلة مع تشغيل صوامع تخزين الحبوب بصحار بطاقة تخزينية تبلغ 160 ألف طن، وهناك تقدم متواصل في قطاع الأمن الغذائي من خلال تحسين مؤشرات الاكتفاء الذاتي وزيادة حجم الإنتاج الزراعي والسمكي والتوسع في صناعات الغذاء بهدف خفض الواردات الغذائية وزيادة حصة المنتجات والصناعات الغذائية من إجمالي صادرات سلطنة عمان، وقد ساهمت استراتيجيات الأمن الغذائي ومختبرات وعيادات الأمن الغذائي التي تم تنظيمها خلال السنوات الماضية في تعزيز جاذبية الاستثمار في قطاع الغذاء وإيجاد الممكنات المشجعة للاستثمار وتأسيس المشروعات الجديدة، كما تتوسع سلطنة عمان في منظومة موانئ الصيد وتحقيق تكاملها مع سلاسل إنتاج الغذاء والتصنيع، ومنظومة المدن والتجمعات الاقتصادية المتكاملة للغذاء، من خلال المشاريع في مدينة خزائن الاقتصادية ومنطقة النجد في محافظة ظفار ومنطقة الدقم، وقد أدت حزمة المشاريع التي تم إقامتها خلال السنوات الماضية من خلال الشركات التابعة لجهاز الاستثمار العماني وبالشراكة مع القطاع الخاص ومن خلال استثمارات القطاع الخاص في رفع معدلات الاكتفاء الذاتي من منتجات أساسية مثل الحليب والدواجن وبيض المائدة واللحوم الحمراء، ويغطي الانتاج السمكي الاحتياجات المحلية مع حصة جيدة من الصادرات، كما يشهد الانتاج الزراعي زيادة ملموسة تعزز الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، وتضمنت المبادرات خلال مختبر الأمن الغذائي 2024 مبادرة إحلال الواردات التي تهدف إلى تطوير برنامج زمني لرفع نسبة الاكتفاء الذاتي لعدد من السلع المستهدفة لتصل إلى 75 بالمائة، وتطوير حزمة من الفرص الاستثمارية المرتبطة بالقيمة المحلية المضافة لتعظيم العائد الاقتصادي من الموارد الطبيعية ضمن تنفيذ السياسة الوطنية للمحتوى المحلي.
وأوضحت وزارة الاقتصاد أنه فيما يتعلق بتطورات وتوجهات التضخم عالميا، فمنذ عام 2021 تحول التضخم إلى واحد من أكبر التحديات التي واجهت العالم خلال العقود الأخيرة، وفي ظل جهود البنوك المركزية العالمية لاحتواء التضخم ودفعه للتراجع من خلال رفع معدلات الفائدة المصرفية، بدأ التضخم في التراجع بشكل ملموس بداية من العام الماضي ويواصل الانخفاض خلال العام الجاري، وتشير توقعات البنوك المركزية العالمية والمؤسسات الدولية إلى أن معدلات التضخم تنحسر بشكل متواصل، وحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر 2024 الصادر عن صندوق النقد الدولي بلغ التضخم الكلي ذروته عالميا عند معدل 9.4 بالمائة في الربع الثالث من عام 2022، مقارنة مع نفس الفترة من 2021 وتراجع إلى 6.7 بالمائة خلال العام الماضي ومن المتوقع أن ينخفض التضخم الكلي عالميا إلى نسبة 5.8 بالمائة في 2024، مما يشير إلى أن جهود البنوك المركزية تحقق نجاحا متزايدا في احتواء التضخم، وبناء على هذه التطورات، قام صندوق النقد الدولي بخفض توقعاته للتضخم خلال العام المقبل، وبعد أن كانت التوقعات تشير إلى معدل تضخم متوقع يبلغ 4.4 بالمائة في عام 2025، تم خفض التوقعات إلى 3.5 بالمائة مع حلول نهاية العام القادم 2025، وهي نسبة أقل قليلا من متوسط التضخم خلال العقدين السابقين على تفشي الجائحة، مشيرا إلى أنه في معظم دول العالم، أصبح التضخم يقترب الآن من مستهدفات البنوك المركزية، وفي ظل هذا التراجع للتضخم بدأت البنوك المركزية الكبرى خلال العام الجاري خفض معدلات الفائدة المصرفية إيذانا بانتهاء سياسات التشدد النقدي ورفع الفائدة المصرفية التي تم تبنيها من قبل البنوك المركزية خلال الأعوام السابقة.