حضور اللغة العربية في المجالين الثقافي الاجتماعي والتعليمي التربوي
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
يتناول الكاتب الفلسطيني فراس حج محمد في كتابه «في أروقة اللغة العربية» الصادر عن دار بدوي للطباعة وللنشر في ألمانيا، جوانب متعددة من حضور اللغة العربية في المجالَين الثقافي الاجتماعي والتعليمي التربوي. ويهدي حج محمد كتابه للمعلمين الذين مرّوا في حياته، سواء أكانوا معلمي مدرسة أم جامعة أم مقربين أم كتّابًا أم أصدقاء، ولم ينسَ في الإهداء أصغر بناته «سَنَا» بصفتها معلمة من هؤلاء المعلمين.
ويناقش الكتاب في أول فصوله «من مَعين المعجم الثقافي العربي» حياةَ مجموعة من مفردات اللغة العربية، وتطور دلالاتها قديمًا وحديثًا، أو اختلافها بين اللغة العامية واللغة الفصيحة، وهذه الألفاظ هي: الزعل والحرد، والظُّبا والظِباء، والنهر والنهار، ولفظ الدنيا في القرآن الكريم، والساعة ودلالاتها، ولفظ الكتاب، والعين والعيون، والفروق اللغوية بين البداوة والحضارة، واللسان واللغة، والأهمية والفائدة.
وجاء الفصل الثاني تحت عنوان «اللغة العربية والنشاط الثقافي»، فتوقف المؤلف أولًا عند قصيدة حافظ إبراهيم المشهورة التي قالها على لسان «العربية» تنعى حظها بين أهلها، محللًا القصيدة ومضامينها. كما عني في هذا الفصل بمناقشة «هموم في الحضور والمواجهة اللغوية»، مبينًا أهمية الوعي اللغوي واستخدام المفردات بشكل صحيح؛ لأن اللغة ذات مدلول سياسي وليست مجرد مصطلحات محايدة، فكتب حول «اللغة المربكة القائمة بالمصطلحات» فيما يتصل بلغة الخطاب الثقافي والسياسي في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وفي الجانب الثقافي اللغوي، أضاء المؤلف في الفصل نفسه على أهمية وجود مجلات باللغة العربية في إيران من خلال مجلتين هما: «حبر أبيض» و«مداد الثقافية». أما الترجمة فكانت له معها وقفتان؛ الأولى بعنوان «شيء عن الترجمة»، والثانية بعنوان «المترجم ليس مجرّد وسيط لغوي».
ومن الموضوعات الأخرى ذات البعد الثقافي في التعامل مع اللغة، نقرأ: «لماذا يكتب الكتّاب تنوين النصب على الحرف لا على ألف تنوين النصب؟»، و«حضور علم الأصوات في النشاط الثقافي العربي»، و«خلود اللغة العربية ومنطقيتها»، و«علامات الترقيم وفوضى الاستخدام»، و«معضلة الأخطاء النحوية واللغوية» عند الكتّاب.
وتناول حج محمد أيضًا بعض الظواهر المعاصرة وتأثيرها في اللغة، فانتبه إلى أثر جائحة كورونا في اللغة العربية، من خلال موضوعات على غرار «كورونا وإعادة بناء العالم وتفكيره»، و«سينوغرافيا للمشهد اللغوي». كما حلل واقع اللغة العربية عند مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي.
وتمحور الفصل الثالث حول «اللغة العربية والتعليم»، فورد تحت هذا العنوان عناوين فرعية منها: أنا والنحو العربي، والهمزة والضجيج العذب والشغب، والأنشطة اللغوية في التعليم، والخلافات النحوية ظاهرة صحية، ومسائل في المناقشات النحوية، ومقترح لتدريس التعبير المدرسي، وشيء عن التعليم الجامعي، ومعارض اللغة العربية في المدارس.
أما الفصل الرابع فخصّصه المؤلف لمناقشة قضايا مقررات اللغة العربية الفلسطينية، بدءًا من «آليات التفكير في المقررات الفلسطينية» من خلال مجموعة من كتب اللغة العربية التي تدرَّس في المدارس الفلسطينية، ثم «دور الأدب في تنمية الذكاء العاطفي في المدارس».
كما ناقش مفهوم «الشعر المحمدي» والفرق بين المديح النبوي وقصائد رثاء العظماء عند الموت أو بعده. وإلى جانب ذلك، قدّم نظرات تربوية حول قصيدة «أنا وليلى» التي تدرَّس في كتاب اللغة العربية للصف الثاني عشر، كما استعرض حضور الشاعر راشد حسين في المقرّرات الفلسطينيّة مسجلًا ملحوظاته النقدية على هذا الحضور.
ويضم الكتاب في فصله الخامس بحثًا موسعًا حول كتاب «الكامل في اللغة والأدب» لأبي العباس المبرد أحد النحاة البصريين، فبحث في المنهج التأليفي والفكر النحوي للمبرد، من خلال مقدمة وثلاثة مباحث، تناول في الأول حياته ومؤلفاته، وفي الثاني مكانة المبرد النحوية، وفي الثالث نظرة تحليلية لكتاب «الكامل» وما فيه من قضايا نحوية.
ولم يغفل المؤلف البعد التفاعلي لعيش اللغة العربية المعاصر، ولا التفاعل مع هذه الأفكار، فضمّن الكتابَ وجهات نظر القرّاء أو الكتاب الآخرين ردًا على ما طرحه من أفكار، معتبرًا أن هذا النهج من «التأليف التفاعلي» سمةٌ من سمات التأليف التي يجب ألّا تخلو منها المؤلفات المعاصرة.
وينطلق الكتاب في كثير من مباحثه من خبرة شخصية ذاتية لكاتبه الذي عمل معلمًا للغة العربية، ومشرفًا تربويا لهذا المبحث في مدارس وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فما جاء فيه من أفكار يمثل طبيعة «التفكير اللغوي» لديه، لكنه لم ينأَ ببعض مباحث الكتاب عن الناحية التوثيقية والرجوع إلى قائمة من المراجع والمصادر المتنوعة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اللغة العربیة فی اللغة العربی فی اللغة من خلال
إقرأ أيضاً:
موجز تاريخ الحرب كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
"هل علينا أن نتحمل خطيئة قابيل؟! وهل مكتوبٌ في أقدارنا أن نستمر في شن الحرب حتى نُهلِكَ أو نَهلَك؟!
إنها الحرب، امتداد الخطيئة الأولى، لما طوعت لابن آدم نفسه قتل أخيه فقتله، فأصبح من الخاسرين! فهل أصبحت الحرب فعلا تُورّث بين أبناء آدم؟!"
بهذه الكلمات عبرت أراكة عبد العزيز مشوح عن صدور ترجمتها لكتاب "موجز تاريخ الحرب" للمؤرخ العسكري غوين داير، الذي صدر قبل أيام يسيرة عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
مايكل غوين داير، المولود يوم 17 أبريل/نيسان 1943، مؤرخ عسكري بريطاني كندي ومؤلف وأستاذ وصحفي ومذيع وضابط بحري متقاعد، وقد كان أول ظهور واشتهار له في ثمانينيات القرن الماضي مع إصدار مسلسله التلفزيوني "الحرب" الذي عرض عام 1983، ليردفه بنشر كتاب مصاحب له بالاسم نفسه عام 1985.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2محاكمة "الاستغراب".. قراءات نقدية متعددة لمشروع حسن حنفي الفكريlist 2 of 2المفكر الصادق الفقيه: على العرب استكشاف إستراتيجيات للتغلب على التبعية والتخلفend of listعاش داير الحروب واقعا وممارسة كما عاشها ودراسة أكاديمية فجمع في فهم الحروب بين المعايشة والتخصص الأكاديمي، فهو الذي ولد في أثناء الحرب العالمية الثانية في سانت جونز لعائلة كاثوليكية أيرلندية، وفي وقت ولادته، كانت المقاطعة دومينيون نيوفاوندلاند، مستعمرة تابعة للتاج البريطاني، ولكن عندما انضمت نيوفاوندلاند إلى كندا يوم 31 مارس/آذار 1949، أصبح مواطنا كنديا بحكم القانون، وحينها انضم داير إلى الاحتياطي البحري الملكي الكندي وهو في سن الـ16، وفي مسارٍ موازٍ حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة ميموريال في نيوفاوندلاند عام 1963، ودرجة الماجستير في التاريخ العسكري من جامعة رايس في هيوستن، في تكساس عام 1966 ودكتوراه في التاريخ العسكري وتاريخ الشرق الأوسط في كينغز كوليدج لندن عام 1973.
كما أنه خدم في الاحتياطيات البحرية الكندية والأميركية والبريطانية، وتم تعيينه محاضرا أولا في دراسات الحرب في الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست ما بين عامي 1973-1977، وكان قد بدأ في عام 1973 كتابة مقالات لصحف لندن الرائدة حول الصراع العربي الإسرائيلي، وسرعان ما قرر التخلي عن الحياة الأكاديمية من أجل مهنة بدوام كامل في الصحافة.
أما كتابه "موجز تاريخ الحرب" الذي أصدره سنة 2021، وصدرت ترجمته للعربية قبل أيام، فإنه يتناول آلية الحرب وكيف تعمل، ويتساءل فيه المؤلف "لماذا نخوضها؟ بل حتى كيف يمكننا إيقافها؟" وعلى الرغم من أن الرأي العام في بعض البلدان كان قد انقلب في النهاية على الحرب، باعتبارها نوعا من أنواع المتاجرة، فإن الدول كلها تقريبا لا تزال تحتفظ بجيش عسكري حتى وإن كانت احتمالات خوضها حربا أمرا مستبعدا بالنسبة إلى غالبيتها.
المؤرخ العسكري "غوين داير" عايش الحروب واقعا وممارسة ودراسة أكاديمية فجمع في فهم الحروب بين المعايشة والتخصص الأكاديمي (غيتي)على الرغم من أن المؤلف قد أمضى النصف الأول من شبابه وهو يطوف بين جنبات الجيش، فإن كتابه هذا ليس تأريخا عسكريا خالصا بالمعنى المتداول، بل هو دراسة للحرب بصفتها عُرفا وتقليدا متوارثا سائدا بين الناس، ومعضلة وإشكالية أيضا يجب علينا التعامل معها بموضوعية.
يأتي هذا الكتاب في مرحلة حاسمة يعيشها العالم من حرب روسيا وأوكرانيا وثورات الربيع العربي ومؤخرا الحرب الجارية على غزة لبنان، ويقف العالم على فوهة بركانية ويعايش فترة زمنية ربما تكون من أصعب المراحل التي مرت عليه.
وفي الوقت الذي يسرد فيه غوين داير نبذة متسلسلة تبعا للتاريخ عن كيفية نشوء الحرب بين بني البشر غير أنه يعود في بعض الفقرات خطوة إلى الوراء لينظر في شكل الحرب بين الرئيسيات "وهم ثلة من الثدييات تضم القردة والشمبانزي والسعادين والقرود أشباه البشر"، ليقارن بعد ذلك بينهم وبين الإنسان البدائي، على الأخص في أستراليا وغابات الأمازون، من ناحية شكل الحرب والهجوم والدفاع، ومن منهم يستخدم سلاحا في حربه ضد عدوه ومن الذي لا يمتلك إلا يديه سلاحا!
تاريخ النزاعات والحروبويمضي المؤلف قدما ليصف شكل المعركة الأولى وكيف تغيرت وكيف تسلحت وكيف كانت حال المقاتلين وعدد القتلى، ويقدم شرحا وافيا لسؤال كيف نشأت المعركة؟ ثم يقسم الحرب إلى تصنيفات مختلفة بحسب التاريخ، كلاسيكية وجماهيرية وشاملة. من بعدها، يبدأ في سرد نبذة عن الحرب النووية والحرب التقليدية وأخيرا الحرب على الإرهاب.
وهذا الكتاب الذي يقدم تحليلا شاملا وعميقا لتاريخ النزاعات، ويساعد القارئ على فهم الأسباب الكامنة وراء نشوب الحروب، وتطوراتها عبر التاريخ، وتأثيراتها المدمرة على المجتمعات، يتوزع على 10 فصول، يدور بعضها حول قضايا نظرية تتناول جذور الحروب ونشوء المعارك والأسباب التي تدفع البشر إلى شنها والأساليب التي نقاتل بها، وتعرض فصول أخرى تاريخ الحروب في تسلسل زمني، بدءا بالحروب الكلاسيكية، وصولا إلى الحروب النووية والشاملة.
داير يتناول في الكتاب بالاستعراض التفصيلي التطور الذي طرأ على التكتيكات والأسلحة المستخدمة في الحروب عبر الزمن (غيتي)ويوضح داير أن الحروب لم تكن دائما جزءا من التجربة الإنسانية، بل إنها تطورت بوصفها للتنافس والسيطرة، وذلك من خلال تفصيل القول في كيفية بداية النزاعات العسكرية وأسبابها الرئيسية، مثل الصراع على الموارد والأراضي، ثم يناقش المؤلف كيف تغيرت أسباب الحرب مع تطور المجتمعات.
كما يتناول المؤلف بالاستعراض التفصيلي التطور الذي طرأ على التكتيكات والأسلحة المستخدمة في الحروب عبر الزمن، فيبدأ الحديث عن الأسلحة البسيطة في العصور القديمة وصولا إلى التطورات التكنولوجية الحديثة، مثل الأسلحة النووية والطائرات بدون طيار، ويقدم الكاتب تحليلا لتأثيرات هذه التغييرات على طريقة خوض الحروب وأعداد الضحايا وأساليب القتال.
ومما يتوقف عنده المؤلف في كتابه ويتناوله بالاستعراض والنقاش تأثيرات السياسة والدبلوماسية على مسار الحروب، وكيف تُستخدم الحروب أداة لتحقيق الأهداف والغايات السياسية، فالحرب إنما تشتعل لخدمة السياسة، ويبرز داير مسألة الوصول إلى التفاوض والمحادثات الدبلوماسية وأهمية ذلك في إنهاء الصراعات، مستعرضا بعض الاتفاقيات البارزة التي أسهمت في إنهاء بعض الحروب الكبرى.
داير تناول في الكتاب بالنقد والتحليل والتقييم دور القوى العظمى في الحروب وتوجيه النزاعات والتحكم في مساراتها وقطف ثمارها (غيتي) الحروب والمجتمعاتكما يتناول المؤلف بالحديث التحليلي قضية تأثير الحروب على المجتمعات، بما في ذلك الآثار الاقتصادية والسياسية والنفسية، مسلطا الضوء على الكوارث الإنسانية التي خلفتها الحروب، بدءا من الخسائر البشرية وصولا إلى الدمار الاقتصادي والاجتماعي.
ومما يتميز به الكتاب أيضا أن المؤلف تناول بين طياته تأثير الثورة التكنولوجية على طبيعة الحروب الحديثة، مع الأخذ في الاعتبار الحروب القائمة والنزاعات الحالية المتصاعدة والتحديات الجديدة التي يواجهها العالم، مثل الحروب السيبرانية والإرهاب وغيرها.
كما أن داير تناول في الكتاب بالنقد والتحليل والتقييم دور القوى العظمى في صاعة الحروب وتوجيه النزاعات والتحكم في مساراتها وقطف ثمارها.
وفي النهاية، يبقى الموضوع الرئيس للكتاب هو محاولة الإجابة بلغة سلسة وطريقة واضحة وأسلوب سهل عن سؤال: لماذا نخوض الحروب، وكيف نوقفها؟ لأن هذا فعلا ما تحتاج إليه البشرية اليوم لكبح جماح جنونها المتصاعد.