أفراد من مجموعة "جنود الرب" حاصروا الملهى بمن فيه
أفراد من مجموعة "جنود الرب" حاصروا الملهى بمن فيه

"هذا محل إبليس يروّج للمثليين في أرض الرب، هذا الأمر ممنوع، ما زلنا نخاطبكم وهذه البداية. حذّرناكم 100 مرة".. على وقع هذه الهتافات المعادية لمجتمع "ميم عين+" هاجم أفراد غاضبون من مجموعة تطلق على نفسها اسم "جنود الرب" ملهى ليلي في العاصمة اللبنانية، بيروت، حيث اعتدوا بالضرب على المتواجدين قبل أن تتدخل القوى الأمنية.

ليست هذه المرة الأولى التي تهاجم بها هذه المجموعة مجتمع  "ميم عين+"، وكل ما له علاقة بهم، فمنذ عام 2019، بدأت رحلة ترهيبها لأفراد هذا المجتمع، من خلال معارضتها إقامة حفل موسيقي لفرقة "مشروع ليلى"، التي تضم بين أفرادها مثليين والمعروفة بمناصرتها لحقوقهم.

وفي ديسمبر من العام الماضي، عاد اسم المجموعة إلى الواجهة بعد خلاف وقع في ساحة ساسين بمنطقة الأشرفية، خلال احتفال بفوز منتخب المغرب وتأهله إلى الدور نصف النهائي من كأس العالم، لتثير قلقاً وجدلاً في لبنان، لا سيما مع انتشار صور ومقاطع لأفرادها على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يحملون سيوفاً وصلباناً مسننة، ويرتدون لباساً أسود موحَّداً، خلال سيرهم في شوارع منطقة الأشرفية في بيروت على وقع التراتيل الدينية.

وعما حصل، الأربعاء، في "Madame om"، يشرح مسؤول التواصل في منظمة حلم، ضوميط قزي، الذي كان متواجداً في الملهى الذي استضاف عرضاً لأفراد مجتمع "ميم عين+"، بالقول: "كان هناك عرض مسرحي كوميدي في المقهى الصديق للمثليين والذي يستقبل جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن هويتهم الجنسانية أو الجندرية، تقدمه الفنانتان اللبنانيتان المعروفتان باسم لاتيزبومبي وإيما غريشن، وفي خارج المقهى وقف أشخاص لتوزيع بطاقات تذكارية".

مرّ شخص ينتمي إلى "جنود الرب" أو مقرّب منهم، فاشتبه قزي بأن يكون المتواجدون خارجاً من أفراد مجتمع "ميم عين+" بسبب تعابيرهم الجندرية أو الملابس التي ارتدوها، ويقول: "بدأ بتصويرهم في اعتداء صارخ على حقوقهم، ما دفعهم للدخول إلى المقهى كونهم لمسوا أن الأمر قد يؤدي إلى بلبلة".

بعد ذلك، حضر ثلاثة أشخاص وبدؤوا، كما يقول قزي لموقع "الحرة"، بتصوير ما يحصل داخل المقهى "رغم أنه أمر طبيعي لا يخالف القانون ولا حتى معايير المجتمع، فخرجتُ طالباً منهم التوقف عن التصوير مطلعاً اياهم أنه لا يحق لهم ذلك، حينها رأيت مجموعة كبيرة من 'جنود الرب' حيث عرفتهم من وجوههم التي باتت متداولة كثيراً في مقاطع فيديو منتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة اعتداءاتهم المتكررة التي طالت العديد من أفراد من مجتمع الميم عين ومن خارجه".

عندها سارع ضوميط، كما يقول، لتحذير الأشخاص داخل المقهى، "وإذ بعناصر جنود الرب يبدؤون بضرب المتواجدين في الخارج، ليحاولوا بعدها اقتحام المقهى، إلا أننا تمكنا من إغلاق الباب قبل أن ينجحوا في ذلك، ولولا تلك اللحظة الفاصلة لكانت حصلت مجزرة".

ويضيف "استمر حصارهم لنا حوالي الساعة ونصف الساعة، بداية كان هناك عنصران من قوى الأمن الداخلي وبعدها حضر عدد أكبر تعاطوا مع هذه الميليشيا المتطرفة وهؤلاء الإرهابيين المسلحين بأسلوب سلس وكأنهم هم الضحايا، في حين ظهر بشكل جلي أنهم يبحثون عن دليل لإدانتنا وتحويلنا من ضحايا إلى مجرمين".

بعد تدخل أطراف عدة، وتهدئة الأجواء خارج المقهى تمكّن المتواجدون من المغادرة، أما قوى الأمن الداخلي، فبحسب ما يقول قزي: "لم يقم عناصرها بعملهم المنصوص عليه في القانون بحماية أشخاص عزّل، ولذلك يرفض من تعرضوا للاعتداء التقدم بشكوى في المخفر، أولاً لأنهم يعلمون علم اليقين أنه سيتم تحويلهم من ضحايا إلى جناة، وثانياً يخشون من معرفة أهلهم حقيقة انتمائهم إلى مجتمع الميم عين".

لكن مصدرا أمنيا ينفي في حديث لموقع "الحرة" ما يدّعيه قزي، مشدداً على أنه "عندما تبلّغنا كان الإشكال بدأ، وفور حضورنا، أوقفنا الاعتداء على الأشخاص ومنعنا التعدي على المقهى، وفتحنا محضراً بناء لإشارة القضاء وأي متضرر يمكنه الادعاء".

من هم "جنود الرب"؟

سلط موقع "الحرة" في تقرير سابق الضوء على هذه المجموعة، حيث عرّف قائدها، جوزيف منصور أفرادها، بأنهم "أبناء الرب يسوع، أولاد الكنيسة، كل شخص معمد باسم الأب والابن والروح القدس، هو تلميذ الرب يسوع حسب الكتاب المقدس"، وشدد على أن كل كلمة ينطقون بها مصدرها الكتاب المقدس.

وعن انطلاقة المجموعة والسبب الذي قامت لأجله، قال منصور لموقع "الحرة" إن "جندي الرب أو تلميذ الرب يسوع أو الرسول أو القديس بحسب الكتاب المقدس، لا يحركه موعد أو تاريخ محدد، الروح القدس هي من تحدد توقيت متى تستيقظ بالإنسان وتقوده نحو دوره.. وهذا الأمر حصل بالنسبة لنا عام 2019، والهدف من ذلك هو نشر البشارة بالملكوت الأبدي، وليس لدينا أي هدف أرضي، سياسياً كان أم مالياً أو رتب أو ماديات، كل ذلك ليس من أهدافنا"، ويعتقد منصور بأنه لا ينطق بندائه "بل هو نداء الروح القدس".

وعلى الرغم من محاولة إلباس أفرادها ثوب المواجهة المناطقية والطائفية وإعطاء وجودهم ونشاطاتهم أبعاداً سياسية، إلا أن أبرز مواجهات "جنود الرب" لم تكن انطلاقاً من ذلك، وإنما جاء بروزهم على حساب قضية المثليين جنسياً في لبنان.

عن ذلك زعم منصور تواجد "مخططات إبليسية" من أجل حرف جيل كامل من الأطفال وطلاب المدارس، "يُشربونهم أفكاراً غربية تعلمهم الزنا بين الصبي والصبي وبين الفتاة والفتاة، أفكاراً تكسر قوانين الإله السماوية ووصاياه التي تقول: 'لا تزن'، بالتالي لا يمكننا القبول بتشريع المثلية... ومع ذلك نحن لا نفرض شيئاً، من يريد أن يزني هو حر، ولكن نحن نقول لهم لا يمكنكم أن تدخلوا هذه السموم في عقول الأطفال والمجتمع، بأساليب إبليسية تحت شعار حقوق الإنسان".

ونفى القيادي في المجموعة حينها تعاملهم مع أفراد مجتمع "ميم عين+" بقوة، قائلا: "أينما كان وفي كل المناطق هناك مثليون حولنا، أين تعرضنا لهم ولو بكلمة واحدة، هل سجل هكذا أمر من قبلنا؟ أبداً لأن تعاليمنا الدينية، تمنعنا من ذلك، والرب يسوع قال لنا ألا ندين كي لا ندان".

يربط البعض ما بين "جنود الرب" وحزب "القوات اللبنانية" لكون العديد من الوجوه البارزة ضمن المجموعة يدورون في فلك الحزب، عن ذلك علّق منصور "في النهاية هؤلاء إخوتنا ولا مشكلة لدينا معهم، ولا علاقة لنا بالميول السياسية للأفراد، ولكننا لا نتعاطى بالسياسة أبداً، وإنما ننشر فقط تعاليم الرب يسوع".

ويوجه لبنانيون اتهامات إلى أنطوان الصحناوي بدعم المجموعة مادياً، وهو صاحب مصرف متمول ومن الشخصيات البارزة في منطقة الأشرفية، عن ذلك أجاب منصور أن بعض الأشخاص يعملون في مؤسسات تابعة لهذا الشخص، ولكن "يجب التمييز بين الروحانيات التي تسيّر الإنسان، وبين مصدر رزقه الذي يأكل ويشرب ويعيش منه"،

وعما إذا كانت المجموعة تتمتع بأي رعاية كنسية في لبنان، قال منصور إن "الرب أعطانا أمراً في الكتاب المقدس أن نكون تحت سلطة الكنيسة والكهنوت"، وحول التساؤلات عن نيتهم الانتشار في المناطق اللبنانية على غرار زحلة وغيرها، شدد على أن حساباتهم "مختلفة عن حسابات السياسة والأرض، لذا لا يعنينا انتشار أو تمدد نحن نسعى فقط لتنشيط الجانب الروحاني في المجتمع المسيحي".

تحذير من "مجازر" قادمة

ويشهد لبنان في الآونة الأخيرة تصعيداً في الخطاب المعادي للمثليين يقوده حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأبرز في البلاد، في وقت يجرّم فيه القانون العلاقات "المنافية للطبيعة" بالسجن لمدّة تصل إلى سنة.

ما حصل، الأربعاء، ليس مفاجئاً، كما تؤكد الباحثة والصحفية في مؤسسة سمير قصير، وداد جربوع، "فهو استكمال لخطاب الكراهية وحملات التحريض والترهيب والتهديد التي طالت أفراد مجتمع الميم عين التي بدأها عدد من الشخصيات السياسية والحزبية والدينية، وازدادت حدتها على مواقع التواصل الاجتماعي حتى وصلت إلى حد تهديد عدد كبير من أفراد هذا المجتمع وملاحقتهم".

وعن "جنود الرب" علّقت جربوع، في حديث مع موقع "الحرة"، قائلة: "هم يمثلون ويترجمون منطق العنف والتحريض ورفض الآخر، وعلى الأجهزة الأمنية والقضائية لعب دورها بالتصدي لهؤلاء وحماية أفراد مجتمع الميم عين".

وفي يوليو الماضي، أطلق أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، معركة اجتماعية وثقافية وفكرية على مجتمع "ميم عين+" في لبنان، معتبراً أنها "معركة" تتخطى "حزبا أو طائفة"، إلى "معركة كل المجتمع بمسلميه ومسيحيّيه" مشدداً على "ضرورة المواجهة بكل الوسائل، وبدون أسقف".

كلام نصر الله جاء خلال مجلس عاشورائي في ضاحية بيروت الجنوبية، وأثار غضب وقلق أفراد مجتمع "ميم عين+"، كما في كل مرة يجري فيها رفضهم والتضييق عليهم من قبل رجال الدين والسلطة في لبنان.

وسبق أن حذرت منظمة أوكسفام، من أن أفراد المجتمع يواجهون تحديات هائلة في هذا البلد، حيث "حرمتهم الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت في صيف 2020، مساحاتهم الآمنة ومصادر دخلهم"، داعية الدولة إلى "ضرورة تغيير سياساتها بحيث تضمن مصلحة المنتمين لهذا المجتمع ووقف تجريم المثلية الجنسية".

يؤكد قزي أن ما يتعرض له أفراد مجتمع "ميم عين+" في لبنان هو حملة ممنهجة، مشدداً "يجري الاستثمار في الكراهية والخوف وخلق 'الزعر' الأخلاقي في المجتمع. في الأمس تعرضنا لضرب واعتداء لكن في الأيام القادمة سنسمع عن مجازر، فلا أستبعد الهجوم على مقاه وإمطار من في داخلها بالنار".

من الضرورة، كما يقول قزي: "مواجهة حملة الكراهية التي تطال حقوقنا كوننا فئة مستضعفة، وإذا كنا اليوم نحن الضحية، لأننا في الصفوف الأمامية في معركة الحفاظ على الديمقراطية وعلى مجتمع مسالم وهادئ، فإن خسارتنا لهذه المعركة تعني انتقال المهاجمين لمهاجمة فئات أخرى لن يُستثنى منها الصحفيون والإعلاميون والباحثون والأكاديميون، باختصار هذه معركة المجتمع كله وعلينا جميعنا الوقوف في وجه هؤلاء الرجعيين المتخلفين وفي وجه مموليهم الذين يريدون إرجاعنا إلى العصور الظلامية".

حزب الله لم يعد يمتلك القدرة العسكرية على التحرك في الجنوب كما كان في السابق (رويترز)
الأفراد والكيانات المشمولون بالعقوبات أُدرجوا، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، بصيغته المعدّلة (صورة تعبيرية)

في خطوة جديدة لتضييق الخناق على مصادر تمويل حزب الله، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، أمس الجمعة، عقوبات على خمسة أفراد وثلاث شركات متورطين في شبكة مالية تعمل لصالح الحزب.

الأفراد والشركات الذين شملتهم العقوبات، هم بحسب بيان وزارة الخزانة الأميركية "من عائلات مقربة من مسؤولين بارزين في حزب الله، يشكلون جزء من شبكة من المشاريع التجارية المدرة للإيرادات، والمملوكة أو الخاضعة لسيطرة حزب الله، والتي تسهّل وتخفي مبيعات النفط لصالح فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وتسهم في تمويل أنشطة الحزب ووصوله إلى النظام المالي الرسمي".

ويأتي هذا الإجراء ضمن جهود واشنطن لتفكيك الشبكات المالية التي يستغلها حزب الله لتعزيز نفوذه، وسط تصاعد الضغوط الدولية على إيران ووكلائها في المنطقة.

كما يؤكد هذا الإجراء "عزم وزارة الخزانة على كشف وتعطيل المخططات التي تمول عنف حزب الله الإرهابي ضد الشعب اللبناني وجيرانه"، كما قال القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي. سميث.

وكانت واشنطن قد صنّفت حزب الله منظمة إرهابية أجنبية عام 1997، كما أدرجته على لائحة الإرهابيين العالميين عام 2001.

شبكة بأدوار متشابكة

الشبكة المستهدفة بالعقوبات، وفقاً لبيان وزارة الخزانة الأميركية، كانت تخضع لإشراف مسؤولين بارزين في فريق تمويل حزب الله، من بينهم محمد قصير، الذي ظل في منصبه حتى وفاته أواخر عام 2024، وصهره محمد قاسم البزال. وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) قد فرض عقوبات على قصير والبزال في 15 مايو و20 نوفمبر 2018، على التوالي.

ورغم إدراجه على قائمة العقوبات منذ عام 2018، واصل البزال إدارة شبكته عبر نقل ملكية شركاته إلى شركاء آخرين في فريق تمويل حزب الله بهدف إخفاء صلته بالتنظيم. ومن بين هذه الشركات: "تلاقي"، "توافق"، "نغم الحياة"، و"ألوميكس"، التي أُدرجت جميعها على قائمة العقوبات في 4 سبتمبر 2019.

والمستهدفون في العقوبات هم:

رشيد قاسم البزال: شقيق محمد البزال، تولّى إدارة شركات "تلاقي"، "توافق"، و"نغم الحياة"، وذلك بناءً على توجيهات شقيقه، حيث تولى إدارة عملياتها اليومية، بينما استمر محمد في التنسيق مع حزب الله.

محاسن محمود مرتضى: زوجة محمد قصير، كانت تتمتع بنفوذ كبير على زوجها في قضايا تتعلق بعمليات حزب الله بما في ذلك التمويل وتهريب الأسلحة، كما أنها المالكة المسجلة لعدة شركات مرتبطة بحزب الله، من بينها "ألوميكس"، التي تتشارك ملكيتها مع فاطمة عبد الله أيوب، حوراء عبد الله أيوب، وجميل محمد خفاجة.

فاطمة عبد الله أيوب: زوجة محمد البزال، تعمل معه بشكل وثيق في عدة مشاريع تجارية لحزب الله، بما في ذلك مجموعة "تلاقي".

جميل محمد خفاجة: مدرج كمالك لشركة " سيكورول للستائر الزجاجية"، التي تتشارك نفس العنوان مع "ألوميكس".

"اتصالات عاجلة" لمصر بعد "التصعيد الخطير" في لبنان
بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي من رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، الجمعة، تطورات الوضع في لبنان، حيث أطلع رئيس الوزراء اللبناني نظيره المصري على آخر المستجدات إثر الغارات الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت.

كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من الشركات المرتبطة بهذه الشبكة، من بينها:

"رافي ش.ذ.م.م."، وهي شركة لبنانية تسهم في تحقيق أرباح لحزب الله من خلال تجارة المنتجات البيطرية.

"المجموعة المتحدة اللبنانية": شملتها العقوبات لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة أو إدارة، بشكل مباشر أو غير مباشر، لفاطمة عبد الله أيوب، محاسن محمود مرتضى، وحوراء عبد الله أيوب.

"سيكورول للستائر الزجاجية": أُدرجت على القائمة السوداء لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة أو إدارة، جميل محمد خفاجة، بشكل مباشر أو غير مباشر.

الأفراد والكيانات المشمولون بالعقوبات أُدرجوا، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، بصيغته المعدّلة، بسبب تقديمهم دعماً مادياً ومالياً ولوجستياً لحزب الله، بما يشمل المساعدة في توفير التمويل أو السلع أو الخدمات التي تعزز أنشطته، كما أكدت وزارة الخزانة الأميركية.

تشديد الخناق المالي

وصول الإدارة الأميركية الجديدة حمل معه سياسة واضحة تجاه إيران وحلفائها، لا سيما حزب الله، كما يشدد المحلل السياسي المحامي أمين بشير، وذلك "بهدف الحد من نفوذهم الإقليمي وتقويض مصادر تمويلهم. وفي هذا السياق، أكد المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف في تصريحاته الأخيرة أن هذه القوى، رغم أنها لم تعد تشكل خطراً وجودياً، لا تزال تمثل تهديداً لاستقرار المناطق التي تنشط فيها".

وضمن هذه الاستراتيجية، يوضح بشير في حديث لموقع "الحرة" أن "تجفيف منابع تمويل حزب الله كان جزءاً أساسياً من الخطة الأميركية، وليس فقط عبر وقف تدفق السلاح. حيث حرصت واشنطن على فرض قيود مالية صارمة، مما أدى إلى تضييق الخناق على الحزب في القطاع المصرفي العالمي ومنعه من الوصول إلى الدولار. وقد سهلت الرقابة الأميركية تتبع حركة الأموال، ما زاد من صعوبة تمويل الحزب عبر القنوات التقليدية".

في مواجهة هذا الحصار المالي، لجأ حزب الله كما يقول بشير "إلى وسائل بديلة، من بينها التجارة غير المشروعة، والاعتماد على العملات الرقمية، وتهريب البضائع، واستغلال الحدود اللبنانية-السورية لتأمين تدفق الأموال. إلا أن سقوط نظام الأسد أدى إلى إغلاق أحد أبرز منافذه المالية، حيث نفذت السلطات السورية عمليات ضد مراكز الحزب على الحدود وداخل الأراضي السورية".

ومع تضييق الخناق عليه، تزايدت التحديات التي تواجه الحزب في تأمين التمويل، خصوصاً بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي نص على تطبيق القرار 1701 الذي شدد المراقبة على المرافق الحيوية مثل المطار والمرفأ. وأمام هذه التطورات، لم يعد بإمكان الحزب كما يقول بشير "اختراق النظام المالي العالمي كما كان في السابق، مما أجبره على اعتماد أساليب جديدة، من بينها استخدام النساء لإدارة عملياته المالية بشكل خفي. وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثلاث نساء متورطات في هذه الأنشطة، ما يعزز فرضية لجوء الحزب إلى هذا التكتيك".

انفجار في مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت في 2020
إعادة الإعمار رهينة السلاح.. هل يبقي حزب الله لبنان على فوهة البركان؟
منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ، برز ملف إعادة الإعمار إلى الواجهة، الذي يرتبط بشرط أساسي، إذ لن تُقدَّم أي مساعدات دولية دون تنفيذ القرارات التي تنص على نزع سلاح حزب الله، فرسالة الدول الغربية والعربية واضحة: أي دعم مالي للبنان سيكون مشروطاً بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

كذلك يؤكد المحلل السياسي، الياس الزغبي، في حديث لموقع "الحرة" أنه "بعد التضييق المالي، الأميركي تحديداً، على حزب الله بتوسيع نطاق العقوبات، كان لا بد له من استخدام وسائل جديدة عبر توظيف العنصر النسائي الذي يكون عادة أقل استهدافاً بالمراقبة، خصوصاً أن تكليفه رجالاً بنقل الأموال عبر مطار وبيروت والحدود البرية أدى إلى انكشاف بعضهم وتوقيفه".

قيود مشددة.. ومناورات

تفرض العقوبات الجديدة، بحسب الخزانة الأميركية، تجميد جميع الممتلكات والمصالح المرتبطة بالمدرجين على القائمة السوداء، إضافة إلى أي كيانات يمتلكونها بشكل مباشر أو غير مباشر بنسبة 50% أو أكثر، سواء بمفردهم أو بالاشتراك مع أشخاص آخرين خاضعين للعقوبات. وتشمل هذه القيود جميع الأصول الموجودة في الولايات المتحدة أو الخاضعة لحيازة أو سيطرة أشخاص أميركيين.

وتحظر لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، أي تعاملات يقوم بها أشخاص أميركيون أو تمر عبر الولايات المتحدة، إذا كانت تتعلق بممتلكات أو مصالح تعود للأفراد أو الكيانات الخاضعة للعقوبات، إلا في حال الحصول على ترخيص عام أو خاص صادر عن المكتب، أو إذا كان التعامل معفياً بموجب القانون.

وحذرت الوزارة من أن أي انتهاك للعقوبات الأميركية قد يؤدي إلى فرض عقوبات مدنية أو جنائية على الأفراد أو الشركات، سواء كانوا أميركيين أو أجانب. كما يمكن لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية فرض غرامات على أساس المسؤولية المطلقة.

في سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار، ضمن برنامج "مكافآت من أجل العدالة"، مقابل معلومات تؤدي إلى تعطيل الشبكات المالية لحزب الله.

العقوبات الأميركية المتصاعدة على حركة تمويل حزب الله أعطت حتى الآن نتائج واضحة، كما يؤكد الزغبي "ظهرت في تقليص المنح التي كان قد بدأها لمساعدة النازحين على الإسكان المؤقت أو الترميمات البسيطة، كما انعكست على خفض سقف وعوده لبيئته بإعادة الإعمار وتحميله الدولة هذه المسؤولية. وهذا الشح في التمويل أضعف تأثيره داخل بيئته بحيث بدأت أصوات ناقمة تخرج بالاحتجاجات والتهم بالمحسوبية وتمييزه المقربين لقياداته".

كذلك يؤكد بشير أن "تراجع الموارد المالية للحزب انعكس مباشرة على قاعدته الشعبية، حيث بدأت تظهر احتجاجات في الجنوب بسبب عدم تعويض الأهالي عن ممتلكاتهم المتضررة من الحرب. كما شهدت المحاكم دعاوى قضائية ضد الحزب، في مؤشر على تغيّر المزاج العام وارتفاع منسوب الجرأة في مواجهة نفوذه".

وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بإيران، المصدر الأساسي لتمويل حزب الله، يؤكد بشير أنه "أصبح من غير المرجح أن تضع طهران مصلحة الحزب فوق أولوياتها الداخلية، مما يزيد من حدة أزمته المالية".

هل تتحرك الدولة؟

أكثر المتضررين من العقوبات ومراقبة مصادر تمويل حزب الله هي كما يرى الزغبي "شركات الأموال وأصحابها والأفراد الناشطون فيها، ما سيؤدي إلى إفلاسها على المدى المتوسّط، ويشمل هذا الوضع بعض المصارف التي لا تزال متورطة في تغطية تمويل نشاطاته العسكرية والامنيّة والاجتماعية".

ويؤكد الزغبي أن على الدولة اللبنانية "الانخراط بشكل أوسع في مساعي تجفيف المسارب المالية للحزب في إطار المطلوب منها لنزع سلاحه كشرط لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية من جهة، والبدء بإعادة الإعمار من جهة أخرى، وكذلك لتسهيل الإصلاحات الضرورية، لأن الأولوية اللبنانية والعربية والدولية هي لمعالجة ملف السلاح غير الشرعي كمدخل إلزامي لمعالجة سائر الملفات ومنها ترتيب الحدود في الجنوب وتثبيت الاستقرار".

ويشير الزغبي إلى أن حزب الله "يجد نفسه ملزماً بتغيير خططه لتمويل نفسه بعدما انحسرت فوائض تهريب الكبتاغون والأموال النقدية من إيران. ولعله بدأ يعتمد على تمويل المغتربين والمتمولين في الطائفة الشيعية، ولكنه يدرك أن هذا المصدر قصير المدى بفعل تآكل هذه المساعدات والتضييق الأميركي على حركتها".

وفي ظل هذه الضغوط، يرى بشير أن الحزب قد يضطر إلى إعادة النظر في سياساته المالية، لكنه يستبعد أن يعيد تجربة "القرض الحسن" بالشكل السابق، "خاصة بعد الضربات التي تلقاها، حيث استهدفت إسرائيل مراكز مالية تابعة له، في إشارة إلى قدرتها على تتبع الأصول الثمينة للحزب".

ويضيف بشير أن الحزب يحاول التكيف مع القيود المتزايدة "عبر استغلال مؤسسات الدولة اللبنانية كمصدر بديل للتمويل، حيث بات نفوذه واضحاً داخل الإدارات الرسمية، مستفيداً من توظيف أنصاره وفرض اقتطاعات مالية عليهم. وقد أصبح التمويل الداخلي للحزب أكثر وضوحاً من خلال ظاهرة شركة مالية برزت مؤخراً فرضت نفسها كبديل للطوابع الرسمية في المعاملات الحكومية، ما يثير تساؤلات حول الجهات المستفيدة من هذه المنظومة ودورها في دعم الحزب مالياً".

وأمام هذه التحديات، يتساءل بشير: "هل ستتمكن الحكومة اللبنانية من تطهير مؤسساتها ومنع استغلالها كأداة لتمويل حزب الله؟ أم أن اللبنانيين سيجدون أنفسهم، بطريقة غير مباشرة، يساهمون في تمويل نفوذه المتنامي؟".