ما حصل في قرية كويا بريف محافظة درعا السورية، قد يتكرر في مراحل لاحقة، وفقا لخبراء ومراقبين، وفي حال حدث ذلك بالفعل ستكون إدارة أحمد الشرع في العاصمة دمشق أمام معضلة لا يرتبط التعامل معها بإسرائيل فقط، بل بردود أفعال السوريين المهددين في جنوب البلاد.
قتل في كويا، الثلاثاء، 5 أشخاص وأصيب آخرون، من جراء قصف وعمليات استهداف نفذتها دبابات الجيش الإسرائيلي، بعد مقاومة من شبان رافضين لعمليات التوغل المتواصلة التي تجري هناك، وفقا لصحفي غطى الأحداث وتحدث لموقع "الحرة"، وتقرير نشره "المرصد السوري لحقوق الإنسان".
في المقابل ربط الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أسباب المواجهة التي استمرت لساعات بمن وصفهم بـ"عناصر إرهابية" أطلقت النار على القوات الإسرائيلية، مما استدعى التعامل معهم بطائرة مسيرة.
ولم يقدم أدرعي، الثلاثاء، أي تفاصيل إضافية بشأن الأسباب التي تقف وراء دخول الجيش الإسرائيلي إلى كويا، وبالتالي تجاوزه للمنطقة العازلة هناك المحددة بموجب اتفاقية 1974.
رويترز: واشنطن سلمت سوريا "قائمة شروط" باجتماع خاص
قالت 6 مصادر لرويترز إن الولايات المتحدة سلمت سوريا قائمة شروط تريد من دمشق الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، منها ضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة.
كما لم يتطرق إلى التقارير التي أكدها "الدفاع المدني السوري"، الذي أفاد بحدوث قصف من بعد على القرية الصغيرة الواقعة على الحدود، الأمر الذي أشار إليه أيضا "المرصد السوري".
ورغم أن عمليات التوغل التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا ضمن حدود محافظتي درعا والقنيطرة لم تنقطع في الفترة التي تلت سقوط نظام الأسد، إلا أن ما حصل في كويا يمكن اعتباره الحدث الأول من نوعه، بناء على الشكل الذي جاء فيه، وما تبعه.
تقول الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس، إن أحداث كويا "تدق ناقوس الخطر في دمشق"، وتضيف لموقع "الحرة" أن ترك إدارة الشرع للأهالي هناك بمفردهم لمواجهة التحركات الإسرائيلية سيزيد من تبني سكان المنطقة لأفعال فردية.
وقد تؤدي هذه الأفعال الفردية إلى المزيد من الاشتباكات، والمزيد من الضحايا المدنيين، والمزيد من التصعيد العسكري الإسرائيلي، وفقا للباحثة.
وتتابع: "ولذلك، فإن الإسراع في وضع استراتيجية واضحة من قبل إدارة الشرع للتعامل مع هذه القضية سيجنب سوريا خطرا كبيرا في المستقبل القريب".
"خياران"
وبناء على ما أصدرته وزارة الخارجية السورية لا يبدو أن هناك الكثير لدى دمشق للرد العلني أو التعاطي الدبلوماسي مع الأفعال الإسرائيلية في جنوب البلاد.
وفي حين نددت الخارجية، الثلاثاء، بالهجمات التي استهدفت كويا دعت السوريين هناك إلى رفض أي محاولات "لتهجيرهم أو فرض واقع جديد بالقوة" على الأرض.
كما أعربت عن رفضها لما وصفتها بالجرائم، داعية إلى فتح تحقيق دولي في ما يتم ارتكابه ضد الأبرياوء، و"الانتهاكات الإسرائيلية".
قتلى في درعا السورية خلال اشتباكات مع قوات إسرائيلية.. ماذا حدث؟
قتل أربعة أشخاص في مدينة درعا السورية، على إثر تبادل لإطلاق النار بين مواطنين وقوات من الجيش الإسرائيلي، حيث قال الأخير إنه تعرض لرصاص مسلحين ورد عليها، فيما قالت الرواية الرسمية السورية إن الجيش الإسرائيلي حاول التدخل في إحدى القرى وقصفها بقذائف دبابات.
هذه الصيغة التي اتبعتها الخارجية في دمشق لا تختلف كثيرا عن الخط الذي سارت عليه للتعليق على التوغلات الإسرائيلية وعمليات القصف السابقة، التي وقعت بعد سقوط الأسد.
ولا تختلف الصيغة أيضا عن تلك التي عبّر عنها الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، أكثر من مرة.
وترى الباحثة كولوريوتيس أن خيار المواجهة العسكرية بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل ليس مطروحا لدى الشرع، على الأقل في الوقت الراهن، ولا ينبغي أن يكون كذلك.
فسوريا منهكة عسكريا واقتصاديا وأمنيا، وحتى جغرافيا، ولا يزال المشهد في شرق سوريا والسويداء غامضا. ولذلك، فإن وقوع المواجهة يعني إعطاء رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وحكومته، التي لا تزال تنعم بنشوة انتصاراتها على المحور الإيراني في المنطقة، مبررا لتوسيع سيطرتها داخل الأراضي السورية، تضيف الباحثة.
وتوضح أنه وبناء على هذا الواقع يبقى خياران مطروحان أمام إدارة الشرع.
ويذهب الخيار الأول، بحسب الباحثة باتجاه "الاستجابة للشروط الإسرائيلية بمنع أي انتشار عسكري، بما في ذلك الأفراد الذين يحملون أسلحة خارج سلطة الدولة السورية".
أما الخيار الثاني فهو دبلوماسي، ويرتبط بمحاولة فتح باب المفاوضات غير المباشرة، في ظل الرفض الشعبي للمحادثات المباشرة، ورفض هذا الخيار من قبل شخصيات مهمة في الإدارة السورية الجديدة.
وتوضح كولوريوتيس أنه، ومن خلال هذه المفاوضات غير المباشرة، "سيتم التوصل إلى تفاهمات تؤدي إلى هدوء مستدام في جنوب سوريا".
"رسالتان وتصعيد"
وبعد سقوط نظام الأسد وضعت إسرائيل سلسلة من الأهداف، قالت إنها تريد تحقيقها في سوريا.
كان من بين الأهداف مثلا: "حماية الأقلية الدرزية"، وأضافت إليها بالتدريج الهدف المتعلق بـ"نزع السلاح من جنوب سوريا" و"ضرورة إقامة نظام فيدرالي في البلاد".
لكن، وبعيدا عن تلك الأهداف، بعينها أعطت التحركات الإسرائيلية وعمليات التوغل لم تنقطع في درعا والقنيطرة والقصف المتواصل على مواقع وقطع عسكرية في جنوب ووسط البلاد مؤشرا على أن ما تريده إسرائيل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.
غارات إسرائيلية تستهدف قاعدتين عسكريتين في سوريا
أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، شن ضربات جديدة استهدفت قاعدتين عسكريتين في سوريا.
ويقول الباحث السوري، ضياء قدور، لموقع "الحرة" إن "إسرائيل بقيادة نتانياهو تحاول الإيقاع بالإدارة السورية الجديدة في فخ الحروب".
ويضيف: "ومن المهم أن تظل الحكومة السورية صامدة في مواجهة هذه التهديدات، وأن تستمر في البحث عن الحلول الدبلوماسية الممكنة، بينما تحافظ على حقها في الدفاع عن نفسها ضد الاعتداءات".
ويجب أن تظل دمشق "تحذر أيضا من مغبة وتداعيات استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتوسعها على الصعيد الداخلي، وتأثيرها على جهود الإدارة السورية في مكافحة الإرهاب والاستقرار السوري"، بحسب قدور.
ولا تزال الإدارة السورية الجديدة تتجنب التعامل مع تعقيدات ملف جنوب سوريا والتدخلات الإسرائيلية، و"ما نعرفه حتى الآن هو أن إدارة الشرع أرسلت رسالتين مطمئنتين إلى الجانب الإسرائيلي"، تقول الباحثة كولوريويتس.
وتضيف أن "الرسالة الأولى كانت عبر قطر والثانية عبر الأردن. والاثنتان غير كافيتين".
"أوراق"
وتشير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، على رأسهم نتانياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر إلى أن إسرائيل تنظر للإدارة الجديدة في دمشق كـ"تهديد".
وفي غضون ذلك دائما ما تسلط وسائل الإعلام العبرية الضوء على الهواجس التي تراود إسرائيل على خلفية توسع النفوذ التركي في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد.
وقبل أن تندلع أحداث قرية كويا بريف درعا استهدف الجيش الإسرائيلي بغارات جوية قاعدتين وسط وجنوب شرقي سوريا. وكانت الأولى في تدمر الصحراوية والثانية تعرف باسم "t4".
ورغم أن هذه الضربات تعتبر جزء من سلسلة واسعة ومتواصلة إلا أن التوقيت الذي جاءت فيه حمل "رسائل غير مباشرة"، وفقا للقناة 12 الإسرائيلية.
وهذه الرسائل استهدفت تركيا، التي انتشرت أنباء عن نيتها إنشاء قواعد دائمة وكبيرة وسط سوريا، حيث توجد مدينة تدمر بريف محافظة حمص.
هجمات إسرائيل في سوريا.. ماذا وراء توسعها جغرافيًا؟
لم تعد الهجمات التي تنفذها إسرائيل في سوريا مقتصرة على مواقع وقدرات عسكرية في جنوب البلاد فحسب، بل باتت تأخذ مستويات أكبر على صعيد العمق الجغرافي، وهو ما تؤكده خارطة الضربات التي حصلت لمرتين هذا الأسبوع.
وتعتبر الباحثة كولوريويتس أنه لدى دمشق أوراق عدة يُمكنها استخدامها لخفض التصعيد الإسرائيلي في جنوب سوريا.
فمن جهة فإن التوصل إلى اتفاقية دفاع عسكري مشترك مع تركيا يُمكن أن يكون له أثر إيجابي على الحدود السورية الإسرائيلية، وهو ما بدأ الحديث عنه مؤخرا، خاصةً فيما يتعلق بنية أنقرة إنشاء القاعدة في منطقة تدمر.
كما يُمكن للمملكة العربية السعودية أن تلعب دورا أساسيا مع الجانب الأميركي لإنهاء التصعيد العسكري الإسرائيلي، بحسب الباحثة.
وتوضح أن الرياض، منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد، كانت داعما مهما للإدارة السورية الجديدة، كما تتمتع العاصمة السعودية بعلاقات استراتيجية مع إدارة ترامب، وبالتالي يُمكنها المساهمة في طمأنة واشنطن، التي بدورها يُمكنها الضغط على حكومة نتانياهو لتغيير سياساتها في سوريا.
"كل يوم تأخير من إدارة الشرع في معالجة ملف التصعيد الإسرائيلي وإعطائه الأولوية سيكون له تأثير سلبي على الاستقرار العام في سوريا"، كما تنظر كولوريوتيس للمشهد.
ومن جهته يعتبر الباحث السوري قدور أن "الهجمات الإسرائيلية لا يبدو لها أي مبرر أمني. هي مجرد محاولة لفرض الهيمنة والضغط على النظام السوري الجديد وشعوب المنطقة".
ويضيف قدور أن "إسرائيل تسعى بقيادة نتانياهو، إلى تصعيد التوترات لاستخدامها كأداة لتحويل الأنظار عن أزماتها الداخلية. ولكنها بذلك تُعرّض المنطقة لحروب غير ضرورية، وتهدد مستقبل الاستقرار الإقليمي عبر استمرارية استخدام القوة العسكرية".
لكن الباحث السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، يعتقد أن توسيع نطاق الهجمات الإسرائيلية في سوريا على المستوى الجغرافي "يندرج في إطار سلسلة تطورات تنظر إليها إسرائيل بعين مستاءة".
فمن جهة، يوضح شتيرن لموقع "الحرة"، أن إسرائيل "لا تزال ترى بالحكومة السورية الجديدة تهديدا".
ومن جهة أخرى، "تتوجس إسرائيل من التقارب الكبير جدا الحاصل بين دمشق وأنقرة، وما يرافق ذلك من أحاديث وتوقعات عن اقتراب البلدين (سوريا وتركيا) من توقيع اتفاقيات قد تضمن للجيش التركي التمركز في مناطق متقدمة داخل سوريا"، وفق شتيرن.