"لم أتمالك نفسي.. بكيت من شدة الفرح عندما أخبرني البقال أن ديني قد تم سداده بالكامل"، هكذا تروي خديجة (56 عاما)، الأرملة التي تعيش بأحد الأحياء الشعبية بمدينة القنيطرة قرب العاصمة الرباط، قصتها مع حملة "تحدي الكارني".
تشجع تلك المبادرة التضامنية المشاركين فيها على سداد ديون الأسر التي تعاني الحاجة لدى محلات البقالة، عبر تسوية مبالغ مسجلة في "الكارني" (دفتر الديون) وفق إمكانياتهم، ويتحدى كل مشارك 5 أشخاص آخرين للقيام بالمثل ومشاركتهم في الحملة.
بعد وفاة زوجها، تحملت خديجة وحدها مسؤولية إعالة أطفالها الثلاثة من دخلها المتواضع في تنظيف البيوت، لكن عدم استقرار عملها جعلها تلجأ إلى دفتر الديون لدى البقال لتوفير احتياجاتها الأساسية، حتى تراكم عليها مبلغ 800 درهم (حوالي 80 دولارا)، وأصبحت تخجل من دخول المحل.
وصفت خديجة في حديثها لموقع "الحرة" شعورها عندما طُلِب منها التوجه للبقال، قائلة: "شعرت بالخوف والتوتر، ظننت أنه سيطالبني بالسداد، وأنا لا أملك درهما واحدا. كنت أفكر طوال الطريق فيما سأقوله له، لكن المفاجأة كانت أكبر مما تخيلت. أخبرني أن شخصا مجهولا سدد عني الدين، دون أن يكشف عن هويته".
وأضافت الأرملة وهي تغالب دموعها: "لم يكن الأمر مجرد إغلاق حساب، بل شعرت أن هناك من يفكر فينا، من يساعدنا دون أن نطلب. إنها لحظة لن أنساها ما حييت، لأنها أعادت إلي الأمل وسط هذا الغلاء القاتل".
وختمت خديجة حديثها بدعوة الجميع لدعم هذه الحملة، قائلة: "أتمنى أن يستمر (تحدي الكارني) كل عام، لأن هناك الكثير من الأمهات مثلي ممن ينتظرن هذه اللفتة الإنسانية في صمت".
"عبء ثقيل"
"هناك من يبقى مدينا لي لأكثر من عام.. وبعض الزبائن لم يعودوا يجرؤون على دخول المحل من شدة الإحراج"، بهذه الكلمات، يروي يوسف صابيري، صاحب محل بقالة في الدار البيضاء، لموقع "الحرة"، كيف أصبح دفتر الديون عبئا ثقيلا على زبائنه وحتى عليه كتاجر، خاصة مع ارتفاع الأسعار وتزايد أعداد الأسر التي تجد نفسها مضطرة للاستدانة لتوفير حاجياتها الأساسية.
ويضيف صابيري: "معظم من يعتمدون على الكريدي (الاستدانة) هم الأرامل أو العمال الذين يعملون بشكل متقطع، لكن حتى الموظفين أصبحوا يعانون. كيف يمكن لمن يدفع 1500 درهم (150 دولار تقريبا) للإيجار، وفواتير الماء والكهرباء، أن يكفيه راتبه؟.. الناس في ضيق حقيقي".
"قفة رمضان" تثير غضب مغاربة
مشاهد لولي عهد المغرب وهو يوزع مساعدات على فقراء البلد لمناسبة شهر رمضان، فيما يتم توتيق ذلك بالصوت والصورة، أثارت غضبا وانتقادات لما تسبب من "إذلال" للمحتاجين.
ويتابع متحدثا عن أثر الغلاء: "أسعار المواد الأساسية ارتفعت بشكل غير مسبوق، فصار كثيرون يقترضون أكثر من قدرتهم على السداد، وهذا يجعلهم يغيبون عن المحل لأشهر، وأحيانا يغيرون بقالهم حتى لا يواجهوا إحراج الديون المتراكمة".
أما فيما يتعلق بمبادرة "تحدي الكارني"، يقول صابيري مبتسما: "رأيت أشخاصا يبكون من الفرح حين علموا أن ديونهم سددت، بعضهم ظل واقفا مصدوما غير قادر على التصديق. إنها مبادرة تخفف العبء عن الجميع، وأتمنى أن تستمر وتنتشر في كل المدن".
"تطور الحملة"
ومن جانبه، يلخص حمزة الترباوي، أحد منسقي حملة "تحدي الكارني"، النجاح المتزايد لهذه المبادرة في موسمها الرابع، بقوله "كل عام نفاجأ بمدى التفاعل.. والآن صرنا نفرح بدل أن نتفاجأ".
ويضيف، في حديثه لموقع "الحرة"، أن الحملة تتبناها وسائل الإعلام والمؤثرون بشكل واسع، كما أن انتشارها لم يعد يتطلب مجهودا كبيرا، إذ يتبناها الناس تلقائيا بروح من الكرم والتضامن.
ويشرح الترباوي أن الحملة لا تساعد فقط الأسر المعوزة، بل تخفف أيضا العبء عن أصحاب محلات البقالة الذين يتكبدون خسائر بسبب الديون غير المسددة، قائلا: "البقال يمنح الدَّين بناء على الثقة، لكنه أحيانا ينتظر طويلا دون أن يحصل على مستحقاته، بينما الفقير قد يشعر بالإحراج الشديد من العودة للمحل".
أما عن سبب ربط الحملة بشهر رمضان، فيوضح الترباوي أن رمضان هو شهر العطاء والتكافل، والمغاربة كرماء بطبعهم. مردفا "ما نقوم به ليس اختراعا، فلطالما كان الناس يسددون ديون الآخرين سرا، نحن فقط أضفنا عنصر التحدي ليكون الأمر أكثر انتشارا وحماسا".
ويختتم تصريحه بالتأكيد على أن الحملة تتطور عاما بعد عام، قائلا: "نطمح إلى أن نصل يوما إلى مستوى لا يعود فيه أحد محتاجا للديون أصلا، لكن حتى ذلك الحين، سنواصل تطوير المبادرة، وربما نوسعها لتشمل مجالات أخرى مثل الصيدليات، لأن معاناة الفقراء لا تقتصر على الغذاء فقط".