رسائل ردع أم ترتيبات كبرى.. ما وراء الحشد الأميركي غير المسبوق بالمنطقة؟
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
تباينت آراء المحللين والخبراء حول أهداف وخطط أميركا من الدعم غير المسبوق لـ"إسرائيل" والحشد العسكري في المنطقة، عقب هجوم كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- على ثكنات وقواعد مستوطنات غلاف غزة.
وفي حين رأى بعض المحللين أن واشنطن تهدف للردع من إرسال حاملات الطائرات والقوات الخاصة للمنطقة، أشار آخرون إلى أن الأمر أكبر من ذلك ويرتبط بترتيبات كبيرة في الشرق الأوسط، حيث يعتقد الغرب أنه في مرحلة فارقة تاريخية لاستعادة سيطرته على العالم.
يقول الدكتور لقاء مكي -الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات- إن ما يجري أكبر من مجرد ردع، "فالرسائل عسكرية مباشرة وذات بعد إستراتيجي"، ولم يستبعد وصول قوات غربية أخرى وترتيبات سياسية تتجاوز فلسطين المحتلة.
وأشار إلى أن الأمر يتعلق بترتيبات كبيرة بالمنطقة، واستدل بكلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول تحالف دولي ضد حماس، ليذهب إلى أن ما يحدث "ترتيبات لما بعد المعركة وليس للردع فحسب".
ونوه إلى توحد الحزبين الديمقراطي والجمهوري خلف التحرك الأميركي ودعم إسرائيل، وقال إنه تأييد غير مسبوق فاق حرب أكتوبر 1973، وشدد على أن الغرب لم يعد ينظر للبعد الإنساني "وإنما لتحقيق الأهداف".
وأضاف أن أميركا أيدت إسرائيل في حربي 1967 و1973، وتشارك معها حاليا في القتال والمساهمة في بعض العمليات الميدانية، قبل أن يؤكد أن الحشد العسكري الذي يجري خلال الفترة والفترات المقبلة "سينجم عنه تغير مهم في تاريخ المنطقة".
ويعتقد أن ما يسمى بـ"محور المقاومة" مهدد أساسي لمصالح أميركا، وضرب بالممر الاقتصادي الذي يبدأ من الهند مرورا بدول خليجية وإسرائيل ثم أوروبا مثالا، ولفت إلى أنه يأتي في سياق منافسة مبادرة "الحزام والطريق" الصيني.
وخلص في ختام تعليقه إلى أن الحشد العسكري يتعلق بالمصالح المستقبلية وإعادة السيطرة على مصادر الطاقة وإعادة تنظيم العالم من طرف الغرب، مشيرا إلى أن هذا سبب وقوف الغرب بحزم ضد الصين وروسيا وحماس.
ما بعد 7 أكتوبر
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور خليل العناني، أن جزءا من الدعم الأميركي لإسرائيل يحمل بعدا معنويا، وتحسبا أميركيا لأي اجتياح لغزة خاصة حرب المدن والشوارع التي خبرها الأميركان، وإمكانية توسع المعركة إقليميا مع إيران أو أذرعها.
وأشار إلى أن هناك شرق أوسط آخر بعد 7 أكتوبر "قد تصبح فيه إسرائيل دولة لا يخافها أحد بحال فشلت عمليتها البرية في غزة"، أو "قد تكون القوة المهيمنة في حال نجح اجتياحها".
ومع ذلك يعتقد العناني أن الوجود الأميركي مرتبط بوضع إستراتيجي وإرسال رسائل ردع، واستبعد بالوقت نفسه تدخل إيران لكنه قال إن اتساع جبهات الحرب ستكون جحيما على أميركا بعدما قدم رئيسها جو بايدن مصالح واشنطن على طبق من ذهب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أما دلالات هجوم حماس، يؤكد الأكاديمي أنه ضرب "الشرق الأوسط الأميركي" الذي بني قبل عقود بداية من عملية السلام بين مصر وإسرائيل، ويرتكز على أن تكون الأخيرة القوة المهيمنة التي تكبح القوى المعادية لأميركا، ووصف خطاب حل الدولتين الذي تردده واشنطن بالخادع، بعد انخراطها في مسار التطبيع.
ورأى أن هجوم حماس ضرب كل ذلك حيث اتضحت إسرائيل بأنها ليست بالقوة التي صورت، وأعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة حتى أن الأنظمة السلطوية بالمنطقة سمحت بالتظاهر خوفا من تحرك شعوبها والإطاحة بها.
وحول المكاسب التي حصدها بايدن من دعمه القوي لإسرائيل، أشار إلى ارتفاع تأييده الشعبي قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل، ونوه إلى تأثير الكتلة اليهودية لا حجمها، لكنه شدد على أن ما فعله بايدن مقامرة سياسية قد تطيح به.
ردع واحتواءمن جانبه، قال الخبير العسكري والإستراتيجي فايز الدويري إن الحشد الأميركي من حاملات طائرات وجسر جوي وإرسال قوات خاصة يعد الأكبر منذ عملية "عاصفة الصحراء"، وأضاف أن التعامل مع حماس وقطاع غزة لا يتطلبان هذه القوة.
وعير عن اعتقاده أن إرسال خبراء ومخططين إستراتيجيين أميركيين يهدف لردع ما وراء حماس، في إشارة إلى حزب الله ووكلاء إيران في سوريا والعراق، وطهران أيضا.
ويرى أن أميركا لا ترغب أن تتورط إسرائيل بالشكل الذي لا تتحمله لكون جيشها لا يملك القدرة الكافية في قتال المدن خلافا للجنرال الأميركي جيمس غلين الذي أرسل لتقديم المشورة.
وحصر الوجود الأميركي في نقطتين، الأولى تخص تحديد إطار العملية، في حين تخص الثانية قوة دلتا الأميركية ذات البعدين الاستخباري والتنفيذي لذلك "قد تنفذ عمليات دقيقة ومحددة لتحرير الأسرى في غزة وليس للعمل على أرض القطاع".
وختم حديثه بالتأكيد أن إسرائيل إحدى أدوات تنفيذ الهيمنة الغربية على المنطقة، لافتا إلى أن الأوضاع العالمية أصبحت أكثر تعقيدا، ويعد الشرق الأوسط قلب مشاكل العالم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
«الظّل» الذي طاردته إسرائيل لعقود.. من هو «محمد الضيف»؟
أعلن أبو عبيدة الناطق باسم كتائب “القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس”، في وقت سابق أمس الخميس، مقتل قائد هيئة أركان الكتائب القائد محمد الضيف خلال معركة “طوفان الأقصى”، إلى جانب أربعة آخرين من كبار قادتها خلال الحرب بين إسرائيل والحركة في قطاع غزة، فمن هو محمد الضيف الذي طاردته إسرائيل لعقود؟
ويعد الضيف صاحب المسيرة الطويلة والمحاطة بالغموض في حماس، حيث كانت له قدرة كبيرة على التخفي والإفلات من مطاردة إسرائيل التي وضعته على رأس قائمة المطلوبين منذ عقود، فمن هو الضيف؟
ارتبط اسم محمد الضيف، منذ التسعينيات بفصائل “المقاومة الفلسطينية”، ويعتبر أحد أبناء الجيل الأول من “القساميين”.
منذ أكثر من ثلاثة عقود، قاد الضيف كتائب “الشهيد عز الدين القسام”، متجاوزا محاولات الاغتيال المتكررة التي جعلته أشبه بالشبح الذي يؤرق إسرائيل ويعيد صياغة معادلات الصراع في كل مواجهة، وصولا إلى معركة “طوفان الأقصى”.
نشأته وبداية حياته العسكرية:
وُلد محمد دياب إبراهيم المصري، المعروف بـ”محمد الضيف”، عام 1965 في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، لعائلة هجّرت من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ليستقر بها المقام في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة.
تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس مخيم خان يونس كما بقية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجِّروا من ديارهم وأرضهم وممتلكاتهم.
تأثر منذ صغره بواقع “الاحتلال وظروف اللجوء القاسية”، وهو ما دفعه للانخراط في صفوف “حماس” خلال دراسته في الجامعة الإسلامية بغزة، حيث درس العلوم وكان من الناشطين في الكتلة الإسلامية.انضم إلى حركة “حماس” منذ صغره وكان عنصرًا نشيطا فيها.
شارك في فعاليات الانتفاضة الكبرى التي اندلعت نهاية عام 1987 واعتقل في إطار الضربة الأولى التي وجهتها القوات الإسرائيلية للحركة في صيف عام 1989 بتهمة الانضمام إلى الجناح العسكري للحركة الذي كان الشيخ صلاح شحادة (قتل في صيف 2002) قد أسسه آنذاك، وكان يحمل اسم “حماس المجاهدين” قبل أن يطلق عليه اسم “كتائب القسام”، وأمضى عاما ونصف العام في السجن.
أفرجت إسرائيل عام 1991 عن الضيف من سجونها ليلتحق بالمجموعات الأولى لكتائب “القسام” التي أعيد تشكيل الجهاز العسكري من خلالها، وذلك من خلال مجموعة خان يونس، والذين قتل معظمهم مثل ياسر النمروطي وجميل وادي، هشام عامر، وعبد الرحمن حمدان، ومحمد عاشور، والأسير حسن سلامة وغيرهم من المقاومين.
أصبح الضيف مطلوبا لإسرائيل، بعد مشاركته في تنفيذ العديد مما يسمى بـ”العمليات الفدائية” والاشتباك مع قواتها.
بدأت عملية مطاردته بعد أن رفض تسليم نفسه. وتمكن خلال هذه الفترة ومن خلال إتقانه للتخفي والبقاء في مكان واحد لفترة طويلة، من ألا يقع في قبضة القوات الإسرائيلية حيا أو ميتا.
برز دور الضيف بعد اغتيال عماد عقل الذي برز اسمه في سلسلة “عمليات فدائية” في نوفمبر من عام 1993، حيث أوكِلت إليه قيادة “كتائب القسام”.
خلال هذه الفترة، استطاع الضيف أن يخطط وينفذ عدة عمليات نوعية، وكذلك تمكن من الوصول إلى الضفة الغربية وتشكيل العديد من “الخلايا الفدائية” هناك، والمشاركة في تنفيذ عدة “عمليات فدائية” في مدينة الخليل والعودة إلى قطاع غزة.
لعب محمد الضيف دورا كبيرا في التخطيط لعملية خطف الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان عام 1994 في بلدة بير نبالا قرب القدس والذي قتِل وخاطفيه بعد كشف مكانهم.
وظهر الضيف وهو يحمل بندقية وبطاقة هوية فاكسمان التي هربت من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، حيث كان ملثما بالكوفية الحمراء.
ومع اشتداد الخناق على المطلوبين لإسرائيل في قطاع غزة، رفض الضيف طلبا بمغادرة قطاع غزة خشية اعتقاله أو اغتياله، لا سيما في ظل سياسة قصف المنازل التي يعتقد أن بها أيا من المطلوبين، وقال كلمة مشهورة آنذاك: “نحن خلقنا لمقاومة الاحتلال إما أن ننتصر أو نستشهد”، وذلك على الرغم من موافقة عدد من زملائه على الخروج من القطاع.
تمكن الضيف من أن يؤمن وصول المهندس يحيى عياش، أحد خبراء المتفجرات في الضفة الغربية إلى قطاع غزة بعد تضييق الخناق عليه في الضفة الغربية، وللاستفادة من خبرته في صناعة المتفجرات، حيث تم اغتياله بواسطة هاتف مفخخ مطلع عام 1996.
وقف الضيف وراء عمليات الثأر لعياش، من خلال إرسال حسن سلامة إلى الضفة الغربية للإشراف عليها، حيث قتل في هذه “العمليات الفدائية” حوالي ستين إسرائيليا.
لاحقا، بدأ بالاستعداد لتنفيذ المزيد من العمليات حتى اندلعت انتفاضة الأقصى في سبتمبر من عام 2000 .
ومع إفراج السلطات الإسرائيلية عن الشيخ صلاح شحادة عام 2001، سلّم الضيف الشيخ شحادة قيادة الجهاز العسكري، حيث كلف شحادة الضيف بالمسؤولية عن الصناعات العسكرية للكتائب.
تعرض الضيف لمحاولة الاغتيال الأولى بعد عام من اندلاع الانتفاضة، حيث كان برفقة عدنان الغول (قتل في 22 أكتوبر 2004) خبير المتفجرات في كتائب القسام ونجله بلال، إ أطلقت عليهم طائرة إسرائيلية صاروخا في بلدة “جحر الديك” وقد نجيا من الاغتيال بأعجوبة بعد مقتل بلال في القصف ليغطي على والده ورفيق دربه.
قيادة الجهاز العسكري:
وبعد اغتيال شحادة في صيف عام 2002، أعادت قيادة الحركة المسؤولية للضيف لقيادة الجهاز العسكري.
في 26 سبتمبر من عام 2002، نجا الضيف من محاولة اغتيال ثانية بعد قصف السيارة التي كانت تقله في حي الشيخ، حيث قتل مرافقاه وأصيب بجراح خطيرة للغاية.
وأشارت مصادر فلسطينية إلى تعرض الضيف لمحاولة اغتيال ثالثة في قصف أحد المنازل في صيف 2006 خلال العملية العسكرية “لإسرائيلية بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، حيث قيل إنه أصيب بجراح خطيرة. دون أن تؤكد ذلك كتائب “القسام”.
وكانت أخطر محاولات اغتيالاته في عام 2014، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث استهدفت الطائرات الحربية منزله وقتلت زوجته وابنه، لكن الضيف خرج من تحت الركام ليواصل قيادة المعركة.
منذ توليه القيادة، أدار الضيف العديد من العمليات الفدائية ضد إسرائيل، وكان من أبرز المهندسين الذين عملوا على تطوير القدرات العسكرية لـ”حماس”، بما في ذلك تصنيع الصواريخ المحلية وإنشاء شبكة الأنفاق العسكرية.
دوره في “طوفان الأقصى”:
أطل محمد الضيف في السابع من أكتوبر 2023، ليعلن انطلاق معركة “طوفان الأقصى” التي أشرف عليها وحضر في ميدانها حتى قتل فيها.
ومن أبرز أسباب الطوفان سلوك الاحتلال الصهيوني، ومخططاته القائمة على حسم الصراع، وفرض السيادة على القدس بمقدساتها، تمهيداً للتقسيم المكاني والزماني، ولبناء الهيكل المزعوم.
محمد الضيف لم يظهر في الإعلام، ولم يُعرف له سوى تسجيلات صوتية معدودة، لكن يُنظر إليه باعتباره العقل المدبر للتكتيكات العسكرية التي غيرت طبيعة المواجهة بين “فصائل المقاومة” وإسرائيل.
فخلال معركة “سيف القدس” عام 2021، كان الضيف وراء استراتيجية استهداف تل أبيب بالصواريخ ردا على الاعتداءات الإسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى.
ووضعت إسرائيل، على مدار عقود، محمد الضيف على رأس قائمة المطلوبين، وعدّته أخطر شخصية فلسطينية تهدد أمنها. ورغم كل الجهود الاستخباراتية، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من الوصول إليه، حتى رحل كما “يحب شهيدا في ميدان أعظم معركة شارك في التخطيط لها وفي قيادتها وهي المعركة التي أثبتت هشاشة كيان الاحتلال وقابليته للهزيمة”، وفق المركز الفلسطيني للإعلام.