تتصاعد خسائر الاحتلال الإسرائيلي، منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» التي وقعت فجر السبت في السابع من أكتوبر من الشهر الجاري، لتطول مختلف الأنشطة الاقتصادية، حيث كانت تسعى الحكومة الإسرائيلية خلال السنوات الماضية لاستقطاب استثمارات أجنبية.

ويذهب الكثير من المحللين إلى تأكيد الخسائر الاقتصادية الكبيرة للكيان الصهيوني من جراء عملية «طوفان الأقصى»، وإن كان من المبكر تقدير حجم الخسائر.

الخسائر البشرية في الاحتلال الإسرائيلي

وتعد الخسائر البشرية التي أوقعتها المقاومة في صفوف الاحتلال فادحة بالنسبة للكيان الصهيوني الذي لا يتحمل مقتل هذا العدد الكبير سواء من جنوده أو من سكانه.

كما أن عملية طوفان الأقصى، أجبرت حكومة الاحتلال على نقل حوالي أكثر من نصف مليون من سكان المغتصبات إلى داخل الكيان، وبدأ شتات اليهود في فلسطين في الاحتماء بجنسياتهم الأصلية، ورغبتهم في العودة إلى الدول التي جاؤوا منها.

خسائر الاحتلال الإسرائيليالخسائر التي لحقت بالممتلكات وحجم التعويضات

وكشف مدير صندوق التعويضات في الكيان المحتل، أمير دهان، أن إجمالي الخسائر التي لحقت بالممتلكات منذ بداية الحرب على غزة، يبلغ 1.5 مليار شيكل «نحو 373 مليار دولار أمريكي»، ما يضاهي خسائر تل أبيب في الحرب الكاملة التي شنتها على لبنان عام 2006.

ونقلت صحيفة Calcalist الإسرائيلية يوم الأربعاء الموافق 18 أكتوبر 2023، عن دهان قوله: «تلقينا 15 ألف طلب تعويض، ونتوقع أن يصل هذا العدد إلى 45 ألفا في نهاية الحرب، أي ضعف ما دفعناه في حرب لبنان 2006 التي استمرت 34 يومًا».

ويواجه صندوق التعويضات الإسرائيلي التابع لهيئة الضرائب، أزمة في مواكبة المطالبات التي تنهال عليه في الأيام الأخيرة، حيث أشار الدهان في تصريح للصحيفة الإسرائيلية، إلى أن الصندوق تلقى بالفعل نحو 15 ألف مطالبة، وهذا على الرغم من أن موظفي الهيئة لا يستطيعون دخول مستوطنات النقب الغربي حتى الآن لأسباب أمنية.

كما زعم أن «الكيان المحتل تعرض للقصف بنحو 240 صاروخًا في المتوسط خلال اليوم الواحد من أيام حرب لبنان الثانية، أما الآن فإننا نتحدث عن 25 ألف صاروخ يوم السبت 7 أكتوبر فقط»، على حد قوله.

وأضاف دهان أن الحكومة «دفعت 1.5 مليار شيكل "نحو 373 مليار دولار" من التعويضات عن الأضرار المباشرة في حرب لبنان الثانية بأكملها، إلا أننا وصلنا اليوم إلى المبلغ ذاته تقريبًا ونحن لم ننهِ الحرب بعد».

وأشارت الصحيفة إلى أن الإجراءات تقتضي ذهاب أفراد صندوق التعويضات إلى المنطقة المتضررة، مع المثمنين والمهندسين في أسرع وقت ممكن بعد الحادث، ويفحص الفريق المباني المتضررة لينتهي إلى تقدير أوَّلي للأضرار، ولا يجوز لشاغلي المباني المساس بالمباني والممتلكات أو إصلاح الأضرار دون معاينة المثمن.

لكن بحسب دهان، فإن الوضع في الحرب الحالية يختلف عما كان عليه في الأحداث الماضية، وقال في هذا الصدد: «كنا غالبًا ما نصل إلى مواقع الأضرار خلال بضع ساعات. أما الآن، فيستغرق الوصول 3 أيام، وتتعرض عسقلان لزخات كثيفة من الصواريخ، لذا لا نستطيع الذهاب بفرقِ المعاينة إلى هناك».

وأكد أن «هناك مستوطنات تضررت مرافقها ولا يمكن العودة إليها حالياً، مثل باري، وكفار عزة، ونير عوز، وهناك مستوطنات تمكنت وحدات احتياط الجيش من حمايتها، وإن كانت لا تزال تتعرض للقصف الصاروخي».

خسائر الاحتلال الإسرائيليالخسائر الاقتصادية في الجانب الإسرائيلي

إلى جانب أضرار الممتلكات، لحق الكيان المحتل خسائر اقتصادية فادحة تمثلت في تراجع قيمة الشيكل إلى مستويات غير مسبوقة منذ العام 2015، كما خسرت البورصة جراء استمرار الحرب والتصعيد أيضاً في الجبهة الشمالية مع لبنان.

وتراجعت قيمة الشيكل بشكل كبير ولمستويات بداية عام 2016، وأعلن البنك المركزي الإسرائيلي ضخ 45 مليار دولار من احتياطاته الأجنبية لوقف نزف الشيكل، وتلبية الاحتياجات المتزايدة على النقد الأجنبي.

وقال بنك إسرائيل إن من السابق لأوانه تقييم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الصراع، لكنه أشار إلى الحرب التي استمرت 50 يومًا مع مقاتلي حماس في غزة عام 2014، والتي تسببت في خسائر قدرها 3.5 مليارات شيكل، أو 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتراجعت أسعار الأسهم والسندات الإسرائيلية، وأغلقت العديد من الشركات أبوابها في إسرائيل الأحد.أغلق مؤشر أسهم تل أبيب الرئيسي منخفضاً بنحو 7% مع تراجع أسهم البنوك بنسبة 9% مع مبيعات بلغت 2.2 مليار شيكل (573 مليون دولار)، وانخفضت أسعار السندات الحكومية بنسبة 3% في رد الفعل الأولي للسوق على «طوفان الأقصى».

واستدعى جيش الاحتلال ما يزيد على 360 ألف جندي للاحتياط، مما يعني تركهم وظائفهم وشركاتهم من أجل التعبئة للخدمة العسكرية، وهذا أدى إلى توقف أجزاء من الاقتصاد.

الجدير بالذكر، أن الأداء الاقتصادي لكيان الاحتلال كان يمر بمرحلة صعبة قبل عملية طوفان الأقصى، إذ انخفض بنسبة 60% في الاستثمار الأجنبي بالإضافة إلى تدهور قيمة الشيكل الإسرائيلي خصوصاً في سوق الأسهم وارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع التضخم وتزايد توقعات تباطؤ نمو الاقتصاد، فأتت هذه الحرب لتضربه بمقتل وتهريب مليارات الدولارات من أسواقه وذلك إلى جانب التحشيدات العسكرية التي تستنزفه استنزافًا دائمًا وكبيرًا.

وأعلنت هيئة الرقابة على المصارف الإسرائيلية أن الجهاز المصرفي سيعمل بشكل محدود في ما يتعلق باستقبال الزبائن، وهبوط «مؤشر بورصة تل أبيب 35» بنسبة وصلت إلى 6.65% خلال التعاملات، قبل أن يغلق هابطاً 8.04%.

خسائر الاحتلال الإسرائيليأضرار قطاع السياحة في الكيان المحتل منذ بدء العملية

وتكبد قطاع السياحة والسفر خسائر فادحة، مع إلغاء مئات الرحلات وتعطل معظم المطارات الإسرائيلية وإلغاء حجوزات فندقية لعشرات الآلاف من السياح، حيث أبلغت الفنادق عن كثرة المكالمات إلى مراكز الخدمة، وإلغاء الحجوزات المستقبلية من قبل السياح.

ونصحت عدة دول مواطنيها بعدم السفر إلى الكيان المحتل والمناطق الفلسطينية المحتلة، كما قامت أخرى بإعادة سياحها من هناك.

وأعلنت شركات الطيران إلغاء رحلاتها إلى الكيان المحتل، عقب تنفيذ عملية «طوفان الأقصى»، حيث توقفت حركة الطيران في مطار بن غوريون.

فوضى في دولة الاحتلال الإسرائيلي

لم تتوقف الفوضى في المستوطنات الإسرائيلية عند هذا الحد، حيث انقطع التيار الكهربائي في عدد من المستوطنات جنوبي الكيان المحتل «بالقرب من قطاع غزة»، كما انقطعت الطرق بين عدد منها، فضلاً عن انقطاع خدمة الإنترنت، وإلغاء الدوام المدرسي في وسط وجنوب الكيان المحتل، ما يعني أن حوالي مليون طفل سيبقون في منازلهم، وإغلاق الشركات التي تفتح عادة أيام السبت، بما في ذلك محال البقالة والمقاهي والصيدليات، في جميع أنحاء الكيان المحتل.

وقف إنتاج الغاز من قِبل الكيان الصهيوني

واعلنت شركة شيفرون الأمريكية، المشغلة لحقل تمار الإسرائيلي بالبحر المتوسط، أنها علّقت عمليات إنتاج الغاز الطبيعي من الحقل حتى إشعار آخر، وأكدت الشركة أنها لا تزال تمارس عملها بشكل طبيعي من حقل ليفياثان، عبر تزويد عملائها في إسرائيل والمنطقة.

ويُنتج حقل تمار نحو 7.1 ملايين إلى 8.5 ملايين متر مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي، بحسب موقع شيفرون عبر الإنترنت، وأوردت تفاصيله وكالة «بلومبيرغ».

اقرأ أيضاًارتفاع عدد ضحايا «الأونروا» في فلسطين إلى 35 شهيدًا منذ بداية عملية طوفان الأقصى

المرصد الحقوقي للجرائم الإسرائيلية: الكيان المحتل يرتكب جرائم حرب منذ انطلاق طوفان الأقصى

«طوفان الأقصى».. رئيس الاستخبارات الإسرائيلية: فشلنا وأتحمل المسؤولية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأقصى الاحتلال قوات الاحتلال الاحتلال الإسرائيلي خسائر الجيش الإسرائيلي جيش الاحتلال القصف الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي رئيس الوزراء الإسرائيلي المسجد الأقصى قوات الاحتلال الإسرائيلي القوات الإسرائيلية جرائم الاحتلال جيش الاحتلال الإسرائيلي القوات الجوية الإسرائيلية الإسرائيلي الجيش الاسرائيلي جيش الاحتلال في مخيم جنين الطيران الإسرائيلي الاقصى القوات الاسرائيلية عملية طوفان الأقصى طوفان الأقصى طوفان الاقصى طوفان الأقصي طوفان الاقصى الان طوفان الاقصى اليوم طوفان القدس عملية طوفان الاقصى طوفان الأقصى اليوم طوفان الاقصى مباشر الطائرات الإسرائيلية معركة طوفان الأقصى منذ بدء عملية طوفان الأقصى الاقتصاد الإسرائيلي الشرطة الاسرائيلية الجندي الإسرائيلي خسائر الاحتلال الإسرائیلی الکیان المحتل طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

هل حقا النقاش مقفل في طوفان الأقصى مفتوح في ردع العدوان؟!

مقارنة البيئة المؤيدة لـ"طوفان الأقصى" بالبيئة المؤيّدة لـ"ردع العدوان" من جهة الموقف النقدي ممّا تؤيّده كل منهما؛ خطأ، ليس فقط لأنّ المقارنة اعتباطية، واستمرار في خطاب غير بريء يهدف دوما إلى الحطّ من القضية الفلسطينية بوصفها "قضية" لتتحول إلى مسألة فلسطينية/ إسرائيلية، أو في أحسن الأحوال بوصفها "قضية" غير قابلة للحلّ فلنتخلص منها إذن، ولكن أيضا؛ لأنّ المشهد القائم الآن هو حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزّة ممّا يستوجب موقفا إزاءها أكثر كثافة وحضورا من ذلك الهمّ العجيب الذي يسكن بعض المعقّبين العرب على الحدث، وهو همّ: "لماذا لا تنتقدون عمليتكم؟ لماذا لا تقبلون نقدنا؟"، وذلك في حين أنّ عملية "ردع العدوان" قد انتهت بدخول دمشق والبدء بترتيب المرحلة الانتقالية من خلال ما يُسمّى بـ"الإدارة السورية الجديدة"، فالنقد الذي يوجّه لأحمد الشرع وفريقه من أوساط سورية مؤيّدة لإسقاط الأسد، ليس نقدا لـ"ردع العدوان" التي جرت وانتهت سريعا، ولكن لكيفيات ترتيب "سلطة الأمر الواقع".

فقط التذكير بهذه الحقيقة، وهي أننا الآن إزاء ترتيبات حكم جديد في سوريا، لا إزاء "ردع العدوان"، يكفي لبيان الخلل في هذه المقارنة، بقطع النظر إن كان الانصراف عن هذه الحقيقة قد نجم عن غفلة أو تغافل، فالدافع الضمنيّ واحد، وهو كيف نتخلص من فلسطين بوصفها "قضية"، ونجعلها مجرّد مسألة تخصّ أصحابها، نضعهم على قدم التساوي مع الإسرائيليين، حينما نقول "مسألة فلسطينية/ إسرائيلية". لكن وبالرغم من هذه المغالطة المكشوفة، فلنسلّم جدلا بأنّ البيئة المؤيدة لإسقاط الأسد تُقدّم نقدا واسعا وحرّا لأحمد الشرع وفريقه، فهل هذا النقد حاصل داخل "هيئة تحرير الشام"، والقوى الأقرب إليها سياسيّا وأيديولوجيّا؟!

فلنقارن إذن المواقف النقدية بين الذين ما يزالون يرون فلسطين "قضية" و"إسرائيل" عدوّا ويرجون تحرير فلسطين، وبين مؤيدي إسقاط الأسد، بمن فيهم قاعدته الاجتماعية التي تآكلت باستمرار، لنجد أنّ الحالة النقدية إزاء عملية "طوفان الأقصى" كانت الأكبر والأكثر وضوحا، لأنّه علينا والحالة هذه أن نأخذ الشعب الفلسطيني بعمومه
سيُقال إنّ القضية ليست بين بيئة "حماس" وبيئة "تحرير الشام"، بل بين عموم البيئة المؤيدة لعملية حماس، بما فيها قوميون ويساريون، وعموم البيئة المبتهجة بسقوط الأسد. حسنا، المقارنة بين هاتين البيئتين لا تخدم الغرض المخاتل من هذه المقارنة، فقد تبيّن أنّ عموم السوريين، بما في ذلك أوساط كانت من القاعدة الاجتماعية لنظام الأسد، قد رحّبت بهذا التحوّل بعدما تعفّن النظام من الداخل، وازداد تآكله بعد "قانون قيصر"، فلم يكن يحتاج إلى أكثر من يركله ليتهاوى.

كان عموم السوريين يرغبون في التخلص من ذلك الوضع، فهل نتوقع من هذا العموم بأطيافه المختلفة، سواء في إطار المعارضة سابقا والتي لم تكن حتى ائتلافا جبهويّا وإنما كيانات متخالفة حتّى وإن نجح الشرع في مرحلة الجولاني في إضعاف أكثرها لصالح جماعته، أم في إطار ما كان قاعدة اجتماعية للنظام، ألا يصدر عنه (أي هذا العموم) نقد لإدارة الشرع وفريقه للمرحلة الراهنة؟! بل إنّ النقد المشاهد، أقلّ ممّا يزعم المقارنون المغالطون، ربما بسبب بهجة الإنجاز، أو بسبب الإحساس بالمسؤولية لتمرير هذه الفترة بأقلّ الخلافات. ولكنّه حقّا أقلّ مما زعم هؤلاء المغالطون، الذين يكبّرون ما يريدون ويصغّرون ما يريدون! وبعضهم يتورّط في صغار استشراقي حينما يردّ النقد السوري للشرع إلى احتكاك السوريين بالمجتمعات الديمقراطية التي لجأوا إليها! فذمّ النقاد السوريين من حيث أراد مدحهم!

إن كان الأمر كذلك، فلنقارن إذن المواقف النقدية بين الذين ما يزالون يرون فلسطين "قضية" و"إسرائيل" عدوّا ويرجون تحرير فلسطين، وبين مؤيدي إسقاط الأسد، بمن فيهم قاعدته الاجتماعية التي تآكلت باستمرار، لنجد أنّ الحالة النقدية إزاء عملية "طوفان الأقصى" كانت الأكبر والأكثر وضوحا، لأنّه علينا والحالة هذه أن نأخذ الشعب الفلسطيني بعمومه، فالفلسطينيون كلهم يرون "إسرائيل" عدوّا ويصفون صراعهم معها بأنّه "قضية" لا مجرد مسألة. ومن نافلة القول إنّ الأصوات الفلسطينية الناقدة لـ"طوفان الأقصى" عالية وشديدة الوضوح، وبعضها تجاوز النقد إلى الاتهام المتغافل عن حقيقة أن "إسرائيل" كيان إباديّ في منشئه ووجوده واستمراره! علاوة على تلك الأصوات العربية التي تُخصَّص لها قنوات تلفزيونية وذباب إلكتروني وينفق عليها ما يفوق الملايين! (وهؤلاء النقّاد المغالطون يستكثرون وجود من يتصدّى لهذه الحملة الدعائية الدولية)!

لقد تحوّل النقد الذي يبحث في صحة التقدير السياسي، أو حتّى فاعلية المقاومة المسلّحة، إلى اتهام للضحية، بحجة أنّ العدوّ معروف عداؤه فلا ينبغي أن نشغل أنفسنا في ذمّ ما هو ذميم بداهة، وهو أمر لم يخلُ في الكثير من حالاته من عزل لمنفّذي "طوفان الأقصى" عن بقية أبناء شعبهم، وتجريدهم من وصف الضحايا، وحرمانهم من حقّهم في التعاطف، مع أنّ الإبادة الجارية في غزّة تجري عليهم كما على بقية أبناء شعبهم هناك، وبنحو أكثر تركيزا وكثافة!

هذا الخطاب الذي تجاوز النقد في قسوته إلى درجة الاتهام والإدانة، هل يمكن التغافل عنه؟! لأنّنا لم نعد بين مؤيّدي "طوفان الأقصى" ومؤيدي "ردع العدوان"، بل بين من يرون فلسطين قضية، وبين من يؤيدون إسقاط الأسد! وإلا فالمشكلة ليست عندنا حينما نعدّل المقارنة لتكون بهذا النحو، وإنّما عند من يعاني من وسواس وصف فلسطين بالقضية (راجع مقالة حازم صاغية المنشورة في "الشرق الأوسط" بتاريخ 1 كانون الثاني/ يناير 2025 بعنوان "طوفان الأقصى وردع العدوان: إغلاق النقاش وفتحه..."، علما بأنّ الردّ هنا لا يقصده حصرا، بل كلّ من يعاني وسواسا آخر، وهو وسواس: "لماذا لا تنتقدون طوفان الأقصى؟!" ويقترف المغالطات ذاتها وما يشبهها).

بعض الذين أعجبتهم هذه المقارنة الصفيقة، يرفضون ما يفعله غيرهم من مقارنة الأثمان التي دفعها الغزيون بتلك التي دفعتها شعوب ومجتمعات أخرى في ثوراتها التحررية وأنجزت تحررها في نهاية المطاف (آخرها بالمناسبة الثورة السورية التي أنجزت إسقاط الأسد) لاختلاف السياقات والحيثيات، مع أنّ المقارنة قد تكون من حيثية معينة ولا تقصد المطابقة، وبعض هؤلاء كانوا يرفضون مساءلتهم لماذا تصرّون على قراءة "طوفان الأقصى" فقط من زاوية الأثمان الإنسانية الهائلة التي دفعها الغزيون (وهي أثمان بالضرورة ينبغي اعتبارها وقد تكون أهمّ ما في الأمر كلّه فعلا على الأقلّ في المدى القريب)، بينما كنتم ترفضون مساءلة الثورة السورية التي كلّفت السوريين أثمانا مروعة كانت تُستخدم باستمرار بلا سبب مفهوم للقول إنّ معاناة الفلسطينيين أقلّ من معاناة السوريين و"إسرائيل" أكثر رحمة من نظام بشار الأسد؟! ولماذا لم تحمّلوا الثورة السورية مسؤولية الإبادة الأسدية لكون الأسد مذموم ومتهم بداهة؟! فكانوا يجيبون أنّ الثورة لم يطلقها طرف محدّد يوجه له النقد ويُحمّل المسؤولية بخلاف "طوفان الأقصى" التي نفّذتهما "حماس". وبالرغم ممّا في هذه الإجابة ممّا يمكن الردّ عليه، فإنّها كافية للكشف عن الهوى الذي يندفع به هؤلاء، فالتنوع الكبير في الثورة السورية يستدعي حتما نقدا لأحمد الشرع وفريقه، فالثورة في مبتدئها والفاعلين فيها طوال سنوات المحنة السورية أكبر من "هيئة تحرير الشام" حتى لو آلت الأمور حتى الآن للشرع وفريقه، لكن فلنلاحظ كيف أنّ هذا التنوع يُستدعى في وقت، ويُطمس في وقت آخر، لدى الشخص نفسه، لأغراض سجالية!

في كلّ تجربة هناك من يتحسسون من النقد، أو يتحفظون عليه، منهم الجزميون الوثوقيون، وهم صنف لا يخلو منه مجتمع بشري أو جماعة فاعلة، ومنهم الذين يعتقدون أنّ المسؤولية تقتضي إرجاء النقد أو التخفيف من غلوائه أو الالتفات إلى المشهد بكلّيته، لكن في المقابل، هؤلاء الذين يعتقدون أنّهم نقديون، ونقدهم لا يتجه إلا للفاعل الفلسطيني (ما هو حجم النقد الموجّه للأنظمة العربية التي تسمح باستمرار الإبادة في غزّة؟! ولماذا حصر المشكلة في التعاطي مع "إسرائيل" في إيران واستغلالها لها، أو في استغلال النظام الأمني الأسدي لها من قبل؟! وهل الأنظمة العربية الأخرى ليست أمنية؟! ولماذا يتحمّس البعض للحروب الأهلية في المنطقة أو بين شعوبها مهما كانت كلفتها ولكنه يتحسس من المواجهة مع "إسرائيل"؟ لم تكن المشكلة مع القراءات النقدية لعملية "طوفان الأقصى"، وإنّما مع تحويل النقد إلى إدانة للفاعل الفلسطيني، وتحميله مباشرة مسؤولية الإبادة الواقعة عليه كما هي واقعة على أبناء شعبه، والتغافل عن الطبيعة الإبادية للكيان الإسرائيلي، وتناسي الحالة الفلسطينية السابقة على العملية، وقصر المعالجة على عملية "طوفان الأقصى" دون التفات مكافئ لمواقف أخرى سهّلت استمرار الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين بما في ذلك مواقف عربيةهذه الأسئلة لا تقصد كاتب المقالة المشار إليه أعلاه، بل الكثيرين ممن ناقشناهم أو اطلعنا على آرائهم المبثوثة في مواقع التواصل الاجتماعي).. أقول هؤلاء الذين يحسبون أنفسهم نقديين، هل منعهم أحد من النقد؟! هل يفعلون شيئا سوى نقد المقاومة الفلسطينية ومن يساندها؟! فلماذا كل هذا الوسواس تجاه من يتمسك بتأييده لـ"طوفان الأقصى" أو يرفض ما يقولونه من نقد؟!

على أية حال لم تكن المشكلة مع القراءات النقدية لعملية "طوفان الأقصى"، وإنّما مع تحويل النقد إلى إدانة للفاعل الفلسطيني، وتحميله مباشرة مسؤولية الإبادة الواقعة عليه كما هي واقعة على أبناء شعبه، والتغافل عن الطبيعة الإبادية للكيان الإسرائيلي، وتناسي الحالة الفلسطينية السابقة على العملية، وقصر المعالجة على عملية "طوفان الأقصى" دون التفات مكافئ لمواقف أخرى سهّلت استمرار الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين بما في ذلك مواقف عربية، ووضع الحَبّ في طاحونة الإسرائيلي حينما لا تكون الخلاصات إلا تردادا للدعاية الإسرائيلية، بقطع النظر عن الدوافع، وإن لم يخل المشهد العامّ من متصهينين صرحاء، فمن اختلفت دوافعه ولكنّه وافقهم في خطابهم، عليه تحمّل المسؤولية الشخصية عن صياغاته لخطابه، والحاصل أنّ مثل هذا النقد المتفق في منطوقه مع الدعاية الإسرائيلية، هو فعل "إباديّ للعقل وللأخلاق وللحرّيّة" وليس الموقف الرافض له!

ولكن يمكن الاستنتاج من هذه التناقضات، أنّ ذلك البعض يرى فلسطين عبئا، أو موضوعا غير قابل للحلّ، أو مسألة تضخمت بغير مبرر لتكون قضية، وأنّ على الفلسطينيين أن يدركوا أنهم "ليسوا محور الكون"، لنكون أمام خطاب ذبابيّ عام يقول: "فلسطين ليست قضيتي"!

* ملاحظة: كتبت أكثر من مادة تضمنت مراجعة للحسابات السياسية لعملية "طوفان الأقصى"، منها ورقة سياسات بعنوان "موقف حماس: الحرب وآثارها في الحركة ومستقبلها" منشورة في موقع "مؤسسة الدراسات الفلسطينية في شباط/ فبراير 2024، أي تقريبا في مطالع الحرب، ومقالة مطولة أخيرة في "مجلة الدراسات الفلسطينية" الصادرة في كانون الثاني/ يناير 2025، بعنوان: "ظلال التاريخ وأشباح المستقبل: "حماس" والجهاد بعد طوفان الأقصى"، وغرض هذه الملاحظة القول إنّ رفض ذلك النقد المشار إليه في هذه المقالة، لا يعني رفضا للنقد المسؤول المتوخي للحقيقة والملتزم الصرامة العلمية والأخلاقية في قراءته النقدية.

x.com/sariorabi

مقالات مشابهة

  • صحة غزة تُعلن وفاة مريضة بسبب نفاد الوقود
  • رئيس الوزراء العراقي: الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية السبيل الوحيد لاستقرار المنطقة
  • رئيس الوزراء العراقي: موقفنا ثابت بإدانة الحرب الإسرائيلية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني
  • مازال لمعركة طوفان الأقصى ما تقول…
  • هل حقا النقاش مقفل في طوفان الأقصى مفتوح في ردع العدوان؟!
  • الاردن يدين نشر حسابات رسمية اسرائيلية خرائط لمناطق من الاردن على انها جزء من الكيان المحتل
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية: تأييد شعبي غير مسبوق لوقف الحرب وإبرام صفقة
  • عاجل | القناة 14 الإسرائيلية: السلطة الفلسطينية سلمت إسرائيل منفذة عملية الطعن التي وقعت أمس في بلدة دير قديس
  • أبو عبيدة: أبطال الضفة بقلب معركة طوفان الأقصى
  • طوفان الأقصى