عدن الغد:
2024-12-24@00:16:31 GMT

عشرة أيام في المحافظات الجنوبية(تقرير)

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

عشرة أيام في المحافظات الجنوبية(تقرير)

عدن(عدن الغد)خاص.

تقرير: احمد الولي 

في صبيحة سبت مشرق من أيام مايو توجهت ناحية مدينة عدن في زيارة عمل، والحصول على جواز سفر بدل فاقد كنت متحفز -تحفزًا من ذلك النوع الذي تحاول فيه تبديد صعوبة ما - وعلى وقع اغنية "زور محبك اذا نام الغيور " لحسين محب امسكت بمقبض السيارة الواقع أعلى النافذة على يمين الراكب وحلقت وحيدا اعانق عنان السماء الشاهقة، قد لا تدركني إلا ابصار النسور المحلقة.

وسرعان ما بدد النغم الأصيل ومناظر الجبال الخضراء في ضواحي صنعاء كآبة التفكير في الطرق الوعرة والمسافة الطويلة التي ينبغي أن أقطعها لسنوات من الزمان، كانت مدينة عدن الواقعة على ساحل خليج عدن وبحر العرب مقصداً سياحياً للكثير من اليمنيين، لكن منذ اغلاق مطار صنعاء في أعقاب حرب أهلية طاحنة عام 2014 تحول جزء كبير من تلك الزيارة السياحية إلى زيارة سفر شاقة وغير مرغوبة.

طريقنا نحو عدن

بالنسبة لمدينة ساحلية جميلة مثل عدن فقد كانت السياحة تنمو بالفعل قبل اندلاع الحرب في الوقت الحالي الطريق من صنعاء الى عدن أقل توتراً من قبل، وليس هناك ما يعكر صفو المسافر سوى الطرقات البديلة الطويلة والوعرة التي خلقتها الحرب ،لم يعد التنقل صعباً كما كان، لقد تقلص توتر الجنود والمسافرين خلال العامين الماضيين لأسباب تتعلق بارتخاء قبضة الصراع المسلح في اليمن بشكل عام ،فبدلا من الوصول إلى عدن في سبع ساعات او اقل يمكن ان يطول الوقت ليصبح الوقت 15 ساعة أو أكثر.

*النقاط على الطريق

عشرات النقاط الأمنية ما بين صنعاء وعدن يقف بالقرب منها جنود سئموا سؤال الناس من اين اتيتم والى اين سوف تذهبون؟ الكثير منهم يكتفي بأي مبلغ مالي ولو كان زهيداً، حتى يكفيك عناء الرد على اسئلته المكررة يتوسط هذه النقاط العديد من المتسولين الجدد ضحايا الحرب الذين فقدوا مصدر رزقهم بعضهم يتسول واخرون يصلحون الحفر وينتظرون ما تجود به ايادي السائقين، بعد قرابة تسع ساعات وصلنا أخيراً الى مدخل عدن، أوقفنا أحد الجنود في نقطة العلم طلب منا هوايتنا، ثم ترجلنا من السيارة لتفتيشها ثم مضينا بدون مشاكل تذكر. 

*طاهرة الثرى

حين تصل الى عدن تتبدد أي صورة سلبية لك عن المدينة وابنائها. إنهم أولئك الطيبين والمحترمين والمتعاونين لا تكاد تسأل عن شيء حتى يبادروا في ارشادك بل والسير معك حتى تجد وجهتك إن كانت قريبة،ليس لديهم ضغينة تجاه صنعاء او القادمين منها لكن الجرح الذي خلفه حلفاء الماضي "صالح وجماعة أنصار الله الحوثيون" لا يمكن اخفاؤه ،إن اثار الدمار الهائل على المدينة بارز مثل وشوم المحاربين القدامى،عدن مدينة جميلة وجاذبة غير انها بحاجة الى الانصاف الان أكثر من اي وقت مضى ،يرسل ساحل ابين امواجه الهادئة بسخاء ناحية المباني المهدمة التي لم يعد يطل من شرفاتها احد ثم ينسحب ليلا وكانه يحتج على هذا الصمت.

في الصباح يتهادى الزوار وأولئك الذين ادمنوا اشراقة الشمس على الساحل ليكون ذلك عزاء كافيا الحريات في عدن، هناك تراجع على مستوى الحريات المدنية والشخصية التي تميزت بها عدن فمنذ طرد  قوات جماعة انصار الله  الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح من المدينة في يوليو 2015 , أخذت سمة الانفتاح التي ميزت عدن تتقلص تدريجياً لصالح التشدد الزائر لعدن سيلاحظ طغيان اللون الأسود على النساء والفتيات بشكل عام،في الجامعة او الاسواق او المنتزهات تمشي المرأة مرتدية عباءة وبرقع ،والبعض يرتدين القفازات القماشة. رغم حرارة الطقس الخانقة،الامر الجيد ان ظاهرة التحرش اللفظي او المضايقات للنساء  في عدن محدودة للغاية عكس بقية المحافظات لاسيما صنعاء ،

 

*المرأة العدنية

 

تمشي العدنية بثقة الملكات دون ان تسرق بضعة نظرات في وجوه المارة، بالنسبة للفتاة العدنية هناك شموخ يتجاوز الحشمة! في مساء أحد الأيام قررنا ان نخرج للتسوق كنت ارتدي برمودا، وبينما كنت اشق طريقي ناحية مول كبير في مدينة المنصورة منعني شخصين يقفا علة بوابة المول، بحجة ان ما ارتديه، لا يجب ان أتجول به في الشارع امام الناس. بحسب الحارسان،وبالنسبة لشخص قادم من المحافظات الجبلية الباردة سوف يكون من الصعوبة التأقلم في هذا الجو الخانق وكانت الملابس القصيرة ملاذ للتحايل على هذا الطقس المتطرف،حاولت الوصول الى الصراف الالي في بداية المول على الأقل لكنهم منعوني بحزم قائلين: هناك بالداخل العديد من العوائل ولا ينبغي التجول بهذه الملابس. 

 

سألني أحدهم شاب في منتصف العشرينات من عمره من اين اتيتم؟

قلت لهم: من صنعاء فقال باندهاش: هل تستطيع ارتداء مثل هذا في صنعاء تحت سلطة الحوثيين؟ 

فقلت له: -حتى هذه الأيام - نعم. انا بالفعل ارتديه, لم يصدقني وقال: ربما لو لبسته سيقطع الحوثيين قدماك!

ثمة تصور وحشي يعوزه الدقة حول ممارسات الحوثيين ضد الحريات المدنية في الشمال.

في كريتر التي يطلق عليها السكان عدن ذهبت للبحث عن غرفة في أحد الفنادق على الشارع الرئيسي، دخلت الى الباحة وكان هناك جدارية عليها شهادات من عدة جهات تقر بجودة الفندق وخدمته،حدقت قليلاً ثم قلت لمالك الفندق وهو رجل بشوش في منتصف الخمسينات: بما أن هذه الشهادات هنا فالأكيد ان لديكم غرف رائعة !

 رد بابتسامة: هذه كانت في عهد المرحوم علي صالح  " اما الان لا يوجد شيء، حتى خدمتنا فقدت الكثير من قيمتها" لقد كان صدقاً معي لدرجة انه نصحني بود في اسم فندق آخر وسط كريتر,وللأسف كان ذلك الفندق ممتلئ بالكامل.

 

*إدارة الجوازات في المعلا

 

في صبيحة يوم الاثنين توجهت الى إدارة الجوازات في كريتر بغرض قطع جواز بدل فاقد ارتديت بنطلون انيق وشميز ابيض تحسبا لعمل صورة جديدة للجواز، بطبيعة الحال فان التعويل على جمال صور الوثائق الشخصية امر ميؤوس منه.

 الامر اشبه باختيارك لإحدى القصات الموجودة في صوالين الحلاقة, وفي نهاية المطاف يمنحك الحلاق قصة شعر تشبه تلك التي حصلت عليها في اول يوم لك بالمدرسة ،كانت مصلحة الجوازات مزدحمة بشكل لا معقول وكان اليمن برمتها توجهت الى هناك ،لا تعتمد المطارات العربية وربما الأجنبية الجوازات الصادرة من مناطق سيطرة جماعة انصار الله الحوثيين، وهي مناطق ذات كثافة سكانية عالية، وبالتالي لكم ان تتخيلوا حجم الازدحام في جوازات عدن.

شقيت طريقي وسط الزحام , وتذكرت الفيلم  المصري الإرهاب والكباب حين وجد الفنان عادل امام نفسه وقد تحول الى إرهابي عندما عجز عن اكمال معاملة ما في مصلحة حكومية،تتشابه المقار الحكومية في عموم اليمن لا شيء اقدم منها ، مكاتب متهالكة وارضية محفرة بسبب وقع اقدام أولئك الذين بات حصولهم على جواز بلدهم امنية،لكن بخلاف الازدحام والتقادم على المبنى فانه ما يزال من الأماكن القليلة التي يرفرف فيها النسر الجمهوري على اكتاف ورؤوس الموظفين ،قابلت رجلا بعد الاستعانة بموظف اخر دفعت له خمسة الاف ريال ومن المفترض ان هذا الموظف  هو من سوف يعمل على استخراج جواز جديد لي ،كان شخص ضجر ويتعرق، ينظر للجميع بحنق وكأنهم السبب في زعزعة سكينته، كان الموظف يدير ظهره  للناس ويتوجه للحديث الضاحك مع اثنين من زملائه لقرابة نصف ساعة ، وحين اعتقد الجميع انه قد اصبح جاهزا لإنجاز المعاملات اقبل احدهم يحمل سندوتشات بيض وعصير ليمون ووضعها امامه ثم شرع الرجل رحلة أخرى من تبديد الوقت.

 

طالبته بأدب أن يستعجل، لكنه نظر الي وكأنني خصم قديم, ادخل اسمي في الجهاز وبعد مرور وقت طويل اخبرني أنهم لا يمنحون جوازات بدل فاقد، هناك سماسرة  قالوا لي إن دفع مبلغ ٨٠٠ ريال سعودي سوف يمنحني جواز بدل فاقد خلال يومين ،رفضت الفكرة وقلت له سأعود الى عدن حين تقوم الدولة بتوفير جوازات بدل فاقد، والى اليوم لم استطع الحصول على الجواز.

*الطريق الى شبوة

كانت الساعة تشير الى السادسة صباحا حين قررنا ان نتوجه الى محافظة شبوة ,السماء صافية والشمس ترسل اشعتها الذهبية لمعانقة البحر فيعكسان جمالاً آسراً ،كنا قد تناولنا لتونا خمير وشاهي بالحليب وهذه الوجبة الصباحية احد الاشياء التي يمتاز بها المطبخ العدني ،وبينما كنت ادلق في فمي الرشفة الاخيرة من الشاي كان جنود يتبعون قوات الحزام الامني قد اوقفونا في نقطة خليج عدن .

قال لنا جندي بعد ان اخذ هواتفنا ووثائقنا الشخصية، أنتم في ورطة كبيرة، لا أحد يستطيع انقاذكم سرحت بخيالي وتذكرت القصص المروعة التي قرأتها عن معتقلين في سجون عدن، كنت وقتها انظر من نافذة السيارة الى وجوه الجنود حولنا وتذكرت طفلتاي، لا أدرى لماذا تبادر الى ذهني شكلهما اللطيف عند استيقاظهما كل صباح لمعانقتي، وما إذا كنت سارهما ثانية ام لا، تساءلت في نفسي ما الذي يمكن فعله في مثل هذا الموقف الذي قرر فيه جندي إدانتك بدون تهمة سوى أنك قادم من صنعاء، اخذوا هواتفنا واحتجزونا على الخط، ومما زاد الموقف صعوبة أن لا أحد يعرف بأمرنا لم نتمكن من التواصل مع أحد وقلت في نفسي" يبدوا ان طريق النهايات السيئة يتشابه".

بقي صوت المسجلة خافتاً على وقع اغنية "رجع أيلول وانت بعيد، بغيمة حزينة قمرها وحيد" للفنانة فيروز حيث كنا محتجزين بالقرب من كثيب رملي قد سد الافق امامنا، وبقينا نحدق فيه مراهنين على مهارة زميلنا الذي ترجل من السيارة لمحاولة إقناع الجنود اننا مجرد اشخاص مدنيين لا نشكل أي خطر ولم نقم بما يمكن ان يجعلهم يهددونا بالسجن الذي لن نرى فيه الضوء.

حين فتش السيارة عثر فيها على كيس به سندوتشات بيض، فتحها ثم قال بحنق انا كنت اشتي سندوتش جبن وحلاوى، ليش ما فيش معاكم؟ قلت له انا لا يعجبني الجبن والحلاوى، ولم اتخيل انني سأقابل أحد الجنود يحتجز المارة ويفضل سندوتشات الجبن، وصرخ قائلاً اسكت ولا كلمة بعد مرور ساعة تقريبا من الإهانة، والتهديد والابتزاز النفسي وتفتيش الصور في هواتفنا أخبرنا الجندي انهم يريدون المال.

كان زميلي يحمل شنطة من ذلك النوع الذي يربط على الخصر ، وبها مبلغ كافي للذهاب الى شبوة والإقامة في منتجع قنا ليومين ، واثناء ما كان يقوم بعد بعض المال ليعطيها للجندي، قال له بسخرية "ايش تعمل ، حتى هذه الفلوس اللي بالمحفظة لن تكون كافية لمنحكم الحرية" ! وبعد شد وجذب حصل على مبلغ كبير كان كفيلاً بتعطيل التوجه الى شبوة.

عدنا ادراجنا الى عدن وكادت الرحلة ان تتعطل لعدم توفر المال لولا نجدة أحد الأصدقاء الذي منحنا سلفة موازية لما تم أخذه منا.

قررنا التوجه مرة أخرى الى شبوة، مررنا بساحل ابين حتى وصلنا الى النقطة التي تم احتجازنا فيها قبل ساعتين، ووجدنا الجندي الذي احتجزنا يلوح لنا بحفاوة واعطانا رقم هاتفه للاتصال به إن واجهتنا مصاعب في الطريق ابتسمنا لكوميدية الموقف وقررنا ان لا تعكر هذه الحادثة على صفو الرحلة.

على الطريق الساحلي الممتد ما بين عدن وابين وصولاً الى شبوه ثمة نقاط عسكرية كثيرة، يقف عليها مجندون بائسون. أكثرهم كبار في السن ،معظم النقاط التي مررنا بها لم يطلب منا الجنود أكثر من قنينة ماء باردة، ماء لا أكثر،وانت تستشعر حرارة الجو المرتفعة حين تفتح زجاج السيارة في نقاط التفتيش تحس بهلع الجنود الذين يخشون الموت عطشاً وحيدين في طريق ساحلي قافرو في بعض النقاط كان الجنود يطلبون سجائر.

وعلى طول الطريق الساحلي الممتد بمساحة تقدر بـ 360 كيلو متر تقريباً تجذبك بعض القوارب المتوقفة على الساحل الازرق، كأنها لوحة فنان، بينما يتكثف حضور اللوحات الاعلانية للزبادي والصابون على جانبي الطريق وهي ضمن منتجات شركة هايل سعيد انعم، بالنسبة لمسافر على الخط الطويل يريد الوصول لوجهته بواسطة سيارة دفع رباعي فإن اخر ما سيفكر فيه هو الزبادي والصابون.

تعزز المتحدة للتامين حضورها بشكل مبالغ فيه عبر زرع اطنان من الحديد للتحذير من خطورة الكثبان الرملية ، لكن تلك اللوحات الحديدية لا تخبرك مثلاً عن المسافة المتبقية بين منطقة وأخرى, ولا ترشدك لشيء عدى تحذيراتها،فقط احذر امامك كثبان رملية ، او احذر امامك منعطفات خطيرة, وينتابك شعور ان هذه اللوحات وضعت للمشتركين في خدمة التامين الصحي الخاص بالمتحدة للتامين وكأنها لا تريد تحمل كلفة ان يصاب أحد مشتركيها.

*منتجع قنا 

في الواحدة ظهراً تقريباً وصلنا الى متنجع قنا السياحي الواقع ضمن نطاق جغرافي لمنطقة "عين بامعبد" إن كنت ستنفق مالك لقضاء إجازة رائعة رفقة اسرتك فيجب عليك الذهاب الى منتجع قنا بالنسبة لسكان المحافظات الشمالية يُفضل أن تكون الزيارة في الشتاء منتجع راقي ونظيف، سلسلة من الفلل الحديثة تحتضن شاطئ ساحر بمياه فيروزية ورمال بيضاء ناعمة ،تطل فيلات المنتجع على المياه، وتوفر فرصة لممارسة رياضة السباحة دون الخوف من الغرق بالنسبة للمبتدئين. بالإضافة الى حديقة أطفال ومطعم ومغسلة.

 

*الصباح الثاني

 توجهنا ناحية مدينة عتق في الطريق الى عتق مررنا بمنازل طينية في مناطق حبان والحوطة وجردان، تستحق هذه التحف الهندسية ان يتحدث عنها العالم لفرط جمالها  إنها ليست بيوت إنها لوحات فنية لو كان هناك من يسوقها لأصبحت مزاراً سياحياً عالمياً، وصلنا لعتق والحق ان عاصمة المحافظة ليست كما تبدوا في البومات المصورين، فهي صغيرة، ويعوزها معظم الخدمات. كما ان الفنادق التي تقدم خدمة جيدة محدودة للغاية،ثمة إنفاق باذخ على الديكورات الخاصة بمحلات البنشر ومستلزمات السيارات، حتى أنك قد تتفاجأ انها أكثر سعة وكلفة وابهار من ديكورات البنوك الاهلية.

هناك المئات من العمال الشماليين حيث لا أحد يضايقهم وحيث الشعور يتنامى أن العديد من الروابط والمشتركات تجمع الشماليين وأبناء شبوة على نحو خاص، في المجمل ربما لن يعجب المتعصبين للانفصال القول ان الشارع الجنوبي آخر ما يهمه الان هو قضية الانفصال.

يجب على القادة الجنوبيون المتحمسين للانفصال ان يشعروا بالقلق ذلك أن الشارع ليس معهم بشكل كلي، لكن وعلى الرغم من تراجع تلك الأصوات المطالبة بالانفصال إلا ان فكرة تشطي اليمن قائمة وتشكل مخاوف من احتمالين: دعم الامارات القوي للتشطير، وقبول حوثي بالتقاسم شريطة سيطرته على مناطق الشمال.

نزلنا في فندق يدعى الصفوة، وقد لاحظت ان هناك هوس بهذا الاسم في محافظتي شبوة وعدن هناك أكثر من فندق بهذا الاسم وعدد من المحلات التجارية وقد تعثر حتى على بقالة صغيرة بنفس الاسم ،معظم أبناء شبوة لا يتعاطون القات، وحين استفسرنا عن السوق أخبرنا أحد الأشخاص انه قد تم نقله بعيداً عن المدينة بأمر من نائف البكري المحافظ السابق لشبوه،انطلقنا ناحية السوق وعلى الطريق رأينا معسكر القوات الخاصة وعلى جدرانه صور لعسكريين قتلوا  واثار معركة كانت شرسة بما فيه الكفاية ،ثم لاحظت في طريق العودة مقر اللجنة العليا للانتخابات بالمدينة، والشيء الغريب ان اللجنة التي توقفت اعمالها منذ 13 عاماً تقريباً كانت قد استبدلت لتوها لوحة قديمة بلوحة جديدة.

في الصباح التالي قررنا العودة الى عدن أكلنا السندوتشات في بوفية قريبة من الفندق, شربنا الشاي وكان حلواً بشكل مبالغ فيه ، ثم طلبت عصير مانجو بارد لمحاولة تبديد الرطوبة على الرغم اننا في ساعات الصباح الأولى، وكان السكر زائداً  لدرجة انني لم استطع بلعه، ربما يفسر هذا الاستخدام المفرط للسكر الارتفاع الغير مبرر لأسعاره عالمياً ،في طريق عودتنا الى عدن عبر محافظة ابين مررنا بمنطقة الوضيع مسقط راس الرئيس هادي،منطقة جرداء بيوت عادية مبنية من البلك وبعضها من الحجر ، ليس هناك خدمات او جامعة او مستشفى,  لا قصور ، ولا فلل وحتى الطريق الاسفلتي ليس جيداً ؟

في الحقيقة لا يمكننا ان نصف هادي بالنزيه حتى نجد مبرر للوضع الأقل من عادي التي بدت عليه مسقط رأسه ، وهذا يبرر حالة النكران التي لمسناها له في بلاده كرئيس سابق بحثت عن اي شيء من العرفان لهادي حتى وإن كان بشكل غير رسمي لكنني لم أجد،ليس هناك سوى صورة متداعية موضوعه  في جدار  مطعم يبيع دجاج مشوي ، بالقرب من مركز صحي من دور واحد عليه طلاء ابيض يشبه الضريح، لا شيء مميز في بلاد الرئيس يجعل من الذين يمرون بهذا المكان يعرفون أن التراب اللي يطاونه سبق وأنجب نائباً للجمهورية اليمنية ظل لمدة أكثر من عشرين عام ثم رئيس لليمن لقرابة العشر سنوات.

 

اثناء مغادرتنا لمحافظة ابين صدف أن وجدت في نهاية اليوم والشمس ترسل اشعتها الأخيرة وراء لوحة قماشية موضوعة على سارية كبيرة صورة متداعية للرئيس هادي وعيدروس الزبيدي ،في الحقيقة كانت صورة هادي قد تلاشت بالفعل وبقي عيدروس يلوح وحيداً لمواطني محافظة لديها رئيسين,  ولكن النساء هناك يفارقن الحياة  اثناء الولادة لعدم وجود خدمة رعاية طبية.

*العودة الى صنعاء 

كنا قد امضينا عشرة أيام في عدن وشبوة وابين ولما انتوينا  العودة الى صنعاء قررنا ان نسلك طريق لحج يافع وصولاً الى مديرية الزاهر في محافظة البيضاء ومن هناك الى صنعاء كانت الطريق عبارة عن رحلة من العذاب فهي مليئة بالحفر، والمطبات. والنقاط الأمنية والشاحنات المحملة بالبترول والديزل والحق اننا لم نتلقى أي معاملة مسيئة في نقاط التفتيش بخلاف ما كنا نتوقع لاحظت اسراب من المهاجرين الافارقة ، والكثير من اليمنيين اليائسين على طول الطريق.

في آخر نقطة امنية تقريباً وهي الفاصلة ما بين يافع ومحافظة البيضاء ثمة سارية عملاقة تنتصب بطول قرابة 20 متراً يرفرف عليها علم الجنوب قبل الوحدة اليمنية، هناك شيء لافت وهو شكل الجنود وهندامهم، إنهم يرتدون ملابس عسكرية مرتبة ونظيفة كما لو أنهم جنود نظاميون، وهذا يختلف كلياً عن مظهر العناصر التابعة لجماعة أنصار الله الحوثيين في اول نقطة تسيطر عليها الجماعة، في مديرية الزاهر بمحافظة البيضاء.

هناك مجموعة من الأطفال والبالغين المتحفزين يرتدون زياً شعبياً، يطلبون قبل كل شء ما يقولون انها العملة المزورة وهي النقود  التي تتعامل بها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في مناطق سيطرتها ،ثم يقومون بعملية تفتيش مرهقة للأغراض وهويات المسافرين،  ونحن نعبر من اول نقطة في الشمال، كان الطقس قد اضحى لطيفاً خمس ساعات ما بين الرطوبة في عدن، والطقس المعتدل في البيضاء ،إن هذا التنوع الجغرافي والسكاني المذهل الذي تمتاز به اليمن، جديراً به ان يحظى بنظرة مختلفة من قبل أولئك الفرقاء الذين اعمتهم ولاءاتهم للخارج عن الكنوز التي بين أيديهم.

 

لقد حان الوقت الان لوقف النزاع وبناء اليمن !

 

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: بدل فاقد الى شبوة أکثر من الى عدن فی عدن ما بین

إقرأ أيضاً:

(..) ليصبح الطريق سالكاً للقيادة العامة وإعلان تحرير الخرطوم بحري

الجيش يسيطر على مباني جامعة المشرق بشارع الإنقاذ.. بقيت نقلة واحدة للالتحام بآخر ارتكاز شمالي لسلاح الإشارة عند (كرين بحري) ليصبح الطريق سالكاً للقيادة العامة وإعلان تحرير الخرطوم بحري..

وجدي الكردي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الطريق إلى الأمام في سوريا
  • حلقة ٤ من كتاب .. عدسات على الطريق ..
  • زلزال بقوة 4.9 ريختر يضرب شمال زيمبابوي
  • للمرة الرابعة عشرة (فلسطين 2) يدك عمق الكيان.. أزمة إسرائيلية في مواجهة اليمن
  • “الأرصاد” يحذر المواطنين من طقس شديد البرودة في هذه المحافظات
  • انحراف حافلة لنقل المسافرين عن الطريق الرابطة بين مراكش وأزيلال
  • (..) ليصبح الطريق سالكاً للقيادة العامة وإعلان تحرير الخرطوم بحري
  • الحلقة الثانية من كتاب ..عدسات على الطريق .. !!
  • مشاهدة مباراة برشلونة وأتلتيكو مدريد بث مباشر في الدوري الإسباني اليوم
  • أرسنال يتقدم بثلاثية على كريستال بالاس بالشوط الأول