صنعاء – في 2017 أطلقت الناشطة الثقافية اليمنية، بثينة محمد المختار، ومعها مجموعة من زميلاتها مبادرة ثقافية حملت اسم "صالون نون الثقافي"، تهدف لتشجيع القراءة، عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأخذت على عاتقها تنظيم جلسة ثقافية كل شهر.

تحمل بثينة بكالوريوس علم نفس وهي أم لـ4 أطفال، عملت لفترة في الإرشاد النفسي والتربوي، قبل أن تفتح منزلها لاحتواء فعاليات "نون الثقافي" الشهرية المخصصة للقراءة ومناقشات الكتب واستعارتها ضمن رؤية مستقبلية تطمح إلى: مكتبة في كل حيّ، قارئ في كل بيت.

في 2020، نجحت بثينة -وزميلاتها- في تسجيل مبادرتهن الثقافية لدى السلطات بشكل رسمي، باسم "مؤسسة صالون نون الثقافي" واتخذ الصالون مقرا له في أحد الشوارع الرئيسة بوسط العاصمة صنعاء.

ويوجه "صالون نون" أنشطته، ليس في القراءة ومناقشات الكتب فحسب، وإنما في مجالات وفضاءات ثقافية متنوعة، مثل "دردشات نونية" التي تستضيف تجارب نسوية ناجحة وفعاليات موجهة لليافعين في مجالات إبداعية وتنموية.

وفي نشاط المكتبات، كانت هناك مكتبات تم توزيعها على عدد من المدارس ودور الرعاية في صنعاء وجار التفكير في مشروع "مكتبة الحافلة". وإجمالًا، تستهدف مشاريع نون، فئة المرأة والطفل.

ويوفر "نون"، صالات قراءة مفتوحة يوميا للكبار، من خلال مكتبة متنوعة العناوين والمعارف والعلوم بنظام الاستعارة، تحتوي 3 آلاف كتاب، وأخرى للأطفال قوامها 2000 كتاب في مختلف العلوم والمعارف التنويرية والتثقيفية.

مكتبة "صالون نون" (الجزيرة)

على مدى السنوات الـ3 الماضية، نظم الصالون عشرات اللقاءات المكرسة لقراءة ومناقشة الكتب بشكل جماعي، كما تلتئم أمسيات تدريبية وتأهيلية عبر الإنترنت. وهناك أنشطة موجهة لتعزيز ثقافة القراءة لدى الأطفال.

وبينما تشهد البلاد تداعيات الحرب والتأزم الإنساني كان -وما زال- العشرات من الأطفال في مدينة صنعاء يرتادون "صالون نون الثقافي" حيث تمنحهم "مكتبة نون كيدز" فسحة للقراءة واستلهام معارف وعلوم ينهلون منها ويتزودون بها سواء بالقراءة المباشرة أو عبر نظام الاستعارة الذي يوفره الصالون.

وفي الفترة من 2020 حتى الآن، نجحت إدارة مؤسسة "صالون نون" في إنشاء مكتبات مصغرة في عدد من دور الرعاية والمدارس لكن المشروع تعثر لأسباب كثيرة، مما دفع للتفكير في مشروع "حافلة الكتب المتنقلة"  الذي سيرى النور قريبا.

هناك أيضا "مشروع سيرك المعرفة" في عدد من المدارس بمدينة صنعاء، فضلا عن مسابقات ثقافية موجهة للأطفال مثل "مسابقة كنز المعرفة"، ورحلات وأنشطة ثقافية ترفيهية للأطفال للتعرف على أماكن ومعالم في صنعاء.

في حوار مع الجزيرة نت تتحدث رئيس مؤسسة صالون نون الثقافي بثينة محمد المختار عن أنشطة الصالون ومكتباته المفتوحة للقراءة ومشاريعه وتطلعاته، على طريق تبديد قليل من ضباب الأفق الثقافي في  بلد، صارت الثقافة فيه شيئا من الترف وفعلا مؤسسيا مفقودا في ظروف حرب وعزلة وانهيار اقتصادي باهظ الكلفة.

في البدء، كيف تشكلت فكرة "نون"، متى وكيف خرجت إلى النور؟

نون مؤسسة ثقافية غير ربحية، بدأت قبل سنوات من قبل فتيات من مجالات متعددة، كمجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي، تهدف لنشر حب القراءة، ثم تطورت إلى مبادرة تنفذ الكثير من المشاريع والحملات، إلى أن سُجلت في عام 2020 كمؤسسة ثقافية لها نشاط وأهداف وخطط ورؤى واسعة نسعى من خلالها إلى الوصول إلى "قارئ في كل بيت ومكتبة في كل حي يمني".

تتمحور أنشطة الصالون على القراءة: تحفيز الناس على أن تقرأ في مجتمع يعيش قطيعة عامة مع القراءة في المعظم.. منذ التأسيس وحتى الآن ما الذي أنجزتموه بالأرقام؟

نفذنا 60 جلسة ثقافية تتضمن نقاشات كتب وفقرات ثقافية متنوعة تستهدف النساء، كما نفذنا عشرات الأمسيات والدورات التدريبية في مجالات ثقافية وفنية مختلفة.

قمنا أيضا بأكثر من 96 نشاطا ثقافيا للأطفال حسب أعمارهم المختلفة، إلى جانب نادي اليافعين الذي نفذنا فيه عشرات الورش والدورات.

نساء يستمعن لمحاضرة ثقافية في "صالون نون" (الجزيرة) كيف يتفاعل الناس مع أنشطة نون وهل المرأة اليمنية قارئة؟

بشكل عام، الشعب اليمني -بطبيعته- محب للمعرفة وشغوف بها، لأن اليمن منذ القدم أرض حضارات. بغض النظر عن موجة التجهيل الحاصلة مؤخرا، إلا أن البذرة لا تزال موجودة، فمع كل نشاط نقيمه يبهرنا الحضور والاهتمام من قبل السيدات والفتيات ونحن نلمس هذا كل يوم، فالفتيات والسيدات يحضرن للقراءة والمطالعة يوميا في مكتبات المؤسسة، وهذا يعزز صحة ما نعتقده أن الشعب اليمني شغوف بالمعرفة طالما وجدت له الفرصة وتهيأ له المكان.

كمؤسسة ثقافية غير ربحية، كيف تواجهون متطلبات الإيجار والفواتير والمشاريع والمكتبات وخلافه؟

صحيح، المؤسسة تقوم على مساهمات ذاتية من قِبل رئاستها، وعلى مساهمات من داعمين آمنوا بنا وبالهدف الذي نسعى له، وعلى رأسهم شركة "الجيل الجديد" في صنعاء، التي تعد الداعم الأكبر للصالون.

ولا نزال نبحث عن داعمين آخرين ليساهموا أيضا معنا لنستطيع أن نصل لشريحة أكبر وليتسع نشاط المؤسسة ويكبر. وأملنا كبير بأن هناك كثيرين سيحملون معنا هذا الحلم وهذه الرؤية.

وماذا عن فريق نون.. توزيع المهام والمسؤوليات، وهل الجميع متطوعون؟

في البداية كان كل الفريق متطوعا، شيئا فشيئا أصبح العمل المؤسسي هو الأساس وبدأت تتضح هيكليته، ويكبر فريقه، ويتقاضى أجورا مقابل العمل، وإن كانت ليست بالأجور الكبيرة.

ما الذي تسهرون عليه في خطتكم لما تبقى من عام 2023؟

حاليا نعمل ضمن خطة تتضمن أنشطة ثابتة يومية وأسبوعية وشهرية، تستهدف النساء والأطفال. والمتتبع لنشاط الصالون في منصات التواصل الاجتماعي يجد أنشطة غزيرة ومتنوعة والحمدلله.

في ما تبقى من العام الجاري، لدينا مسابقة للقراءة ستكون هي الأولى على مستوى الجمهورية في تشجيع الأطفال على القراءة، نطمح بعد إطلاقها أن نثبّتها كنشاط سنوي، إلى جانب الاستمرار في ما نقوم به من أنشطة ثقافية توعوية للأطفال والنساء.

أي آلية وضمانات تعتمدونها لإعارة الكتب؟

نعتمد في المؤسسة نظام استعارة باشتراكات "سنوية، ونصف سنوية، وربع سنوية"، بمبلغ رمزي لتشجيع الناس على القراءة، وبنظام توصيل الكتب إلى المنازل في حال رغب العضو المشترك، وللعضو مميزات يحصل عليها عند الاشتراك من خصومات على الورش والدورات وغيرها.

ولا تُلزم المؤسسة الأعضاء بضمانات عند استعارة الكتب، لثقتها في المتَطلّع إلى المعرفة وحب القراءة، وهذا ما لمسناه فعلا في محافظتهم على الكتب.

الضمانة فقط عند الاستعارة من قسم الموسوعات لأنها سلسلة مترابطة.

نتحدث عن مكتبة نون للكبار وأخرى للصغار، كم عنوانا ومؤلفا تحتويه كل من المكتبتين وكيف وجدتم إقبال الأطفال على القراءة؟

تحتوي مكتباتنا إلى الآن 3000 كتاب في مكتبة الكبار، و2000 كتاب في مكتبة الصغار، وبالطبع سيزداد الرقم مع الوقت ليشبع شغف القراء.

الأطفال مفطورون على حب القراءة، والحكايات لها سحر خاص عندهم، وهذا ما لمسناه في مكتبة نون كيدز، فما أن يدخل الطفل المكتبة حتى تجده منغمسا في عالم الكتب والحكايات، وكل ما علينا فعله هو إيصاله إلى المكتبة ليبدأ بعيش مغامرته الفريدة.

وماذا عن مكتبات نون المصغرة في دور الرعاية والمؤسسات والمدارس بالعاصمة صنعاء.. إلى أين وصل انتشاركم؟

المكتبات الصغيرة كانت إحدى المشاريع التي تم تنفيذها، سعينا من خلالها أن نضع نقطة مضيئة في كل دار رعاية بأمانة العاصمة، عملنا عليه لفترة من الوقت ثم توقفنا بسبب ما كنا نلاحظه من إهمال للكتب أحيانا أو ضياعها، واتجهنا للتخطيط لمشروع أكثر استدامة وفاعلية، وهو مشروع "حافلة المكتبة" الذي نسعى لتنفيذه لتكون مكتبة متنقلة بين دور الرعاية تحقق الهدف باستدامة، ونتطلع أن نجد داعمين لهذه الفكرة لكي ترى النور مع مطلع العام القادم، بمشيئة الله.

تستفيدون من التقنية بتنفيذ أمسيات تدريبية عبر الإنترنت، كيف تتفاعل النساء والأطفال مع هذه الفعاليات تحديدا؟ وما أهم المواضيع والمجالات التدريبية التي تشتغلون عليها؟

نحن في المؤسسة نحاول أن نحقق أهدافنا وأن نصل بكل الطرق الممكنة، والإنترنت أصبح وسيلة رئيسية تسهل وصولنا إلى الجمهور اليمني بأكمله وليس فقط في العاصمة صنعاء.

منصاتنا على مواقع التواصل المختلفة تتابعها سيدات وفتيات من مختلف أنحاء الجمهورية من المدن إلى القرى، لذلك لدينا برامج خاصة وفقرات وأمسيات متنوعة يعمل عليها فريق متكامل تغطي مواضيع ثقافية تنموية وتوعوية مختلفة.

كيف هو التفاعل مع القراءة ومناقشات الكتب من واقع تجربتكم في نون؟

مطلع كل شهر يتم الإعلان عن كتاب الشهر الذي سنتشارك قراءته -من قائمة الكتب المعدّة مسبقا، المتضمنة كتبا متنوعة في عدة مجالات- وخلال الشهر يتم نشر تذكير بقراءته لتشجيع العضوات، ثم يُناقش في نهاية الشهر في فقرة خاصة ضمن فقرات جلسة الشهر.

طفلة تقرأ قصتها باهتمام في "صالون نون" (الجزيرة)

لا أخفيك أننا نصل إلى نهاية الشهر وعدد قليل من العضوات فقط قد أكملن قراءة الكتاب كاملا

لكن الحضور يكون كبيرا حتى اللاتي لم يكملن القراءة، رغبة منهن في الاستفادة من المناقشة، ولتحفيزهن على إكمال القراءة.

ولم يفتر هذا من عزيمتنا أبدا، فما نهدف إليه من البداية هو غرس عادة القراءة والالتزام بها وتشجيعهن على المواصلة، ومرة بعد مرة لا بد أن تزداد أعداد القارئات.

تمتد أنشطتكم إلى المسابقات الثقافية وتنظيم رحلات ترفيهية، وهنالك مشروع "سيرك المعرفة".. حدثونا عن كل هذه الأنشطة الموجهة للأطفال؟

"سيرك المعرفة" مشروع ينطلق من رؤيتنا في قسم الأطفال، يركز على دمج المتعة بالمعرفة، حيث ننظم فقرات بطابع ممتع من مهرجين وحكواتيين ولاعبي خفة وغيرهم، ليقوموا بفقرات ثقافية بقالب ممتع.. وتقام أيضا مسابقات ورحلتين تعليميتين خلال العام، لتعزيز قيمة المعرفة والثقافة في نفوس أطفالنا لينشأ جيل محب للمعرفة.

ما الذي تتطلعون إلى تحقيقه، مستقبلا؟

ما نطمح إليه مستقبلا هو ما نعمل عليه كل يوم في مؤسسة "صالون نون الثقافي"، وهو الوصول إلى قارئ في كل بيت ومكتبة في كل حي يمني.

صحيح أن الطريق لا يزال طويلا وأننا لا نزال نخطو بخطوات صغيرة، ولكنها خطى واثقة ومؤمنة ومخلصة وستُحدث أثرا كبيرا يوما ما بإذن الله، لذا ندعو الجميع ليسهموا معنا على طريق خلق مجتمع قارئ محب للمعرفة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: على القراءة

إقرأ أيضاً:

معتقلون يمنيون في سجون الأسد: الحقيقة المفقودة خلف الجدران المظلمة

في الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الفائت، أعلنت وسائل إعلام يمنية وعربية أن مواطنين سوريين عثروا على شخص يدعى حسن محمد الوهيب، وهو طالب يمني يُعتقد أنه معتقل في سجون نظام الأسد في سوريا منذ 12 عامًا.

 

حينها، وصل الخبر إلى عائلته التي تعيش في مدينة إب وسط اليمن، ولم تتمالك زوجته وأولاده الفرحة، ليتم إبلاغ السفارة اليمنية في الأردن بالخبر لمتابعة إجراءات ترحيله إلى اليمن. لكن سرعان ما تبددت الفرحة، بعدما أكدت امرأة من مدينة درعا السورية أن الشاب الذي ظهرت صورته في وسائل التواصل الاجتماعي هو نجلها المختطف في سجن صيدنايا العسكري، وهو شاب سوري لا صلة له باليمن.

 

في حديثه لـ “نون بوست”، يقول صالح الوهيب، شقيق الشاب المختطف حسن الوهيب، إنه على الرغم من حزنه الشديد هو وعائلته لعدم اكتمال فرحتهم بظهور شقيقه، إلا أنهم لم ييأسوا ولم يفقدوا الأمل، وما زالوا متفائلين بأنه سيأتي يوم ويسمعون فيه خبرًا مشابهًا، خصوصًا مع ورود أنباء بين فترة وأخرى بخروج معتقلين من السجون التي كان يديرها نظام الأسد في سوريا أو معرفة مصيرهم على الأقل إن كانوا على قيد الحياة أو قد توفوا.

 

نقطة الصفر

 

قصة اختطاف الوهيب تعود إلى مطلع سبتمبر/أيلول 2014، حيث كان هو وأربعة طلاب يمنيين: “علي حسن سلامة، وهاني نزال، ومحمد عبده المليكي، وأحمد علي ردمان”، على وشك التخرج من تخصص العلوم والاتصالات من أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية في حلب، مبتعثين من الحكومة اليمنية آنذاك.

 

بحسب مصادر متطابقة تحدثت مع “نون بوست”، فإن طريقة اختطاف الطلاب اليمنيين الخمسة كانت مشابهة رغم تفرقهم. فالطالب حسن الوهيب تم اختطافه وهو في طريقه إلى مطار حلب، حيث اعترضته مجموعة مسلحة وقامت باختطافه.

 

حينها، بثت وسائل إعلام فيديو يظهر الطلاب المختطفين، الذين هم في الأساس يعملون ضباطًا في وزارة الدفاع اليمنية. يقول صالح الوهيب: “بالفعل شاهدنا الفيديو الذي ظهر فيه أخي حسن ورفاقه من الطلاب اليمنيين، لكننا لم نعرف ماذا يريد الخاطفون منهم، وكيف يمكننا المساهمة في مطالبتهم بإطلاق سراحهم”.

 

نظم أهالي المعتقلين عددًا من الوقفات الاحتجاجية، أبرزها كانت أمام منزل الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي في صنعاء. وتحرك ملف هؤلاء ليصل إلى وزارة الخارجية اليمنية، التي تابعت الملف بالتعاون مع منظمة “هود” المحلية المعنية بحقوق الإنسان، والصليب الأحمر، ووسطاء داخل اليمن وخارجه، بهدف إطلاق سراح أولئك الطلاب، ولكن دون جدوى.

 

وحينما اندلعت الحرب في اليمن، أصبح ملف أولئك الطلاب طي النسيان، قبل أن يعود إلى الواجهة حينما سقط نظام حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الفائت.

 

في حديثه لـ “نون بوست”، يرى المحامي عبدالرحمن برمان، رئيس المركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، أنه كلما ظُنّ أن قضية الطلاب اليمنيين المختطفين في سوريا قد وصلت إلى النهاية، تعود إلى نقطة الصفر للأسف.

 

يقول برمان: “على سبيل المثال، تواصلنا مع عائلة المختطف الوهيب وأرسلنا لهم فيديو يظهر صورته، وأكدت عائلته أنه هو، وسعدنا لذلك، وبكى عدد من أفراد العائلة، لكن بعد أن تم إبلاغنا من قبل حقوقيين سوريين أنه شخص سوري وليس يمني، انصدمنا”.

 

وأضاف برمان: “لا يزال حتى الآن مصير الطلاب اليمنيين المبتعثين إلى سوريا مجهولًا، حتى الجهة التي خطفتهم ما زالت مجهولة. صحيح أنه تم الإعلان في الفيديو المتداول عام 2012 بأن جبهة النصرة هي التي اعتقلتهم، ولكن جبهة النصرة لم تعلن بشكل رسمي مسؤوليتها عن ذلك. وأنا سافرت إلى سوريا عام 2012، وتحريت وقابلت شخصيات قبلية في سوريا من أجل التوسط في صفقة للعثور عليهم والإفراج عنهم لدواعٍ إنسانية، ولكن تلك الجهود لم تؤتِ ثمارها للأسف”.

 

فقدان الأمل

 

رياض أحمد العميسي، طالب يمني آخر، تم اختطافه خلال التحاقه بالدراسات العليا في الطب البشري في سوريا بعد اندلاع الثورة من قبل نظام الأسد أثناء علاجه للمصابين في مشفى الهلال بمدينة دمشق، من قبل فرع المخابرات الجوية، بحسب تأكيد أحد المقربين من العميسي خلال حديثه مع “نون بوست”.

 

في فبراير/شباط عام 2013، اجتمع عدد من المواطنين اليمنيين في تظاهرة في العاصمة اليمنية صنعاء، طالبوا نظام الأسد بسرعة الإفراج عن الطالب اليمني رياض العميسي.

 

حينها، وعد القائم بأعمال السفير السوري في اليمن، سليمان عادل، المتضامنين مع العميسي بالإفراج عنه خلال أيام. ونفى السفير حينها وجود حكم بالإعدام ضده، لكن قبيلة العميسي هددت بمحاصرة السفارة السورية في صنعاء إن لم يستجب السفير السوري لمطالبها. ولم تنتهِ المظاهرة إلا بعد تدخل قوات الأمن اليمنية في ذلك الوقت.

 

بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2012، تداولت وسائل إعلام يمنية وعربية خبرًا مفاده أن “العميسي تم تحريره من أحد سجون النظام الأسدي من قبل الإدارة السورية الجديدة، وأن رياض خرج من سجن الأسد فاقدًا للذاكرة، ويُجرى حاليًا التواصل مع عائلته في محافظة حجة شمالي اليمن، بينما يعمل شباب يمنيون على الوصول إليه في الأراضي السورية”.

 

لكن تحريات “نون بوست” أكدت أن ذلك الشاب الذي ظهر في فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن العميسي.

 

وقال محمد العميسي، أحد أقارب رياض: “من في الصورة المتداولة ليس قريبنا”، مضيفًا في حديثه لـ “نون بوست”: “ما نزال نبحث عبر ناشطين سوريين عن قريبنا رياض، ولم نفقد الأمل”.

 

وكانت السلطات الأردنية قد نقلت الشخص الشبيه بالعميسي إلى الأردن وأجرت له فحص DNA، وتبين أنه ليس المواطن الأردني المفقود الذي كانت السلطات تبحث عنه.

 

فيما تناقلت وسائل إعلام أردنية وعربية تصريحًا صحفيًا لنضال البطاينة، وهو وزير أردني سابق رافق المعتقل الذي يشبه العميسي بعد وصوله الأردن، أشار فيه إلى أن السلطات الأردنية تلقت اتصالات ومراسلات من مواطني عدد من الدول العربية “يدّعون أو يعتقدون أن ذات الشخص الشبيه بالعميسي ابنهم”.

 

وأضاف: “إن المفرج عنه سيحظى بالرعاية الصحية في الأردن، ولن يُسلم لأي عائلة قبل إجراءات مطابقة الجينات الوراثية”.

 

يرى الصحفي السوري مصعب الياسين أن مصير الكثير من المعتقلين لدى سجون الأسد ما يزال يكتنفه الغموض، وأنه لم يخرج من السجون الأمنية سوى أعداد قليلة.

 

ويقول الياسين لـ “نون بوست”: “للأسف، مضت أيام طويلة على فتح السجون، وإذا كان هناك معتقل خرج ولم يُعرف طريقه، لابد بعد هذه الأيام أن يتم النشر عنه”.

 

الصحفي الياسين، الذي أجرى عددًا من المقابلات مع معتقلين سابقين، يعتبر من وجهة نظره أن كل معتقل لم يتم العثور عليه فهو في عداد الشهداء، لأن المقابر الجماعية في سوريا كبيرة، ولم يتم فتحها نظرًا لعدم وجود تقنيات وخبراء هناك. فبعض المقابر تشير إلى أنها تحوي 200 ألف شخص.

 

وأشار إلى أنه حصل على ثلاث شهادات متطابقة من سجن صيدنايا تؤكد أن كل أسبوعين يتم إعدام 35 شخصًا.

 

ختامًا، تبقى قضية المعتقلين اليمنيين في سجون نظام الأسد واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وألمًا بالنسبة للكثير من العائلات التي فقدت أبناءها في ظل الظروف القاسية والظلام الذي يحيط بمصيرهم.

 


مقالات مشابهة

  • المقاومة تطلق ثلاثة أسرى صهاينة مقابل الإفراج عن110 أسرى فلسطينيين مؤبدين وأطفال
  • فعالية ثقافية في صنعاء الجديدة إحياءً لذكرى الشهيد القائد
  • شركة أمريكية: العمليات في البحر الأحمر مرتبطة بالحرب على غزة 
  • صنعاء.. ندوة ثقافية في مديرية جحانة بذكرى السنوية للشهيد القائد
  • صالون الأوبرا يناقش مصر وإستراتيجيات الدفاع عن التراث الثقافي في معرض الكتاب
  • بدء توزيع الكتب على المؤسسات المشاركة في تحدي القراءة العربي
  • بلينكن يستعد لإطلاق كتاب حول الحروب والأزمات في عهد جو بايدن
  • يمنيون معتقلون في سجون الأسد: حقائق مفقودة خلف جدران الظلام
  • معتقلون يمنيون في سجون الأسد: الحقيقة المفقودة خلف الجدران المظلمة
  • مكتبة مصر العامة بالإسماعيلية تطلق مسابقة ثقافية تحت عنوان أماكن وشخصيات