لجريدة عمان:
2025-03-16@14:04:01 GMT

يون فوسه... أرق الحب

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

يون فوسه... أرق الحب

لا يسعني أن أقول، مع هذا الكتاب الثاني الذي قرأته مؤخرا لــ يون فوسه، حائز جائزة نوبل للآداب هذا العام، إلا أنه صاحب تجربة كتابية فعلية تستحق أن نطلع عليها. ثمة كتابة مختلفة، عن العديد من الكتّاب الأوروبيين الذين اكتشفناهم في هذه السنين الأخيرة. سأحيل سبب ذلك ــ ولو جزافا ــ إلى هذه البيئة الشمالية (الإسكندنافية) التي تلعب هذا الدور في رسم هذا الإطار الذي تتواجه فيه «البرودة» و«الحرارة» في الوقت عينه، لتدخلا في صراع ومواجهة عنيفة كي تتقاتلا إلى أجل غير مسمى، لتقدما لنا في النهاية، لوحة جميلة، تستحق أن نقف أمامها ونتأملها.

كغالبية نصوصه، إلا في ما ندر (وفق ما قرأنا عنه)، يأتي نص «أرق» (بترجمة فرنسية عن منشورات «سيرسيه») في صفحات قليلة أيضا (92 صفحة)، ليرسم لنا الكاتب من خلاله عالما من الحبّ النقي والواضح بين شخصين، بين فتاة وشاب، يبحثان ذات يوم عن مكان يبيتان فيه، بعد أن وصلا إلى إحدى القرى، وبخاصة أنها كانت على وشك أن تلد الطفل الذي تحمله في أحشائها. عبر كلمات قليلة جدا، نجدهما يُعبران عن هذا الضيق الشديد الذي يغمرهما، الذي يغمر هذين الكائنين اللذين يواجهان بمفردهما عالما عدائيا، أينما انتقلا. لذا تبدو الحوارات القليلة التي تطل برأسها فوق الصفحات، وهي حوارات ذات جمل تتألف من كلمات قليلة بدورها، ليأتي الرد عليها، في بعض الأحيان بكلمة «نعم»، وفي أغلب الأوقات بالصمت. كأنه لم يعد أمام الكائن البشري أي شيء ليقوله. لكنه الصمت الذي يكمن وراء هذه القوة التي تجعلهما متماسكين، وهي القوة التي تخلق هذا الاندماج بينهما بشكل جسدي وعقلي وروحي.

في برد هذه المناظر الطبيعية الشمالية، وحيث المطر الخريفي يخترق، ويبلّل هاتين الشخصيتين الرئيسيتين كما يُشعر القارئ بالجليد ــ جليد العواطف والأفكار والحياة برمتها ــ يتبختر الناس الذين يغلقون أبوابهم في وجه هذين الشابين الغريبين. شابان طردا من منزليهما بسبب «ازدراء بغيض» من عائلتين لا تفهمهما. لكنهما موجودان من أجل بعضهما البعض، إنهما يشكلان ملجأ لبعضهما البعض، يدفئان بعضهما البعض، كل واحد في انعكاس الآخر، في اقتضاب الآخر، لذا نجد أن كلا منهما يردد صدى الآخر، صدى ثقتهما، صدى أملهما.

وعلى الرغم من كلّ شيء، على الرغم من أننا نعلم منذ بداية الكتاب أننا أمام لصة وقاتل، إلا أننا نشعر بأمل متقد في داخلنا بأنهما سيفلتان من العقاب. لأنهما إن لم يكونا بريئين فإنهما يتصرفان، هو ببراءة الرجل الأول، وهي ببراءة المرأة الأولى. لقد تم طردهما دون تفكير، من جنتهما التافهة، وهما يهيمان على وجهيهما. إن شرودهما ليس عقوبة على أية جريمة، بل على العكس تماما، فهو حكم الهيام الظالم الذي سيقودهما حتما إلى ارتكاب الجرائم دون أي إصرار مسبق. جرائم الأبرياء، الأبرياء ذوي النفوس الطاهرة والأفعال المؤسفة. أولئك الذين لا يستطيعون أن يكونوا أبرياء هم أولئك الذين يطاردونهما، أولئك الذين يصدونهما، أولئك الذين يغلقون الباب في وجهيهما، أتباع ثقافة جامدة حيث المظاهر هي القانون، لمجتمع أناني وبارد، تقشعر له الأبدان مثل شتاء الشمال.

تبدو، نوفيلا «أرق» قصة مثيرة مليئة بأصداء الحكاية التوراتية. قصة حب (ولا غضاضة في أن نصفها بالرائعة) تحمل الكثير من الأصداء الرهيبة؛ زوجان يسيران في الشوارع. غريبان وصلا لتوهما إلى المدينة. كل ما يملكه الواحد منهما يتناسب مع الآخر. كانا صغيرين وهي حامل سوف تلد قريبا. ليس لديهما أي ملجأ للبقاء فيه. لا أحد يريد الترحيب بهما في هذا الجو البارد والماطر.

في هذا الإطار العام الذي يلفه الضباب، ثمة بعض الأحداث التي تجري والتي تعتبر أحداثًا مهمة في حياة الزوجين الشابين. ولكن، يختفي ذلك كله أمام القارئ فجأة. شيء حدث للتو. لا ينتبه القارئ له، لكنه يولد تنافرا نفهمه من خلال الإشارة إلى هذه الاهتزازات في رأس الشاب. وحين نجدها تحدث مرة أخرى نفهم أن شيئا ما قد ينكسر بينهما. لمحة بسيطة (اهتزاز الرأس) تولد تأثيرا مذهلا في قلب هذه الحكاية. إذ إنه يحمل علامة الكاتب الذي يتقن فنه. وما لم يُقل يجعلنا نخمن قصة أخرى: رواية الحب المؤثرة لشابين فاسقين التي أصبحت فجأة مشوبة بظلام لا نلمحه.

هذا الظلام يأتي على شكل نهاية مفتوحة. ربما هنا ما يجعل القارئ يميل على هذا النص. ربما النهاية تكمن في الأكل بولادة الطفل. ومع ذلك هل هي نهاية مفتوحة حقا حين نعرف أن المؤلف، بعد سنوات من نشره هذا النص، كتب تكملة له بعنوان «أحلام أولاف»، ثم تكملة ثانية بعنوان «عند حلول الظلام»، ليصوغ بذلك ثلاثية، لا بدّ أن تجعلني أغوص بها قريبا جدا.

ما يرويه لنا فوسه قصة جميلة ومؤثرة عن الحب: عن حب صبور، بلا كبرياء أو غيرة أو تفاخر. وما لا يُقال لنا، هو شيء أكثر قتامة، وأكثر إزعاجًا بكثير. مثل شيء نعترف به بصعوبة ولكن لا يمكننا قبوله. في ومضتين شريرتين، يتم توجيه القارئ إلى فهم ما لم يتم إظهاره أو شرحه: إن حب أليدا وآسلي، وسعيهما من أجل حياة أفضل، هو أيضًا حامل للموت معه. لا شك أن كتابا كهذا يستحق أن يقرأ لأنه ببساطة جميل للغاية، يائس ومؤلم، يتسم بالتواضع وبلحظات صغيرة من السعادة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أولئک الذین

إقرأ أيضاً:

مسلسل أثينا.. الحب ينقذ علي السبع في الحلقة الأخيرة

في ختام المسلسل الرمضاني “أثينا”، نجح  الفنان علي السبع في شخصية مروان في جذب أنظار الجمهور، وذلك في مواجهة قوية بينه وبين والده الطبيب النفسي الفاسد، وفاجأ الجمهور الذي كان يتوقع أن ينتحر مثلما حدث مع زملائه في الجامعة، خاصة مع تلاعب الذكاء الاصطناعي أثينا به.

وشهدت الحلقة الأخيرة من مسلسل أثينا، اختطاف صلاح يزن، والد مروان له، داخل المستشفى النفسي الذي يديره، حيث كان يحاول حقنه بمادة مخدرة للسيطرة عليه وحبسه مثل والدته، لكن مروان ينجح في التغلب على معاونيه وتهديد والده حتى تمكن من الخروج من المستشفى ممسكًا بوالده، حيث يجتمع أبطال المسلسل لإقناعه بترك والده وألا يستسلم لتلاعب أثينا، وفي حين يتهمهم مروان بعدم فهم الضغوط التي عانى منها، تتمكن داليدا التي تحبه من تهدئته حتى يترك والده.

علي السبع - مسلسل أثينا

ويؤدي علي السبع دور مروان الطالب الجامعي الذي يحب صديقته مي الزيني ويخفي عن الجميع أن والدته تعالج نفسيا في الخارج، بينما والده طبيب نفسي فاسد يملك مستشفى ويستخدم أدوية منتهية الصلاحية في علاج المرضى.

مسلسل أثينا يتكون من 15 حلقة بطولة ريهام حجاج، سوسن بدر، أحمد مجدي، نبيل عيسى، محمود قابيل، سلوى محمد علي، ميران عبد الوارث، شريف حافظ، تامر هاشم، على السبع، جيدا منصور، جنا الأشقر، دونا إمام، ومن تأليف محمد ناير، وإخراج يحيى إسماعيل.

مقالات مشابهة

  • مسلسل أثينا.. الحب ينقذ علي السبع في الحلقة الأخيرة
  • كشافة الحرم.. أبطال التطوع الذين يسهلون رحلة المعتمرين بروح العطاء
  • حرف الراء بين الحب والكراهية
  • قرقيعان الشرقية يُلهب حماس العائلات والأطفال في ”سوق الحب“
  • محمد بن راشد: أطفالنا اليوم هو الرجال والنساء الذين سيحملون ويحمون ويبنون مستقبل بلادنا
  • تأملات في الكتابة عن العبقرية
  • دراسة: المراهقين الذين ينامون أقل من 8 ساعات يتعرضون لمخاطر صحية
  • المنشاوي.. "القارئ الباكي" الذي نجا من محاولة اغتيال بالسم
  • الحب والثورة في شعر محمود درويش .. بين الرومانسية والنضال
  • 135 متطوعًا وعاملًا يشاركون في تنظيم مهرجان ”أيام سوق الحب 5“