لجريدة عمان:
2025-03-26@05:11:09 GMT

يون فوسه... أرق الحب

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

يون فوسه... أرق الحب

لا يسعني أن أقول، مع هذا الكتاب الثاني الذي قرأته مؤخرا لــ يون فوسه، حائز جائزة نوبل للآداب هذا العام، إلا أنه صاحب تجربة كتابية فعلية تستحق أن نطلع عليها. ثمة كتابة مختلفة، عن العديد من الكتّاب الأوروبيين الذين اكتشفناهم في هذه السنين الأخيرة. سأحيل سبب ذلك ــ ولو جزافا ــ إلى هذه البيئة الشمالية (الإسكندنافية) التي تلعب هذا الدور في رسم هذا الإطار الذي تتواجه فيه «البرودة» و«الحرارة» في الوقت عينه، لتدخلا في صراع ومواجهة عنيفة كي تتقاتلا إلى أجل غير مسمى، لتقدما لنا في النهاية، لوحة جميلة، تستحق أن نقف أمامها ونتأملها.

كغالبية نصوصه، إلا في ما ندر (وفق ما قرأنا عنه)، يأتي نص «أرق» (بترجمة فرنسية عن منشورات «سيرسيه») في صفحات قليلة أيضا (92 صفحة)، ليرسم لنا الكاتب من خلاله عالما من الحبّ النقي والواضح بين شخصين، بين فتاة وشاب، يبحثان ذات يوم عن مكان يبيتان فيه، بعد أن وصلا إلى إحدى القرى، وبخاصة أنها كانت على وشك أن تلد الطفل الذي تحمله في أحشائها. عبر كلمات قليلة جدا، نجدهما يُعبران عن هذا الضيق الشديد الذي يغمرهما، الذي يغمر هذين الكائنين اللذين يواجهان بمفردهما عالما عدائيا، أينما انتقلا. لذا تبدو الحوارات القليلة التي تطل برأسها فوق الصفحات، وهي حوارات ذات جمل تتألف من كلمات قليلة بدورها، ليأتي الرد عليها، في بعض الأحيان بكلمة «نعم»، وفي أغلب الأوقات بالصمت. كأنه لم يعد أمام الكائن البشري أي شيء ليقوله. لكنه الصمت الذي يكمن وراء هذه القوة التي تجعلهما متماسكين، وهي القوة التي تخلق هذا الاندماج بينهما بشكل جسدي وعقلي وروحي.

في برد هذه المناظر الطبيعية الشمالية، وحيث المطر الخريفي يخترق، ويبلّل هاتين الشخصيتين الرئيسيتين كما يُشعر القارئ بالجليد ــ جليد العواطف والأفكار والحياة برمتها ــ يتبختر الناس الذين يغلقون أبوابهم في وجه هذين الشابين الغريبين. شابان طردا من منزليهما بسبب «ازدراء بغيض» من عائلتين لا تفهمهما. لكنهما موجودان من أجل بعضهما البعض، إنهما يشكلان ملجأ لبعضهما البعض، يدفئان بعضهما البعض، كل واحد في انعكاس الآخر، في اقتضاب الآخر، لذا نجد أن كلا منهما يردد صدى الآخر، صدى ثقتهما، صدى أملهما.

وعلى الرغم من كلّ شيء، على الرغم من أننا نعلم منذ بداية الكتاب أننا أمام لصة وقاتل، إلا أننا نشعر بأمل متقد في داخلنا بأنهما سيفلتان من العقاب. لأنهما إن لم يكونا بريئين فإنهما يتصرفان، هو ببراءة الرجل الأول، وهي ببراءة المرأة الأولى. لقد تم طردهما دون تفكير، من جنتهما التافهة، وهما يهيمان على وجهيهما. إن شرودهما ليس عقوبة على أية جريمة، بل على العكس تماما، فهو حكم الهيام الظالم الذي سيقودهما حتما إلى ارتكاب الجرائم دون أي إصرار مسبق. جرائم الأبرياء، الأبرياء ذوي النفوس الطاهرة والأفعال المؤسفة. أولئك الذين لا يستطيعون أن يكونوا أبرياء هم أولئك الذين يطاردونهما، أولئك الذين يصدونهما، أولئك الذين يغلقون الباب في وجهيهما، أتباع ثقافة جامدة حيث المظاهر هي القانون، لمجتمع أناني وبارد، تقشعر له الأبدان مثل شتاء الشمال.

تبدو، نوفيلا «أرق» قصة مثيرة مليئة بأصداء الحكاية التوراتية. قصة حب (ولا غضاضة في أن نصفها بالرائعة) تحمل الكثير من الأصداء الرهيبة؛ زوجان يسيران في الشوارع. غريبان وصلا لتوهما إلى المدينة. كل ما يملكه الواحد منهما يتناسب مع الآخر. كانا صغيرين وهي حامل سوف تلد قريبا. ليس لديهما أي ملجأ للبقاء فيه. لا أحد يريد الترحيب بهما في هذا الجو البارد والماطر.

في هذا الإطار العام الذي يلفه الضباب، ثمة بعض الأحداث التي تجري والتي تعتبر أحداثًا مهمة في حياة الزوجين الشابين. ولكن، يختفي ذلك كله أمام القارئ فجأة. شيء حدث للتو. لا ينتبه القارئ له، لكنه يولد تنافرا نفهمه من خلال الإشارة إلى هذه الاهتزازات في رأس الشاب. وحين نجدها تحدث مرة أخرى نفهم أن شيئا ما قد ينكسر بينهما. لمحة بسيطة (اهتزاز الرأس) تولد تأثيرا مذهلا في قلب هذه الحكاية. إذ إنه يحمل علامة الكاتب الذي يتقن فنه. وما لم يُقل يجعلنا نخمن قصة أخرى: رواية الحب المؤثرة لشابين فاسقين التي أصبحت فجأة مشوبة بظلام لا نلمحه.

هذا الظلام يأتي على شكل نهاية مفتوحة. ربما هنا ما يجعل القارئ يميل على هذا النص. ربما النهاية تكمن في الأكل بولادة الطفل. ومع ذلك هل هي نهاية مفتوحة حقا حين نعرف أن المؤلف، بعد سنوات من نشره هذا النص، كتب تكملة له بعنوان «أحلام أولاف»، ثم تكملة ثانية بعنوان «عند حلول الظلام»، ليصوغ بذلك ثلاثية، لا بدّ أن تجعلني أغوص بها قريبا جدا.

ما يرويه لنا فوسه قصة جميلة ومؤثرة عن الحب: عن حب صبور، بلا كبرياء أو غيرة أو تفاخر. وما لا يُقال لنا، هو شيء أكثر قتامة، وأكثر إزعاجًا بكثير. مثل شيء نعترف به بصعوبة ولكن لا يمكننا قبوله. في ومضتين شريرتين، يتم توجيه القارئ إلى فهم ما لم يتم إظهاره أو شرحه: إن حب أليدا وآسلي، وسعيهما من أجل حياة أفضل، هو أيضًا حامل للموت معه. لا شك أن كتابا كهذا يستحق أن يقرأ لأنه ببساطة جميل للغاية، يائس ومؤلم، يتسم بالتواضع وبلحظات صغيرة من السعادة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أولئک الذین

إقرأ أيضاً:

مبادرة تحدي القراءة تنشر أسماء التلاميذ الذين استكملوا قراءة الكتب

نشرت مبادرة تحدي القراءة في وزارة التربية والتعليم، “قائمة بأسماء التلاميذ والطلبة الذين استكملوا قراءة 50 كتابًا، أو 25 كتابًا لذوي الهمم، وتم توثيق ملخصات الكتب المقروءة في المنظومة الخاصة بالمسابقة”.

ووفقا للمبادرة، فقد بلغ عدد الطلاب الذين استكملوا قراءة الكتب، 100 طالب وطالبة.

ويمكنكم الاطلاع على أسماء الطلبة الفائزين من خلال زيارة صفحة بادرة تحدي القراءة- ليبيا على فيسبوك.

آخر تحديث: 25 مارس 2025 - 12:18

مقالات مشابهة

  • الأوقاف تنعى القارئ الشيخ حسن عوض الدشناوي
  • توفي في حادث أليم.. وزارة الأوقاف تنعى القارئ الشيخ حسن عوض الدشناوي
  • وفاة القارئ حسن عوض الدشناوي نتيجة حادث أليم
  • الرجال الذين يغفلون إجراء فحص البروستاتا تتزايد احتمالات وفاتهم بالسرطان
  • مبادرة تحدي القراءة تنشر أسماء التلاميذ الذين استكملوا قراءة الكتب
  • برج الدلو .. حظك اليوم الثلاثاء 25 مارس 2025: نجاحات غير متوقعة
  • 100 سنة غنا.. علي الحجار يحيي حفلا غنائيا في دار الأوبرا لتكريم فريد الأطرش
  • نافذ الرفاعي لـ "البوابة نيوز": حكايات الحب والحرب والنجاة والموت في غزة تستحق الكتابة عنها
  • تشييع الشهداء الذين سقطوا في الغارة على بلدة تولين أمس
  • لا أحد مَوْصُوفٌ  بِحُبِّ  مثلُ النَّبِيِّ الكرِيم!