لجريدة عمان:
2025-01-19@09:00:50 GMT

«موشكا»... أكثر أو أقل وفاء

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

(1)

تنهض «رواية» موشكا الصادرة طبعتها الأولى في بيروت عن دار سؤال 2015م، للكاتب محمد الشحري على استلهام التاريخ والتراث غير المادي لأسطورة لم يجرِ تثبيتها عن طريق الكتابة الإبداعية إلا قليلا عن شجرة اللبان. ويتشكّل نص الرؤية السردية للرواية على عدد من الاستراتيجيات، أهمها:

مقطع شعري افتتاحي من كتاب «المسالك والممالك» لابن خرداذبه يُعد بمثابة إشارة تحفيزية إلى الدخول في فضاء سوسيوثقافي-جغرافي لقبائل «الشحرة» إحدى أقدم القبائل التي سكنت في محافظة ظفار، ويعدون من السكان الأصليين فيها ويقول المقطع الاستراتيجي:

اذهب إلى الشحر ودع عُمان

إلا تجد تمرًا تجد لبانا

ويدلل هذا المقطع على ارتباط قبائل «الشحرة» بتجارة اللبان، وهي شجرة منسوبة إلى جبال ظفار ومن أقدم أنواع التجارة التي عرفتها جنوب شبه الجزيرة العربية في جبال هذه المحافظة، ومثلّت عبر التاريخ أهمية اقتصادية واجتماعية ربطت حضارات العالم القديم.

تضمين المتن السردي للأحداث قصصا من العجائبيات وعالم الغرائبيات، تمظهر ذلك في بناء قصة حول شجرة اللبان مبنية على اتصال بين عالمين يمثل الإنس المكون الأول، ويمثل عالم الجّن المكون الثاني. ويلجأ محمد الشحري لتقديم تفسير للعلاقة الملتبسة الحاصلة ما بين العالمين المتنافرين، بل المتضادين في خصائصهما؛ فيكتب في الرواية مثلا: «الإنس يا ابنتي كانوا إخواننا نعيش حياة واحدة ونتشارك في كل شيء عدا النوق «...»، أما الإنسيون فلهم البقر التي لا نمتلكها لأنها تحمل بين قرونا الشياطين التي تُخيفنا...»

يستند المتن الحكائي للرواية على العديد من مفردات البيئة الجبلية لقبائل «الشحرة» في ظفار، وكشف توظيفها عن عالم متسع بالأغاني وأبيات الشعر، مثل: (النانا والدبرارت، نانا غريم ذي شديدن ويسلمه كره، يهجس بمفلي بعسر يذكره... نانا نانا..) أو الأسماء والنعوت، مثل: (أنشرون، موشكا، حلوت، الدعن أبي فُدون طاحن خصيته، دهق بن جدريت، عنوفان، والساحرة روري..)، أو الأمثال الشعبية الدارجة والأصوات الدالة على الفعل ورد الفعل، مثل: (شنى مشنى ذ تيث، فله مشنى ذ ثيرين، أووهِن، يا وليدِ الفرح، إناه جر...)، أو الأماكن والوظائف، مثل: (المجليل، والراعب)، وأساليب التعاون الاجتماعي بين الناس، مثل: (الشتر، السنابيق)، ويعاضد هذا كله حكايات أسطورية صغرى لتتصل اتصالا مع جوهر المتن الرئيس، من ذلك التعضيد مثلا هذه الفقرة الدالة: «لم يكن القدر تعيسا مع بعل صعب بل أسعفه الحظ بوجود حصانه سليل الجواد الأبلق المرفوع نسبا ومكانة في صحائف الملوك، حين رسم تقرّبا للإله الجنوبي -سين-، والمنقوش بالدماء والعسل واللُحُوم، على جدران الكهوف والمغارات...»

يلتصق متن الرواية مع الوثيقة، ويتمظهر ذلك في مقبوس للمؤلف جاء على لسان حتشبسوت بلغ عدد أسطره (33) سطرًا، تخبرنا الوثيقة التاريخية عن «تاريخ المادة العطرية التي استعملتها إيزيس لخداع جواري الملك الذي سقط عنده الصندوق الذي وُضع فيه أوزيريس، بعد تعرضه للخديعة التي دبرها له لطيفو، بالتعاون مع الملكة الأثيوبية آسو...»

(2)

المسرح فن بصري في المقام الأول. وظاهرة إعداد أو اقتباس عرض مسرحي عن جنس أدبي كالرواية أو القصة القصيرة، أو عن مقالة، أو عن تقرير طبي، أو عن مذكرات شخصية، قضية ارتبطت بالمسرح منذ تاريخ طويل. يكتب صاحب (معجم المصطلحات المسرحية)، الناقد المسرحي (د. أحمد بلخيري) حول الاقتباس ما يلي: «إن الاقتباس، خلافا للترجمة أو التحيين، له حرية كبيرة: فهو لا يخشى تعديل معنى الأثر الفني الأصلي جذريا بحيث يجعله يقول العكس. إن الاقتباس هو إعادة كتابة النص من جديد. هذا التطبيق المسرحي أخذ بعين الاعتبار أهمية الدراماتورج من أجل إعداد الفرجة».

بالتحرك من فضاء رواية «موشكا» التي ألفها محمد الشحري إلى فضاء الاقتباس أو الإعداد يخوض المخرج (يوسف البلوشي) مغامرته المسرحية الجديدة المتميزة. تمظهر ذلك من خلال مشاركة فرقة (مزون المسرحية الأهلية) بتقديم عرض مسرحي فرجوي بصري أثار دهشة الجمهور وأسئلتهم وإعجابهم، حيث مثّل عرض «موشكا» وزارة الثقافة والرياضة والشباب في الدورة الرابعة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح التي انعقدت في الفترة (10-18 أكتوبر 2023م) على مسرح الرشيد.

ينتقل عالم الرواية إلى عالم وخصائص العرض المسرحي. ويحكي العرض الذي أعده الكاتب المسرحي (نعيم نور) ودققه لغويا محمد المشيخي، وصمم السيناريو والإخراج المبدع يوسف البلوشي، وأدى الممثلون التالية أسماؤهم أدوارًا لافتة للانتباه، وهم: (عبدالحكيم الصالحي/ ملك الجان، ونادية عبيد/ موشكا، والصلت السيابي/ محضيلول، وأحمد الشبيبي/ مساعد ملك الجان، وعمير البلوشي/ غدير، وزينب البلوشية/ عشيبة)، أما المكياج فصممته الفنانة (عزيزة البلوشية) وغيرهم؛ كمجموعة جوقة الراقصين، والغناء الشعبي، وعازف آلة القربة (خليفة مطر)، ومصممو الديكور، والإكسسوارات، والأزياء، والموسيقى والمؤثرات الصوتية.

بالانتقال إلى محاولة الكاتب نعيم نور إعداد الرواية يجري وضع هذا الملخص على (البانفليت) الموزع للجمهور: «موشكا... من الأساطير العمانية الخالدة المتناقلة عبر الأجيال أسطورة شجرة اللبان. تحكي عن امرأة من بني الخفاء وقعت في عشق إنسي وتحملّت وحدها وزر الخطيئة لأنها خانت عهدهم وأعرافهم فعاقبت نفسها بأن تتحول إلى شجرة تجرحها السكاكين لتخرج من جذعها لبانًا سعت الممالك والحضارات للحصول عليه وإحراقه في الأماكن المقدسة في بلاد الرافدين ومصر والشام وأوروبا والهند وبلاد فارس؛ اللبان الذي يقال عنه مُخ الآلهة». وكان من الممكن الاستغناء عن هذه الفقرة لقيامها بكشف أحداث العرض بمجانية كبيرة. وإذا تحركنا على فضاء الخشبة لا شك في أن الجمهور قد أمتعه العرض الذي ترّشح لثلاث جوائز دون الحصول على أي جائزة! وبالرغم من ذلك، فيمكن تسجيل بعض النقاط التي ترفع من جمالية العرض مع أخذ بعض الانتباه: -

استطاعت الممثلة نادية عبيد التي قام عليها العرض كله أن تجذب إليها إعجاب الجميع، لما تمتعت به من رشاقة وأناقة في الأداء. لكن حاجتها مع المخرج الذكي يوسف البلوشي، إلى المزيد من التدريب المُتقن الخاص بأدائها وهي في السجن، قد أرهق جسدها، وكانت عين المتفرج ومشاعره تتأذى في كل مرة يسقط جسدها ثم يرتفع فيرتمي على الأرض بعنف وقسوة غير مبررتين إخراجيا.

لا شك في أن الممثل عبدالحكيم الصالحي المتعدد الأداء في كثير من الأعمال الفنية، يتمتع بطاقة عالية في التقمص والتلوّن الجسدي والصوتي، وفي هذا العرض لم يكن الصالحي في أحسن أداءاته المسرحية، سعى باجتهاد إلى التخلّص من تقديم نمطية الأداء لشخصية يلعب فيها دور (ملك الجن)، عبر حركات إيقاعية مرسومة، ولكن، إذا تجاوزنا وقوعه في الخطابية التي وقع فيها في بعض المواضع، ثم عدم وصول كلماته إلى مسامعنا بجلاء، يُلقي بالكرة مجددا على يدي المخرج.

في تقديري أن موشكا كجنية كان عليها أن تقع في غرام رجل يتمتع بهيئة تتسم بالتضخيم والمبالغة والقوة، على عكس غرامها بشاب بنيته عادية، فالصراع ما بين طاقتين مختلفتين أو خاصيتين متضادتين، في شأن مثل شأن موشكا وتكوينها، يكون أقرب إلى عالم عجائبيات ألف ليلة وليلة، وهذا ما جعل الممثل الذي قدم شخصية غدير، الضعيف البنية، والرقيق المشاعر، أقل درجة في الإقناع، فمرات وقوفه أمام موشكا، كان يبدو ضحية لا عاشقا، ضئيلا وهشّا، فأكلته موشكا بأدائها الجسدي. ويبدو أن التزام المعد بالرواية في بعض المواضع، قد جعله يكتفي التركيز على ربط علاقة الحب بين الجنية والإنسي مُغلبا في هذا الموضع البنية الخطابية للحكاية على بنية المبالغة في الإدهاش والتحليق مع التخييل الغرائبي، وهذا ما يؤكد عليه النقد إن الغرائبية في العرض الطقسي، تقوم على الانزياحات المتعددة المستويات.

من مظاهر السينوغرافيا في «موشكا»، أنها قالت أشياء متناغمة، بعضها أثار الجدل، وبعضها الآخر صفق له الحضور. ولا يصعب القول إن المزج الموسيقي للآلات مع أصوات الممثلين (المجاميع ونادية عبيد) استطاعوا خلق منعطف جمالي أخاذ، جاء توزيعه على مفاصل العرض مدروسا جيدا، ويُمكن كذلك تسجيل ملمح أكثر جذبًا، تبلور في استخدام بعض مفردات اللغة الشحرية للرواية، ونطقها بلسانها الأصلي، ثم لجوء الممثل إلى قولها باللغة الفصحى حتى يتسنى للجمهور استيعابها.

سيظل العرض المسرحي «موشكا» للمخرج يوسف البلوشي، وللممثلة الصاعدة نادية عبيد، من العروض المدهشة، لاحتفاله بالمسرح في لحظة الطقس، وتجلي الخفي بلغة أنطونان أَرْطُو، وسيكون أيضا عرضا أكثر أو أقل وفاء للرواية وللطقس معا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عرض "الوهم" و"الدب" في نوادي مسرح ثقافة الفيوم.. صور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قدمت الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، ثلاثة عروض مسرحية لنوادي المسرح الإقليمي بالفيوم، أقيمت بالمجان على مسرح قصر ثقافة ببا ببني سويف، وذلك ضمن برامج وزارة الثقافة.

العروض شهدتها لجنة التحكيم المكونة من المخرج محمد مرسي، والمخرج محمد الطايع، ومهندس الديكور أحمد نور الدين، وأعقبها عدد من الندوات النقدية، بمشاركة النقاد أحمد خميس، رنا عبد القوي، د. هبة سامي.

"الدب" والتناقضات البشرية

وسهد مسرح القصر عرض "الدب"، لنادي مسرح قصر ثقافة الفيوم، تأليف أنطوان تشيخوف، وإخراج أحمد سيد، بطولة ولاء شعبان، باسم نبيل، مؤيد علاء، وتدور الأحداث حول أرملة شابة أقسمت على الوفاء لذكرى زوجها المتوفي، وبينما هي تجدد عهدها بالإخلاص لشريكها الميت، يصل أحد الدائنين لزوجها، يطالبها بإيفاء الدين المثبت على المتوفى في سندات مالية، لكن الأرملة الشابة تطالبه بالانتظار، فهي لا تملك نقودا تعطيه إياها، لكن الدائن الفظ الطباع يصر على استرداد نقوده على الفور، مما يضعه في مواجهة مع الأرملة الجميلة، التي ما زالت تناجي صورة زوجها المتوفي المعلقة على جدار الصالة، ولكن مع مرور الوقت يبدأ التوتر يتحول إلى شيء أعمق، وفي النهاية تنقلب الأمور ويكتشفون أنهم في الواقع يعشقون بعضهم البعض.

"الدب" مزيج من الكوميديا والدراما، تتعامل مع فكرة التناقضات البشرية، والصراعات التي تنشأ بين الأشخاص في المواقف غير المتوقعة، وتنتهي المسرحية بنهاية مفاجئة حيث يتحول الصراع إلى قصة حب كوميدية، مما يعكس السخرية من العلاقات الإنسانية.

"الوهم".. دعوة للتفكير في كيفية مواجهة الذات

كما قدم عرض "الوهم"، لنادي مسرح قصر ثقافة الفيوم، تأليف مصطفى سعد، وإخراج محمود ياسين، بطولة أحمد حليم ومارينا نبيل، يقدم العرض قصة رجل عجوز يصاب بمرض الوهم بسبب الشعور بالعجز من جانب زوجته صغيرة السن، ويترسخ في مخيلته أن لها عشيقا ويقرر قتلهما، ويناقش العرض فكرة تأثير الوهم على حياة الإنسان وكيف يمكن أن يصبح الوهم أقرب إلى الواقع في عقولنا، تدور الأحداث حول شخصيات تعيش في عالم يبدو ظاهريا طبيعيا ومستقرا، لكنه في الحقيقة مليء بالأسرار، الأكاذيب، والصراعات النفسية.

كما يتناول العرض العلاقات بين الشخصيات، حيث يخدع كل منهم الآخر أو حتى يخدع نفسه، مما يؤدي إلى تصاعد التوتر وكشف الحقائق شيئا فشيئا، وتكشف المسرحية عن هشاشة النفس البشرية عندما تواجه الحقيقة، وتطرح عددا من الأسئلة العميقة حول الفرق بين الحقيقة والوهم، والثمن الذي ندفعه عندما نواجه الحقائق التي حاولنا طويلا الهروب منها، تعد المسرحية دعوة للتفكير في كيفية مواجهة الذات وتقبل الحقيقة مهما كانت قاسية.

إبليس

أعقبه العرض المسرحي الأخير "إبليس" لنادي مسرح مكتبة الفيوم العامة، تأليف محمود جمال الحديني، وإخراج إميل الفنس، بطولة؛ عبد الرحمن حسين، أسامة حسين، حبيبة محمد، ميادة محمد، تقى حسين، وتدور أحداث العرض حول إبليس الذي خلق من نار وكان يتطلع للصعود لمدينة الجمال "الجنة"، وبعد أن صعد بالفعل لم تتغير طبيعته النرجسية "الأنا" فسقط مرة أخرى من حيث أتى.

أقيمت العروض بإشراف الإدارة المركزية للشئون الفنية، برئاسة الفنان أحمد الشافعي، وإنتاج الإدارة العامة للمسرح برئاسة سمر الوزير، وبالتعاون مع إقليم القاهرة الكبرى الثقافي، برئاسة لاميس الشرنوبي، وفرع ثقافة الفيوم بإدارة سماح دياب.

وتقدم هيئة قصور الثقافة خلال الموسم المسرحي الجديد من تجربة نوادي المسرح، 155 عرضا مجانيا تم اختيارها من قِبل 325 مشروعا، في تجربة هي الأكثر رواجا في تاريخ المسرح المصري، تتيح خلالها هيئة قصور الثقافة الفرصة للشباب لإبراز مواهبهم في المجال المسرحي بإمكانيات بسيطة، مع مراعاة اختيار عروض مسرحية من مختلف المحافظات، بهدف تقديم خدمة ثقافية متميزة للجمهور، ومنتج مسرحي يصل إلى المحافظات كافة، تحقيقا لمبدأ العدالة الثقافية.

مقالات مشابهة

  • أثناء تكريمه بـ"جوي أووردز"..مخرج كوري يوجه خطاب وفاء للسعودية
  • بعد 27 أسبوعا.. هل تحققت نبوءة وفاء حامد بشأن غزة| فيديو يكشف التفاصيل
  • عرض "الوهم" و"الدب" في نوادي مسرح ثقافة الفيوم.. صور
  • الثلاثاء.. لمسة وفاء للكاتب الراحل بشير الديك في اتحاد الكتاب
  • تحرك جديد من الهلال بشأن تجديد عقد كنو
  • عام مليء بالشكاوى.. أكثر المنتجات التي أثارت استياء الأتراك في 2024
  • كنو يرفض تجديد عقده
  • دعوات فلسطينية لتحويل استقبال المحررين لمسيرات شعبية وفاء للمقاومة وغزة
  • الفنانة وفاء كامل: هربت من الدوشة في العتبة لـ دار إقامة كبار الفنانين.. فيديو
  • الفنانة وفاء كامل: «هربت من الدوشة».. ودار إقامة كبار الفنانين «جنة»