الموضوع على مرمى حجر: أي أنه يمكن أن يتحقق في أية لحظة حتى قبل أن نخلع عباءة هذا العام ونلبس جلباب العام المقبل، الذي كما يقول أفضل المتفائلين إنه لن يكون بأفضل حال من اِخوانه الأعوام السابقة؛ فالمتنبئون يقولون إن حال العالم سيستمر في ركوده الاقتصادي وحرائقه المشتعلة وأزماته النفسية وتقنياته المحترفة التي تهدد عرش الإنسان البشري بالاستيلاء عليها بأبخس الأثمان ويذهب غلاة المتنبئين إلى أن الآلة سوف تحكم الإنسان وتسيطر عليه، ولن يستطيع الفكاك من ربقة تلك الآلة التي تطوقه من عنقه.
لا أريد أن أرسم صورة سوداء قاتمة حالكة لمستقبلنا البشري في ظل الآلة، لكنها على ما يبدو الحقيقة؛ فكل ما يحيط بنا ينبئ أننا سائرون باتجاه حكم الآلة وإن كان في الأمر بعض الارتياح من أن بعضا من حكم تلك الآلات يجلب الرخاء والاستقرار والنزاهة والشفافية وبعضا من الراحة لبني البشر، لكن على الأغلب الأعم من أن عصر الآلة كما تنبّأ بها جورج أورويل في روايته ذائعة الصيت « 1984» والتي كتبها في نهايات الأربعينيات من القرن المنصرم أي قبل أكثر من سبعين عاما بقليل وتنبأ فيها بسيطرة الآلة على المجتمع وإخضاعها الإنسان البشري للرقابة في كل تفاصيل يومه والإبلاغ عن كل ما يقوم به بشكل تفصيلي ممل.
بالحديث عن الروايات والآداب والقصص، قرأت يوم أمس خبرا مفاده أن الآلة قد بدأت بالفعل في كتابة أولى رواياتها الأدبية وقرضت الشعر واسترسلت في كتابة المقالات الصحفية وأنتجت أولى قصصها القصيرة بأسلوب يحاكي أسلوب الأدباء المعروفين من النشر وبأسلوب الشعراء في كتابتهم لأشعارهم منذ زمن الجاهلية وحتى الشعر الحديث. تمعنت في تفاصيل الخبر سالف الذكر فبان لي امتعاض مدير أكبر معرض للكتب في العالم وهو معرض فرانكفورت للكتاب حينما تساءل عن الملكية الفكرية ما سيحل بها ومن سيحفظ حقوق المؤلفين والكتّاب والمبدعين؟ لكن المجتمعين في أروقة ذلك المعرض أبدوا بعض الارتياح بعدما حاولوا إقناع أنفسهم أن « أسلوب الآلة في السرد يفتقر إلى الإلهام» وأن طريق الآلات التي تحاول التظاهر بالثقافة طويل ومحفوف بالقليل من الإبداع وأن «أداء الآلة في مجال الكتابة الإبداعية ليس جيدا بعد».
قررت بحكم عملي الصحفي الذي يقتضي مني دس أنفي في كل شيء أعرفه أو لا أعرفه أن أجرب كتابة القصة القصيرة والشعر باستخدام البرنامج الذي وصلت شهرته الآفاق « تشات جي بي تي» وطلبت منه كتابة قصة قصيرة عن (نجار فقير حصل على كنز دفين لم يستطع استخراجه) وقبل أن يرتد إليّ بصري جاءني نص أدبي محبوك بصياغة أدبية جيدة، قد اتفق مع ما ذهب إليه أدباء فرانكفورت من أن أسلوب الآلة في الكتابة القصصية ليس جيدا بعد، جربت بعدها إعطاء أمر كتابة شعر عمودي عن ذات الموضوع فجاءت النتيجة أفضل في كتابة الشعر عنها في كتابة القصة.
يقول البشر الذين يقفون خلف صفوف الآلة: إن آلاتهم بحاجة إلى بعض الوقت لاكتساب الوعي ولمئات الآلاف من النصوص والكتابات؛ كي تستطيع الآلة التحدث بلسان فصيح ومبين يفهمه البشر وبمختلف لغات العالم وكما قلت في البدء من أن الموضوع قد يكون على مرمى حجر ويمكن أن يتحقق ذلك بمزيد من التعلم والمحاكاة والتقليد، كي تتفوق الآلة على الإنسان.
لا أدري إلى أين يأخذنا هذا الطريق فلا الرؤية تبدو واضحة ولا الطريق يبدو سالكا ونحن كما يبدو نحاول تدمير ذواتنا بذواتنا من دون تدخل أي كائنات فضائية أخرى كما كانت أفلام السبعينيات تتنبأ بذلك ولا حل يبدو في الأفق سوى كبح جماح تلك الآلات الرعناء التي ما أن يطلق لها العنان حتى تقضي على الأخضر واليابس من بني البشر وعندها لن يكون هنالك وقت للملامة أو المجادلة أو العودة بالزمن للوراء أو استدعاء نستولوجيا في أرض تغير مشهدها عما كان عليه ولن تجد راويًا يستطيع أن يحكي الحكاية كما كانت عليه في الماضي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی کتابة
إقرأ أيضاً:
الأحد عشر رواية جديدة لـ أحمد القرملاوى عن ديوان للنشر
أصدرت دار ديوان للنشر مؤخرًا رواية “الأحد عشر”، أحدث إبداعات الكاتب الروائي أحمد القرملاوي، والتي من المنتظر أن تُعرض ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، المزمع إقامتها في الفترة ما بين 23 يناير إلى 5 فبراير 2025، بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية في منطقة التجمع الخامس.
رؤية سردية تجمع بين الأسطورة والواقعفي روايته الجديدة، يبني أحمد القرملاوي عالمًا روائيًا فريدًا يمزج فيه بين الواقع والأسطورة. تدور أحداث الرواية حول كاتب يشرع في كتابة مسرحية مستوحاة من قصة داينا، ابنة يعقوب، التي تغادر البادية إلى مدينة شكيم، لكنها تواجه الخطف والسجن في القصر الملكي. تتشابك القصة مع أخرى، حيث يقوم كاتب آخر بتحويل القصة إلى رواية تتناول إخوة داينا الأحد عشر الذين يخرجون في رحلة للبحث عنها والانتقام لشرفهم.
الرواية، التي تستند إلى وقائع تعود للقرن السابع عشر قبل الميلاد، تنسج نصًا ملحميًا يمزج بين الرواية والمسرحية، مما يجعلها عملًا أدبيًا متفردًا يحتاج إلى قراءة متأنية، لكنه يمنح قارئه تجربة استثنائية مليئة بالإثارة والمتعة.
أحمد القرملاوي: سيرة أدبية حافلة بالإنجازات
أحمد القرملاوي هو روائي، قاص، مترجم، ومعماري مصري. صدر له العديد من الأعمال الأدبية المميزة، منها مجموعتان قصصيتان هما “أول عباس” و**“قميص لتغليف الهدايا”**، بالإضافة إلى خمس روايات، أبرزها:
• “أمطار صيفية” (حازت جائزة الشيخ زايد للكتاب 2018).
• “نداء أخير للركاب” (فازت بجائزة أفضل رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2019).
• “ورثة آل الشيخ” (نالت جائزة كتارا للرواية العربية 2021).
تُرجمت أعمال القرملاوي إلى عدة لغات، منها الإنجليزية، الإيطالية، البرتغالية، والأوكرانية، ما يعكس قيمتها الأدبية عالميًا.
جوائز معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025
بالتزامن مع انطلاق الدورة الـ56 للمعرض، أعلنت وزارة الثقافة، ممثلة في الهيئة العامة للكتاب، عن فتح باب التقدم لجوائز المعرض في 16 فرعًا، تشمل مجالات مثل:
• الرواية، القصة القصيرة، النقد الأدبي.
• شعر الفصحى والعامية.
• الكتاب العلمي (الهندسة الوراثية، علوم المستقبل).
• الدراسات الإفريقية وكتب الطفل.
كما تتضمن الجوائز مجالات مخصصة للشباب تحت سن 35 عامًا. تستمر الهيئة في استقبال الأعمال حتى 5 يناير 2025 بمقرها على كورنيش النيل، رملة بولاق، بالقاهرة.