لجريدة عمان:
2025-05-01@19:42:27 GMT

نوافذ :رواية بدون راوٍ

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

الموضوع على مرمى حجر: أي أنه يمكن أن يتحقق في أية لحظة حتى قبل أن نخلع عباءة هذا العام ونلبس جلباب العام المقبل، الذي كما يقول أفضل المتفائلين إنه لن يكون بأفضل حال من اِخوانه الأعوام السابقة؛ فالمتنبئون يقولون إن حال العالم سيستمر في ركوده الاقتصادي وحرائقه المشتعلة وأزماته النفسية وتقنياته المحترفة التي تهدد عرش الإنسان البشري بالاستيلاء عليها بأبخس الأثمان ويذهب غلاة المتنبئين إلى أن الآلة سوف تحكم الإنسان وتسيطر عليه، ولن يستطيع الفكاك من ربقة تلك الآلة التي تطوقه من عنقه.

لا أريد أن أرسم صورة سوداء قاتمة حالكة لمستقبلنا البشري في ظل الآلة، لكنها على ما يبدو الحقيقة؛ فكل ما يحيط بنا ينبئ أننا سائرون باتجاه حكم الآلة وإن كان في الأمر بعض الارتياح من أن بعضا من حكم تلك الآلات يجلب الرخاء والاستقرار والنزاهة والشفافية وبعضا من الراحة لبني البشر، لكن على الأغلب الأعم من أن عصر الآلة كما تنبّأ بها جورج أورويل في روايته ذائعة الصيت « 1984» والتي كتبها في نهايات الأربعينيات من القرن المنصرم أي قبل أكثر من سبعين عاما بقليل وتنبأ فيها بسيطرة الآلة على المجتمع وإخضاعها الإنسان البشري للرقابة في كل تفاصيل يومه والإبلاغ عن كل ما يقوم به بشكل تفصيلي ممل.

بالحديث عن الروايات والآداب والقصص، قرأت يوم أمس خبرا مفاده أن الآلة قد بدأت بالفعل في كتابة أولى رواياتها الأدبية وقرضت الشعر واسترسلت في كتابة المقالات الصحفية وأنتجت أولى قصصها القصيرة بأسلوب يحاكي أسلوب الأدباء المعروفين من النشر وبأسلوب الشعراء في كتابتهم لأشعارهم منذ زمن الجاهلية وحتى الشعر الحديث. تمعنت في تفاصيل الخبر سالف الذكر فبان لي امتعاض مدير أكبر معرض للكتب في العالم وهو معرض فرانكفورت للكتاب حينما تساءل عن الملكية الفكرية ما سيحل بها ومن سيحفظ حقوق المؤلفين والكتّاب والمبدعين؟ لكن المجتمعين في أروقة ذلك المعرض أبدوا بعض الارتياح بعدما حاولوا إقناع أنفسهم أن « أسلوب الآلة في السرد يفتقر إلى الإلهام» وأن طريق الآلات التي تحاول التظاهر بالثقافة طويل ومحفوف بالقليل من الإبداع وأن «أداء الآلة في مجال الكتابة الإبداعية ليس جيدا بعد».

قررت بحكم عملي الصحفي الذي يقتضي مني دس أنفي في كل شيء أعرفه أو لا أعرفه أن أجرب كتابة القصة القصيرة والشعر باستخدام البرنامج الذي وصلت شهرته الآفاق « تشات جي بي تي» وطلبت منه كتابة قصة قصيرة عن (نجار فقير حصل على كنز دفين لم يستطع استخراجه) وقبل أن يرتد إليّ بصري جاءني نص أدبي محبوك بصياغة أدبية جيدة، قد اتفق مع ما ذهب إليه أدباء فرانكفورت من أن أسلوب الآلة في الكتابة القصصية ليس جيدا بعد، جربت بعدها إعطاء أمر كتابة شعر عمودي عن ذات الموضوع فجاءت النتيجة أفضل في كتابة الشعر عنها في كتابة القصة.

يقول البشر الذين يقفون خلف صفوف الآلة: إن آلاتهم بحاجة إلى بعض الوقت لاكتساب الوعي ولمئات الآلاف من النصوص والكتابات؛ كي تستطيع الآلة التحدث بلسان فصيح ومبين يفهمه البشر وبمختلف لغات العالم وكما قلت في البدء من أن الموضوع قد يكون على مرمى حجر ويمكن أن يتحقق ذلك بمزيد من التعلم والمحاكاة والتقليد، كي تتفوق الآلة على الإنسان.

لا أدري إلى أين يأخذنا هذا الطريق فلا الرؤية تبدو واضحة ولا الطريق يبدو سالكا ونحن كما يبدو نحاول تدمير ذواتنا بذواتنا من دون تدخل أي كائنات فضائية أخرى كما كانت أفلام السبعينيات تتنبأ بذلك ولا حل يبدو في الأفق سوى كبح جماح تلك الآلات الرعناء التي ما أن يطلق لها العنان حتى تقضي على الأخضر واليابس من بني البشر وعندها لن يكون هنالك وقت للملامة أو المجادلة أو العودة بالزمن للوراء أو استدعاء نستولوجيا في أرض تغير مشهدها عما كان عليه ولن تجد راويًا يستطيع أن يحكي الحكاية كما كانت عليه في الماضي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی کتابة

إقرأ أيضاً:

اللبنانية حنين الصايغ: رواية ميثاق النساء رسالة محبة للمجتمع الدرزي

منشغلة بما يعتمل في دواخل الإنسان وتعقيداته النفسية، تغوص الروائية اللبنانية حنين الصايغ (1986) بروايتها "ميثاق النساء" في المجتمع الدرزيّ الغني ثقافيا وروحانيا وإنسانيا، وتحاول تفكيك بنيته الاجتماعية والذهنية، من خلال بطلة روايتها "أمل بو نمر"، التي تعيش حياة ريفيَّة محافظة في قريتها في جبل لبنان، وفيها تشتبك بالعادات والتقاليد وبأسئلة الحياة التي يهرب منها الآخرون، لترسم لنفسها مستقبلا مخالفا للمستقبل الذي شكّله الأب لها ولأخواتها بصورةٍ تتناسب مع عالمه المحدود.

رواية "ميثاق النساء" الصادرة عن دار الآداب ببيروت سنة 2023 هي الإصدار الروائي الأول للكاتبة اللبنانية التي تعمل في التدريس والترجمة الأدبية، بعد 3 مجموعات شعرية: "فليكن" (2016)، و"روح قديمة" (2018)، و"منارات لتضليل الوقت" (2021).

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الفانتازيا وتاريخ النكسة.. "صلاة القلق" تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربيةlist 2 of 2المترجم سامر كروم: لماذا يحب العرب الأدب الروسي؟end of list

وبالإضافة إلى نجاح الصايغ عن طريق روايتها الأولى -التي تعتبرها رسالة محبة للمجتمع الدرزي- في بلوغ القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025، فإنها نقلت تفاصيل هذا المجتمع إلى القارئ الألماني، بعد صدور ترجمة "ميثاق النساء" باللغة الألمانية في مارس/آذار 2024 عن دار "دي تي في" (DTV).

عن روايتها -التي تقول إنها كُتبت بشفافية كبيرة وصدق مع الذات- وما يرتبط بها من موضوعات، كان للجزيرة نت هذا الحوار مع حنين الصايغ:

إعلان جئتِ إلى الرواية بعد 3 مجموعات شعرية، ما الذي تتيحه الرواية لحنين الصايغ ولا يتيحه الشعر؟

الشعر بطبيعته يميل إلى استخدام لغة مكثفة ومشفرة من أجل التعبير عن مشاعر غامضة ومتذبذبة، وغالبا ما تكون للقصيدة تأويلات بعدد قرائها. وأنا حين أكتب القصيدة لا يعنيني كثيرا كيف سيفهمها القارئ.

أما حين لجأتُ للرواية، كنت أسعى إلى الوضوح في التعبير عن أفكار وقضايا تؤرقني. وجمهور الرواية كثيرا ما يشتبك مع تلك المواضيع، فيؤيدها أو يعارضها، مما يساهم في انتشارها أكثر.

حين كنت أكتب الشعر، كان محيط قرائي محدودا جدا ولا يتخطى بعض الدوائر الثقافية، أما الرواية فجعلت لي جمهورا عريضا بين المحيط والخليج، لأن الأسئلة والقضايا التي طرحتها في روايتي تهم كثيرين بغض النظر عن انتماءاتهم وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية.

بالإضافة إلى انشغالك بموضوعات الحرية وحقوق النساء، ما الذي يشغلك في العمل الإبداعي، سواء كان رواية أو شعرا؟

تشغلني دواخل الإنسان وتعقيداته النفسية. كما تشغلني الشخصيات المهمشة في الحياة وفي الأدب، ويهمني أن يتماهى القارئ مع الأفكار أو الشخصيات التي أقدمها في أعمالي الأدبية، لذلك لا تستهويني الفنتازيا ولا الدستوبيا كثيرا، وأميل أكثر للكتابة الواقعية.

يهمني أيضا أن يكون النص متعدد الطبقات بحيث يفهمه كل متلقٍّ حسب درجة وعيه وقدرته الأدبية. ولذلك أحاول أن تكون لغتي، رغم ولائها للمعايير الأدبية، متاحة للقارئ العادي ولا تتعالى عليه، وهي معادلة صعبة جدا.

كيف استقبلتِ خبر وصول "ميثاق النساء" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، وهل كنت تتوقعين أن يحظى عملك الروائي الأول بكل هذا الاحتفاء؟

تروَّيتُ كثيرا قبل كتابة هذه الرواية، ولم أبدأ بكتابتها إلا بعد أن أصبحت على يقين أنَّي سأقدم عملا أصيلا وناضجا، ومع ذلك فأنا بطبيعتي أُبقي توقعاتي منخفضة دائما، لذلك فاجأني الاحتفاء الكبير من النقاد والقراء والانتشار الكبير للرواية منذ الشهور الأولى لصدورها.

إعلان

أما أن تختار لجنة من نقاد ومترجمين من بلدان مختلفة الرواية كأحد أهم أعمال السنة، فهو شيء مفرح ويجدد أملنا في أن الأعمال الجيدة حتما ستنال نصيبها من الظهور والاحتفاء.

قلتِ في إحدى مقابلاتك السابقة أنك تكتبين لتفهمي العالم، هل ساعدتِك هذه الرواية على تعميق فهمك لعالم الدروز؟

لكي نتعاطف مع مجموعة من البشر، نحتاج إلى أن نعيش بينهم ونفهم دوافعهم قبل أن ننتقد بعض سلوكياتهم، وهذا ما حاولت فعله في روايتي. وعالم الدروز هو عالم غني ثقافيا وروحانيا وإنسانيا، ولكنه فقط المسرح الذي تدور عليه أحداث الرواية، والعمل الأدبي بطبيعته يتخطى حدوده الجغرافية والثقافية ويطرح قضايا عالمية تخص الإنسان على وجه العموم.

وقد أثبت التفاعل الكبير مع روايتي في ألمانيا بعد ترجمتها أن ثيمات الرواية لا تخص الدروز أو المجتمع العربي فحسب. وبالعودة إلى سؤالك، فقد ساعدتني هذه الرواية على فهم نفسي في المقام الأول. وفهم الذات هو الشرط الأول كي يفهم الإنسان العالم أكثر. والقدرة على التعاطف هي المفتاح الأول للفهم.

على ذكر ترجمة الرواية إلى اللغة الألمانية، كيف وجدت استقبال القارئ الألماني لها؟

أيضا في ألمانيا استُقبلت الرواية بحفاوة من النقاد والقراء، ولم يكن اهتمامهم بالمجتمع الدرزي ولا حتى بالمجتمع اللبناني ككل هو سبب احتفائهم بها، بل أشادوا بالقيمة الأدبية للعمل وبأهميته للمرأة في كل مكان في العالم، خاصة في ما يتعلق بسيكولوجية المرأة وثنائية الأمومة والشعور بالذنب.

كما أشادت قارئات كثيرات بثيمة الحرية التي تناولتها الرواية، إذ كانت رحلة "أمل" في الرواية هي رحلة تحرر داخلية قبل أن تكون رحلة تحرر من مجتمع أبوي أو زوج سلطوي.

وأثنى كثير من القراء على فكرة أن تحرر "أمل" لم يأتِ بسبب رجل منقذ أو منظمة نسوية، بل بسبب الصدق مع الذات والتعليم والعمل، مما يكسر الصورة النمطية عن المرأة في المجتمعات العربية.

إعلان يربط كثير من القراء بينك وبين بطلة الرواية "أمل بو نمر"، خاصة أنك رسمتِ لها مسارا مشابها لمسارك في الحياة، كيف تنظرين إلى هذا الربط؟

أنا لا أكتب إلا عما أعرف وعما أحس، لذلك من الطبيعي أن تتقاطع روايتي الأولى مع بعض الأحداث التي عشتها أو عايشتها. ولكن الرواية ليست سيرة ذاتية، لأنها تتكئ في مواضع كثيرة على الخيال وعلى اختلاق شخصيات وأحداث ليست موجودة في الواقع.

في معظم بلدان العالم، توقَّف النقاد والقراء عن البحث عن الكاتب أو الكاتبة بين سطور الرواية، لأن ما يعنيهم في المقام الأول هو جودة العمل أدبيا وإنسانيا.

ولكن لا يزال التلصص هو أحد الأمراض عند بعض القراء، الذين يفوّتون فرصة البحث عن أنفسهم في العمل الأدبي، ويبحثون -عوضا عن ذلك- عن الحياة الشخصية للكاتبة أو الكاتب. ولكن ليس لهذا وُجِد الأدب.

اللغة الشاعرية التي تميز هذه الرواية، تقطعها حوارات قصيرة باللهجة اللبنانية، ما أسباب هذا التوظيف؟

التأسيس الثقافي واللغوي للمكان الذي تدور فيه أحداث الرواية هو تقنية أدبية مهمة. ثم يأتي التأسيس للشخصيات، بأن تكون لكل شخصية صفاتها الخارجية وعوالمها الداخلية ولغتها الخاصة. واستخدام اللهجة القروية اللبنانية في بعض الحوارات كان يهدف إلى إضفاء مصداقية على الشخصيات والمكان الذي تدور فيه الأحداث.

تعتبرين "ميثاق النساء" رسالة محبة للمجتمع الدرزي المحافظ، كيف تلقّى هذا المجتمع رسالتك؟

الصدق هو أول شروط المحبة، سواء مع الذات أو مع الآخر. والصدق سلاح ذو حدين، فهو يلامس القلوب التي تتوق إلى الفهم والعقول التي تتطلع إلى التغيير.

ولكنه أيضا يصدم العقول المجبولة على الطاعة وتمجيد الجمود. وأنا كتبت "ميثاق النساء" بشفافية كبيرة وصدق مع الذات، والصدق مرآة يرى فيها الآخر حسناته وعيوبه بدون تجميل أو تزييف وبعض الناس لا تحب أن ترى عيوبها.

إعلان

بالطبع تعرضت الرواية لهجوم شديد من بعض الدوائر في المجتمع الدرزي التي لا تقبل النقد ولا تقبل حتى الإضاءة على مجتمع الأقليات، ولكن ذلك لا يُقارَن بالاحتفاء الشديد الذي لاقته الرواية، ليس فقط من مثقفات ومثقفين دروز، بل أيضا من شيخات درزيات كتبن لي رسائل مؤثرة جدا شكرنني فيها على تسليط الضوء على حيواتهن ومعاناتهن وصلابتهن.

مقالات مشابهة

  • خالد الجندي يوضح شروط جواز رواية الحديث النبوي بالمعنى
  • كيف يبدو قطاع الاتصالات في أفغانستان؟
  • المنارات التي شيدها أول مايو: النقابة وإنسانيتنا الإسلاموعروبية
  • اللبنانية حنين الصايغ: رواية ميثاق النساء رسالة محبة للمجتمع الدرزي
  • ديباك شوبرا: الذكاء الاصطناعي أداة لاكتشاف الذات
  • لن تصدق.. ابتكار روبوتات تشبه البشر تتحدث 10 لغات وتبتسم لك!
  • البيت الأبيض: ترامب يركز على تراجع معدلات التضخم التي خلفتها إدارة بايدن
  • تكوين عادل بشرى.. رواية تدشن مجالاً جديدًا في السرد الأدبي
  • تكوين عادل بشري.. رواية تدشن مجالاً جديدًا في السرد الأدبي
  • بين بارت والذكاء الاصطناعي.. رحلة النص من نبض القلب إلى نبض الآلة