حرب غزة تفضح إمبريالية الغرب
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
لا يمكن للكاتب أن يتجاهل ما يجري في عالمه من أمور جسيمة مهما كانت همومه الفكرية الأخرى، من دون أن يدلي بموقفه منها وشهادته عليها؛ وإلا فإنه سيكون متعاليًا على عالمه وواقعه المعيش الذي ينبغي أن يكتب من أجله في النهاية. ولكني لا أحب تأمل الأحداث الجسام إلا بعد فترة مناسبة تسمح بالتأمل من دون اندفاعات عاطفية.
من الواضح أن هناك حالة من الازدواجية في الذهنية الغربية: الإعلام الغربي مشغول بهجوم حماس على المستوطنات والقواعد العسكري، ويركز بوجه خاص على الهجوم على المستوطنات التي يعيش فيها المدنيون؛ وهو يعمل على الترويج لمزاعم إسرائيل عن وحشية حماس التي وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي بأنها جماعة من «حيوانات بشرية». بل إن هذا الإعلام يروج لكثير من الصور والفيديوهات الملفقة التي يُرَاد بها تصوير المقاومة الفلسطينية باعتبارها وحشية؛ وقد وصلتني مؤخرًا بعض هذه الصور والفيديوهات التي أرسلها بعض الإسرائيليين لأحد أصدقائي: أحد هذه الفيديوهات تصور فتاة جميلة يحيط بها بعض الشباب والصبية، وقد أتى شخص ما وجذبها من شعرها ثم سكب عليها البنزين وأشعل فيها النار، فراحت الفتاة تتلوى وتتمرغ على الرمال لتطفئ النار المشتعلة بجسدها؛ فأتى هذا الشخص الذي لا تظهر صورته ليسكب عليها مزيدًا من البنزين حتى التهمت النار جسدها تمامًا، وتركتها كتلة من لحم متفحم على عظام مكشوفة. تلك مشاهد شديدة البشاعة لا يمكن لمن يشاهدها سوى أن يتميز من الغيظ والحنق على من قام بهذا الفعل البشع باعتباره يستحق القتل والإبادة. ويبدو أن هذا هو المقصود بالضبط من هذا النوع من الترويج الإعلامي الكاذب، وهو ما دفع مؤخرًا عجوزًا أمريكيًّا إلى طعن طفل فلسطيني صغير ستا وعشرين طعنة مميتة وهو يردد أنتم المسلمين تستحقون القتل! ولا يمكنني -مثل كل عاقل لا تحكمه الكراهية المجانية والعنصرية الدينية- أن يقتنع بهذه المشاهد؛ لأن التلفيق في صناعتها واضح لكل عين خبيرة؛ ولأن هناك مشاهدَ وشهادات مضادة أذاعها التلفزيون الإسرائيلي نفسه، حيث شهد بعض الرهائن في المستوطنات بحسن معاملة رجال المقاومة لهم.
والواقع أن تزييف الإعلام الغربي للحقيقة قد بدأ في التراجع؛ لأن شعوب العالم بدأت في إدراك هذا التزييف لما يحدث على أرض الواقع: هذا ما تبدى في المظاهرات العارمة التي اندلعت في العراق والأردن واليمن ومصر والمغرب وتونس وسوريا وتركيا وإيران وماليزيا، بل في نيذرلاند وفرنسا وإسبانيا ولندن وأمريكا نفسها؛ بل يتبدى أيضًا في مواقف الاستنكار الرسمي لممارسات الاحتلال في حصار شعب فلسطين التي جاءت مبكرة من سلطنة عُمان، ومن الخارجية النرويجية، بل من بعض الدول البعيدة تمامًا عن المشهد مثل كولومبيا التي بلغ موقفها إلى حد طرد السفير الإسرائيلي.
لم يسأل الإعلام الغربي نفسه عن أسباب هجوم المقاومة الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية، ناسيًا أو بالأحرى متناسيًا أن هذه المستوطنات هي اعتداء على أرض محتلة، وأن صاحب الأرض يحق له الدفاع عن نفسه بكل السبل الممكنة؛ ناهيك عن أن اليهود ساكني تلك المستوطنات قد مارسوا كل أشكال الاعتداء على أصحاب الأرض بدءًا من استفزازهم بهتك مقدساتهم، خاصة في المسجد الأقصى، حيث يقومون بممارسة طقوسهم في الرقص في باحات المسجد وكأنه معبد يهودي، بل الاعتداء عليهم بالسحل والضرب والقتل، وكل هذا يجري في حماية قوات الاحتلال!
ومن المدهش أن اليهود لا يعتدون بالمسيحية التي يدين بها الغرب ويفضلون دخول المساجد لا الكنائس؛ لأن الكنائس في نظرهم وثنية لا تدين بإله واحد.. من المدهش أن الغرب هو من يدافع عن هؤلاء اليهود باعتبارهم أصحاب العهد القديم الذي يتأسس عليه العهد الجديد. ولذلك فإني أرى أن المسألة في أصولها مدفوعة بعصبيات دينية تحكم الذهنية الغربية: فالغرب يستخدم إسرائيل باعتبارها أداة لإقرار شرعيته وأصوله الدينية، ومن قبل ذلك شرعيته ومصالحه الإمبريالية لتبرير غزو العوالم المغايرة في الدين والعقيدة والهوية.
نعم هناك أصوات عاقلة في الغرب، بل في إسرائيل نفسها، تدرك حقيقة الأمور. ولا بد في هذا الصدد أن نشيد بموقف وزيرة خارجية النرويج التي دعت إلى الوقف الفوري للاعتداء على الشعب الفلسطيني؛ ولكني أحب أن أتوقف هنا عند شهادة ذلك الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في جريدة هاآرتس، الذي رأى في نوع من النقد الذاتي أن الغطرسة الإسرائيلية هي أصل الأزمات التي يعاني منها شعب إسرائيل، إذ يقول: نحن الإسرائيليين مسموح لنا أن نفعل أي شيء، فنحمي المستوطنين الذين يذبحون الفلسطينيين، ونزور المقدسات الموجودة في أرض فلسطين، ونطلق النار على الأبرياء ونصادر أراضيهم ونقوم بتهجيرهم. ونحن نفعل كل ذلك ظانين أننا لن دفع ثمنًا ولن نُعاقب عليه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کل هذا
إقرأ أيضاً:
ويكيد.. ساحرة الغرب الشريرة على بُعد خطوات من الفوز بالأوسكار
"الأكثر ترفيها وتسلية لهذا العام"، و"الفيلم الموسيقي الأكثر إبهارا في هوليود منذ فيلم شيكاغو"، و"صاحب أكبر افتتاحية لعمل مُقتبس من مسرحية موسيقية في برودواي"، و"الأكثر ربحا استنادا إلى أعمال باوم في أوز"، و"صاحب المرتبة الثالثة ضمن قائمة أفضل 12 فيلما موسيقيا خلال الـ25 سنة الأخيرة"، جميعها ألقاب اقتنصها فيلم "ويكيد" (Wicked) الحائز غولدن غلوب والمُرشّح لنيل 10 جوائز أوسكار و9 جوائز بافتا البريطانية.
بالإضافة إلى الألقاب السابقة، حصد العمل 724 مليون دولار من إجمالي ميزانية لم تتجاوز 150 مليونا، ونال استحسانا وتعليقات إيجابية من كثير من صانعي السينما والموسيقى على رأسهم المخرج ستيفن سبيلبيرغ وجورج لوكاس وأوليفر ستون، وكاتبة الأغنيات والمغنية الأشهر حاليا تايلور سويفت.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ديفيد لينش سيد الغموض وأيقونة السينما السرياليةlist 2 of 2مع تصاعد نجاحات أفلام التيار المحافظ.. هل تضطر هوليود لتغيير جلدها؟end of list"ويكيد" ليس الفيلم الموسيقي الأول ضمن قائمة الأعمال المُرشحة للأوسكار هذا العام، وهو دراما تجمع بين الفانتازيا والأغاني مُقتبسة من الفصل الأول لمسرحية تحمل الاسم نفسه والمستوحاة بدورها من رواية صدرت عام 1995 كتبها غريغوري ماكغواير، كما أنه يُعيد إلى الأذهان قصة فيلم "ساحر أوز" مع إضافة خيوط فرعية جديدة.
Congratulations to Wicked on winning the #GoldenGlobes award for Cinematic and Box Office Achievement! pic.twitter.com/5pZamW8s4M
— Golden Globes (@goldenglobes) January 6, 2025
إعلانيبدأ الفيلم بموت ساحرة الغرب الشريرة (ألفابا/ سينثيا إيريفو) واحتفال الجميع بالخبر الذي سيغير حياتهم، تشاركهم سعادتهم الساحرة الطيبة (غاليندا/ أريانا غراندي)، قبل أن تقص على مسامع أهل القرية كيف تقاطع طريق الساحرتين بوقت سابق خلال دراستهما الجامعية.
ألفابا فتاة ولدت نتيجة علاقة غير شرعية بين والدتها وبائع متجول، جاءت إلى الحياة ببشرة خضراء جعلتها منبوذة ومحل سخرية طوال حياتها بجانب الخزي الذي أصابها جرّاء معاملة والدها لها، مما جعلها تعيش في فقاعة خضراء وحيدة، في حين تُنصت بإمعان لمشاعرها الداخلية من دون أن تتمكن يوما من السيطرة على قوتها الخارقة التي طالما تولدت بفعل الغضب.
أما غاليندا فهي فتاة شقراء نموذجية -تبعا للنمط الهوليودي- تجمع بين الغرور تارة وتارة أخرى السذاجة مع خفة الظل وقبول غير مشروط من كل المحيطين بها. تضطر الاثنتان مشاركة الحجرة نفسها في الجامعة، وبسبب هذا التضاد الصارخ تنشأ علاقة سلبية بينهما، لكنها تتبدل بالثلث الأخير من الفيلم، وتحل محلها صداقة قوية وشعور بالأُلفة، خاصة أن الاثنتين تطمحان إلى لقاء ساحر أوز والانتماء لعالم السحرة، وكل واحدة منهما لها أسباب مختلفة.
هل يستحق "ويكيد" 10 جوائز أوسكار؟بقدر ما قد يكون فيلم "ويكيد" تجربة مثالية للمشاهدة في دور العرض بسبب ما تمتع به من إبهار بصري بين الألوان المبهجة بعالم غاليندا الوردي، وقتامة عالم ألفابا، والاستعراضات التي ضمت العشرات خلال لوحات فنية دقيقة وتصاميم رقصات ليست سهلة على الإطلاق، والديكورات الغنية بالتفاصيل، إلا أنه قد يُعيد إلى الأذهان أعمالا مختلفة تتقاطع معه هنا وهناك.
ومن هذه الأعمال أفلام "ونكا" و"هاري بوتر" حيث العوالم السحرية، و"ماليفسنت" الساحرة التي طالما كانت طيبة محبة للبشر قبل أن تتعرض للخيانة فتصبح ناقمة على الجميع وترغب في الانتقام، ومسلسل "وينزداي" والتضاد الفادح بين البطلتين الرئيسيتين الذي سرعان ما يتحول إلى صداقة متينة.
إعلانغير أن حقيقة امتلاك "ويكيد" كل تلك العناصر الإيجابية والتميز بمعظمها جعله منافسا شرسا بفئات متعددة، من بينها أفضل تصميم أزياء، وديكور (تصميم إنتاج)، ومكياج، ومؤثرات بصرية، ومونتاج.
أما على مستوى التمثيل، وحقيقة ترشح سينثيا إيريفو لأفضل ممثلة بدور رئيسي، وأريانا غراندي لأفضل ممثلة بدور مساعد، فهي ترشيحات مُستحقة، إذ أجادت إيريفو تقديم الصراع الجاثم على روح ألفابا في صمت وبلغة عيون احترافية عكست أوجاعا دفينة ومشاعر عميقة.
لكن المفاجأة الحقيقية كانت غراندي التي لم يتوقع أحد أن تملك كل تلك الخفة، وتقدم الشخصية بكثير من الطاقة والحيوية بجانب إجادتها المشاهد الكوميدية التي كانت المتنفس الوحيد بين ظلال العنصرية وفساد القائمين على السلطة، وهي الرسالة الضمنية التي طرحها العمل عبر خطوط درامية متشابكة ومتعددة الأشكال.
أطول مما ينبغيرغم تلقّي العمل إشادات من النقاد والجمهور وثناء عديد من كارهي المسرحيات الموسيقية عليه مؤكدين تفوقه على كل توقعاتهم، فإن طول العمل ظل محلا للخلاف.
وأرجع صانعو الفيلم طول مدته إلى الرغبة في التشريح العميق للشخصيات والسرد التفصيلي لطبيعة العلاقات بينهم دون أي قطع للحبكة، ووجده البعض لا غضاضة فيه كون الفيلم ممتعا ويصعب الانفصال عنه طوال 3 ساعات إلا قليلا.
في حين شكا قطاع آخر من الملل، مؤكدين قابلية العمل للاختصار خاصة بنصفه الأول، وهو ما تماشى مع اعتراضات أخرى كون العلاقة بين البطلتين لم تبدأ إلا متأخرا وبدى الجزء المتعلّق بمدينة الزمرد كما لو قُدّم على عجل.
ثقة أم طمع بالإيرادات؟يبدأ "ويكيد" بعبارة الجزء الأول وينتهي بكلمة يُتبع، الأمر الذي أزعج من اتهموا أصحاب الفيلم بالثقة المستفزة ظنا منهم أن ما يقدمونه عميقا حد احتياج ما يقارب 6 ساعات لسرده، بالإضافة لاتهامات أخرى بالطمع في مغازلة شباك التذاكر لعامين متتاليين.
إعلانلكن بعد المشاهدة الفعلية عاد البعض للتراجع عن أقوالهم، والاقتناع باستحقاق القصة جزأين، إذ يُفترض بالجزء التالي أن نشهد كيف يمكن للسحر الانقلاب على الساحر ونتعرّف إلى أهمية الخطوط الدرامية الجانبية وفاعلية أصحابها بالحبكة الرئيسية.
WICKED features exceptional direction, design elements (sets, costumes, color schemes), acting, choreography, and singing). If you haven't seen it yet, I highly recommend it. pic.twitter.com/QpPQeO7Bji
— Jon Mutanen (@JonMutanen) February 8, 2025
WICKED really is the movie of the moment we all need that will speak to so many people who have ever felt like an Elphaba or Glinda about how people can change For Good, how people succumb to wickedness, and in the end kindness can make it through all the darkness. pic.twitter.com/6Y32F07BDv
— Jillian???? (@JillianChili) November 11, 2024
"ويكيد" (Wicked) فيلم موسيقى فانتازي على حافة التتويج بالأوسكار مناسب لكافة الأعمار وإن كان ينصح بمرافقة البالغين لمن هم تحت سن 12، وهو ما حرص عليه القائمون على الفيلم إذ حذفوا أي محتوى غير لائق من الحبكة الرئيسية، غير أن الأهم كونه يصلح حتى لغير محبي الأفلام الموسيقية بشهادة بعض منهم.
العمل من إخراج جون إم تشو، وتأليف ويني هولزمان ودانا فوكس، والأغاني لستيفن شوارتز. شارك في بطولته سينثيا إيريفو، وأريانا غراندي، وجوناثان بيلي، وميشيل يوه، وجيف غولدبلوم، وبيتر دينكلاج (أداء صوتي).