لجريدة عمان:
2025-04-30@10:48:09 GMT

حرب غزة تفضح إمبريالية الغرب

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

لا يمكن للكاتب أن يتجاهل ما يجري في عالمه من أمور جسيمة مهما كانت همومه الفكرية الأخرى، من دون أن يدلي بموقفه منها وشهادته عليها؛ وإلا فإنه سيكون متعاليًا على عالمه وواقعه المعيش الذي ينبغي أن يكتب من أجله في النهاية. ولكني لا أحب تأمل الأحداث الجسام إلا بعد فترة مناسبة تسمح بالتأمل من دون اندفاعات عاطفية.

في اليوم السابع من شهر أكتوبر 2023 شنت حركة حماس هجومًا على مواقع عسكرية ومدنية في دولة الاحتلال: إسرائيل. وكان الرد الإسرائيلي المتواصل أكثر عنفًا ووحشية؛ إذ تم استخدام آلة الحرب الجبارة في تدمير البنية التحتية لقطاع غزة بهدف الإبادة، لا لحماس وحدها، وإنما للشعب الفلسطيني نفسه الذي تقصفه الطائرات من دون تمييز، فيسقط قتلى من المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال والرضَّع. بل إن آلة الحرب الإسرائيلية الوحشية قد استهدفت مؤخرًا المستشفيات، فضلًا عن سيارات الإسعاف، حتى بات المسعفون يهرعون إلى إسعاف زملائهم! بل إنها قد استهدفت أيضًا طواقم الصحفيين على الحدود اللبنانية، ومنهم صحفيون أجانب، وقد توفي بعضهم وأصيب آخرون؛ وقد بلغت هذه الوحشية مداها بقطع المياه والكهرباء والغذاء عن قطاع غزة. وكل هذا يعد جرائم ضد الإنسانية بمقتضى القانون الدولي الذي وضعه الغرب نفسه. وعلى الرغم من أن كل هذا يحدث على مرأى ومسمع من العالم الغربي، فقد وجدنا أن هذا العالم يردد عبر أجهزته الإعلامية رسائل مدعومة بشهادات ملفقة عن وحشية حماس لا وحشية إسرائيل التي تظل في نظره الضحية البريئة! وكل هذا يستدعي السؤال عن تفسير الذهنية التي تحكم هذا الغرب.

من الواضح أن هناك حالة من الازدواجية في الذهنية الغربية: الإعلام الغربي مشغول بهجوم حماس على المستوطنات والقواعد العسكري، ويركز بوجه خاص على الهجوم على المستوطنات التي يعيش فيها المدنيون؛ وهو يعمل على الترويج لمزاعم إسرائيل عن وحشية حماس التي وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي بأنها جماعة من «حيوانات بشرية». بل إن هذا الإعلام يروج لكثير من الصور والفيديوهات الملفقة التي يُرَاد بها تصوير المقاومة الفلسطينية باعتبارها وحشية؛ وقد وصلتني مؤخرًا بعض هذه الصور والفيديوهات التي أرسلها بعض الإسرائيليين لأحد أصدقائي: أحد هذه الفيديوهات تصور فتاة جميلة يحيط بها بعض الشباب والصبية، وقد أتى شخص ما وجذبها من شعرها ثم سكب عليها البنزين وأشعل فيها النار، فراحت الفتاة تتلوى وتتمرغ على الرمال لتطفئ النار المشتعلة بجسدها؛ فأتى هذا الشخص الذي لا تظهر صورته ليسكب عليها مزيدًا من البنزين حتى التهمت النار جسدها تمامًا، وتركتها كتلة من لحم متفحم على عظام مكشوفة. تلك مشاهد شديدة البشاعة لا يمكن لمن يشاهدها سوى أن يتميز من الغيظ والحنق على من قام بهذا الفعل البشع باعتباره يستحق القتل والإبادة. ويبدو أن هذا هو المقصود بالضبط من هذا النوع من الترويج الإعلامي الكاذب، وهو ما دفع مؤخرًا عجوزًا أمريكيًّا إلى طعن طفل فلسطيني صغير ستا وعشرين طعنة مميتة وهو يردد أنتم المسلمين تستحقون القتل! ولا يمكنني -مثل كل عاقل لا تحكمه الكراهية المجانية والعنصرية الدينية- أن يقتنع بهذه المشاهد؛ لأن التلفيق في صناعتها واضح لكل عين خبيرة؛ ولأن هناك مشاهدَ وشهادات مضادة أذاعها التلفزيون الإسرائيلي نفسه، حيث شهد بعض الرهائن في المستوطنات بحسن معاملة رجال المقاومة لهم.

والواقع أن تزييف الإعلام الغربي للحقيقة قد بدأ في التراجع؛ لأن شعوب العالم بدأت في إدراك هذا التزييف لما يحدث على أرض الواقع: هذا ما تبدى في المظاهرات العارمة التي اندلعت في العراق والأردن واليمن ومصر والمغرب وتونس وسوريا وتركيا وإيران وماليزيا، بل في نيذرلاند وفرنسا وإسبانيا ولندن وأمريكا نفسها؛ بل يتبدى أيضًا في مواقف الاستنكار الرسمي لممارسات الاحتلال في حصار شعب فلسطين التي جاءت مبكرة من سلطنة عُمان، ومن الخارجية النرويجية، بل من بعض الدول البعيدة تمامًا عن المشهد مثل كولومبيا التي بلغ موقفها إلى حد طرد السفير الإسرائيلي.

لم يسأل الإعلام الغربي نفسه عن أسباب هجوم المقاومة الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية، ناسيًا أو بالأحرى متناسيًا أن هذه المستوطنات هي اعتداء على أرض محتلة، وأن صاحب الأرض يحق له الدفاع عن نفسه بكل السبل الممكنة؛ ناهيك عن أن اليهود ساكني تلك المستوطنات قد مارسوا كل أشكال الاعتداء على أصحاب الأرض بدءًا من استفزازهم بهتك مقدساتهم، خاصة في المسجد الأقصى، حيث يقومون بممارسة طقوسهم في الرقص في باحات المسجد وكأنه معبد يهودي، بل الاعتداء عليهم بالسحل والضرب والقتل، وكل هذا يجري في حماية قوات الاحتلال!

ومن المدهش أن اليهود لا يعتدون بالمسيحية التي يدين بها الغرب ويفضلون دخول المساجد لا الكنائس؛ لأن الكنائس في نظرهم وثنية لا تدين بإله واحد.. من المدهش أن الغرب هو من يدافع عن هؤلاء اليهود باعتبارهم أصحاب العهد القديم الذي يتأسس عليه العهد الجديد. ولذلك فإني أرى أن المسألة في أصولها مدفوعة بعصبيات دينية تحكم الذهنية الغربية: فالغرب يستخدم إسرائيل باعتبارها أداة لإقرار شرعيته وأصوله الدينية، ومن قبل ذلك شرعيته ومصالحه الإمبريالية لتبرير غزو العوالم المغايرة في الدين والعقيدة والهوية.

نعم هناك أصوات عاقلة في الغرب، بل في إسرائيل نفسها، تدرك حقيقة الأمور. ولا بد في هذا الصدد أن نشيد بموقف وزيرة خارجية النرويج التي دعت إلى الوقف الفوري للاعتداء على الشعب الفلسطيني؛ ولكني أحب أن أتوقف هنا عند شهادة ذلك الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في جريدة هاآرتس، الذي رأى في نوع من النقد الذاتي أن الغطرسة الإسرائيلية هي أصل الأزمات التي يعاني منها شعب إسرائيل، إذ يقول: نحن الإسرائيليين مسموح لنا أن نفعل أي شيء، فنحمي المستوطنين الذين يذبحون الفلسطينيين، ونزور المقدسات الموجودة في أرض فلسطين، ونطلق النار على الأبرياء ونصادر أراضيهم ونقوم بتهجيرهم. ونحن نفعل كل ذلك ظانين أننا لن دفع ثمنًا ولن نُعاقب عليه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کل هذا

إقرأ أيضاً:

نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"

في تطور سياسي وقانوني لافت داخل إسرائيل، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة "إقرار بالذنب" مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهمًا بالفساد قد تضع مستقبله السياسي والشخصي في مهب الريح. هذه المبادرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مصير نتنياهو وحجم التحديات السياسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل في ظل أوضاع داخلية وإقليمية متأزمة.

خلفية القضية: نتنياهو في قفص الاتهام


يُحاكم نتنياهو منذ سنوات بتهم تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في عدة ملفات فساد معروفة في الأوساط الإسرائيلية. رغم محاولات مستمرة للطعن في الاتهامات واللجوء إلى الاستراتيجيات السياسية للبقاء في الحكم، إلا أن الضغوط القضائية تزايدت مع الوقت.

وظهرت فكرة صفقة الإقرار بالذنب عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنها كانت تصطدم برفض نتنياهو التام لأي تسوية تعني انسحابه من المشهد السياسي، الذي يعتبره خط دفاعه الأساسي. القبول بهذه الصفقة يعني الإقرار بوصمة عار قانونية تمنعه من تولي أي منصب رسمي مستقبلًا، وهي خطوة لم يكن مستعدًا لها حتى الآن.

تفاصيل صفقة الإقرار بالذنب

وفقًا لما نشرته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تتضمن الصفقة خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل عدم دخوله السجن. الصفقة تعتمد على إقرار نتنياهو جزئيًا أو كليًا ببعض المخالفات، بعد تعديل لائحة الاتهام لتقليل خطورة الجرائم المزعومة.

مقابل ذلك، ستسقط النيابة العامة بعض التهم أو تقبل بعقوبة مخففة، ما يجنبه المحاكمة الطويلة واحتمال السجن الفعلي. هذه الاستراتيجية القانونية، المعروفة عالميًا باسم "صفقة الإقرار بالذنب"، تتيح إنهاء القضايا الجنائية بسرعة لكنها غالبًا ما تكون محفوفة بالجدل السياسي والأخلاقي.

السياق الدولي: مذكرات اعتقال إضافية تلاحق نتنياهو

لا تقتصر التحديات القانونية لنتنياهو على المحاكم الإسرائيلية فقط. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

وجاء في بيان المحكمة أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات استهدفت السكان المدنيين واستخدما التجويع كسلاح حرب. كما أشارت المحكمة إلى أن الجرائم شملت القتل والاضطهاد وأفعالًا غير إنسانية أخرى.

الكشف هذه الأوامر ضاعف من الضغوط على نتنياهو داخليًا وخارجيًا، وساهم في تعقيد حساباته السياسية والقانونية.

احتمالات المستقبل: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي؟

دخول الرئيس هرتسوغ على خط الأزمة يعكس قلق المؤسسة السياسية من تداعيات استمرار محاكمة نتنياهو على استقرار الدولة. فالخيار بين محاكمة رئيس وزراء حالي أو سابق وسجنه، أو التوصل إلى تسوية سياسية قانونية تخرجه بهدوء من المشهد، يحمل في طياته آثارًا سياسية واجتماعية عميقة.

ورغم أن إبرام صفقة الإقرار بالذنب قد يبدو مخرجًا مناسبًا للعديد من الأطراف، إلا أن قبول نتنياهو بها لا يزال بعيد المنال. فنتنياهو، الذي يَعتبر نفسه ضحية ملاحقات سياسية، قد يفضِّل المضي قدمًا في المعركة القضائية حتى النهاية، آملًا في البراءة أو في انقلاب سياسي لصالحه.

أما إسرائيل، فهي تجد نفسها أمام مفترق طرق: هل تواصل السير في طريق المواجهة القانونية بكل تبعاته، أم تلجأ إلى تسوية مكلفة سياسيًا لكنها تتيح طي صفحة من أكثر الفصول إثارة للانقسام في تاريخها الحديث؟

تطرح مبادرة الرئيس هرتسوغ سؤالًا وجوديًا على إسرائيل: ما هو ثمن العدالة وما هو ثمن الاستقرار السياسي؟ بغض النظر عن النتيجة، فإن مصير بنيامين نتنياهو سيكون علامة فارقة في مسار السياسة الإسرائيلية للسنوات المقبلة.

 

مقالات مشابهة

  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة
  • باحث إسرائيلي: قادة غربيون يسعون لتشويه صورة إسرائيل وكبح جماحها
  • رئيس مجموعة ضغط يحذر من خطر نتنياهو على مستقبل إسرائيل
  • “حسام شبات” الذي اغتالته إسرائيل.. لكنه فضحهم إلى الأبد
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • الشاب الذي اغتالته إسرائيل.. لكنه فضحهم إلى الأبد
  • نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
  • الغرب بدأ ينبذ إسرائيل وإسبانيا تُلغي صفقة أسلحة .. ثلاث دولٍ تُطالِب بمنع الكيان المشاركة بمُسابقة الأغنية الأوروبيّة
  • معلومات... هذا الهدف الذي سيقصفه العدوّ الإسرائيليّ في الضاحية