هيمنة الصهيونية على الغرب والرأي العام العالمي
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
ثمة تداعيات ودروس كبيرة تتضح من خلال العدوان الصهيوني الظالم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل خاص وعموم فلسطين المحتلة، وهذا عادة ما يحدث في الحروب والصراعات من مواقف سياسية متباينة، حيث إن يوم السابع من أكتوبر كان هجوما مسلحا بامتياز من قبل المقاومة الفلسطينية، وخاصة من حركة حماس وأيضا الجهاد الإسلامي وبقية الفصائل الأخرى ضد الأهداف العسكرية في غلاف غزة.
ومن هنا فإن المواجهة العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي هي التي ينبغي أن تكون عنوان المرحلة، لكن الكيان الصهيوني تجرّد من كل مظاهر الإنسانية والقيم الحضارية وصب جام غضبه على المدنيين خاصة الأطفال والنساء وكبار السن والذين يشكلون أكثر من ثلثي الشهداء الذين نالهم القصف الجوي البربري. ومن هنا انتفضت شعوب العالم الحر شرقا وغربا ومن كل كبرى العواصم الغربية في واشنطن ولندن وبرلين وباريس ومدريد علاوة على الدول العربية والإسلامية. ولذا فإن المشهد السياسي يعبّر عن بربرية نفذها الكيان الصهيوني مع انحياز القيادات الغربية بتلك المواقف المخزية والتي لا تعبّر عن مواقف شعوبها والتي خرجت في مظاهرات شعبية عارمة والجواب أنها هيمنة الصهيونية العالمية وسيطرتها على مفاصل الدول الغربية منذ قرون علاوة على دور الماسونية العالمية وتأثيرها على مواقف الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية حيث توالت الزيارات من الرئيس الأمريكي بايدن ووزير الخارجية ووزير الدفاع بهدف نجدت الكيان الصهيوني، الذي انهار معنويا ونفسيا من هول الصدمة الكارثية يوم السابع من أكتوبر، والذي وصفه قادة الكيان الصهيوني بأنه اليوم الأسود.
النفاق الغربي جاء على مستوى القيادات حيث زار الكيان الإسرائيلي قادة ألمانيا وبريطانيا كما جاءت تصريحاتهم منسجمة مع العقلية الصهيونية العالمية وسيطرتها على مفاصل الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فكانت تلك المواقف السياسية الظالمة للقيادات الغربية بمثابة الضوء الأخضر للكيان الصهيوني للقيام بجريمته الشنعاء ضد المدنيين في قطاع غزة، حيث ارتكب الكيان الإسرائيلي أبشع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية في العصر الحديث، إذ تؤدي الصهيونية العالمية والماسونية الدور الأكبر في السيطرة على توجهات تلك القيادات، حيث إن الرئيس الأمريكي بايدن وغيره من الرؤساء في الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ قيام الكيان الإسرائيلي في الخامس عشر من مايو ١٩٤٨ ملتزمون بأمن إسرائيل ودعمها عسكريا واقتصاديا واستخباراتيا؛ لأن زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي لم يأت عبثا بل هو تخطيط تاريخي للصهيونية العالمية ومعها الماسونية، اللتين تسيطران على المكون الثقافي والاقتصادي والاستخباراتي والعسكري في الغرب بعد سقوط الكنيسة، وبعد انتهاء حروب وصراعات القرون الوسطى وانتهاء بالحربين العالميتين الأولى والثانية وإزاحة النازية وظهور الدول القومية في الغرب ذات الاتجاه اليميني المتطرف.
وعلى ضوء ذلك، فإن المشهد السياسي في فلسطين المحتلة ومنذ سبعة عقود يمثل نهج الصهيونية العالمية والماسونية في السيطرة والنفوذ ورسم خريطة المصالح في العالم وإيجاد كيان عنصري بغيض وهو الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي.
إن المشهد السياسي الحالي في فلسطين المحتلة هو صورة أكثر واقعية للتخطيط الصهيوني في صورته المصغرة لعالم عربي ضعيف الإرادة والتبعية للغرب وهذا ما يمكن مشاهدته الآن في حالة قطاع غزة حيث تعجز قيادات ٢٢ دولة عربية بكل إمكاناتها العسكرية والبشرية والاقتصادية عن إدخال الماء والكهرباء والغذاء إلى أكثر من مليوني إنسان في غزة يتعرضون للإبادة اليومية من القصف الجوي البربري من الكيان الصهيوني، حتى أن معبر رفح على الحدود المصرية مع قطاع غزة قصف من الطيران الإسرائيلي أكثر من أربع مرات.
ومن هنا فإن المشهد السياسي العربي الضعيف يعبر عن إرادة مسلوبة ولم يبق للنظام العربي سوى المناشدة والاتصالات والمؤتمرات التي لا تغني ولا تسمن كما يقال، ومنها مؤتمر القاهرة للسلام الذي انتهى دون صدور بيان ختامي بعد الخلافات بين عدد من الدول العربية والأوروبية حول ضرورة إدانة المقاومة الفلسطينية وأهمية وجود فقرة في البيان تعطي الحق للكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه.
الحقيقة تقول إن الصهيونية العالمية وسيطرتها على القرار الغربي هو أمر معروف على مستوى الدراسات، حيث تغلغل القيادات الصهيونية في البرلمانات في الغرب والسيطرة على البنوك الدولية خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، ولعل منظمة كالايباك لها سطوة كبيرة داخل واشنطن، فكشف الصراع العسكري في فلسطين المحتلة عددا من الظواهر الكامنة، ويبدو الآن أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت جزءا أصيلا من الحرب على الشعب الفلسطيني والمقاومة من خلال حشدها العسكري ولم يأت ذلك مصادفة ولكن الذي عجّل بتلك المواقف هو الهزيمة التاريخية الذي تلقاها جيش الاحتلال الإسرائيلي على يد المقاومة الفلسطينية التي أعطت درسا بليغا في الإيمان والتضحية، وبأنه يمكن للعرب أن يفرضوا إرادتهم ويحافظوا على قضاياهم القومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
إن المرء يشعر بالشفقة على القيادات العربية، وهي تهرول هنا وهناك لطلب المعونة والاستجداء من الغرب لوقف التصعيد العسكري ضد الشعب الفلسطيني، فالقرار الغربي مرهون بأفكار وعقليات تدير المشهد السياسي في الغرب ولا تكترث بسقوط الأبرياء في غزة، لذلك فإن الصهيونية العالمية وسيطرتها على مفاصل الدول الغربية هي حقيقة وكتب عنها الكثير، ومع ذلك تسطر المقاومة الفلسطينية ومعها أحرار العالم ملحمة ضد المحتل الإسرائيلي الذي فقد الأمن والاستقرار، حيث هاجر عشرات الآلاف من المدن الإسرائيلية، وهناك قناعة لدى السكان في إسرائيل بأن الأمن لم يعد ممكنا بعد السابع من أكتوبر، وهذا إحدى النتائج الأساسية لمعركة غزة، وفي ضوء ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ترى في ما حدث خطرا وجوديا على الكيان الصهيوني، لذا على المخطط الذي رُسم في أول مؤتمر يهودي في بازل قبل قرنين الذي ظهر فيه وعد بلفور البريطاني المشؤوم الذي أدى إلى نكبة الشعب الفلسطيني عام ١٩٤٨، وتتواصل حتى الآن.. فهل تعي القيادات العربية تلك المخططات أو لم يعد لها قدرة على مواجهة الواقع كما يلاحظ من مواقفها الضعيفة في وقت يصرخ الشعب الفلسطيني من أجل نجدته من مجرم التاريخ الحديث نتانياهو وعصابته في الكيان الصهيوني، والدعم اللامحدود من الصهيونية العالمية وأذرعها المتنفذة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة المقاومة الفلسطینیة الکیان الإسرائیلی الکیان الصهیونی الشعب الفلسطینی فلسطین المحتلة الدول الغربیة الصهیونی فی فی الغرب قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
مسمار في نعش الكيان الصهيوني
حاتم الطائي
◄ القرار التاريخي إدانة دولية غير مسبوقة لمجرمي الحرب الإسرائيليين وداعميهم
◄ 124 دولة مُلزمة بتنفيذ قرار القبض على مجرمي الحرب الإسرائيليين
◄ يقظة الشعوب الحُرّة حول العالم كان لها الفضل الأكبر في استصدار القرار
لم يكن القرارُ التاريخيُّ والشجاعُ من المحكمةِ الجنائيةِ الدوليةِ بإصدار أمر اعتقالٍ بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي المُجرم بنيامين نتنياهو ووزير حربه السفّاح يوآف جالانت، مجرد إدانة غير مسبوقة لمجرمي الحرب الإسرائيليين وحسب؛ بل إدانة عالمية تاريخية للحركة الصهيونية الإجرامية العنصرية، ولكل داعميها من الأمريكيين والأوروبيين، وكل من تواطأ وصَمَتَ عن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتجويع، ولكل من خَذَلَ الشعب الفلسطيني ولم يقف بجانبه ولو بكلمة!
صدر القرار بعد أكثر من 414 يومًا من العدوان البربري الدموي ضد شعب فلسطين في قطاع غزة، مع تدمير كامل للبنية التحتية والمنازل فوق رؤوس ساكنيها، واستشهاد أكثر من 44 ألف شهيد وإصابة ما يزيد عن 105 آلاف فلسطيني، كثيرٌ منهم يُعانون من إعاقة دائمة أو بتر في الأطراف أو استئصال لأحد أعضاء الجسد، فضلًا عن عشرات الآلاف من المفقودين تحت الأنقاض، وأمثالهم من الأسرى الذين اُعتقِلوا ظلمًا وعدوانًا على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية.
صدر القرار رغم المحاولات المُستميتة من الكيان الفاشي الإسرائيلي لإثناء قضاة العدالة عن قرارهم، وإعلان كثير منهم عن تعرضهم لرسائل تهديد بالقتل والتنكيل، علاوة على ابتزاز المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، من خلال تلفيق قضية أخلاقية بحقه، لا أساس لها من الصحة؛ بل هي محاولة يائسة للانتقام من الرجل الذي قاد جهود استصدار مذكرة الاعتقال الدولية بحق مجرمي الحرب الإسرائيليين.
صدر القرار رغم أنف الولايات المُتحدة المُلطخة يداها بدماء الشعب الفلسطيني، في ظل الدعم العسكري اللامتناهي لإسرائيل، والدعم الاستخباراتي والأمني لهذا الكيان السرطاني البغيض. إذ لم تتوانَ واشنطن منذ اليوم الأول من العدوان عن تقديم كافة أوجه الدعم لدولة الاحتلال؛ عسكريًا من خلال شحنات السلاح والمعدات والطائرات وغيرها، وسياسيًا عبر استخدام حق النقض "فيتو" في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وممارسة الضغوط السياسية وغيرها ضد دول المنطقة من أجل عدم اتخاذ موقف رسمي موحَّد ضد العربدة والإجرام الصهيوني.
صدر القرار ليؤكد للعالم أجمع أنَّ العدالة لا بُد وأن تأخذ مجراها، حتى ولو طال الأمد؛ حيث إننا نعلم أن مثل هذه القضايا ربما تستغرق سنوات طويلة لإصدار حكم فيها، كما إن المحكمة لا تملك أي سلطات تنفيذية لتنفيذ الحكم، باستثناء أن الدول المُوقّعة على "نظام روما الأساسي"، مُلزمةً دون اختيار منها بتنفيذ أي قرار يصدر عن المحكمة الجنائية الدولية، وهذا يعني أن جميع هذه الدول المنضوية تحت "نظام روما" (وعددها 124 دولة) مُلزمة قانونًا بتنفيذ قرار الاعتقال، ولاحقًا قرار الإدانة.
ورغم أنَّ الولايات المتحدة ليست عضوًا في "نظام روما" أي أنها غير مُلزمة باعتقال نتنياهو وجالانت، إلّا أنها استشاطت غضبًا من صدور قرار الاعتقال، وأطلقت نيران هجومها على المحكمة، في موقف يعكس مستوى الانحطاط السياسي الذي بات يُهمين على السياسات الأمريكية، الدولة التي يُفترض بها أن تكون نصيرًا للعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، والتي لطالما تشدقت بها وابتزت بها جميع دول العالم، وتفاخرت بما يُسمى بـ"العدالة الدولية"، لكن عندما يأتي الأمر إلى إسرائيل تنقلب الموازين، وتتكشف العورات السياسية القبيحة، وتتجلى ازدواجية المعايير في موقف مُخذٍ يؤكد أننا ما زلنا نعيش في عالم يسوده قانون الغاب؛ حيث القوي بإمكانه التهام الضعيف دون مُحاسبة.. لكن هيهات هيهات.. لقد انتهى زمن إفلات إسرائيل من العقاب، وولَّت حقبة الهروب من المساءلة بلا رجعة.
لا شك لديَّ أن المحكمة الجنائية الدولية استندت في قرارها العادل والمُنصف، على حقيقة الوضع الكارثي وغير الإنساني في قطاع غزة، في تأكيد دولي لا مثيل له على الجرائم البشعة التي ارتكبتها دولة الاحتلال المُجرمة في غزة، وهو ما يُفنِّد الأكاذيب الصهيونية التي ظلّت تُشكك في أعداد الشهداء والمصابين وضحايا هذا العدوان طوال فترة الحرب وحتى الآن.
ومن المُؤكد أنَّ يقظة الشعوب الحرة حول العالم كان لها الفضل الأكبر في الضغط على جميع المؤسسات الدولية ودعم قضاة المحكمة في قضيتهم العادلة، فلقد شاهدنا- وما نزال- المظاهرات الحاشدة حول العالم المُندِّدَة بهذا العدوان الدموي الإجرامي على قطاع غزة، واعتصامات الطلبة الأحرار في أكبر جامعات أمريكا وأوروبا، إلى جانب التنديد الشديد بكل ما يمُت لدولة الاحتلال بصلة، حتى لفرق كرة القدم الإسرائيلية التي باتت منبوذة في كل البطولات والمنافسات. أضف إلى ذلك العزلة الدولية لهذا الكيان المُجرم، وفرار مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الخارج، فيما بات يُعرف بـ"الهجرة العسكية"؛ حيث عاد هؤلاء إلى أوطانهم التي قدموا منها للاستيطان في فلسطين المحتلة، بعدما زيّنت لهم حكومة الاحتلال الأوضاع ومنحتهم الأموال والمنازل والأراضي.
لقد قيل على لسان بعض المسؤولين إنهم أنشأوا المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الديكتاتوريين والمستبدين في العالم الثالث، لذلك يستنكفون أن يمثل مجرمو الحرب الإسرائيليون أمام هذه المحكمة صاغرين، ما يؤكد أنَّ النظام العالمي القائم حاليًا على أحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة أثبت فشله، وتأكد الجميع من حجم الظلم الواقع على عاتق الشعوب المُستضعفة.
ويبقى القول.. إنَّ القرار التاريخي للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال مجرميْ الحرب نتنياهو وجالانت بمثابة مسمار غليظ في نعش الصهيونية البغيضة، وهو ما يُبشِر بزوال هذا الكيان المُجرم قريبًا، ويُؤكد للعالم أجمع أنَّ دماء الشعب الفلسطيني لن تذهب سُدى، وعلى حُكام وقادة العالم أن يدعموا ويؤيدوا قرار المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بالتوازي مع المُحاكمة الجارية في محكمة العدل الدولية؛ إذ لأول مرة في التاريخ تُحاكم إسرائيل على إجرامها أمام أكبر مؤسستين للعدالة الدولية في العالم، وما من ريبٍ أنَّ العدالة ستأخذ مجراها، وإذا ما أخفقت عدالة الأرض، فإنَّ عدالة السماء نافذة ولا رادَّ لها، وهذا يقينُنا في الله عزَّ وجلَّ.
رابط مختصر