ترسيخ المواطنة الرقمية عبر «أنتخب»
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
تميزت التجربة الشورية بسلطنة عمان بريادتها، وتطورت على مراحل مؤسسية، وهي تمثل إحدى أهم أدوات تفعيل المشاركة الديمقراطية في المجتمع، فضلًا عن أنها أداة فاعلة للتغيير والتطوير، ويتحقق مفهومها في «اشتراك السكان جميعهم أو بعضهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك تحديد الأهداف العامة للدولة، وهي بذلك تمثل مستوى متقدمًا من الديمقراطية».
فأظهرت هذه المشاركة أهميتها في مسيرة البناء والتنمية، وأضحت عملية التشاور والحوار مع المواطنين بأنها عملية مكملة للإدارة الحديثة وتكريس لمبادئ الحكم الرشيد، وفي الوقت ذاته تعكس هذه العملية رغبة أفراد المجتمع واستعدادهم للاندماج والمساهمة الفعالة في تحسين المجتمع وتطويره وتدل على مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع، فكان التركيز على ممارسة الشورى لتعزيز الديمقراطية التي عرف بها العمانيون منذ القدم، حيث كان يجتمع أهل الرأي والمشورة والحكمة في السبلة العمانية للتشاور، ويتشاركون في وضع الحلول لمشكلات مجتمعهم، وانبثقت تلك الشورى العمانية من الشريعة الإسلامية التي دعت إلى التشاور والمشاورة «وأمرهم شورى بينهم»، «وشاورهم في الأمر». وارتسمت ملامح الهوية الشورية بصبغة عمانية من واقع العادات والتقاليد الأصيلة المنسجمة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، فضلًا عن دور الشورى في معالجة قضايا المجتمع العماني وترسيخ قيم المواطنة لدى العماني.
وهكذا تطورت التجربة الشورية وصلاحياتها التشريعية في مختلف مراحلها، وبدأت المرحلة الأولى عام 1979 بإنشاء مجلس الزراعة والأسماك والصناعة، الذي يعد أول جهاز مؤسسي تنظيمي في مسيرة إشراك المواطنين في صناعة القرار، وكان يهدف إلى تعزيز مشاركة المواطنين في صناعة القرار التنموي، وتحقيق أهداف التنمية الشاملة في البلاد، واقتراح التوصيات المناسبة، ثم تم إنشاء المجلس الاستشاري للدولة الذي تأسس في 3 نوفمبر 1981م، وبعدها إنشاء مجلس الشورى لمشاركة أوسع من قبل المواطنين، وبعدها تم إنشاء مجلس عمان بغرفتيه مجلس الدولة، ومجلس الشورى عام 1996م.
وقد نصت المادة (68) من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (6 /2021) على أن يتكون مجلس عمان من مجلسي الدولة والشورى، واشتمل النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني 6 /2021، على أحكام الشورى وقواعدها، ونصت المادة (12) منه على «أن الحكم يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وحق المواطنين بالمشاركة في الشؤون العامة»، كما أكدت المادة (13) على المبادئ الأساسية الموجهة لسياسة السلطنة، ومن بينها: «إرساء دعائم شورى صحيحة نابعة من الشريعة الإسلامية وتراث الوطن وقيمه، معتزة بتاريخه، آخذة بالمفيد من أساليب العصر وأدواته»، كما تم إصدار قانون مجلس عمان (7 /2023) ليتوافق مع متطلبات المرحلة القادمة، مبينا الاختصاصات، وشروط العضوية، وفترتها بالمجلسين، وعلى هذا النهج تم بناء دولة المؤسسات والقانون القائمة على أسس المساواة والعدالة وتعزيز الانتماء والمواطنة، وعليه أرست أسس ومبادئ الثقافة الشورية وتعزيز المشاركة الشعبية، كونها ذات أهمية قصوى في تجسيد العلاقة المنظمة بين المؤسسات الحكومية، والمجالس التشريعية، وأفراد المجتمع العماني.
ومع هذا التطور استطاعت سلطنة عمان إحداث مشاركة ديمقراطية نوعية بتعزيز مشاركة النّساء في المجالس التشريعية، فتطورت مشاركة المرأة العمانية لممارسة دورها في تنمية المجتمع ورفعته، وبذلك حظيت المرأة العمانية بحق الانتخاب والترشح منذ عام 1994 في انتخاب أعضاء مجلس الشورى، وانتخبت امرأتان في عضوية المجلس في الفترة الثانية عام 1994-1997 م، وهكذا حجزت بين المقعد والمقعدين إلى عام (2015-2023م)، وكانت تجربتها هذه من أوائل التجارب في المنطقة، فحققت السلطنة المرتبة الأولى من بين دول مجلس التعاون الخليجي عام 2008م في هذا المجال، ومن ثم وسعت فرصة مشاركة المرأة في المجالس التشريعية بتعيينها عضوة في مجلس الدولة وبدأت بأربع نساء، حتى وصل العدد إلى خمس عشرة امرأة بنسبة بلغت 17.8% من أعضاء مجلس الدولة في الفترة السابعة لعام (2020-2023)، وهكذا استطاعت المرأة العمانية إثبات دورها في إقرار وصناعة السياسات والتشريعات الوطنية، بحكم عضويتها في المجالس التشريعية واللجان الوطنية والدولية ومناصبها القيادية، والمشاركة في مناقشة السياسات العامة، والمساهمة في صناعة القرارات التنموية والرقابة على أعمال الحكومة من خلال الوسائل القانونية الممنوحة لها والمتمثلة في إقرار أو اقتراح مشروعات القوانين، وإقرار الموازنات والخطط التنموية ومتابعة تنفيذها، والعمل المشترك والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، والمشاركة في المحافل والهيئات الدولية والدبلوماسية والبرلمانات العربية والدولية.
ومع التطور في المسيرة الشورية والانتخابية تم تحديث قانون انتخابات أعضاء مجلس الشورى الصادر بالمرسوم السلطاني 54/ 2023 لتنظيم العملية الانتخابية كمرحلة جديدة من نوعها لتمارس المشاركة السياسية باستخدام أحدث التطبيقات التقنية، لتجسد المواطنة الرقمية في أبهى صورها، إذ تم اعتماد النظام الإلكتروني في العملية الانتخابية ليواكب التطور التقني المعاصر، ومواكبة لمتطلبات تحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040»، ومن أجل صناعة المرشح والناخب الرقمي لتحفيز التفاعل الإلكتروني الإيجابي بين أفراد المجتمع والتشاور بينهم في أهم مرتكزات المرحلة القادمة، فبناء على هذه الرؤية الاستشرافية تم إعداد تطبيق (انتخاب) الذي تميز بمجموعة من الخصائص وتضمينه قائمة السجل الانتخابي، وقوائم المرشحين، وإضافة ميزة حصر المؤشرات الانتخابية، وتميز كذلك بوجود (الساحة الحوارية) التي تُعنى بتبادل الآراء والمقترحات رقميًا من مختلف شرائح المجتمع، وقربت الرؤى لنماذج شابة استطاعت ممارسة دورها الاستشاري وهي على مقاعد الدراسة في داخل السلطنة وخارجها، فضلًا عن وجود ميزة (صفحتي) التي خصصت للمرشحين لعرض رؤيتهم ورسالتهم الانتخابية، وكذلك تطبيق (أنتخب) للتصويت الإلكتروني الذي لم يغفل مشاركة الفئات من ذوي الإعاقة في هذه العملية، فأضيفت من أجلهم ميزة القراءة السمعية للمكفوفين، وخاصية لغة الإشارة لذوي الإعاقة -الصم والبكم-، وذلك من منطلق التسهيل على المواطنين في ممارسة حقهم في المشاركة في الشؤون العامة بمختلف فئاتهم. وعليه فإنّ سلطنة عمان لها السبق على مستوى العالم باعتماد الانتخاب الإلكتروني، وهذا ينبئ بمرحلة قادمة لمجلس الشورى تعتمد ترسيخ المواطنة الرقمية في تعاملاتها من خلال الاستخدام الأمثل للتقنية في المساهمة بالرقي بالوطن، وإعداد المواطن الرقمي القادر على المشاركة الفاعلة في تنمية مجتمعه وصناعة القرار الوطني؛ لذلك خلال هذه الفترة نسلط الضوء على مساهمة الناخب الرقمي الذي له الدور الأكبر في إدارة دفة العملية الانتخابية من خلال اختيار الأكفأ لمواصلة مسيرة مجلس الشورى، والذي يستطيع بدوره تطوير أدوات مبتكرة، وتستشرف مستقبل التشريعات الوطنية، ومواكبة جميع مراحل تنفيذ رؤية عمان 2040 ومواءمتها مع خططه الاستراتيجية وبرامجه المنسجمة مع صلاحياته التي حددتها القوانين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجلس الشورى المشارکة فی
إقرأ أيضاً:
برلماني: تخصيص 732.6مليار جنيه للحماية الاجتماعية لتخفيف الصدمات الاقتصادية على المواطنين
أكد النائب عادل اللمعي، عضو مجلس الشيوخ، أن تصريحات وزارة المالية التي أدرجت 732.6 مليار جنيه بالموازنة الجديدة من أجل تعزيز الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا المهمشة، تسهم في مساندة الأسرة المصرية وتدعم حقوق المواطن في أن يعيش في حياة كريمة لائقة، موضحًا أن الأعوام الماضية تأثر محدودى الدخل من الصدمات الاقتصادية المتلاحقة التي بدأت منذ جائحة كورونا وتصاعدت وتيرتها في أعقاب الحرب الروسية، وصولاً لاندلاع العدوان على غزة .
وأضاف "اللمعي"، أن تعزيز العدالة الاجتماعية ودعم الفئات المهمشة يجب أن تكون من أهم أولويات الحكومة المصرية التي تعهدت خلال برنامجها بأن المواطن سيكون في المقام الأول، وهو ما يضع مسؤوليات عدة على كاهل أجهزة الدولة، من خلال الاهتمام بتقديم الدعم النقدي والعيني، لتخفيف حدة الأزمات الاقتصادية وتوفير الموارد الهامة اللازمة للحياة الأساسية، مؤكدًا أن مشروع موازنة العام المالى الجديد 2025/ 2026، الذى وافق عليه مجلس الوزراء وأحاله إلى مجلس النواب، يجب أن يشهد اهتمامًا كبيرًا بتعزيز أوجه الإنفاق على تخفيف الأعباء عن المواطنين من محدودى الدخل والشرائح الاجتماعية الأكثر احتياجًا، من خلال تبني مبادرات وبرامج فعَّالة تتسم بكفاءة الاستهداف، فى إطار رؤية متكاملة ومتسقة لتحسين مستوى المعيشة.
وأشار عضو مجلس الشيوخ، إلى أن وجود مظلة للحماية الاجتماعية في مصر له أهمية كبيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، حيث تسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين، وتقليل معدلات الفقر، وتعزيز الاستقرار المجتمعي، مؤكدًا أن مبادرة تكافل وكرامة وحياة كريمة حققت طفرة قوية لكن لابد من التوسع في إطلاق برامج الحماية الاجتماعية في توفير الدعم المالي للأسر الفقيرة، مما يخفف من الأعباء الاقتصادية ويمنع تدهور مستوى معيشتهم.
وأوضح النائب عادل اللمعي، أن تعزيز العدالة الاجتماعية تمنح فرصًا متساوية للمواطنين للحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والسكن، مما يقلل الفجوة بين الطبقات المختلفة، مطالباً أيضا بضرورة تحسين الخدمات الصحية والتعليمية من خلال تقديم رعاية صحية مجانية أو مدعومة، مما يضمن وصول الفئات الأقل دخلًا إلى خدمات طبية جيدة، مع ضرورة توفير برامج لدعم التعليم في مختلف المراحل التعليمية.