هيرست: زعيم العمال يتعامل مع قضية غزة على طريقة أمراء الخليج
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
قال الكاتب البريطاني، ورئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، إن زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر عقد العزم على توريط بريطانيا بحيث تصبح متواطأة فيما يمكن أن يتحول بكل سهولة إلى إبادة جماعية، وهذه هي المرة الأولى التي تتورط فيها بريطانيا بشكل مباشرة في التواطؤ مع إجراء عسكري إسرائيلي منذ حرب السويس.
وتابع في مقاله بأن ستارمر، ومنذ أن أصبح زعيماً لحزب العمال وهو يقود الحزب بطريقة لا تختلف عن الأسلوب الذي ينتهجه أي أمير من أمراء الخليج.
ورفض ستارمر بحسب المقال، الاعتذار أو التراجع عن المقابلة التي أجراها مع محطة إذاعة "إل بي سي"، والتي قال فيها إن إسرائيل لديها الحق في قطع الماء والكهرباء عن الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.
وقال هيرست إن "لا شيء من ذلك سيخفف من الغضب الذي خلفته مواقفه وتصريحاته. لقد باتت غزة الاختبار الأول لتطلعاته بأن يكون رئيس الوزراء القادم في بريطانيا، ولقد فشل فشلاً ذريعاً حتى الآن".
وتاليا المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":
عادة ما يتهم الطغاة العرب بأنهم يقهرون الجماهير في بلدانهم ويحولون دون أن تعبر عن آرائها بحرية. وعندما يواجهون بذلك يتحججون بأن شعوبهم ليست جاهزة لكي تمارس الديمقراطية.
ولكن تصرفهم ذلك، والذي يسعون من خلاله إلى خنق كل معارض لهم، لم يعد حكراً عليهم.
منذ أن أصبح كير ستارمر زعيماً لحزب العمال وهو يقود الحزب بطريقة لا تختلف عن الأسلوب الذي ينتهجه أي أمير من أمراء الخليج. فلكي يفرض سياسته التي ترى بأن إسرائيل لديها حق "الدفاع عن نفسها"، حظر على فروع حزب العمال مناقشة الصراع، في نفس الوقت تلقى ممثلو الشعب المنتخبون "نصيحة قوية" بعدم المشاركة في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وذلك حسبما صرح به ثمانية من أعضاء المجالس البلدية في أكسفورد.
وحظر على حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني وصف إسرائيل بأنها دولة أبارتيد (فصل عنصري) في المطبوعات التي وزعتها خلال المؤتمر الأخير للحزب.
ورفض ستارمر حتى الآن الاعتذار أو التراجع عن المقابلة التي أجراها مع محطة إذاعة إل بي سي، والتي قال فيها إن إسرائيل لديها الحق في قطع الماء والكهرباء عن الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.
وقال ستارمر، محامي حقوق الإنسان السابق: "أعتقد أن إسرائيل لديها الحق. من الواضح أننا أمام وضع مستمر، وينبغي أن يتم عمل كل شيء ضمن إطار القانون الدولي، ولكني لا أريد أن أبتعد عن المبادئ الجوهرية بأن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها."
كما دعمت حق إسرائيل في قطع الكهرباء والمياه إيميلي ثورنبري، المدعية العامة في حكومة الظل، وهي الأخرى محامية حقوق إنسان، قائلة بأن "إسرائيل لديها حق قطعي في الدفاع عن نفسها."
وقال وزير خارجية الظل دافيد لامي إن حزب العمال "يقف مع شعب إسرائيل." ولم يشر إلى الشعب الفلسطيني بكلمة واحدة.
ويوم الأحد رفضت ليزا ناندي أربع مرات القول بإن إسرائيل اخترقت القانون الدولي من خلال فرضها الحصار على غزة.
سخط لم يُحسب له حساب
مباشرة واجه ستارمر رد فعل معاكس، فقد خسر الحزب السيطرة على المجلس البلدي في مدينة أكسفورد بعد استقالة ثمانية من أعضاء المجلس التابعين لحزب العمال.
استقال حتى مساء السبت عشرون عضواً آخرين ممثلين لحزب العمال في المجالس البلدية، ومن الممكن أن يخسر الحزب سيطرته على مجلسين بلديين على الأقل، وأحدهما مجلس بلدية ليستر. ولهذا السبب انتقد بيتر سولزبي، عمدة مدينة ليستر، ستارمر في خطاب وجهه إليه، وحصل موقع ميدل إيست آي على نسخة منه.
كتب سولزبي يقول: "الانطباع الذي تشكل هو أن هذا التنديد بالأحداث الأخيرة يمتد ليقر بلا نقد أو تحفظ رد الحكومة الإسرائيلية، متجاهلاً عقوداً من الظلم والقهر الذي يتعرض له الفلسطينيون ومتجاهلاً ما يرتكب في حقهم من انتهاكات لحقوق الإنسان."
ما من شك في أن سولزبي فيما ذهب إليه ينسجم مع المزاج العام في البلد.
فلقد شهدت بريطانيا أضخم تظاهرات تنظم دعماً لفلسطين منذ الحرب على العراق في عام 2003. لم يلبث مئات الآلاف من الناس يتظاهرون في الشوارع منذ أن بدأت إسرائيل حملتها لقصف غزة.
بعد أن حظر حزب العمال على أعضاء البرلمان الممثلين له حضور المهرجانات التي تتعاطف مع ضحايا الهجمات الإسرائيلية من الفلسطينيين تثار تساؤلات حول حضور وزير التجارة الدولية في حكومة الظل العمالية لمهرجان نظم لإبداء التعاطف مع ضحايا الهجوم الذي شنه المقاتلون الفلسطينيون.
أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوغوف وجود أغلبية واضحة تصل إلى 76 بالمائة من جميع الناخبين وما نسبته 89 بالمائة من مصوتي حزب العمال لصالح التوصل في الحال إلى وقف لإطلاق النار. فقط ثمانية بالمائة من الناخبين وثلاثة بالمائة من مصوتي حزب العمال قالوا إنه لا ينبغي أن يحصل وقف لإطلاق النار. وبهذا يكون موقف ستارمر مدعوماً فقط من قبل واحد بالمائة من أعضاء الحزب.
بدلاً من الاعتذار، أصدر ستارمر "توضيحاً" لما كان قد صرح به لقناة إل بي سي، قائلاً: "دعوني أكون واضحاً بشأن ما كنت أقوله، وما لم أكن أقوله. كنت أقول إن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها. عندما قلت "ذلك الحق"، فإنه حق الدفاع عن النفس. لم أكن أقول إن إسرائيل لديها الحق في قطع المياه والغذاء والوقود أو الأدوية، بل على العكس من ذلك."
إلا أن ذلك لم يجد نفعاً مع أعضاء حزب العمال المسلمين، فقد كتب ميش رحمان، العضو المسلم في اللجنة الوطنية التنفيذية لحزب العمال: "توقف عن إضرام النيران واعتذر."
ثمة سخط واسع النطاق في أوساط المسلمين داخل حزب العمال.
وقد عبر عن ذلك أحد أعضاء الحزب ممن لديهم معرفة جيدة بالمجتمع المسلم بقوله: "خلال سبعة أيام، يوشك حزب العمال أن يهدم قاعدته الانتخابية الأشد ولاء له في كل بقاع هذا البلد. لا يمكنني وصف مدى ما يشعر به المسلمون من غضب."
وبحسب استطلاع للرأي داخل حزب العمال فإن 78 بالمائة من الناخبين المسجلين الداعمين لحزب العمال هم من المسلمين، وهم بذلك أكبر كتلة انتخابية في أي مكان في البلد.
يوشك هذا الوضع على الاختفاء.
فقد قال شخص آخر من كبار القادة المسلمين إن هذه تشبه "لحظة حرب العراق" بالنسبة للحزب – فيما عدا أنه، وعلى النقيض مما كان عليه الحال في عام 2003، يواجه المسلمون اليوم خطراً حقيقياً بالمقاضاة بسبب التعبير عن دعمهم لفلسطين.
ولقد بلغني أن غير المسلمين من أعضاء حزب العمال داخل البرلمان في حالة من "الهلع التام" بسبب حجم ردود الأفعال التي يتلقونها من المساجد ومن المراكز الاجتماعية التابعة للمجتمع المسلم ومن الجمهور بشكل عام، حيث يتلقى أعضاء البرلمان، كل على حده، آلاف الرسائل المكتوبة عبر الإيميل، وهو أمر لم يسبق أن حدث لهم بشأن أي قضية أخرى.
الغضب داخل المجتمع المسلم شديد جداً لدرجة أن المساجد ترفض استقبال أعضاء البرلمان. لقد سُمح للوزير لامي بالدخول إلى أحد المساجد، ولكنه يتمنى الآن لو أنه يتمكن سريعاً من نسيان الطريقة التي استقبل بها.
على مدى ثلاث ساعات في الأسبوع الماضي، انهالت الاتصالات على مكتب لامي، وكل المكالمات كانت تتعلق بغزة. ينوي المحتجون فرض "حصار" آخر على خط هاتف لامي يوم الثلاثاء القادم.
ليس بمقدور حزب العمال تجاهل ناخبيه المسلمين، فما يزيد من عشرة مقاعد برلمانية وأحد عشر مجلساً بلدياً كلها تعتمد على الصوت المسلم، بما في ذلك في بعض المدن الكبرى مثل بيرمنغهام وبرادفورد وليدز ومانشستر وليستر ولوتون وأولدام.
وهذه ليست مسألة تنافس فصائلي ما بين اليسار واليمين داخل الحزب. بل لقد غدت مشكلة انتخابية بالنسبة لحزب العمال.
لا هدنة
حالياً يرفض ستارمر الدعوة إلى وقف لإطلاق النار، ولا حتى بشكل مؤقت من أجل إدخال المساعدات الإنسانية مثل الطعام والأدوية إلى غزة. ولسوف يجد مع مرور الوقت صعوبة متزايدة في الحفاظ على نفس هذا الموقف.
ومن خلال الإصرار على هذا الموقف، يكون ستارمر قد اختار لحزبه موضعاً يقع على يمين زعيم حزب الأحرار الديمقراطيين إد دايفي، الذي دعا يوم الأحد إلى وقف فوري لإطلاق النار من أجل السماح للمساعدات الإنسانية الأساسية بالدخول إلى غزة، متوافقاً في ذلك مع مواقف كل من كبير أساقفة كانتربري جاستين ويلب، وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والبابا.
وكان البابا فرانسيس قد ناشد يوم الأحد بوقف الحرب ودعا إلى السماح لمزيد من المساعدات الإنسانية بالدخول إلى قطاع غزة، قائلاً: "الحرب دوماً تفضي إلى الهزيمة لا محالة، فهي تدمر الأخوة الإنسانية. أيها الإخوة، توقفوا، توقفوا."
حظي حراك مبكر يدعو إلى وقف فوري للقتال بأربعة وستين توقيعاً.
على النقيض من ليزا ناندي، لم يتردد ثمانية من كبار المحامين اليهود، يترأسهم اللورد نيوبيرغر، الرئيس السابق للمحكمة العليا، في الإعلان في خطاب وجهوه إلى صحيفة ذي فاينانشال تايمز عن أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي من عدة أوجه كبيرة.
وذكروا في خطابهم أن فرض حصار على السكان المدنيين انتهاك خطير للقانون الدولي، وأن العقاب الجماعي محرم في قوانين الحرب، وأنه يتوجب على المحاربين ضمان حد أدنى من إلحاق الضرر بالحياة البشرية، وأن السياسيين والقادة العسكريين، على حد سواء، ينبغي عليهم اتخاذ الحيطة من أجل ضمان ألا تفهم كلماتهم من قبل جنودهم على أنها تعني أن بإمكانهم تجاهل قوانين الحرب.
بادر المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين (آي سي جيه بيه)، وهو مركز قانوني يتخذ من لندن مقراً له، بإخطار زعيم حزب العمال بمذكرة تؤكد نيتهم مقاضاة أي سياسي بريطاني يشك في تواطؤه في جرائم الحرب التي ترتكب في غزة.
يؤكد خطاب آي سي جيه بيه أنه "بموجب القانون الجنائي الدولي .... فإن الدعم الذي يقدم للجناة في الجرائم الدولية يمكن أن يجري التحقيق فيه ومقاضاة من يتهم بالضلوع فيه أمام المحكمة الجنائية الدولية."
خلال أسبوعين، أثبتت إسرائيل أنها مذنبة باقتراف جميع الانتهاكات التي ورد ذكرها في الخطاب الموجه إلى صحيفة ذي فاينانشال تايمز.
لما يبدأ الغزو البري بعد، ومع ذلك تجاوز عدد الفلسطينيين الذين قتلوا الخمسة آلاف، وتجاوز عدد الذين أصيبوا الخمسة عشر ألفاً منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول). ومن بين هؤلاء ما يزيد عن ألفي طفل وأكثر من ألف امرأة، وتعرضت جميع المستشفيات والمساجد والمدارس والملاجئ التابعة للأمم المتحدة والكنائس للقصف.
وعلى عكس ما كان عليه الحال في حرب عام 2014، تمت تسوية الأرض بأحياء سكنية عن بكرة أبيها، وبدون سابق إنذار إلا ما ندر. وفي بعض الحالات، أعطيت إنذارات، ولكن من أجل سوق المدنيين إلى منطقة بعينها لم تلبث أن قصفت. وتم تدمير ما لا يقل عن ثلاثين مسجداً، وما لا يقل عن نفس هذا العدد من العائلات الممتدة تعرضت للإبادة وقضي عليها قضاءً مبرماً.
كان الدمار شاملاً، لدرجة أن العاملين في فرق الدفاع المدني في غزة يعتقدون بأن مئات الجثث مازالت تحت الأنقاض.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال محمد فتحي شرير، رئيس دائرة السلامة والوقاية في مديرية الدفاع المدني: "أخذاً بالاعتبار الأعداد المتصاعدة باضطراد للأفراد الذين مازالوا تحت الأنقاض فإن تركيزنا الحالي ينصب على إعطاء الأولوية لإنقاذ الأحياء من الجرحى، حتى لو تأخر بسبب ذلك استخراج جثث من قضوا نحبهم من تحت الأنقاض."
هذه مشاهد أشبه ما تكون بالزلزال، ومع ذلك لا تحصل غزة على أي دعم دولي. ليس هناك إلا الصمت، وهو ما يساعد إسرائيل على الاستمرار، وهي التي قالت خلال عطلة نهاية الأسبوع إنها تنوي التصعيد من حملة القصف.
منذ الأيام الأولى التي أعقبت هجوم المقاتلين الفلسطينيين في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، قالت إسرائيل إنها لن تلتزم في ردها على الهجوم بأحكام القانون الدولي.
في آخر محاولة لها لإجبار مليون نسمة على مغادرة النصف الشمالي من قطاع غزة، أسقط الجيش منشورات على الناس يخبرهم فيها بأنهم سوف "يعتبرون شركاء في منظمة إرهابية" إذا لم ينصاعوا للأوامر الإسرائيلية ويتوجهوا جنوباً. مثل هذا التصنيف لا أساس له في القانون الدولي.
سئل أحد مستشاري ستارمر كم من الغزيين يجب أن يموتوا قبل أن يدعو حزب العمال إلى وقف لإطلاق النار، فكانت الإجابة على النحو التالي: "بقدر ما يتطلب الأمر."
أضرار لا قبل لأحد بإحصائها
ليست هذه مجرد لعثمة من قبل زعيم حزب أمي فيما يتعلق بسياسة الشرق الأوسط ومبتدئ على الساحة الدولية.
إنه موقف لرئيس وزراء بريطانيا القادم. بما صدر عنه حتى الآن، تسبب ستارمر بأضرار جسيمة لا قبل لأحد بإحصائها لسمعة بريطانيا في أرجاء العالمين العربي والإسلامي.
لخص طبيب استشاري يعمل في خدمات الصحة الوطنية مشاعر الفلسطينيين في بريطانيا عندما قال إن ستارمر يتعامل مع المسلمين البريطانيين كما لو أنهم غير موجودين. وقال: "في أحسن الأحوال، نحن مواطنون من الدرجة الثانية."
يبدو ستارمر مصراً على توريط بريطانيا في التواطؤ فيما قد يصبح بكل سهولة إبادة جماعية.
هذه هي المرة الأول التي تتواطأ فيها بريطانيا بشكل مباشر في عمل عسكري إسرائيلي منذ حرب السويس في عام 1956.
نظراً لأنه رجل يتملكه الخوف، ويسهل توجيهه ذات اليمين أو ذات الشمال تحت وطأة المصالح الخاصة، سوف يحرص ستارمر على التحدث مع أعضاء البرلمان مساء يوم الاثنين عن حبه للشعب الفلسطيني.
وبعد أن كان قد رفض الاستجابة لطلبات بالالتقاء مع مجموعات فلسطينية في أوج الإشكال الذي وجهه حزب العمال حول مسألة معاداة السامية، سوف يكون ستارمر حريصاً هذه المرة على أن تلتقط له صور تذكارية داخل المساجد.
بالأمس وجد مسجداً على استعداد لاستضافته، ولكن معلوماتي تقول إنه قد لا يجد في لندن مسجداً واحداً يمكن أن يرحب به.
ولكن لم يجد زعيم حزب العمال مفراً من أن يسافر إلى مركز الجالية المسلمة في جنوب ويلز حتى يُرى وهو يصاف أيادي المسلمين البريطانيين هناك. والأسوأ من ذلك أنه عندما وصل إلى هناك، غرد قائلاً بأنه كرر المطالبة بإطلاق سراح الرهائن.
كان ذلك بمثابة خروج عن النص من قبل ستارمر. فذلك لم يكن متضمناً في الإيجاز الذي زوده به مساعدوه. فالانطباع الذي تركته تغريدته هو أن جميع المسلمين يتحملون المسؤولية عن مصير الرهائن في عهدة حماس. وتلك كانت كارثة أخرى، ولكن ستارمر أصم وأعمى، وفي حالة من التخبط.
لا شيء من ذلك سيخفف من الغضب الذي خلفته مواقفه وتصريحاته. لقد باتت غزة الاختبار الأول لتطلعاته بأن يكون رئيس الوزراء القادم في بريطانيا، ولقد فشل فشلاً ذريعاً حتى الآن.
كلنا في بريطانيا سوف نحس بعواقب ذلك الفشل، ولأجيال قادمة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة هيرست غزة هيرست طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقف لإطلاق النار الدفاع عن نفسها القانون الدولی أعضاء البرلمان لحزب العمال فی بریطانیا أن إسرائیل حزب العمال إن إسرائیل بالمائة من زعیم حزب حتى الآن من أعضاء إلى وقف من أجل من قبل فی قطع من ذلک
إقرأ أيضاً:
شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: لقاء ساخن مع ديفيد هيرست
- هيرست زارني فى مكتبي عام 95.. وتوقع فوز جماعة الإخوان بالانتخابات
- هيكل يعرب عن قلقه على مستقبل النظام فى معرض الكتاب
عندما اعترضت على القانون 93، مبارك قال لى: «مفيش على راسكم ريشة»
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشتُ فصولَها، انتصاراتهِا وانكساراتِها، حُلوَها ومُرَّها، اقتربتُ من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنتُ ضحيةً لعنفوانهم في أحيان أخرى، معاركُ عديدة دخلتها، بعضُها أودى بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي وقناعاتي.
أروي هذه الشهادات، بصدق وموضوعية، بعضُ شهودها أحياء، والبعضُ رحل إلى الدار الآخرة، لكنَّ التاريخ ووقائعه لا تُنسى، ولا يمكنُ القفزُ عليها، وتزويرُ أحداثها.
1- موعد مع الأستاذ هيكلفى العاشر من فبراير 1995، كنت على موعد مع الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، كنت دومًا التقيه بشكل دوري، مرتين أو ثلاث مرات شهريًا، ليس بالضرورة يكون الموعد مرتبطًا بحدث معين أو إجراء حوار وخلافه، وإنما كنت دومًا أذهب للاستماع إلى رأى الأستاذ في قضية مطروحة، أتبادل معه المعلومات، وآخر التطورات، لقد ربطتني علاقة قوية بالأستاذ هيكل منذ أن عرفني به الأستاذ والكاتب الكبير محمود عوض فى عام 1983، ثم أجريت معه حوارًا عام 1986، أحدث ضجة في مصر، عندما قال: لا أعرف من يحكم مصر الآن، ونشرته فى مجلة كل العرب التي كانت تصدر فى باريس، ثم أعادت نشره صحيفة الشعب المعارضة فى مصر.
مصطفى بكري مع الأستاذ هيكلذهبت في الصباح الباكر إلى الأستاذ هيكل، بمكتبه المطل على شارع النيل بالجيزة، وكان الأستاذ يدخن السيجار كعادته، كانت أمامه كومة من معلومات وقصاصات صحف مصرية وعربية وأجنبية، وهكذا هو الأستاذ هيكل لديه نظام دقيق لكل شيء، يتابع الأحداث وكأنه مازال محررًا صحفيًا شابًا، يتواصل مع الكثيرين، لا يترك كبيرة أو صغيرة.
فى هذا اليوم ذهبت لأستفسر من الأستاذ عن أصداء ندوته الصاخبة التي شهدها معرض الكتاب فى الثامن عشر من يناير حول تصوراته للوضع فى مصر وآفاقه المستقبلية..
- قلت للأستاذ هيكل: الناس قلقة بعد تحليلك الصاخب للأوضاع فى مصر، رد الأستاذ قائلا: كل كلمة كنت أعنيها، المشهد بات معقدًا.
استمعت مجددًا إلى الأستاذ، وتوقعاته بما يشير إلى مخاوف حقيقية على أمن هذا الوطن إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه.
توقفت كثيرًا أمام مقوله الأستاذ، أن عام 1995، هو عام حاسم فى تاريخ الوطن، وأن نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة ستؤثر على مستقبله، إما باتجاه الإنقاذ أو باتجاه الفوضى والانهيار.
وعندما تساءلت عما إذا كان الأستاذ يشعر بالقلق من جراء توقعاته؟ قال: عليك بمتابعة صحافة الغرب، إنها ترصد كل شيء يجرى على الساحة المصرية، وكانت أمامه مصادفة فى هذا الوقت صحيفة الجارديان البريطانية التي نشرت مقالًا خطيرًا للكاتب الشهير «ديفيد هيرست» حول مستقبل الأوضاع فى مصر.
لم أكن قد اطلعت على هذا المقال ولكنني كنت حريصًا على الاطلاع عليه ومعرفة ماذا كتب ديفيد هيرست عن الأوضاع فى مصر.
2- مكالمة من ديفيد هيرستفى اليوم التالي كان ديفيد هيرست، يتواصل معي لزيارتي فى مكتبي، لقد جاء إلى القاهرة لإجراء تحقيق صحفي حول ما يجرى فى ملوى من أحداث عنف، وقد دار بيننا حوار حول رؤيته للواقع المصري، وسألته عن المواقف المعادية من صحافة الغرب، كان هيرست متشائمًا بشأن مستقبل النظام، وقد قلت له فى هذا الوقت: إن عمر نظام مبارك سيطول وليس كما يعتقد.
كان هيرست، يتفق مع الكثير مما طرحه الأستاذ هيكل، فى ندوته بمعرض الكتاب حول أزمة الحاضر وسيناريو المستقبل، وإن كنت قد استمعت منه فى هذا الوقت أن الإسلاميين وخاصة تيار جماعة الإخوان هم الأوفر حظًا فى احتمال تولى مهام السلطة فى مصر.
وحاولت أن أستفسر من ديفيد هيرست، عن الأسباب التي تدعوه إلى هذا الاعتقاد، فكانت إجابته مبنية على أزمات النظام التي ستفتح الطريق لأكثر التنظيمات تواجدًا على الساحة للفوز فى الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ديفيد هيرستوضرب هيرست، مثالا بقدرة الإخوان فى السيطرة على النقابات المهنية والانتصار على جميع التيارات السياسية الأخرى، وهو أمر له دلالته التي لا تخفى على أحد.
وتوقع هيرست، أن يحقق هذا التيار نتائج كاسحة فى انتخابات برلمانية نزيهة، إلا أنه قال إن الحكومة سوف تسعى إلى تقليم أظافر هذا التيار والحد من سيطرته على البرلمان القادم، مضيفا: النظام الذى أعلن فى أكثر من مرة أنه مع زيادة مساحة الديمقراطية خطوة خطوة أصبح الآن يعمل بهذا الشعار، ولكن بالاتجاه العكسي، أي بالارتداد حتى عن المكاسب التي تحققت طيلة السنوات الماضية.
3- ارتباك المشهد السياسيلقد اختلفت مع ديفيد هيرست، فى بعض هذه التحليلات وأيضًا فيما كتبه عن مصر ومستقبل النظام الحاكم برئاسة الرئيس مبارك.
كنت أعتقد فى هذا الوقت أن الأزمات التي تحاصر النظام كفيلة بحدوث حالة من الارتباك فى المشهد السياسي إلا أن ذلك ليس معناه أن النظام مشرف على السقوط كما ادّعى هيرست.
فى هذا الوقت كان الرئيس مبارك، قد حسم الطريقة التي ستجرى بها الانتخابات البرلمانية لصالح الانتخاب الفردي وهو ما أكده الرئيس مبارك فى حديث كان قد أدلى به لمجلة الحوادث اللبنانية خلال شهر فبراير 1995، وكان ذلك بمثابة هزيمة لتيار الحزب الوطني الداعي إلى الأخذ بطريقة الجمع بين النظام الفردي ونظام القائمة النسبية بنسبة 50%فردى، 50%قائمة نسبية.
وكان أصحاب هذا التيار يرون أن الانتخابات الفردية سوف تحمِّل الحزب الحاكم عبئًا ثقيلًا فى مواجهة منافسيه فى الدوائر الانتخابية بعكس الانتخابات بنظام القائمة والتي ستضمن أولًا نجاحًا مؤكدًا لرؤساء القوائم من الشخصيات العامة التي يسعى الحزب إلى إنجاحها بعيدًا عن لعبة التنافس المباشر مع مرشحين آخرين وقد سعى أصحاب هذا التيار إلى محاولة إقناع الرئيس بوجهة نظرهم إلا أن الرئيس اتخذ قراره وفقًا للاعتبارات القانونية السليمة والتي تضمن عدم الطعن فى الدستورية ومن ثم إدخال البلاد فى حلقة مفرغة من جديد تنتهى بحل مجلس الشعب وإعادة انتخابه مرة أخرى ربما قبل أن يكمل مدته القانونية.
لقد جاء موقف الرئيس هذا استجابة لآراء الكثير من الأصوات العاقلة بما فيها أصوات من الحكم والمعارضة اعتبرت ان الانتخاب الفردي هو النظام الذى يضمن المساواة بين المرشحين أيا كانت اتجاهاتهم أو توجهاتهم.
كان ذلك بداية مشجعة لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي بعد فترة من التخبط أضرت بالنظام وأضرت بسمعته- وتسببت فى حل مجلس الشعب السابق قبيل أن يكمل مدته الدستورية!!
لكن هناك من يتساءل حول مدى إمكانية إجراء الانتخابات القادمة بعيدًا عن عمليات التزوير التي اتسمت بها العملية الانتخابية طيلة الفترة الماضية، خاصة أن هناك حالة من التشاؤم سيطرت على أجواء الشارع عقب إسقاط كل من رشاد عثمان وأحمد سرحان، فى الانتخابات التكميلية التي جرت فى دائرتي منيا البصل وبورسعيد لصالح مرشحي الحزب الحاكم.. !!
لم يكن أحد يستطيع أن يجزم بنزاهة العملية الانتخابية المقبلة نزاهة كاملة حتى وإن التزمت الشرطة جانب الحياد، ذلك أن أحدًا من أركان هذا النظام لن يتنازل إطلاقًا عن ضرورة الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان كحد أدنى وهى النسبة المطلوبة لترشيح رئيس الجمهورية، ثم بعد ذلك يمكن التفاهم أو السماح بنجاح أعداد بعينها من مرشحي المعارضة والمستقلين.
كان الحزب الوطني يدرك أن رصيده فى الشارع أصبح صفرًا، وأن سياساته دفعت بالبلاد إلى الهاوية ولهذا فسوف يلجأ- أردنا أم لم نرد- إلى سياسة تسويد الصناديق واستخدام أساليب البلطجة لصالح مرشحيه بعيدًا عن أية اعتبارات تتعلق بسمعة النظام أو حدوث ردود فعل من شأنها أن تهدم الأمن والاستقرار فى البلاد، وطالما أن الجميع على يقين من ذلك فلا خيار أمام الرئيس لإجراء انتخابات حرة ونزيهة إلا أن يصدر قرارًا بإقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية لإجراء الانتخابات على أن تجرى إقالتها فى أعقاب الانتهاء من العملية الانتخابية وتشكيل حكومة من حزب الأغلبية، وهذا الاقتراح لا يمثل بدعة أو شيئًا جديدًا على أرض الواقع فالأنظمة التي تحترم إرادة شعوبها كثيرًا ما تلجأ إلى تشكيل حكومات انتقالية يكون أعضاؤها من المشهود لهم بالنزاهة واستقلالية الموقف بعيدًا عن اللعبة الحزبية وأطرافها.
وهذا الحل كان فى تقديري سوف يدفع الجماهير إلى المشاركة فى الانتخابات والخروج من حالة العزوف التي أصبحت سمة من سماتها، حتى أن التصويت فى بعض الدوائر المهمة داخل القاهرة والإسكندرية لم يتعد أكثر من 5% من مجموع الناخبين.
لقد طرحت المعارضة خلال مؤتمر الحوار الوطني فى هذا الوقت عددًا من الاقتراحات التي تضمن نزاهة العملية الانتخابية والبعد بها عن الشبهات والتزوير، ومن الواجب على الحكومة أن تستجيب لهذه المطالب إن كانت جادة حقًا فى إجراء انتخابات بها شيء من النزاهة قبيل نهاية عام 1995.
4- مفيش على راسكم ريشةكانت مصر كلها فى هذا الوقت مشغولة بالانتخابات البرلمانية وكان العالم يتابع حقائق ما يجرى على الأرض، ولم يكن ديفيد هيرست وحده الذى يعتقد أن "جماعة الإخوان" قادرة على أن تكرر سيناريو سيطرتها على النقابات داخل البرلمان أيضًا، ولذلك استعدت الحكومة وحزبها للمواجهة الحاسمة.
وبينما مصر كلها تستعد للانتخابات البرلمانية طرأت أزمة خطيرة على الساحة المصرية بين الصحفيين من جانب والدولة المصرية من جانب آخر.
فى العشرين من مايو للعام 1995، أحالت الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء إلى الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب «مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات والإجراءات الجنائية» مرفقا به مذكرة إيضاحية، موقعة من المستشار فاروق سيف النصر، وزير العدل آنذاك، حيث أحال د.سرور المشروع إلى لجنة الشئون التشريعية فى 22 مايو 1995.
وبالتوازي مع إصدار القانون، راحت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، تقدم فى تقريرها تبريراتها لأهداف صدور هذا القانون، ومنها المعزوفة المكررة، التي تستخدم كلما أرادت الحكومات تقييد حرية الرأي، وذلك بزعمها وجود تهديد للديمقراطية، مما أثر على آحاد الناس وجموعهم، على أمنهم العام والخاص، وعلى مصالحهم الجوهرية، وعلى كيان الدولة ككل.. واعتبر التقرير والمذكرة الايضاحية أن من أسباب صدور هذا القانون، حماية الحياة الخاصة، وعدم المساس بحرمتها، وعدم دستورية تمييز أفراد هذه الفئة - الصحفيين والكتاب - عن غيرهم من المواطنين، الذين يعبرون عن آرائهم بغير طريق الصحافة، بينما مراكزهم القانونية «واحدة»، فهذا التمييز يتعارض مع المادة 40 من الدستور التى تقرر المساواة بين المواطنين.
أحمد فتحي سروروقال التقرير: تنفيذا لهذه الأهداف، فإن القانون 93 لسنة 1995 يحقق ثلاثة نتائج، أولها التوسع فى إدخال أفعال غير مؤثمة إلى دائرة التجريم، مثل نشر البيانات، أو الإشاعات المغرضة، أو الدعايات المثيرة، إذا كان من شأن الأفعال المذكورة إثارة الفزع بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، أو ازدراء مؤسسات الدولة، والقائمين عليها، أو إذا ما كان ذلك بقصد الإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد، أو بمصلحة قومية لها، أو ينشأ عنه هذا الضرر.
وأضاف التقرير، أن النتيجة الثانية المترتبة على صدور القانون 93 لسنة 1995هى تشديد العقوبات، فبعد أن كانت العقوبات تعطى للقاضي، إما الحكم بالحبس أو الغرامة، أو كليهما معا، أصبح الجمع بين الحبس والغرامة وجوبيا فى كثير من المواد، ورفعت عقوبة الحبس من 24 ساعة كحد أدنى، وسنتين كحد أقصى، إلى سنة كحد أدنى، وإلى ما بين 5 سنوات، و15 سنة سجنا، كحد أقصى، ورفعت الغرامة من 20 جنيها كحد أدنى، و500 جنيه، كحد أقصى، إلى 5000 جنيه كحد أدنى، وإلى 20 ألف جنيه كحد أقصى.
وقال التقرير: النتيجة الثالثة أن القانون أباح للنيابة العامة الحبس الاحتياطي فى قضايا النشر بواسطة الصحافة، وهو بذلك جرّم حريات الرأي والصحافة، ومن ثم ينهى عمليا حرية الصحافة والصحفيين.
وقد أجمعت الجماعة الصحفية على عدم صحة ما ذهبت إليه الحكومة فى القانون، بزعمها أن ما كان ينشر فى الصحف فى تلك الفترة شكل عدوانا على حرية الرأي والكلمة، وتهديدا للديمقراطية، لأن الحقيقة هي أن الحكومة فى هذا الوقت كانت قد ضاقت ذرعا بالمساحة المتاحة، والمحدودة لحرية الكلمة، والنقد، وحق القارئ فى الحصول على المعلومات، وما تعتبره الحكومة سبا وقذفا وتشهيرا، إنما هو فى الواقع نقد مباح.
كان صدور القانون 93 لسنة 1995«مريبا»، سواء فيما احتواه من نصوص، تغتال بوضوح حرية الرأي والصحافة، أو فى شكل، وأسلوب إصدار القانون.. فلقد تم استئناف مجلس الشعب لجلساته يوم السبت 27 مايو 1995، وقطع الإجازة التي منحت له دون إعلان سبب هذا الاستئناف، وحرصت سلطات الحكومة على عدم تسرب نبأ هذا القانون حتى اللحظة الأخيرة.
وكان من الغرائب عدم دعوة الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الحاكم للاجتماع لمناقشة مشروع القانون مسبقًا.. حيث يعرض مشروع القانون على مجلس الوزراء، ولم يعرض على قسم التشريع بمجلس الدولة، وذلك بالمخالفة للمادة 63 من قانون المجلس، والتي تقضى بأنه «على كل وزارة أو مصلحة قبل استصدار أي قانون أو قرار لرئيس الجمهورية ذي صفة تشريعية أو لائحة أن تعرض المشروع المقترح على قسم التشريع لمراجعة صياغته، ويجوز لها أن تعهد إليه بإعداد هذه التشريعات».. بل والأخطر لم يؤخذ رأى المجلس الأعلى للصحافة، وهو ما يخالف المادة 44 من القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة، التى تنص على «أن يتولى المجلس الأعلى للصحافة إبداء الرأي فى مشروعات القوانين التى تنظم شئون الصحافة»، والمادة (75) من اللائحة التنفيذية للقانون.
لقد كان الرد سريعا من جانب الجماعة الصحفية، حيث أعلنت «الانتفاضة» ضد القانون الظالم، الذى نسجت خيوطه تحت جنح الظلام، عقد رؤساء تحرير صحف المعارضة اجتماعا بمقر حزب الوفد مساء يوم 29 مايو 1995، قررنا خلاله تنظيم حركة احتجاب للصحف، حيث احتجبت صحف «الوفد والشعب والأحرار» يوم 2 يونيو عن الصدور، واحتجبت صحيفة «الحقيقة» يوم السبت 3 يونيو، و«الأهالي» يوم الأربعاء 7 يونيو.. وإزاء شراسة الهجمة الحكومية على حرية الصحافة، عقد الصحفيون مؤتمرا عاما بمقر نقابتهم بشارع عبد الخالق ثروت فى الأول من يونيو 1995، حضره نحو 1500 صحفى، حيث تمت خلال المؤتمر الدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة يوم 10 يونيو، وظل الصحفيون معتصمين حتى انعقاد الجمعية العمومية، وشارك فى الاعتصام المئات من الصحفيين من كافة المؤسسات، وعلى اختلاف توجهاتهم السياسية، والفكرية.
كنا فى هذا الوقت نقيم إقامة شبه كاملة بمقر نقابة الصحفيين، وكان الحوار بين المعتصمين لا يتوقف، وكان الإصرار على إسقاط هذا القانون كبيرًا.
وخلال الاحتفال بعيد الإعلاميين فى مايو 1995 بحضور الرئيس حسنى مبارك، طلبت الكلمة خلال اللقاء الذى ضم مئات الصحفيين والإعلاميين، أعطاني الرئيس الكلمة، وتحدثت معه عن خطورة هذا القانون الذى يهدم حرية الصحافة والتعبير، فرد علىّ الرئيس وقال: الصحفيين مفيش على راسهم ريشه، وقفت مجددًا وقلت للرئيس: نحن لا نطلب ميزة معينة، بل نطلب الحفاظ على حرية الصحافة، وهذا القانون جاء لاغتيال حرية الصحافة.
إبراهيم نافعوتحدث فى اللقاء الأستاذ جلال عيسى وكيل نقابة الصحفيين الذى طالب بضرورة التراجع عن هذا القانون فورًا، وكانت كلمته قوية وحاسمة.
ظلت الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، فى حالة انعقاد مستمر على مدار عام كامل، فى ظل عهد النقيب إبراهيم نافع، حيث انتصرت إرادة الصحفيين، وتم إلغاء القانون 93 لسنة 1995، وصدور القانون 96 لسنة 1996.. لقد انتصرت الجماعة الصحفية فى معركتها الأشرس فى تاريخها، بسبب وقوف جميع الصحفيين وقفة واحدة لمواجهة المحاولات الحكومية لاغتيال حرية الصحافة، وتصدت جميع الصحف، وبلا استثناء لتغول السلطة الحاكمة على حرية الصحافة، ولم يجد نظام مبارك وحكومته بدا من التراجع، بعد أن قدمت هذه المواجهة نموذجا مهما، وملهما فى التضامن، والوحدة بين الجمعية العمومية، ومجلس نقابة الصحفيين، وكافة القوى السياسية والوطنية، والتي لولا تكاتفها، لما رضخت حكومة مبارك لمطالب المصريين فى هذا الوقت.
جاء ذلك، في الحلقات التي ينشرها «الجمهور» يوم الجمعة، من كل أسبوع ويروي خلالها الكاتب والبرلماني مصطفى بكري، شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها خلال فترات حكم السادات ومبارك والمشير طنطاوي ومرسي والسيسي.
اقرأ أيضاًشهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري: خنجر في الظهر
شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: حكايتي مع جيهان السادات
شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: من الأحرار اليومية إلى سجن الجمالية!!