طيلة نصف قرن من الزمان، تجنبت أمريكا الحرب مع الصين بشأن تايوان من خلال إيجاد توازن دقيق بين قوة الردع وأسلوب الطمأنينة، إلا أنّ هذا التوازن قد اختل، إذ تعمل الصين على بناء قوتها العسكرية واستعراضها، في حين تتبادل كل من بكين وواشنطن الخطاب العدائي، مما يوحي بأن الحرب تقترب أكثر يوما بعد يوم.

لم يفت الأوان بعد لاستعادة ذلك النوع من التوازن الذي ساعد في الحفاظ على السلام لعقود من الزمن، ولكن الأمر سوف يتطلب اتخاذ خطوات لتخفيف مخاوف الصين، ولن يكون ذلك سهلا نظرا للتعنت الصيني والأجواء المحمومة السائدة في واشنطن، إلا أنّ ذلك يستحق المخاطرة السياسية إذا كان سيمنع الحرب.

جاء الردع في التلميح باستخدام القوة العسكرية الأمريكية لإحباط هجوم صيني على تايوان، أما الطمأنينة فجاءت من خلال سياسة الولايات المتحدة بعدم التدخل في القرارات المتعلقة بالوضع السياسي النهائي لتايوان.

وهنا، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين الاستمرار في إيجاد قوة ردع عسكرية قوية، ولكن يتعين على القادة والسياسيين الأمريكيين أيضا أن يضعوا في اعتبارهم أسلوب الطمأنينة، وأن يحاولوا فهم حساسية الصين العميقة بشأن تايوان، وينبغي لهم أن يعيدوا التزامهم، بشكل واضح لا لبس فيه، بفكرة أن الصين وتايوان فقط هما القادرتان على حل خلافاتهما السياسية، وهو الموقف الأمريكي الرسمي.

خلال الحرب الباردة، وقعت بكين وواشنطن سلسلة من الاتفاقات المتعلقة بتايوان، نصّت إحداها على أنّ الولايات المتحدة «تؤكد من جديد اهتمامها بالتوصل إلى تسوية سلمية لمسألة تايوان بواسطة الصينيين أنفسهم». لقد صيغت هذه العبارة وغيرها عمدا بشكل غامض، لكن جميع الأطراف قبلت بها كالتزام لتجنب غرق القارب، ولا تزال الصين تعتبر هذا الترتيب ملزما.

دعنا نكون صريحين، لقد كانت الصين هي من بدأت في هز القارب أولا.

منذ عام 2016، عندما انتخبت (تساي إنج وين) رئيسة لتايوان، وهي من الحزب التقدمي الديمقراطي الذي يميل إلى الاستقلال خلفًا لإدارة أكثر ودية للصين، لوّح (شي جين بينغ) مرارًا وتكرارًا بالقوة العسكرية للصين من خلال تدريبات عسكرية واسعة النطاق وأساليب ضغط أخرى، تهدف على ما يبدو إلى تثبيط مشاعر الاستقلال في تايوان.

لقد استجابت الشخصيات السياسية الأمريكية بالخطابات التي تدعم تايوان الديمقراطية، ومن خلال تزويدها بالأسلحة وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، لكن رد الفعل الأمريكي هذا يصب الزيت على النار.

لقد عملت لأكثر من عقد على وضع استراتيجية الدفاع الأمريكية في أدوار عسكرية مختلفة، وسافرت مؤخرا إلى بكين، حيث التقت بمسؤولين حكوميين وعسكريين صينيين، وكبار الأكاديميين والخبراء من مراكز الفكر والرأي التابعة للحزب الشيوعي. خلال هذه اللقاءات، اتضح أن بكين أصبحت أقل اهتمامًا بالجهود الأمريكية لتعزيز موقفها العسكري في المنطقة، وهو جانب الردع من المعادلة، مقارنة بالخطاب السياسي، الذي يُنظر إليه في الصين على أنه دليل على أن الولايات المتحدة تتجه بعيدا عن غموض الماضي، ونحو سياسة دعم الاستقلال الفعلي لتايوان، ولديهم الكثير من الأدلة على ذلك.

في ديسمبر 2016، أصبح دونالد ترامب أول رئيس منتخب للولايات المتحدة يتصل مباشرة بزعيم تايواني منذ تطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في عام 1979، وذلك عندما اتصلت به تساي لتهنئته بفوزه في الانتخابات، ولقد خالف الرئيس بايدن، في أربع مناسبات، سياسة الغموض الأمريكية بقوله إننا سندعم تايوان عسكريا إذا هاجمتها الصين، ووصل عدد أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين زاروا تايوان إلى أعلى مستوى له خلال عقد من الزمن في العام الماضي، بما في ذلك رحلة أغسطس 2022 التي قامت بها (نانسي بيلوسي)، رئيسة مجلس النواب في ذلك الوقت وأرفع مسؤول أمريكي رسمي يزور تايوان منذ التسعينيات. واستمرت الزيارات هذا العام، ففي شهر يونيو، وصل إلى تايبيه وفد من الكونجرس مؤلف من تسعة أعضاء، وهو الوفد الأكبر منذ سنوات، وهو ما تعدّه الصين دعما علنيا لاستقلال الجزيرة.

التشريعات الاستفزازية من جهتها لم تكن مساعدة، ففي العام الماضي تم تقديم قانون سياسة تايوان إلى مجلس الشيوخ، وهو القانون الذي أعرب بوضوح عن دعم دور تايوان في المنظمات الدولية، وفي يوليو من هذا العام أقر مجلس النواب قانونا مماثلا. وقدم الجمهوريون في مجلس النواب اقتراحا في يناير للاعتراف بتايوان كدولة مستقلة.

إن مثل هذه التصرفات تضع ضغوطا كبيرة على (شي)، الذي لن يتسامح مع فكرة أن يذكره التاريخ زعيما صينيا أضاع تايوان من يده، وستنظر بكين إلى هذا الانفصال على أنه تهديد وجودي، قد يؤدي إلى تأجيج المشاعر الانفصالية في مناطق مضطربة مثل التبت وشينجيانغ.

في الوقت الحالي، فإن الشكوك التي تحوم حول القدرات العسكرية الصينية، وشبح الانتقام الأمريكي وحلفائها عاملان كافيان لكبح جماح (شي)، ولكن إذا تأكد له أن الولايات المتحدة قد تخلت نهائيا عن موقفها السابق بشأن تايوان وأنها عازمة على فك ارتباطها بالصين، فقد يشعر (شي) بأنه لا بد من أن يتحرك عسكريا. قد تكون الولايات المتحدة قادرة على بناء القوة العسكرية اللازمة في المنطقة لردع حرب صينية اختيارية، لكنها لن تستطيع تحقيق مستوى السيطرة اللازم لمنع السيد شي من شن حرب يراها ضرورية.

إن طمأنة الصين تتطلب من بايدن أن يؤكد أن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان أو تعارض الوحدة السلميّة للجزيرة مع الصين، وأن مصير تايوان في نهاية المطاف متروك لتايبيه وبكين. وهذا يعني الابتعاد عن محاولات إيجاد مساحة دولية تتحرك فيها تايوان، وعدم توبيخ بكين عندما تبعد شركاء تايبيه الدبلوماسيين. البيت الأبيض سيحتاج أيضًا إلى استخدام ما لديه من نفوذ لثني أعضاء الكونجرس عن زيارة تايوان، وعدم التهديد باستخدام حق النقض ضد التشريعات الاستفزازية.

قد يكون شي قد اتخذ قراره بالفعل بالاستيلاء على تايوان، بغض النظر عن موقف الولايات المتحدة، ومما لا شك فيه أن واشنطن وتايبيه سيكون لهما رد فعل سلبيا، لكن ما اتبعته الولايات المتحدة لعقود من الزمن بشأن تايوان هو الموقف المحايد سياسيا؛ فالرؤساء بيل كلينتون وباراك أوباما وجورج دبليو بوش دعوا إلى الحوار السلمي بين تايبيه وبكين لحل خلافاتهما.

وهناك أيضا تداعيات على المدى الطويل يتعين وضعها في الاعتبار، إذا فشل الجمع بين الردع والطمأنينة وهاجمت الصين تايوان، فسوف يشكل ذلك سابقة يقوم فيها القادة الصينيون بالقتل والتدمير لتحقيق أهدافهم، ولكن إذا بقي أمام الصين مسار لإقناع شعب تايوان في نهاية المطاف، من خلال الإغراءات أو الضغوط، بأن من مصلحتهم أن يتوحدوا سلميا، فربما تكون هذه هي الصين التي يمكننا التعايش معها.

وفي أفضل السيناريوهات، سوف تتوصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق رفيع المستوى، أو التزام جديد، تؤكد فيه واشنطن على حيادها السياسي الذي طال أمده، وتلتزم فيه الصين بالحد من تهديداتها العسكرية. وهذا من شأنه أن يمنع الحرب، بينما يمنح الصين مساحة سياسية للعمل نحو التوحيد السلمي، وهذا قد يعني استخدام نفوذها لعزل تايوان وإقناع شعب الجزيرة في نهاية المطاف بضرورة إبرام اتفاق مع بكين. لكن ليس من حق واشنطن منع توحيد الجانبين، حتى من خلال القوة العسكرية أو الإكراه.

قد تصبح الحرب بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان هي الأكثر وحشية منذ الحرب العالمية الثانية. وبقدر ما قد يكون الأمر صعبا من الناحية السياسية، فإن من واجب زعماء الولايات المتحدة أن يحاولوا منع نشوب هذا الصراع، وهذا يعني التحدث بهدوء أكبر، ولكن مع حمل عصا غليظة في الوقت نفسه.

أوريانا سكايلر ماسترو خبيرة في السياسة الصينية والسياسة العسكرية.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة بشأن تایوان من خلال على أن

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي والصين يقتربان من اتفاق بشأن رسوم واردات السيارات الكهربائية

بادرة أمل تلوح في الأفق حول التوصل لاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والصين بشأن الرسوم الجمركية المفروضة على صادرات السيارات الكهربائية الصينية إلى التكتل.

وعرضت النشرة الاقتصادية لقناة القاهرة الإخبارية، التي تقدمها الإعلامية مونايا طليبة، تقريرا تلفزيونيا بعنوان «الاتحاد الأوروبي والصين يقتربان من اتفاق بشأن رسوم واردات السيارات الكهربائية».

ولفت التقرير إلى أن رئيس لجنة التجارة في البرلمان الأوروبي أشار إلى أن الصين قد تلتزم ببيع السيارات الكهربائية إلى الاتحاد الأوروبي عند حد أدنى للأسعار، وهو من شأنه أن يقضي على اختلال المنافسة من خلال الدعم غير العادل، الذي يعد السبب الرئيسي لفرض الرسوم الجمركية.

الاتحاد الأوروبي يقرر زيادة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية

وأوضح التقرير أنه في أكتوبر الماضي، قرر الاتحاد الأوروبي زيادة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية المصنعة في الصين إلى 45.3% في إطار أهم تحقيقات تجارية يجريها، وهي الخطوة التي أحدثت انقساما داخل أوروبا.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي والصين يقتربان من اتفاق بشأن رسوم واردات السيارات الكهربائية
  • اليابان وأمريكا تستعدان عسكرياً للطوارئ في تايوان
  • الكرملين: الولايات المتحدة تتخذ خطوات متهورة ويثير التوترات بشأن الصراع في أوكرانيا
  • موسكو تتهم واشنطن باستخدم تايوان لإثارة أزمة في آسيا
  • عربيتان تفوزان بجوائز أدبية في الولايات المتحدة
  • اتفاق وشيك بين الاتحاد الأوروبي والصين بشأن السيارات الكهربائية
  • عربيتان تفوزان بجوائز أدبية في الولايات المتحدة.. من هما؟
  • تركيا حققت ما عجزت عنه الولايات المتحدة والصين وإسرائيل!
  • الصين:مستعدون للحوار مع الولايات المتحدة لدفع التجارة الثنائية للإمام
  • «الجارديان»: مخاوف لدى الولايات المتحدة وأوروبا من تصعيد الحرب الهجينة الروسية بعد استخدام أوكرانيا الصواريخ بعيدة المدى