التحديات الصهيونية في الإعلام الروسي
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
أكتوبر 24, 2023آخر تحديث: أكتوبر 24, 2023
رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي
ردا على استفسارات وأسئلة وجهتها إليّ وكالة “بابل 24” هاتفيا، بشأن ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة حول مهاجمة أحد الإعلاميين الروس لمسؤولين في وزارة الخارجية الروسية، أود توضيح ما يلي:
تواجه روسيا تحديات صهيونية محمومة في محاولة لاختراق الأجهزة الإعلامية الروسية والتغلغل في مؤسساتها والتأثير على الرأي العام الروسي لصالح إسرائيل وسياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها ضد الفلسطينيين.
ولم يبدأ ذلك اليوم أو أمس، إنما هو تأثير مستمر ومحاولات مستميتة من جانب إعلاميين، معظمهم من أصول يهودية، أو يرتبطون بشكل أو بآخر بمنظمات صهيونية، لتصوير الدولة العبرية في صورة الحمل الوديع، الذي يواجه تحدياً وجودياً من جانب “إرهابيين فلسطينيين، يعلم الله لماذا يدافعون عن أرضهم ضد الاحتلال!”.
من بين ذلك ما ظهر مؤخراً من مقطع فيديو للإعلامي الروسي فلاديمير سولوفيوف، الذي ظهر مرتدياً الزي العسكري الروسي، متظاهراً بوطنية زائفة، بينما يعلن عن طرده ليهودي آخر يعمل بفريقه الإعلامي، يفغيني ساتانوفسكي، بسبب هجوم الأخير على نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، والمتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، وتطاوله حتى على نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف.
في رأيي المتواضع أنه يجب استبعاد سولوفيوف نفسه، لما يحيط به من شكوك بشأن وطنيته، فيما يحاول خداع الجمهور الروسي بدس السم في العسل، وتضليل الشعب الروسي على نحو ماكر للغاية، وإعطاء انطباع أن المقاومة الفلسطينية “تستخدم أساليب إرهابية”، و”تقتل الأطفال والنساء”، ومحاولاته للترويج لضرورة “تصنيف الشعب الفلسطيني بالإرهابي”، بل ودس أكاذيب من عينة أن “حماس قتلت مئات الفتحاويين، وقاتلت في سوريا ضد النظام” واتهام إيران وقطر بدعم وتمويل “الإرهابيين الفلسطينيين، وغيرها من الأكاذيب والافتراءات. وكل ذلك على القناة الروسية الرسمية الأولى.
تصب كل هذه التفاصيل التي يعمل عليها سولوفيوف وفريقه في تشويه الموقف الروسي الرسمي في دعم نضال الشعب الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي، والطعن في ثبات هذا الموقف على عدم تصنيف حركة حماس كتنظيم إرهابي كما تريد تل أبيب وواشنطن. واقع الأمر أن هذا الـ “سولوفيوف” يقوم بنشاط إعلامي مناهض لسياسة روسيا وموقفها الرسمي،
بل أذهب في القول إلى أن سولوفيوف، بما يقوم به، إنما ينضم إلى زمرة الطابور الخامس من الروس الهاربين، الذين يعملون ضد الدولة الروسية من منابر المعارضة الليبرالية في العواصم الغربية، وإلى جوقة العملاء الأجانب داخل روسيا.
لكن ما تفوه به ساتانوفسكي، حقيقة الأمر، تجاوز كل الخطوط الحمراء، لا سيما أنه يعرّف نفسه بوصفه “رئيس معهد الشرق الأوسط” في موسكو، ويزعم أنه معهد يخرّج عددا من الكوادر الذين يعملون عقب تخرجهم، وفقا له، في الخارجية الروسية، مدعياً أنه “مقرب للوزارة”، علماً بأن المعهد المذكور وهمي لا وجود له، حيث يستأجر ساتانوفسكي شقة من ثلاث غرف في موسكو، وأسس شركة تحمل عنوان “معهد الشرق الأوسط”، تدير أعماله لصالح إسرائيل، وتدافع عن سياسة إسرائيل الصهيونية.
من بين أعضاء فريق سولوفيوف كذلك من يدعى ياكوف كيدمي، وهو عميد سابق في جهاز الموساد الإسرائيلي، ويقدمه سولوفيوف بوصفه “سياسي مرموق”، وقد أشرف سابقا على تنظيم هجرة اليهود، وله فضيحة شهيرة بتهريب 150 طفل من روسيا عبر منظمة كان يترأسها، وحارب في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب 1973. وهذا الأخير كثيراً ما تطاول على القادة الروس، السياسيين والعسكريين، وعلى الجيش الروسي، وعلى تكتيكاته واستراتيجيته في أوكرانيا تحديداً.
ومع اعتراف سولوفيوف المستمر والمستدام بيهوديته، حيث يصر دائماً على إطلاق عبارة “وأنا، بصفتي يهودي” بفخر واعتزاز شديدين، ولا غبار، إلا أن التعبير عن ذلك في معظم الحلقات، في ظل توتر واضح في العلاقات بين روسيا وإسرائيل بسبب العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، يحمل رسائل معينة لشرائح بعينها، خاصة وأننا نلمح المكون اليهودي الجلي في صفوف المعارضة الهاربة إلى الغرب، ونرى بأم أعيننا التقارب الشديد والغزل غير العفيف بين أوكرانيا وإسرائيل.
أقول إن هذا الثلاثي سولوفيوف وتابعيه ساتانوفسكي وكيدمي قد أحدثوا اختراقات ملموسة في برامج ومواقع إعلامية مختلفة، من بينها القناة الروسية الرسمية الأولى، إلا أن أحداث غزة فضحت هؤلاء، حيث نزعوا أقنعتهم وكشفوا عن وجههم الحقيقي، ولا أبالغ بالقول إن المجتمع الروسي لم يفاجأ، بل كان ينتظر تلك اللحظة، حيث بدا لهم سولوفيوف متجولاً في لباس عسكري روسي في بعض مناطق الحدود الروسية الأوكرانية، وبينما يجري لقاءات مع العسكريين، يتصنع تلك الوطنية الزائفة للكذب والتضليل وكسب شعبية الروس وتعاطفهم معه، إلا أن دفاعه المستميت عن إسرائيل وسياساتها المتطرفة والعنصرية، وهي التي تساعد النظام الفاشي في كييف ضد روسيا، وإعلانه بشكل مباشر على التلفزيون الروسي عن استعداده للذهاب والحرب إلى جانب إسرائيل، كل هذا زاد من فقدان المجتمع الروسي الثقة به، وبكل أنشطته الإعلامية.
إن هذا الفريق الإعلامي المشبوه، والذي يعمل منذ ما لا يقل عن 20 عاماً على الساحة الإعلامية الروسية قد بذل جهداً معتبراً ليكون منبراً للدعاية الإسرائيلية الصهيونية في موسكو، في الوقت الذي كانت تجري فيه بالتوازي زيارات مكوكية لنتنياهو إلى موسكو، في محاولة مماثلة بائسة للتقارب من القيادة الروسية، لخداعها والتأثير على سياساتها الخارجية لصالح الصهيونية العالمية، إلا أن العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا ثم ما يجري اليوم على أرض فلسطين من أحداث دموية كشفت، بما لا يدع مجالاً للشك، هوية وتوجه ومسار هؤلاء، وأمام تأييد عالمي يكتسب زخماً واسعاً لنضال الشعب الفلسطيني، تقف هذه المحاولات اليائسة لخدمة الأهداف الأمريكية لعرقلة التحول إلى نظام التعددية القطبية، تحت لباس صهيوني، مفضوحةً تماماً ولا أمل لها.
تقول الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار: “لقد أدى الحصار الإسرائيلي غير الشرعي لغزة، طيلة 16 عاما، إلى تحويلها إلى أكبر سجن مفتوح في العالم. ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن لتجنب تحويل غزة إلى مقبرة جماعية هائلة”.
ويبدو لي أن إرسال حاملتي الطائرات الأمريكية والأساطيل الأمريكية إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط دعماً لإسرائيل لا ولن يؤدي سوى إلى مزيد من التوتر، ولن يساهم في الدفاع عن أمن إسرائيل، التي نجحت خلال 75 عاماً في كسب كراهية محيطها العربي بكل براعة واقتدار، ولا أبالغ بالقول إن هذه الحاملات ربما تدمر عن بكرة أبيها، ولا أتصور قيام حرب عالمية ثالثة.
ومع ذلك، فإذا استمر التوتر الأمريكي الغربي الإسرائيلي، فإن ذلك سيدفع بقوى أخرى ترتبط مصالحها بالشرق الأوسط، ولن تقف صامتة بينما تدمر الحرب الإقليمية مصادر طاقتها وحياة شعوبها، وأي حرب إقليمية في المنطقة، وإشعال لبرميل البارود المحتقن، ستكون تداعياتها كارثية على إسرائيل بالدرجة الأولى، وقبل أي عواصم عربية أخرى. ويكفي أن نرى ذلك الطوفان الهادر من الاحتقان والغضب الشعبي في كافة البلدان العربية والعالم الإسلامي، والتضامن مع فلسطين، إضافة إلى الأسئلة المطروحة داخل إسرائيل، من جانب المستوطنين وبقية الشعب اليهودي الذي جاء لحياة رغدة ومرفهة في “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط”، جاء ليعيش، ولم يأت ليموت.
بدأت الأسئلة بشأن ما يجعل حكومة مثل حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ البلاد تعارض منح الشعب الفلسطيني حقه في العيش بدولته المستقلة، ويجعلها تزج بأبنائهم الإسرائيليين إلى الحرب، وتدفعهم إلى العيش في الملاجئ، وإيقاف عجلة الحياة.
وأتصور أن ذلك من بين الأسباب الرئيسية لعدم اتخاذ قرار البدء بالعملية العسكرية البرية في غزة، لأن نتنياهو يعلم أن ذلك سيكون بمثابة انتحار سياسي له ولحكومته، والولايات المتحدة هي الأخرى، وبعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد بأسلحة أمريكية وغربية، وتخطيط وإعداد أمريكيين، لا تريد أن تعرض آلياتها العسكرية مجدداً للدمار والأضرار، ورفع مشاعر العداء العالمية ضدها.
إن الحل الوحيد المطروح لتسوية القضية الفلسطينية يمر عبر جهود دولية موحدة، يكون فيها للعالم العربي دور أساسي، بمشاركة روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، والسبيل الوحيد لهذه التسوية هو العودة إلى طاولة المفاوضات، والارتكاز إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبالطبع إعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وبدون ذلك لا يمكن أن يتفق الفلسطينيون والإسرائيليون أبداً.
لقد بدأت غالبية العالم تتفهم أن ما يجري الآن في قطاع غزة والضفة الغربية هو إبادة جماعية، وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وعقاب جماعي لشعب لا جريرة له سوى أنه يريد استرداد حقوقه الشرعية، بدأ العالم يدرك أنهم بصدد انتفاضة جديدة للشعب الفلسطيني كاملاً، وأن من يمارس جرائم الحرب والفصل العنصري والإرهابيين هم زعماء إسرائيل.
لن ينتهي التوتر الدولي إلا بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی من بین إلا أن
إقرأ أيضاً:
الفيتو الأمريكي يقتل أبناء الشعب الفلسطيني
باختصار، أمريكا هي رأس الشر والإرهاب والإجرام في العالم، فها هي وللمرة الرابعة تستخدم حق النقض «الفيتو» لمنع إصدار قرار يقضي بوقف العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة!
فهل رأيتم إجراماً أكبر من هذ الفعل الأمريكي الآثم؟
ثم ماذا يعني استخدام الفيتو الرابع بعد مرور أكثر من 400 يوم متواصلة غير المزيد من العدوان والقتل والإجرام والحصار والتجويع..
كان مجلس الأمن المؤلف من15عضوا، قد صوت مؤخرا على مشروع قرار تقدم به أعضاؤه العشرة غير الدائمين في اجتماع، دعا إلى «وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار» وطالب بشكل منفصل بالإفراج عن المحتجزين في غزة، فيما لم يطالب بالإفراج عن عشرات الآلاف من المحتجزين والمفقودين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني، وقمة الانحطاط.. أن تصوت الولايات المتحدة الأمريكية بكل صلف وعنجهية وغرور وحدها ضد القرار، مستخدمة حق النقض «الفيتو» بصفتها عضوا دائما في المجلس ومنع صدور القرار الذي يقضي بوقف إطلاق النار والحلول دون التحرك العاجل لإنقاذ غزة.
أمريكا تزيح الستار عن وجهها القبيح الفاقد للضمير الإنساني والأخلاقي، ولا يهمها ما يتعرض له أطفال ونساء غزة من حرب إبادة جماعية..
أمريكا تعطي لنفسها حق الهيمنة والتسلط على مقدرات ومصير الشعوب وتستقوي على المستضعفين والمظلومين في الأرض وبكل وقاحة تمنع قراراً قدم لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فما هو دور الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن: فرنسا، وبريطانيا ناهيكم عن روسيا والصين التين تتقمصان دور الثعلب المراوغ؟
ثم لماذا تحتكر هذه الدول الخمس الدائمة العضوية وعلى رأسها أمريكا راعية الإرهاب حق الفيتو فيما بينها؟.. هل فقط لأنها دول تمتلك أسلحة نووية وتضحك على العالم بمعاهدة نشرها على الشعوب والدول الحرة اليوم..؟
على الدول والشعوب الحرة أن تشغل عقولها إلى أقصاها لامتلاك ناصية العلم وصولا لحق امتلاك ذلك السلاح اللعين الذي تمتلك دول الفيتو بموجبه حق المنع، وذلك كي تمنع وقوع المزيد من الظلم والطغيان والهيمنة والغطرسة على شعوبها والمستضعفين في الأرض، وصولا لامتلاك حق الاعتراض على أي قرار يقدم لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دون إبداء أسباب.
الجدير بالذكر أن امتناع أو غياب العضو الدائم عن التصويت لا يعيق اعتماد مشروع القرار، ومن المهم أن نلاحظ أن حق النقض هذا لا يمتد إلى التصويت «الإجرائي»، وهو القرار الذي يتخذه الأعضاء الدائمون أنفسهم، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعضو الدائم أن يعيق اختيار الأمين العام، دون الحاجة إلى حق النقض الرسمي، حيث يتم التصويت بشكل سري.
ومنذ بدء الحرب في أكتوبر الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» للمرة الرابعة ضد قرار وقف العدوان على غزة.. نعم هذه المرة الرابعة التي تستخدم فيها واشنطن حق النقض «الفيتو» لمنع إصدار قرار يقضي بوقف العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة- ووقف حرب الإبادة التي يقوم بها كيان العدو الإسرائيلي المحتل في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023م، بدعم أمريكي مطلق، ما أسفر عن نحو 148 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
فقط تشترط الإدارة الأمريكية الشيطانية قرارا يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في إطار وقف إطلاق النار فقط للمحتجزين والأسرى الصهاينة، فيما يقبع في سجون الاحتلال عشرات الآلاف من المحتجزين من أبناء الشعب الفلسطيني..
وها هي للتو محكمة العدل الدولية في لاهاى تصدر مذكرة اعتقال بحق مجرمي الحرب الصهاينة وعلى رأسهم «النتن ياهو» ووزير دفاعه المقال غالانت، وهو ما يضع المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والهيئات والمنظمات التابعة لهما أمام آخر اختبار حقيقي للخروج من دائرة الصمت والخذلان والتنفيذ الانتقائي للقانون الدولي والإنساني والأخلاقي والمواثيق والأعراف الإنسانية..
أما العرب والمسلمون فإنهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التصعيد ودعم وإسناد محور المقاومة أو الانحناء والخضوع لسياسة الفيتو الأمريكي وانتظار التصعيد الكبير الذي لن يستثنيهم والدور القادم على البقرة الحلوب والمعنى في بطن ترامب اللعين..