الغرب لا يريد سلامًا في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
تصاعد وتيرة التحذيرات الأمريكية على لسان وزيري الخارجية والدفاع يؤشر إلى أن ساعة الصفر للاقتحام البرى لقطاع غزة من قِبَل جيش الاحتلال الصهيونى باتت وشيكة.
لا أحد يتكلم عن تهدئة، أو حتى وقف مؤقت لإطلاق النار، الكل فى واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبى يريدون استمرار هذا العدوان غير الإنسانى على 2.5 مليون مواطن فى قطاع غزة.
صحيح نجحت قمة القاهرة للسلام فى التوصل إلى توافق دولى حول ضرورة إرسال المساعدات الإغاثية إلى المنكوبين فى غزة؛ لكن ممثلى دول الاتحاد الأوروبى وأعضاءه رفضوا إدانة جرائم الكيان الصهيونى ووصفوها بحقه المشروع فى الدفاع عن النفس، ورفضوا إطلاق مبادرة دولية لوقف الحرب وبدء عملية تفاوض تبدأ بالأسرى وتنتهى بإحياء عملية السلام.
الموقف المصرى جاء صارمًا وحاسمًا برفض تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأمن القومى لمصر، وهذا ما عكسه بيان رئاسة الجمهورية الذى أعقب أعمال القمة.
تدرك مصر أن استمرار هذه الحرب بضوء أخضر أمريكى ودعم أوروبى لن يفضى إلا إلى تنفيذ المخطط الصهيونى بتهجير غالبية سكان غزة ودفعهم نحو الحدود المصرية لذلك يشدد الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ بداية الأزمة على أن الدولة المصرية ستقف أمام هذا المخطط وستحول دون تنفيذه، ولا يكف عن مطالبة المجتمع الدولى بضرورة العمل على الوقف الفورى لهذه الحرب.
جيش الكيان الصهيونى لا يكف عن تحذير سكان شمال قطاع غزة ومطالبتهم بالانتقال إلى جنوب القطاع وإلا اعتبرهم جميعًا إرهابيين؛ وفى ذات الوقت لا يكف عن قصف جنوب غزة بمنازلهم والملاجئ التى تستضيف الهاربين بحياتهم وحياة أطفالهم من شمال القطاع.
الجيش الصهيونى يقول 2.5 مليون فلسطينى لا نجاة لكم إلا إذا عبرتم بوابة صلاح الدين نقطة الحدود فى رفح المصرية إلى شبه جزيرة سيناء.
تجاوزت الضغوط الغربية على مصر لتنفيذ هذا المخطط الأدوات السياسية والاقتصادية إلى الأداة العسكرية الغاشمة لاستهدافه العشوائى لكل الأهداف المدنية بما فى ذلك مقرات وكالة الأنروا للإغاثة التابعة للأمم المتحدة.
بات واضحًا أنهم يريدون مصر تحت ضغط إنسانى وأخلاقى بحشر مئات الآلاف فى نقطة ضيقة أمام حدودها البرية وحينها سنسمع ألسنة أوروبا التى خرصت أمام جرائم الكيان الصهيونى تدين رفض مصر السماح لتلك الحشود المدنية العبور إلى أراضيها.
الغرب بزعامة واشنطن وأذنابها فى الاتحاد الأوروبى يؤكد أنه لا يريد اتساع رقعة هذه الحرب بإنذاراته المتكررة لإيران وتحذيرها من تحريك أذرعها فى المنطقة ضد المصالح الأمريكية والغربية؛ إلا أن هذا الغرب ليس لديه أى ضمانات لعدم اندلاع حرب إقليمية سوى البوارج الأمريكية والسفن الحربية البريطانية.
القذائف والشظايا الطائشة لأى معركة مهما كانت محدوديتها كفيلة بتحويلها إلى حرب كبرى تحرق الأخضر واليابس.
أغلقت مصر ونهائيًا هذا الحديث حول إمكانية توطين المهجرين من قطاع غزة فى سيناء، وأظن أن الهاجس الأكبر الآن ليس سيناريو التوطين بعد التهجير وإنما إندلاع حرب تعصف بكل فرصة للسلام نتيجة أفعال عسكرية يرتكبها جنود الاحتلال الصهيونى بشكل متكرر خطأ أو عمدًا.
هذا النوع من الحوادث قد يتكرر بعد بدء الاقتحام البرى لقطاع غزة فى سياق تصعيد الضغوط لتمرير مخطط التهجير ثم التوطين، خاصة وأن الرئيس الأمريكى جو بايدن تحدث عن ضرورة فتح ممرات آمنة لعبور المدنيين الفلسطنيين فى شمال ووسط قطاع غزة لتمكينهم من النزوح إلى مناطق الجنوب أثناء الاقتحام البرى وقد أعدت إدارته مشروع قرار لمجلس الأمن يعطى الكيان الصهيونى الحق فى مواصلة عدوانه ويشرعن جريمة التهجير القسرى لسكان قطاع غزة، وهو المشروع الذى لن يمر بسبب الفيتو الروسى والصينى المتوقع.
لقد بات من المؤكد أن حلفاء الكيان الصهيونى فى أوروبا وأمريكا لا يريدون سلامًا حقيقيًا أو استقرارًا راسخًا فى منطقة الشرق الأوسط؛ فحتى لو نجح جيش الاحتلال الصهيونى فى إبادة جميع فصائل المقاومة فى غزة إضافة إلى عشرات الآلاف من المدنيين، لن يستطيع دعاة السلام فى المنطقة بعد هذه الحرب كتابة ولو كلمة واحدة عن التعايش السلمى مع الكيان الصهيونى.
الموقف الأوروبى والأمريكى الداعم لجرائم الاحتلال رفع منسوب الكراهية لهذا الكيان وحلفائه ووصل به إلى الذروة، ولا أعتقد أن مواطنًا ينطق بالعربية سيقبل التعامل مع صهيونى فى أى مجال حتى إذا كانت بلده مرتبطة باتفاق سلام أو تطبيع.
منسوب الكراهية لن ينعكس فقط على النظرة إلى دولة الاحتلال وسكانها وإنما قد يهدد مع الوقت المصالح الأوروبية والأمريكية داخل عواصمهم فهم من يزودون حطب التطرف والتشدد بكل أنواعه السياسية والثقافية والدينية والقومية، وها هى المظاهرات الحاشدة التى انطلقت فى عواصم ومدن أوروبا وأمريكا لدعم فلسطين ورفض سياسات الحكومات الغربية المؤيدة لجرائم الصهيونية تنذر الغرب بمستقبل قلق ومتوتر فى عقر داره.
لا أرى فرصة جديدة للسلام بعد أن فقدت أمريكا وأوروبا مصداقيتها بانحيازهما الصارخ لقتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى داخل المستشفيات؛ وأتصور أن على القوى الإقليمية الرئيسة فى المنطقة أن تفعّل ما لديها من أوراق ضغط سياسية واقتصادية واجتماعية تتعلق بحجم الاستثمارات والبترول وملفات الهجرة غير الشرعية، وأن تعمل على إفساح المجال لدور صينى روسى أكبر بحيث يصبحان أكثر فاعلية وتأثيرًا فى قضية الصراع العربى الصهيونى ولضمان استقرار نسبى قد يصبح قريبًا حلمًا بعيد المنال.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: التحذيرات الأمريكية ساعة الصفر غزة الکیان الصهیونى قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
WP: نظام جديد بدأ بالتشكل في الشرق الأوسط.. هؤلاء الرابحون
قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن الأنظار تتركز الآن، على النظام الجديد الذي يتشكل في دمشق، بعد السقوط المذهل لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، والجهات الفاعلة الإقليمية القوية التي قد تؤثر عليه.
وأوضحت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، أن المحللين سارعوا وأعلنوا من الآن الفائزين والخاسرين على المستوى الجيوسياسي، إيران وروسيا، داعمي الأسد منذ فترة طويلة، يلعقون جراحهم؛ تركيا والملكيات العربية التي دعمت المعارضين السوريين بدرجات متفاوتة في صعود.
من الواضح أن دولة الاحتلال، التي نفذت حملة قصف لا هوادة فيها على أهداف عسكرية سورية ونقلت قوات برية عبر مرتفعات الجولان المتنازع عليها إلى الأراضي السورية، تشعر بالجرأة أيضا.
وأضاف: "مع تولي جماعة من الثوار الإسلاميين التي أطاحت بالأسد زمام الأمور في توجيه عملية الانتقال السياسي في البلاد، بدأت الحكومات الغربية في إعادة الانخراط في بلد ظل لفترة طويلة في حالة من البرودة الدبلوماسية. فرفع العلم الفرنسي فوق سفارة فرنسا في دمشق يوم الثلاثاء لأول مرة منذ 12 عاما. ويوم الجمعة، زار وفد أمريكي سوريا، في أول زيارة دبلوماسية أمريكية إلى دمشق منذ أكثر من عقد من الزمان".
ويظل الكثير غير مؤكد. فيوم الخميس، تظاهر عشرات الأشخاص في قلب دمشق، مطالبين السلطات الجديدة المرتبطة بالإسلاميين بالحفاظ على دولة علمانية شاملة. وتستعد الوحدات الكردية المسلحة، في شمال شرق سوريا لمعارك محتملة مع الفصائل السورية.
وقالت الصحيفة: "لقد كشف سقوط الأسد عن بعض الديناميات. لقد كان زوال النظام متوقعا من خلال القضاء التكتيكي الإسرائيلي على جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، وهي الوكيل الإيراني الذي كان حيويا لتأمين نظام الأسد على مدى عقد من الحرب الأهلية. وعلاوة على ذلك، بعد الدفاع عنه لسنوات، كانت كل من إيران وروسيا غير قادرتين أو حتى غير راغبتين في إبقاء الأسد في السلطة. ويمثل الإطاحة به تغييرا سياسيا كبيرا في الشرق الأوسط".
ونقلت عن لينا الخطيب، محللة شؤون الشرق الأوسط في مركز تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث قولها: "كما كان عام 1989 بمثابة نهاية الشيوعية في أوروبا، فإن هروب الأسد إلى موسكو يشير إلى زوال أيديولوجية المقاومة المناهضة للغرب والمعادية لإسرائيل في الشرق الأوسط. لأكثر من نصف قرن، كانت عائلة الأسد العمود الفقري للنظام السياسي في الشرق الأوسط حيث أطلقت كتلة من الدول على نفسها اسم المقاومة لما أسمته الإمبريالية الغربية والصهيونية".
في مقال في مجلة "فورين أفيرز"، حدد كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين عاموس يادلين وأفنير غولوف استراتيجية من شأنها أن تنشئ "نظاما إسرائيليا في الشرق الأوسط". ودعوا إلى بذل جهد دبلوماسي لربط إسرائيل بشكل أكبر بالملكيات العربية في الخليج، وخاصة السعودية والإمارات وهو جهد معقد يتطلب شراكة أمريكية وتنازلات إسرائيلية في نهاية المطاف لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الفعلي. لكن هذا يتطلب أيضا من نتنياهو تحدي أعضاء اليمين المتطرف الرئيسيين في ائتلافه الحاكم، الذين يتصورون أن إسرائيل ستضم قريبا أجزاء من الضفة الغربية وحتى إنشاء مستوطنات في غزة.
كتب يادلين وغولوف: "على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، أعادت إسرائيل تأكيد قدرتها على تشكيل السياسة والأمن في الشرق الأوسط. ولكن بدون قيادة شجاعة، قد تفلت فرصة إسرائيل. إن تطلعات الأعضاء المتطرفين في ائتلاف نتنياهو لضم أجزاء من غزة والضفة الغربية، أو فرض الحكم العسكري في غزة، أو متابعة أجندة محلية استقطابية تضعف المؤسسات الديمقراطية من شأنها أن تعيق هذا التقدم بشدة".
ولكن هناك لاعب إقليمي آخر يشعر بلحظته أيضا. كان نظام الأسد بمثابة محور لما أطلق عليه المحللون منذ فترة طويلة "الهلال الشيعي" الإيراني، وهو قوس من النفوذ والجماعات الوكيلة التي تربط طهران بالبحر الأبيض المتوسط. ومع رحيل الأسد فقد نشهد "نهاية الهلال الشيعي الذي طالما خشيته إيران وصعود البدر التركي، وإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام وأفغانستان".
إن وكلاء تركيا في وضع مهيمن في دمشق وعلى استعداد للاستيلاء على المزيد من السيطرة في شمال شرق سوريا. لقد دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ فترة طويلة إلى الإطاحة بالأسد، ويبدو الآن أنه أثبت صحة نهجه. كما لعب دورا أكبر كرجل دولة إقليمي، حيث توسط مؤخرا في اتفاقيات السلام بين إثيوبيا والصومال، في حين عزز تحالف تركيا مع أذربيجان، الدولة النفطية المسلحة جيدا على عتبة إيران.
حتى أن ترامب وصف ما جرى بأنه "استيلاء غير ودي" من قبل تركيا، وهو السرد الذي رفضته أنقرة. وقال وزير الخارجية هاكان فيدان في مقابلة: "لن نسميه استيلاء، لأنه سيكون خطأ فادحا تقديم ما يحدث في سوريا" بهذه المصطلحات، مضيفا أن الإطاحة بالأسد تعكس "إرادة الشعب السوري" وأنه من المهم للشرق الأوسط أن يتجاوز "ثقافة الهيمنة".
وقال فيدان: "لا الهيمنة التركية، ولا الهيمنة الإيرانية، ولا الهيمنة العربية، بل يجب أن يكون التعاون هو الأساس".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الود التركي للجماعات الإسلامية ودعمه التاريخي للأحزاب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين يشكلان مصدر قلق لكل من الدول العربية مثل الإمارات ومصر، وكذلك إسرائيل، التي تدهورت علاقاتها مع تركيا منذ بداية الحرب في غزة. وقد تكتسب الصراعات السياسية في دمشق بسرعة طابعا جيوسياسيا. كتب جدعون رحمان، كاتب العمود في صحيفة فاينانشال تايمز: "قد تصطدم الطموحات المتنافسة لأردوغان ونتنياهو بسهولة في سوريا. إنها تخاطر بأن تصبح ساحة معركة للقوى الإقليمية المتنافسة لأن السعودية ودول الخليج لديها أيضا مصالح على المحك هناك".
وأشار بول سالم من معهد الشرق الأوسط إنه ومع ذلك، ورغم أن النظام في طهران قد يضعف، فسوف يتعين على منافسيه أن يكونوا حذرين بشأن الضغط على ميزتهم. "إن المخاطر تكمن في أن التصعيد العسكري من جانب إسرائيل ضد إيران قد يخرج عن نطاق السيطرة، مع رد الأخيرة بهجمات على شحن النفط ومرافق الإنتاج في الخليج، مما قد يؤدي إلى أزمة طاقة واقتصاد عالمية". وأضاف أن إيران قد "تقرر أيضا إعادة بناء ردعها المفقود من خلال التسرع في تطوير سلاح نووي، مما قد يؤدي أيضا إلى اندلاع حرب مع إسرائيل - والولايات المتحدة".
ويزعم آخرون أن السبب وراء استغلال إدارة ترامب لضعف إيران من خلال الدبلوماسية التي تحد من الاندفاع نحو سلاح نووي. قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك يوم الأربعاء: "لا أعتقد أن السلاح النووي أمر لا مفر منه"، مضيفا أنه يرى "احتمال المفاوضات".
في سوريا، يعتقد المحللون أن إيران قد تحاول بعناية شق طريقها للعودة، واستغلال الفراغ الأمني والاضطرابات المحتملة بين الأقليات العرقية. وقال الصحافي السوري إبراهيم حميدي لواشنطن بوست: "نحن جميعا نعلم أن إيران خسرت بشكل كبير بسقوط الأسد. ونعلم أيضا أن إيران لديها صبر. في الوقت الحالي، يتعين علينا اتخاذ بضع خطوات إلى الوراء لاتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع هذا الأمر".