القلق ينتاب سكان غزة العالقون بالضفة الغربية... أرجوك، إذا متنا، فاعتني بابني
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
إعداد: فارس بوشية | آسيا حمزة إعلان اقرأ المزيد
التقينا أحمد، وهو يجلس محدقا في الفراغ وعلامات اليأس بادية على وجهه. هذا الغزاوي، أب لستة أطفال، موجود في رام الله بالضفة الغربية المحتلة منذ شهرين. "ابنتي مريضة منذ ثلاث سنوات. كانت تتلقى العلاج بغزة، لكن الأطباء طلبوا نقلها إلى مكان آخر لإجراء فحوصات".
يتحسر أحمد أبو عصر وهو يدخن سيجارة تلو الأخرى، قائلا: "اضطرت أريام لإجراء فحص لا يمكنها القيام به سوى في إسرائيل. تم تشخيص إصابتها بطفرة جينية نادرة. ربما هناك أربع حالات مماثلة في العالم وطبعا لا يوجد العلاج المناسب هنا في رام الله"، وأضاف: "كنا ننتظر أخبارا من الطبيب لنعرف إلى أين يمكن أن تتجه، إلى الولايات المتحدة أو فرنسا أو إسرائيل، للحصول على التدبير العلاجي المناسب".
أريام، 10 سنوات، تعاني من طفرة جينية نادرة. تم نقلها من غزة إلى رام الله لتلقي العلاج. © آسيا حمزة، فرانس 24اتصل أحمد بابنته، فظهرت أريام بعد دقائق قليلة، ضعيفة الوجه، شاحبة البشرة. تبدو بعيدة كل البعد عن هيئة باقي الفتيات في سنها. بمظهرها المنهك وحركاتها المتباطئة، تجلس أريام بالقرب من والدها. بدون أن تتلفظ بكلمة.
أحمد في حيرة من أمره، فهو يصر على الكشف عن هويته ليتسنى لابنته تلقي المساعدة وربما تبرعات مالية. لكنه يخشى في الوقت نفسه أن يلحق مكروها بعائلته التي بقيت في غزة، إذ يقع منزله في المنطقة الأكثر تعرضا لقصف الجيش الإسرائيلي.
ويقول أحمد: "لم أعد أعرف أين أنا. أصبحت مضطربا جدا نتيجة ما يحدث. يجب أن أعتني بابنتي ولكني أفكر أيضا في أطفالي الذين بقوا في المنزل. حاولت الاتصال بأخي لكنه هرب نحو الشمال. أخشى أن تكون زوجتي وأولادي قد لجأوا إلى المستشفى الذي تعرض للقصف".
ويقول الرجل البالغ أربعين عاما وهو في حالة إرباك كامل: "لا أعرف كيف أتصل بهم. آخر مرة تحدثت فيها مع زوجتي، أخبرتني أنها تريد الذهاب واللجوء إلى مدرسة الأونروا. ولم أتحدث معها منذ خمسة أيام".
"آمل أن يتم وقف إطلاق النار لأتمكن من العودة إلى غزة"
اقرأ أيضاقطاع غزة: لماذا ترفض مصر فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين وهل يلوح شبح "نكبة ثانية" في الأفق؟
تبلغ يارا* 20 عاما وهي أيضا متحدرة من غزة. وقد بقيت هي الأخرى عالقة في رام الله مع رضيعها المريض والبالغ 11 شهرا: "أنا لوحدي هنا مع ابني. كان من المفترض أن أغادر يوم الأحد [8 أكتوبر/تشرين الأول] لكن الحرب اندلعت".
وأردفت الشابة وهي تضم رضيعها إلى صدرها والابتسامة لا تفارق شفتيها رغم الظروف العصيبة: "قام زوجي وأبي بالمستحيل لنأتي إلى رام الله. نأمل في أن يتحسن حاله"، مضيفة أنه يعاني من مرض عصبي وعضلي وراثي نادر. "بدأ المرض منذ كان عمره شهرين، واليوم بالكاد يستطيع الحركة. أدعو الله أن يبتسم لي ابني مرة أخرى، وأن أتمكن من التفاعل معه، وأن يكون بصحة جيدة".
وعندما سألناها عما إذا كانت على اتصال بأقاربها الذين بقوا في غزة، تحولت نظرة يارا المبتهجة إلى نظرة سكنها طيف حزن داكن، وقالت :"كنت أتحدث معهم عبر الهاتف كل يوم تقريبا، لكن الآن بعد انقطاع الكهرباء، لا أستطيع التحدث إليهم دائما، هواتفهم مغلقة واضطروا لإخلاء المدارس والمستشفيات، وضعهم سيء للغاية".
تروي يارا وتصف صور القصف ومقاطع فيديوهات تكاد لا تُطاق أحيانا، تبثها قنوات تلفزيونية بشكل متواصل، وتقول: "لا نرى سوى الجثث المقطعة والأشخاص المصابين. نفكر في عائلاتنا ونشعر بالقلق بشأنهم ولا نعرف ماذا سيحدث لهم. لا يمكن لأحد أن يتصور هذا".
وعلى الرغم من ذلك، ما تريده يارا هو العودة إلى البيت فقط، لتكون برفقة زوجها ووالديها وأقربائها، وتقول: "الحياة لا بأس بها في غزة، الناس طيبون وهناك الكثير من الحب. المشكلة الوحيدة تكمن في الراتب. زوجي يتقاضى 20 شيكلا في اليوم فقط [4.63 يورو]، وهو مبلغ لا يكفي لأنه يجب دفع الإيجار والطعام والحفاضات، والآن علاج ابننا أيضا؟ آملة أن تتحسن الأمور، وأن يكون هناك وقف لإطلاق النار حتى نتمكن من العودة. إن شاء الله! إن شاء الله!"
"هذه الحرب هي الأصعب على الإطلاق"أما غدير* التي ترافق حفيدها لأن والدة الطفل الصغير بقيت في غزة لرعاية أطفالها الآخرين، فهي أقل تفاؤلا، "لقد تم إدخاله إلى المستشفى بسبب مشاكل في القلب وكان ضعيفا. تم نقله إلى هنا لاستشارة طبيب آخر ولكن اندلعت الحرب. والآن نحن هنا ننتظر الطبيب".
تحمل الجدة حفيدها بذراع وتعدل وشاحها بالذراع الأخرى، وتقول إنها لا تريد أن تفصح عن اسمها خشية "الانتقام". وبدت الجدة الخمسينية في قمة الذعر حينما تحدثت عن زوجها الذي كان لديه تصريح عمل في إسرائيل، قائلة: "لقد اتصل بي ليخبرني أنه سيلتحق بنا وسيكون معنا في غضون ساعتين. لكنه لم يصل أبدا. ولم أتلق منه أي خبر منذ اثني عشر يوما".
في ذاكرتها كغزاوية، لم تعرف مثل هذا الوضع. وبصوت تغمره نبرة من الحزن والحسرة تقول غدير: "هذه الحرب تختلف عن سابقاتها التي شهدت أيضا قتلى وشهداء... ولكن تبقى هذه الحرب الأصعب على الإطلاق... فالمساعدات غير متوفرة، والغزاويون بحاجة عاجلة إليها. قُتل الكثير من الناس، والعديد من الأطفال والأبرياء". أما آخر كلمات سمعتها من زوجة ابنها: "أرجوك، إذا متنا، فاعتني بابني".
* تم تغيير الاسم
النص الفرنسي آسيا حمزة / النص العربي فارس بوشية
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج غزة الحرب بين حماس وإسرائيل إسرائيل حماس الضفة الغربية فلسطينيون رام الله فی غزة
إقرأ أيضاً:
التايمز: المستوطنين يشنّون حرب عصابات على القرى الفلسطينية بالضفة الغربية
نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية، تقريرا، للصحفي ريتشارد سبنسر، من قرية جينصافوط، بالضفة الغربية، قال فيه: "بالوقت الذي أنهى فيه الرئيس ترامب، خطاب تنصيبه، وصل الرجال الملثمون للقرية. ربما كان ذلك مصادفة أو لم يكن".
وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإن: "الرجال تجمّعوا على طول الطريق 55 في الضفة الغربية، حيث يمر بين قريتي الفندق وجينصافوط الفلسطينيتين. تقع هذه القرى، ذات الصفوف الصغيرة من المنازل والمتاجر ومحلات الشاورما، بين التلال الخضراء".
قال حارس ليلي في مستودع أحد موردي مواد البناء حيث تتقاطع القريتان، سعيد بشير: "كان الأمر مرعبا". أطفأ أضواء مكتبه واختبأ بينما كان يشاهد عشرات المستوطنين الإسرائيليين الذكور يحرقون الحفارات والشاحنة ذات السطح المسطح المتوقفة بالخارج، ويحطمون النوافذ وأوعية الطلاء الفارغة.
"اقتربوا من الباب وألقوا عليه الحجارة، لكن يبدو أنهم لم يكونوا على علم بأنه كان يختبئ في الداخل" تابع التقرير نفسه، فيما قال: "أحضروا أسطوانة غاز". كان الرجال قد أشعلوا للتو النار في مشتل قريب. "ولكن بعد ذلك ظهر شباب من القرية، قبل دقائق قليلة، وتراجعوا".
وأبرز التقرير: "لا أحد يعرف على وجه اليقين ما قاله مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بينما تم جرّ شهور من المفاوضات حول مصير غزة على مضض من الحرب إلى وقف إطلاق النار، الأسبوع الماضي".
وأكد: "لكن التقارير في وسائل الإعلام العبرية، قالت إن نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف في الحكومة عرض عليهم حافز لإلغاء الطلعات الجوية الإسرائيلية قبل تنصيب ترامب، يوم الاثنين: أن البيت الأبيض سيخفف موقفه من حركة المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية".
وأضاف: "إذا كان الأمر كذلك، فإن ترامب كان صادقا في كلمته. من بين أوامره التنفيذية الأولى، التي أصدرها بينما كانت أعمال شغب جينصافوط على قدم وساق، كان الأمر الذي عكس العقوبات التي فرضها بايدن على المستوطنين المتطرفين وحركات المستوطنين".
واسترسل: "لم يكن المستوطنون بحاجة إلى الانتظار. ولكن على الرغم من ذلك، تجاهلت هذه الجماعات الدعوات السابقة من العالم الخارجي لوقف أنشطتها، ولم تواجه سوى القليل من الضغوط في الداخل. وبالنسبة لزعمائها، الذين أصبحوا الآن في غاية الابتهاج، فإن أمر ترامب كان مجرد زينة الكعكة".
ومضى بالقول: "تشن هذه الجماعات، التي تستوطن مختلف أنحاء الضفة الغربية، غارات حرب العصابات على القرى الفلسطينية، وخاصة تلك المعزولة نسبيا مثل الفندق وجينصافوط، وعادة ما تتمتع بالإفلات من العقاب".
وأوضح: "هي في بعض الأحيان قاتلة، ولكن القصد منها أن تمر تحت رادار العنف الأكثر تطرفا من جانب حماس وغيرها من الجماعات المسلحة والاستجابة العسكرية الإسرائيلية الأكثر دموية. ونادرا ما تتصدر الهجمات، المصممة لترهيب الفلسطينيين وتثبيط المعارضة للتوسع المستمر للمستوطنات القانونية وغير القانونية، أجندة الأخبار الدولية".
وأشار: "تخضع المناطق الريفية في الضفة الغربية لحكم خليط من الأجهزة الأمنية". وجيش الاحتلال الإسرائيلي موجود في كل مكان، لكن الشرطة الإسرائيلية تحرس القرى في ما يعرف باسم "المنطقة ج". ومن المفترض أن تقوم الشرطة الفلسطينية بدوريات في "المنطقة ب"، ولكن قرى مثل الفندق وجينصافوط، المقسمة بين المنطقتين، لا تقع فعليا تحت أي من الولايتين القضائيتين.
وتابع التقرير: "إن هذا الافتقار إلى الأمن يعمل في الاتجاهين. فقد أظهرت جماعات المستوطنين أنها لا تحتاج إلى ذريعة لمداهماتها، ولكن ربما اختارت الفندق لأنها كانت مسرحا لإطلاق نار في السادس من كانون الثاني/ يناير قُتل فيه ثلاثة إسرائيليين، امرأتان مسنتان ورجل شرطة".
ولكن كما قال رئيس مجلس قرية الفندق، لؤي تيّم، لا يوجد ما يشير إلى أن المهاجمين كانوا محليين، وأن الضحايا أصيبوا بالرصاص في "المنطقة ج"، التي من المفترض أن يؤمنها الإسرائيليون.
إلى ذلك، في ليلة خطاب ترامب، أظهرت لقطات كاميرا أمنية مأخوذة من مستودع بشير جنودا إسرائيليين يراقبون حشد المستوطنين وهم يشرعون في العمل ولا يتدخلون إلا عندما اقترب رجال فلسطينيون لإخراج المستوطنين. وقال تيّم إن 12 شخصا أصيبوا في الاشتباك. وكانوا جميعا فلسطينيين ضربهم الجنود أثناء صدهم لهم.
وقال إنه من الواضح أن الهجوم كان منظما بشكل جيد. في اليوم السابق، تجمع الإسرائيليون من مستوطنة كيدوميم القريبة بشكل غير متوقع للتنزه في المنطقة العشبية بجوار المشتل. في مساء يوم الاثنين، وصل حوالي 70 رجلا في سيارات جيب وحافلة.
كانت مركبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لم تشغل أضواءها في مقدمتهم، لكنها ابتعدت عندما توقفوا. بدأ الرجال في مهاجمة المنازل في الفندق قبل أن يتجهوا إلى السوق.
قال تيّم إنه يشتبه في أن معظم الرجال ليسوا محليين. وقال إن الفندق كان لها علاقات جيدة مع كيدوميم - وقال رئيس بشير، رامي بطاح، 40 عاما، الذي تمتلك عائلته المستودع، إن 90 في المئة من زبائنه إسرائيليون من المستوطنات.
وأبرز: "الجماعات المتطرفة التي تنظم هذه الهجمات -والتي كانت تحت عقوبات بايدن- هي أقلية من 500 ألف مستوطن، وهم أنفسهم أقلية داخل السياسة الإسرائيلية. ومع ذلك، فقد زاد نفوذهم حيث صنع نتنياهو، المخضرم لمدة ثلاثة عقود في السياسة، أعداء في جميع أنحاء يمين الوسط والوسط واليسار".
وتابع: "لقد أصبح ائتلافه يعتمد على وزيرين من أقصى اليمين، بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، وهما من المؤيدين العازمين لحركة الاستيطان". مردفا: "تعتبر المستوطنات غير قانونية من قبل معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم بموجب القانون الدولي. وهي واحدة من أكبر العقبات أمام إنشاء دولة فلسطينية، ولكن بالنسبة لسموتريتش وبن غفير، فإن هذا سبب لدعمها".
قال سموتريتش، الذي يعيش في كيدوميم، إنه يريد ضم المستوطنات - التي يحكمها حاليا القانون العسكري الإسرائيلي -ووضعها تحت السيطرة المدنية الإسرائيلية الرسمية، والتي يعتبرها الفلسطينيون الخطوة الأولى لضم الضفة الغربية المحتلة بالكامل.
وأبرز التقرير: "لم يقدم ترامب أي رؤية واضحة خاصة به لحل القضية الفلسطينية -أو حتى كيف يمكن حماية الفلسطينيين الآن. يتمتع مساعدوه بسجل طويل من الدعم لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي أدت حملاته القمعية على المعارضة في الضفة الغربية لاستشهاد حوالي 800 شخص منذ بدء الصراع في غزة، بما في ذلك في معركة حالية ضد المسلحين في جنين".
وختم بالقول: "إن حقيقة أن جماعات المستوطنين تعمل من خلال المضايقات المستمرة على مستوى منخفض بدلا من العنف واسع النطاق من قبل حماس تعمل لصالحهم. لم تحدث وفيات يوم الاثنين وكان الشخصان الوحيدان اللذان أصيبا بجروح خطيرة هما مستوطنان أطلق عليهما النار في حالة واضحة من الخطأ في تحديد الهوية من قبل الشرطة الإسرائيلية عندما وصلوا في النهاية".
واستطرد: "إن الهدف النهائي هو تهجير الفلسطينيين، كما قال جلال بشير، رئيس مجلس جينصافوط"، مضيفا: "لقد رفعوا أي عقوبة عن الأشخاص الذين يهاجموننا. وسوف يزداد الأمر سوءا، لأن أكبر رجل في العالم يدعم ذلك".