الباحث والمترجم عماد خلف لـ24: درست الأدب الفارسي واكتشفتُ أنّ فيه كنوزاً
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
أكد المترجم والباحث في مركز زايد للدراسات والبحوث في نادي تراث الإمارات الدكتور عماد عبد الفتاح خلف: " أن الأديب زكريا تامر احتاز صفةَ "شاعر القصة القصيرة" لأنه يَعرِضُ "الـمَحكيَّ اليوميَّ" بأسلوبٍ أدبيٍّ شاعري لا يَتأتَّى لكل أديب أن يُتقنَه، سواء على مستوى المضمون أو على مستوى شكل القصة القصيرة، التي أَخرجها تامر من التقليدية وألبسها لَبُوساً فنيّاً بديعاً، مستثمراً التراثَ الفلسفي والفكري والأدبي والاجتماعي والسياسي".
خلف: الشعر الحقيقي لا يُترجَم
خلف: ترجمت من أعمال زكريا تامر لأنه "شاعر القصة القصيرة"
وعن سبب اختياره لترجمة مجموعة "الحصرم" القصصية تحديداً، أضاف خلف في حوار خاص لـ24: " أن زكريا تامر في هذه المجموعة يَسبر أغوارَ المجتمع وما يعانيه من أزماتٍ فكرية ونفسية وسلوكية عميقة، فهو كاتب يُكثِّف العبارةَ، ويَتجول في الأزقّة والحواكير بعينٍ سرديةٍ ذكيّة بعد نضوج تجربته أكثر"، ومبيناً أن الشعر الحقيقي لا يُترجَم وإن تسنَّى له أكبرُ شاعر في اللغة المترجَم إليها، والدليل على ذلك شعر المتنبي في اللغات الأخرى.
يشار إلى أن الباحث عماد خلف من مواليد سوريا 1980، حاصل على درجة الدكتوراة في الأدب المقارن العربي – الفارسي المعاصر من جامعة طهران 2017 وترجم أكثر من 6 كتب في الشعر والقصة ومجالات أخرى، كما له عدة مقالات علمية محكمة، وشارك في مؤتمرات للترجمة والنقد الأدبي، وهو يتقن 4 لغات، الكردية، والعربية، والفارسية، والإنجليزية.
وتالياً نص الحوار:
_لماذا اخترت أن تترجم مجموعة قصصية لزكريا تامر تحديداً إلى اللغة الفارسية؟
الأدب الحقيقيَّ لا يكتفي بحمل رسالةٍ مَّا وحدَها، بل إنه يَحملها ويُجنِّح بها بل يُحلِّق في سماوات الالتذاذ اللغوي والفني جميعاً؛ أيْ إنَّ الأدب الحقيقي يُسافر بقارئه إلى ديارٍ لا يَكون الكلامُ فيها مَقولاً وسرداً كالـمَحكي اليومي الذي يتناهى إلى مسامعنا كلَّ يوم، وإلا لكنّا اكتفينا بكتابة ما ننطقه شفاهياً، مع بعض الرتوش البسيطة طبعاً، ليَسير ويَصير إلى حكاية أو "قصة" نَخرج بها إلى الناس، وما يُميِّز زكريا تامر، أنه يَعرِضُ "الـمَحكيَّ اليوميَّ" بأسلوبٍ أدبيٍّ شاعري لا يَتأتَّى لكل أديب أن يُحسِنَه ويُتقنَه، حتى احتاز، بحقٍّ، صفةَ "شاعر القصة القصيرة"؛ بعبارة أخرى، إنّه يَصِل بكتابته إلى ما قد يُسمَّى "شِعريةَ السَّرْد".
وبما أنني، على المستوى الذوقي الفردي والشخصي، شغوفٌ بشعرية اللغة، مؤمنٌ بتأثيرها الأوقع في النفوس إذا ما كانت مرصوصةَ البُنيانِ جمالياً وفنياً، فقد اخترت مختارات قصصية لزكريا تامر، وترجمتها إلى اللغة الفارسية بالاشتراك مع صديقَينِ إيرانيَّينِ مَشغوفَينِ بالأدب العربي الرفيع، ولا سيّما أنّ أدب زكريا تامر يَجلو الغبارَ عن الـمَعيش اليومي، وعن الأعراف والمسلَّمات السائدة، ويُقدِّمُها بأسلوب هَزْلي في كثير من الأحيان، مُحْدِثاً في نفس القارئ أسئلةً كُبرى؛ وهل الأدبُ الحقُّ إلا إحداثُ السؤال وإلا خَلْقُ الشكِّ في نفس القارئ، ثم إعادةُ ترتيب ما تَرسَّب مسبقاً في وعيه وفي لاوعيه كذلك؟
أجل، لقد فعلها زكريا تامر على مستوى المضمون و على مستوى شكل القصة القصيرة التي أَخرجها، أو ساهم بقوةٍ في إخراجها من حالتها التقليدية، وألبسها لَبُوساً فنيّاً بَهيّاً وبديعاً بما لهذه الكلمات قاطبةً من مَعانٍ في عوالمها السرديّة والجمالية، مستثمراً خيرَ استثمارِ التراثَ الفلسفي والفكري والأدبي والاجتماعي والسياسي جميعاً.
ومن الجميل أن ينتقل مثل هذا الأدب الفذّ إلى لغات أخرى، ليُقرأَ بعيون أخرى، ويَتفتّق عن دلالات أخرى قد تَكون خافيةً عمّن أَلِفُوا قراءته بلغته الأصلية، وبالطبع فالعكس بالعكس صحيح أيضاً.
_ما الذي لفت انتباهك في مجموعة "الحصرم" لزكريا تامر حتى ترجمتها ؟
أكثر ما لفت انتباهي في مجموعة "الحصرم" أن زكريا تامر يَسبر فيها أغوارَ المجتمع السوري، وربما غير السوري أيضاً، وما يعانيه من أزماتٍ فكرية ونفسية وسلوكية عميقة، وذلك بعدما نَضجت تجربته في الكتابة السردية أكثر فأكثر؛ فإذا هو يُكثِّف العبارةَ، وإذا هو يَتجول في الأزقّة والحواكير بعينٍ سرديةٍ ذكيّة أكثر، مُميطاً اللثامَ عن هذا الخطاب الاجتماعي الذي يَحتاج إلى الإمساك به من تلابيبه وإلى هزِّه هزّاً عنيفاً لعلّه يستيقظ أو يُعيد النظرَ في مقاربته ورؤيته الكونية للحياة الجمعية، ولسلوكات الأفراد من جميع النواحي.
_ ترجمت مختارات شعرية لمجموعة كتّاب، هناك من يرى أن مترجم الشعر لا بد أن يكون شاعراً كي يتقن صياغة النص بلغة شعرية، ما تعليقك على ذلك؟
لم أترجم عن الشعر الفارسي إلا قليلاً، على أني أومِنُ أن المترجم الناجح الذي يُتقنُ أسرار اللغةِ المنقولِ والمترجَمِ إليها يَستطيع أن يَصوغَ الشعرَ بأسلوبٍ يَدنو، قدر المستطاع، من أسلوب الشعر في لغته الأصلية، كما أني أظنُّ ظنّاً رفيقاً أن الشعر الحقيقي لا يُترجَم وإن تسنَّى له أكبرُ شاعر في اللغة المترجَم إليها، ويكفي أن نتصور شعر المتنبي العظيم في اللغات الأخرى، وأنا شخصياً حين قرأت المتنبي في الترجمة الفارسية شعرتُ أنني أمام شاعر كغيره من الشعراء لا أمام المتنبي الذي يَفتنك ويُسحرك بشاعريته وبمداعباته اللغوية وصوره الشعرية ومشاكساته النحْوية، وكذلك الأمر حين أقرأ حافظ الشيرازي مترجَماً إلى العربية؛ لا لشيء إلا لأن حافظ الشيرازي بنى لشعره قصراً مُنيفاً من البلاغة والجماليات المقصورة على الاستمتاع بها باللغة الفارسية فقط، فإذا ما تُرجِم إلى اللغات الأخرى، ومنها اللغة العربية، ذَوَتْ وذابت هذه الجماليات، فلا تكاد تَكون إلا أمام شاعر كغيره من الشعراء، والحال أنّه لا المتنبي ولا حافظ الشيرازي كغيرهما من الشعراء الأفذاذ في الساحة الشعرية العالمية.
_ما سبب اختيارك لدراسة الأدب المقارن العربي - الفارسي، ما الذي جذبك للأدب الفارسي؟
بدأتْ رحلتي من زمنٍ كنتُ أقرأ فيه رباعيات عمر الخيام في ترجماتها العربية، فنزلتْ مني منزلة رائعة، لما تَحتوي عليه من أفكار كونية سؤالية في المقام الأول، ناهيكم عن أنني أحبُّ التنوع في قراءة الأدب؛ ففضلاً عن لغتَـيَّ الأم الكردية والعربية، وعلاوةً على دراستي اللغة العربية وآدابها، أحببتُ أن أقرأ الأدب باللغة الفارسية أيضاً، ولذلك توجّهت إلى دراسة الأدب الفارسي، واكتشفتُ أنّ فيه كنوزاً أدبية كثيرة، بل اكتشفتُ أنّ عمر الخيام لا يكاد يُشكِّل شيئاً من الناحية الشعرية أمام حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي ومولانا جلال الدين الرومي على سبيل التمثيل لا الحصر.
_ما أهم ما يميز الأدب الفارسي من خلال اطلاعك عليه ودراستك له؟ وأقصد ما يميزه عن الآداب الأخرى؟
سؤال في غاية الجمال، ذلك أنّ لكلِّ أدبٍ ما يُميِّزه عن غيره من الآداب، ولعلَّ ما يُميِّز الأدب الفارسي، القديم على وجه التحديد، هو منادمتُه التصوّفَ على طريقته الخاصة به، ومثالاً على ذلك أودُّ أن أقول إن مولانا جلال الدين الرومي يُقدِّم التصوّف على طبقٍ شعريٍّ سهلٍ يَفهمه المتقنُ للفارسية بيُسر وسهولةٍ إلى حدٍّ كبير، ويَكفي أن نقارن شعره بطريقة محيي الدين بن عربي الوعِرة الـمَسالك في تقديم تصوّفه حتى ندرك الفارق، وحتى نَعرف ما يُميِّز الأولَ عن الثاني.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة سوريا طهران القصة القصیرة على مستوى الذی ی
إقرأ أيضاً:
الأدب يهزم القُبح.. ويبقى ذاكرة للحروب (2)
الصادق أحمد عبيدة / باريس
———————————-
تحت هذا العنوان تناولتُ في الأيام الماضية فوز الكاتب كمال داؤود بجائزة (الغونكور) الأدبية الفرنسية كأول كاتب جزائري يفوز بها، عن روايته "الحوريات" التي إستدعى فيها فظائع الحرب الأهلية في الجزائر.
هيمنت ثيمة الحروب وقبحها على المشهد الأدبي كأروع ما كُتِب هذا العام! ووصلت رواية "جَاكَراندا" Jacaranda للكاتب الرواندي الفرنسي Gaël FAYE غاييل فآي إلى القائمة القصيرة (للغونكور) منافِسةً "لحوريات" داؤود. ثم تُوِّجت بعد ذلك رواية "جاكَراندا" بجائزة (رونودو) Renaudot التي لا تقل ألَقاً ولا بريقاً من سابقتها. وقد إستدعى فيها الكاتب واحدةً من أقبح حروب القرن.. وهي مذبحة التوتسي في رواندا في 1994.
• فاي :
ولد غاييل فاي عام 1982 في بوجومبورا عاصمة بورندي حيث نزحت والدته من رواندا عقب حملة التطهير العرقي الأولى ضد قبيلتها التوتسي، ووالده فرنسي الجنسية.
عندما إندلعت الحرب الأهلية في بورندي في عام 1993، وتصاعدت وتيرة المذابح ضد قبيلة التوتسي في رواندا عام 1994، كان الصبي غايبل آنئذٍ في الثالثة عشر من عمره. فتم تسجيل إسمه في قائمة الفرنسيين المرشحين إلى الإجلاء إلى فرنسا فراراً من الحرب. وصل الصبي إلى فرنسا ومعه أخته الصغيرة ، وتم إيداعهما، بواسطة مؤسسة رعاية الطفولة، في كَنف أسرةٍ حاضنة إلى أن التأم شملهما مع والدتهما التي إستقرت بهما في ضاحية فيرساي Versailles، حيث عاش الجزء الثاني من شبابه ، ودرس المرحلة الثانوية. ساعدته موهبته وإهتمامه بالموسيقى على تخطي آلام الغربة وفَقْد الأحبة ومرتع الصِبا.
واصل تعليمه العالي حتى نال درجة الماجستير في دراسات التأمين في المدرسة الوطنية للتأمينات. وعمل بعد ذلك في كبرى الشركات في لندن، ثم إستقال من منصبه ليتفرغ للكتابة والتأليف الموسيقي.
أصدر في العام 2016، روايته الأولى Petit Pays "بلدٌ صغير" إستدعى فيها أحداث الحرب الأهلية في رواندا، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي صدر في 2020 بنفس الإسم، و قد ساهم هو في كتابة سيناريو الفيلم..يمكن مشاهدة الفيلم الآن عبر منصة النيتفيليكس.
• جاكَراندا :
تتناول الرواية، الصادرة عن دار "غراسيه"، قصة حياة الصبي "ميلان" وهو فرنسي من جهة الأب، رواندي من جهة الأم، نشأ في مدينة فيرساي ، يكتشف عبر التلفزيون مأساة التطهير العرقي في رواندا عام 1994، وتهيمن على عقله قصص ذلك البلد الصغير، وتلِحُ عليه
الأسئلة، ويقرر البحث عن حقيقة ماجرى لأسرة والدته هناك..لكن أمه التي تنتمي إلى قبيلة التوتسي ، كانت تتهرب طوال سنوات من الإجابة على هذا السؤال إذ أنها دفنت تلك الأحداث في أعماقٍ سحيقةٍ من سراديبِ الذاكرة ، و كغيرها من ضحايا الحروب، ضربت علي نفسها جداراً سميكاً من الصمت .
وخلال 25 عام قام ميلان بالبحث عن ما جرى ، وذلك من خلال رحلاته المتعددة إلى رواندا وإستنطاقه للشجر، والحجر، والطير، حتى الأموات وما تبقى من الأحياء المكفنين بالصمت..
أراد الكاتب من خلال رواية الجاكراندا أن يحكي لهذا الجيل قصة هذا (البلد الصغير) الذي عاش أسوأ الظروف ، وأبشع الفظائع، ومع ذلك استطاع أن يحقق التصالح والوحدة، وينهض من رماده، ويتكاتف أبناؤه ليصبح بعد ثلاثين عاماً بالتمام والكمال (1994-2024) واحداً من أكثر الدول الحديثة إزدهاراً وتقدماً..
إذن هي قصة نهضة رواندا وإزدهارها خلال ربع القرن الذي مضى حيث بلغت نسبة النمو فيها أكثر من 7 في المائة .
وقد فسر الكاتب إختياره لإسم شجرة (جاكراندا) عنوانا لروايته، بأنها الكلمة الفرنسية المحببة لنفسه، ولأنها الشجرة التي تحمل كثيراً من الأسرار وترمز إلى رواندا التي تحمل سر البقاء ، حيث تمر السنوات ولكنها تبقى شاهدة على كل ما مرت به من أحداث .
- الحروب :
وهكذا، مرة أخرى ، في عالم اليوم الذي انطمست فيه الحدود الفاصلة ما بين الحروب الإفتراضية عبر لعبة البليستيشن، والدمار الحقيقي الذي نعيشه أصبح التعايش مع القبح روتيناً يومياً أو كاد.. وهنا تأتي عبقرية الأدب الذي يقبض على هذه اللحظات الهاربة مع الزمن ليبقيها ذاكرةً "إبداعية" للأجيال.
elsadiq007@gmail.com